341517

معالم شخصية الإمام الكاظم (ع)

2023-12-13

180 بازدید

يتطرق الكاتب إلى معالم شخصية الإمام الكاظم (ع) فيقول:

قد توفرت في شخصية الإمام الكاظم (ع) الكريمة جميع عناصر الفضيلة ومقومات الحكمة والآداب ، والتي منها :

أ – مواهبه العلمية :

والشئ الذي لا شك فيه أن الإمام موسى ( عليه السلام ) كان أعلم أهل عصره ، وأدراهم بجميع العلوم ، أما علم الفقه والحديث فكان من أساطينه ، وقد احتف به العلماء والرواة وهم يسجلون ما يفتي به ، وما يقوله من روائع الحكم والآداب وقد شهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) عملاق هذه الأمة ورائد نهضتها الفكرية ، بوفرة علم ولده ، فقد قال العيسى :

” إن ابني هذا – وأشار إلى الإمام موسى – لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم . . ” ( 1 ).

وقال في فضله :” وعنده علم الحكمة والفهم والسخاء ، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم . . ” .

وقد روى العلماء عنه جميع أنواع العلوم مما ملأوا به الكتب ، وقد عرف بين الرواة بالعالم .

وقال الشيخ المفيد :” وقد روى الناس عن أبي الحسن فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه ” ( 2  ).

لقد قام الإمام موسى ( عليه السلام ) بتطوير الحياة العلمية ، ونموها ، وكان من ألمع أئمة المسلمين في نشره للثقافة الاسلامية .

ب – عبادته وتقواه :

واجمع الرواة على أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كان من أعظم الناس طاعة لله ، ومن أكثرهم عبادة له ، وكانت له ثفنات كثفنات البعير من كثرة السجود لله ، كما كانت لجده الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) حتى لقب بذي الثفنات ، وكان من مظاهر عبادته انه إذا وقف مصليا بين يدي الخالق العظيم ارسل ما في عينيه من دموع وخفق قلبه ، وكذلك إذا ناجى ربه أو دعاه ( 3 ) ويقول الرواة :

إنه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخر لله ساجدا ، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتى يقرب زوال الشمس ( 4 ).

وكان من مظاهر طاعته انه دخل مسجد جده رسول الله ( ص ) في أول الليل فسجد سجدة واحدة ، وهو يقول بنيرات تقطر خوفا من الله :” عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ، ويا أهل المغفرة . . ”

وجعل يردد هذا الدعاء بإنابة واخلاص وبكاء حتى أصبح الصبح ( 5 ).

وحينما أودعه الطاغية الظالم هارون الرشيد العباسي في ظلمات السجون تفرغ للعبادة ، وشكر الله على ذلك قائلا :” اللهم إني طالما كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، وقد استجبت لي فلك الحمد على ذلك ” ( 6 ).

وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن فيبصر ثوبا مطروحا في مكان خاص لم يتغير عن موضعه ، وعجب من ذلك ، وراح يقول للربيع :” ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ ”

فأجابه الربيع قائلا :” يا أمير المؤمنين ، ما ذاك بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال . . ”

وبهر الطاغية ، وقال: ” أما ان هذا من رهبان بني هاشم . . ”

وسارع الربيع طالبا منه أن يطلق سراح الامام ولا يضيق عليه في سجنه قائلا :

” يا أمير المؤمنين ، مالك قد ضيقت عليه في الحبس ؟ ”

وسارع هارون قائلا : ” هيهات : لا بد من ذلك . . . ” ( 7 ).

وقد عرضنا بصورة شاملة إلى عبادته ، وطاعته لله ، وما صدر عنه من صنوف العبادة التي تدل على أنه كان إمام المتقين وسيد العابدين والموحدين في عصره .

3ـ زهده :

وزهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) في الدنيا ، وأعرض عن مباهجها ، وزينتها وآثر طاعة الله تعالى على كل شئ ، وكان بيته خاليا من جميع أمتعة الحياة وقد تحدث عنه إبراهيم بن عبد الحميد فقال : دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه ، فإذا ليس فيه شئ سوى خصفة ، وسيف معلق ، ومصحف ( 8 ) .

