ولادته وحياته
ولد الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام في سنة ۲۱۲ هـ، وتوفي سنة ۲۵۴هـ.
وقيل : إن مدة إمامته ثلاث وثلاثين سنة وأشهر، وتولى الإمامة وكان له من العمر ست سنين ونيف، وقال الطبرسي: ثمان سنين.
وكان الإمام الهادي معاصرا للبخاري ومسلم ولأحمد بن حنبل (ت ۲۴۱هـ)، لأن البخاري توفي سنة ۲۵۶، ومسلم توفي سنة ۲۶۱هـ.
وقد أثنى على الإمام الهادي علماء أهل السنة فضلاً عن الشيعة، وأقوالهم مبثوثة في كتبهم.
منها: ما قاله الذهبي في أحداث سنة ۲۵۴ هـ من كتابه العبر في خبر من غبر ۱/۳۶۴، حيث قال: وفيها [توفي] أبو الحسن علي بن الجواد محمد، بن الرضا علي، بن الكاظم موسى، بن الصادق جعفر، العلوي الحسيني المعروف بالهادي، توفي بسامراء وله أربعون سنة، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً، استفتاه المتوكل مرة، ووصله بأربعة آلاف دينار.
وقال أيضاً في كتابه دول الإسلام، ص ۱۳۸: كان مفتياً صالحاً، وصله المتوكل مرة بأربعة آلاف دينار، وعاش أربعين سنة.
وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، ص ۲۳۹: كان وارث أبيه علماً وسخاءً.
وقال ابن العماد الحنبلي: أبو الحسن علي بن الجواد… المعروف بالهادي، كان فقيهاً إماماً متعبداً.
إلا أن بعض علماء أهل السنة وصفوا الإمام الهادي بأنه كان عابداً زاهداً، وأنكروا أن يكون عالما من علماء آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم.
قال ابن تيمية: وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين فهؤلاء لم يظهر عليهم علم تستفيده الأمة، ولا كان لهم يد تستعين به الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين، وأما ما يختص به أهل العلم فهذا لم يعرف عنهم ولهذا لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة ولو وجدوا ما يستفاد لأخذوا ولكن طالب العلم يعرف مقصوده.
وقال ابن كثير: وكان عابداً زاهداً، نقله المتوكل إلى سامرا، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر. (البداية والنهاية ۱۱/۱۷).
ويرد ذلك عدة أمور
أن الإمام الهادي عليه السلام عاش في زمان المتوكل العباسي الذي تولى الخلافة سنة ۲۳۲ إلى سنة ۲۴۷هـ، وكان يتجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، وكان مضيقا عليه من قبل المتوكل وغيره من سلاطين العباسيين، فكيف يتوقع أن يبث الإمام الهادي علمه في الناس؟ ولا سيما أن المتوكل سيس رواية الحديث، ولم يأذن لأحد في التحديث كيف شاء، ولا سيما الإمام الهادي.
قال الذهبي: وفي سنة ۲۳۴ أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات (سير أعلام النبلاء).
أن الإمام الهادي توفي وعمره أربعون سنة تزيد سنة أو سنتان، وبهذا لم تتح له الفرصة لبث علومه في الناس، ولا سيما أنه كان تحت مراقبة العباسيين.
أن قلة نقل الرواية لا تدل على عدم العلم، لأن كثيرا من الصحابة لم ينقل عنهم روايات كثيرة في كتب الحديث، ومع ذلك فإن علماء أهل السنة وصفوهم بالعلم، كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم.
أن الإمام الهادي له روايات كثيرة في كتب الشيعة، بلغت حوالي: ۱۱۳۷ رواية كما في كتاب موسوعة الإمام الهادي في الفرائض والسنن والمواعظ والأخلاق والاحتجاج وغيرها.
أن العامة انصرفوا عن الأخذ عن الإمام الهادي وأخذوا عن أحمد بن حنبل وغيره.
من مرويات الإمام الهادي عليه السلام العقدية صحيحة أحمد بن إسحاق المروية في كتاب الكافي ۱/۹۷ للكليني: قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأله عن الرؤية، وما اختلف فيه الناس، فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان ذلك التشبيه، لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات.
قلت: فإذا كان الله تعالى هو الذي خلق الهواء، فقبل وجود الهواء إذن لم يكن الله مرئيا، ولكنه بعد أن خلق الهواء صار مرئيا.
مروياته الفقهية
ومن مروياته الفقهية صحيحة أبي علي بن راشد التي رواها الشيخ الطوسي في التهذيب ۵/۱۶۲ ، قال : قلت له : جعلت فداك إنه يشتد علي كشف الظلال في الإحرام، لأني محرور يشتد علي حر الشمس، فقال: ظلل وأرق دما، فقلت له: دماً أو دمين؟ قال: للعمرة، قلت: إنا نحرم بالعمرة، وندخل مكة فنحل، ونحرم بالحج، قال: فأرق دمين.
رواياته
ومن جملة ما روي عن الإمام الهادي الزيارة الجامعة: قال المجلسي في بحار الأنوار ۹۹/۱۴۴: إنما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلاً وإن لم أستوف حقها، حذرا من الإطالة؛ لأنها أصح الزيارات سنداً، وأعمها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنى، وأعلاها شأنا.
وقال السيد عبد الله شبر: اعلم أن هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الدين وحملة علوم الأئمة الطاهرين، وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها، وأنوار معانيها، دلائل حق وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربانية، وأرباب الأسرار الفرقانية، المخلوقين من الأنوار الإلهية. (شرح الزيارة الجامعة: ۳۱).
وقد شرحها جملة من علماء الطائفة، ذكر أنها ۸ شروح، وممن شرحها السيد عبد الله شبر، والشيخ محمد تقي المجلسي، والشيخ أحمد الأحسائي وغيرهم.
ومن الغريب أن بعضهم يشكك في صحة هذه الزيارة مع تصحيح أساطين الطائفة لها سندا ومتناً، مضافا إلى أن الزيارات لا ينظر في أسانيدها، حتى لو لم تصح سندا فلا محذور في الزيارة بها، كغيرها من الآداب والسنن.