مناظرة رسول الله (ص) مع اليهود

2018-01-04

380 بازدید

قالت اليهود : نحن نقول عزير ابن الله ، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بالجبت والطاغوت وبكل معبود سواه .

ثم قال لهم : إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا وحجة على العالمين ، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره .

ثم قال لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة ؟ قالوا : لا . قال : فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟ قالوا : لأنه أحيى لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم . ولئن كان عزير بن الله لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أولى وأحق ، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة ، لأنكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمهات الأولاد بوطئ آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، فوجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه .

قالوا : لسنا نعني هذا ، فإن هذا كفر كما دللت لكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره ” يا بني ” و ” أنه ابني ” لا على إثبات ولادته منه لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب له بينه وبينه ، وكذلك لما فعل الله تعالى بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فهذا ما قلته لكم إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة بموسى أولى ، وأن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته ، إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكثر مما ذكرته لكم ، لأنكم قلتم إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه ” يا بني ” و ” هذا ابني ” لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضا هذا العظيم لأجنبي آخر ” هذا أخي ” ولآخر ” هذا شيخي ” و ” أبي ” ولآخر ” هذا سيدي ” و ” يا سيدي ” على سبيل الإكرام ، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد زاده في الإكرام مما لعزير ، كما أن من زاد رجلا في الإكرام فقال له يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الإكرام ، وأن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي أو يا رئيسي أو يا أميري ؟

قال : فبهت القوم وتحيروا وقالوا : يا محمد أجلنا نتفكر فيما قد قلته لنا . فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم الله .

المصدر: الاحتجاج 1/ 16.