وكان كثيرا ما يتلو على أصحابه سيرة الصحابي الثائر العظيم أبي ذر الغفاري الذي طلق الدنيا ، ولم يحفل بأي شئ من زينتها قائلا :

” رحم الله أبا ذر ، فلقد كان يقول : جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير : أتغذى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف ائتزر بأحدهما وأتردى بالأخرى ” ( 9 ).

لقد وضع الإمام موسى ( عليه السلام ) نصب عينيه سيرة العظماء الخالدين من صحابة جده سيد المرسلين يشيد بسيرتهم ، ويتلو مآثرهم على أصحابه وتلاميذه لتكون لهم قدوة حسنة في حياتهم .

4 ـ  حلمه :

أما الحلم فهو من أبرز صفات سيدنا الكاظم ( عليه السلام ) ، فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ ، ويقول الرواة : انه كان يعفو عمن أساء إليه ، ويصفح عمن اعتدى عليه ، وذكر الرواة بوادر كثيرة من حلمه كان منها :

1ـ ان شخصين من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسئ للإمام موسى ويسب جده الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأراد بعض شيعة الامام اغتياله فنهاهم عن ذلك ، ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه ، فقيل له : إن له ضيعة في بعض نواحي يثرب وهو يزرع فيها فركب الامام بغلته ، ومضى متنكرا إليه ، فأقبل نحوه فصاح به العمري لا تطأ زرعنا فلم يحفل به الامام إذ لم يجد طريقا يسلكه غير ذلك ، ولما انتهى إليه قابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا له :

” كم غرمت في زرعك هذا ! . . ”

” مائة دينار . . ” .

” كم ترجو ان تصيب منه ؟ ”

” أنا لا أعلم الغيب . . ” .

” انما قلت : لك كم ترجو أن يجيئك منه ! ”

” أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار ” .

فأعطاه سليل النبوة ثلاث مائة دينار ، وقال : هذه لك وزرعك على حاله ، فانقلب العمري رأسا على عقب وخجل على ما فرط في حق الامام ، وانصرف الامام عنه وقصد الجامع النبوي ، فوجد العمري قد سبقه فلما رأى الامام قام إليه ، وهو يهتف بين الناس : ” الله اعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء . . ”

وبادر أصحابه منكرين عليه هذا التغيير فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الامام ومآثره ، والتفت الامام إلى أصحابه قائلا : ” أيما كان خيرا ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ” ( 10) لقد عامل الامام مبغضيه ومناوئيه بالاحسان واللطف فاقتلع من نفوسهم النزعات الشريرة ، وغسل أدمغتهم التي كانت مترعة بالجهل والنقص ، وقد وضع امامه قوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ) . .

2 – ومن آيات حلمه أنه اجتاز على جماعة من أعدائه كان فيهم ابن هياج فأمر بعض أتباعه ان يتعلق بلجام بغلة الامام ويدعي أنها له ، ففعل ذلك ، وعرف الامام غايته فنزل عن البغلة وأعطاها له ( 11 ) وقد اعطى الامام بذلك مثلا أعلى للحلم وسعة النفس ، وكان ( عليه السلام ) يوصي أبناءه بالتحلي بهذه الصفة الكريمة فقد قال لهم :

” يا بنى أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها ، إذا أتاكم آت ، فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروها ، ثم تحول إلى اليسرى فاعتذر لكم ، وقال : إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره ” ( 12 ) وبهذه الوصية نقف على مدى حلمه وسعة أخلاقه ، وعدم مقابلة المسئ بالمثل وهذه الظاهرة من أهم الوسائل الداعية إلى التآلف وجمع الكلمة بين الناس.

 جوده :

وكان الإمام موسى ( عليه السلام ) من أندى الناس كفا ، ومن أكثرهم عطاء للبائسين والمحرومين ، ومن الجدير بالذكر انه كان يتطلب الكتمان وعدم ذيوع ما يعطيه مبتغيا بذلك الاجر عند الله تعالى ، ويقول الرواة : انه كان يخرج في غلس الليل البهيم فيوصل البؤساء والضعفاء وهم لا يعلمون من أي جهة تصلهم هذه المبرة ، وكانت صلاته لهم تتراوح ما بين المائتين دينار إلى الأربعمائة دينار ( 13 ) وكان أهله يقولون :

” عجبا لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر ” (14) وقد حفلت كتب التأريخ ببوادر كثيرة من الحاجة والسؤال ويجمع المترجمون له أنه كان يرى أن أحسن صرف للمال هو ما يرد به جوع جائع ، أو يكسو به عاريا ، وقد ذكرنا بوادر وأمثلة كثيرة من جوده في كتابنا حياة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ).

