السؤال:
ورد في زيارة الناحية المقدسة المرويَّة عن الإمام المهدي ( عليه السلام ) :
( فَلمَّا رَأيْنَ النِّساء جَوادَك مَخزيّاً ، ونَظرْن سَرجَك عليه مَلْويّاً ، بَرَزْنَ من الخُدور ، نَاشِرَاتِ الشُّعُور ، على الخدود لاطِمَات .. ) .
فما معنى قوله ( عليه السلام ) : ( نَاشِرَاتِ الشُّعُور ) ؟
الجواب:
يمكن توجيه هذه العبارة بعدَّة توجيهات :
أولها :
أنهن خرجن من خدورِهِنَّ لا إلى المعركة على هذه الحالة ، وإنما بداية خروجهن من الخيمات الخاصة بالنساء إلى فناء المخيم أو الخيمات الأخرى .
إذ أن بعض المصادر التأريخية تذكر بأن الإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم التاسع أمر أن تجعل خيام النساء متوسطة في المُخَيَّم ، بحيث تحيطها باقي الخيمات من الجهات المختلفة .
وهذا هو الأمر الطبيعي الذي يقوم به المؤمنون حتى في الأحوال العادية ، حيث يؤمنون لنسائهم أكبر ما يمكن من حال الستر والحفظ والحماية .
فلمّا جاء جواد الحسين ( عليه السلام ) وعرفن بعظم المصيبة ، قُمْنَ بما تقوم به كل امرأة ثاكل وفاقد ، من البكاء ، ونشر الشعر – أي حَلِّه وتَركِه – ، واللَّطم .
فخرَجْنَ من خيماتِهِن إلى خارجها ، ولكنَّهُنَّ ما زِلْنَ في داخل المُخَيَّم ، ولم يخرجن إلى المصرع بهذه الحالة .
ثانيها :
أنَّ خروجهُنَّ ربما لا يكون على نحو بحيث تظهر شعورهن للأجانب ، خصوصاً مع ملاحظة بعد المسافة بين مخيم الإمام الحسين ( عليه السلام ) وبين موقف الجيش الأموي .
فمن المعروف أن المسافة كانت على الأقل بحيث تبتعد فيها المخيمات عن المرمى المباشر للسهام والنبال .
وإن كانت ربما يصل بعضها بحسب ما ورد في أحداث اليوم العاشر ، أن بعض سهام القوم ونبالهم قد وصلت إلى المخيمات .
وهذه المسافة – باعتبار أن غَلوة السهم قرابة مائتين وخمسين متراً – لا تسمح بالرؤية المباشرة .
والذي يلاحظ – في مدينة كربلاء – التَلَّ الزينبي ، ومحلَّ مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، والمخيم ، وفي الجهة الأخرى محل مصرع أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) قرب شريعة الفرات ، يجد أنَّ المسافة بين المخيم – حيث أن المفروض أنه هو الموقع الحقيقي لخيام الحسين ( عليه السلام ) – وبين مصرع أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) بعيدة ، ولا تسمح للأعداء بالنظر والاطلاع على أحوال النساء ، حتى لو فرضنا خروجهن على باب المخيم .
هذا كله بالنظر إلى نفس العبارة ، وأما لو فرضنا ما نعرفه من التزام نساء أهل البيت ( عليهم السلام ) بالحجاب والعفاف ومحافظتهن عليه ، فإنه يشكل قرينة قطعية على أن المقصود من العبارة لا يراد منها معناها الظاهري جزماً .
وبالطبع هذا يختلف عَمَّا بعد السبي والسلب ، فإنهن في تلك الحال كُنَّ مَسبِيَّات مسلوبات الإرادة ، وليس معهن ما يستَتِرْن به بعد سُلِبَت مِنهُنَّ تلك الأشياء .
وإنما الكلام في ما قبل السَّبي ، حيث أن ظاهر العبارة أنَّهُنَّ فَعلْنَ ذلك بإِرَادَتِهِنَّ ، وتوجيهه هو ما عرفتَ .