6ـ إغاثته للملهوفين :

من أبرز ذاتيات الإمام موسى ( عليه السلام ) إغاثته للملهوفين وانقاذهم مما ألم بهم من محن الأيام وخطوبها ، وكانت هذه الظاهرة من أحب الأمور إليه ، وقد أفتى شيعته بجواز الدخول في حكومة هارون بشرط الاحسان إلى الناس وقد شاعت عنه هذه الفتوى ” كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان ” .

ويقول الرواة : ان شخصا من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري ، وقد عجز عن تسديدها وخاف من الحكومة ان تصادر أمواله ، وتنزل به العقوبة الصارمة ، فسأل عن الحاكم فأخبروه أنه من شيعة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فسافر إلى يثرب فلما انتهى إليها تشرف بمقابلة الامام وشكا إليه حاله ، وضيق مجاله ، فاستجاب ( عليه السلام ) بالوقت له ، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة :

” اعلم أن لله تحت عرشه ظلالا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا ، أو نفس عنه كربة ، أو ادخل على قلبه سرورا ، وهذا أخوك والسلام . . ” . وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجه صوب وطنه فلما انتهى إليه ، مضى إلى الحاكم ليلا فطرق باب بيته فخرج غلامه فقال له :

” من أنت ؟ ” .

” رسول الصابر موسى بن جعفر . . ” .

فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له فعانقه وقبل ما بين عينيه ، وطفق يسأله بلهفة عن حال الامام وهو يجيبه ، ثم ناوله رسالة الامام ، فأخذها باكبار وقبلها فلما قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة ، وهو يقول له :

” يا أخي هل سررتك ؟ . . . ”

وسارع الرجل قائلا : ” أي والله وزدت على ذلك . . . ”

ثم استدعى الحاكم السجل فشطب على جميع الديون التي على الرجل ، وأعطاه براءة منها ، فخرج وقد غمرته موجات من الفرح والسرور ، ورأى أن يجازي احسانه بإحسان فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له ، ويخبر الامام بما أسداه عليه من المعروف ، ولما أقبل موسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام ، ولما انتهى إليه دعا للرجل باخلاص ، وأخبره بما أسداه حاكم الري من الاحسان إليه فسر الامام بذلك سرورا بالغا ، والتفت إليه الرجل قائلا : ” يا مولاي هل سرك ذلك ؟ ” .

” أي والله لقد سرني ، وسر أمير المؤمنين ، والله لقد سر جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد سر الله تعالى . ” ( 15 ) .

وهذه المبادرة تمثل مدى اهتمامه بإغاثة الملهوفين ، وبها نطوي الحديث عن بعض خصائصه وصفاته .

الهوامش

( 1 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 138 .

( 2 ) الارشاد ( ص 272 ) .

( 3 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 139 .

( 4 ) كشف الغمة .

( 5 ) وفيات الأعيان 4 / 293 كنز اللغة ( ص 766 ) .

( 6 ) وفيات الأعيان 4 / 293 .

( 7 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 142 .

( 8 ) البحار 11 / 265 .

( 9 ) أصول الكافي 2 / 134 .

( 10 ) تأريخ بغداد 13 / 28 – 29 .

( 11 ) البحار 11 / 277 .

( 12 ) الفصول المهمة ( ص 22 ) .

( 13 ) تأريخ بغداد 13 / 28 .

( 14 ) عمدة الطالب ( ص 185 ) .

( 15 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 161 – 162 .

المصدر: حياة الإمام الرضا (ع) / الشيخ باقر شريف القرشي

الخلاصة

يتطرق الكاتب في كتابه إلى معالم شخصية الإمام الكاظم (ع) من مواهبة العلمية وعبادته وزهده وحلمه وجوده واغاثته للملهوفين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *