السؤال:
هل صحيح أنّ الشيعة يتّهمون عائشة بالزنا والعياذ بالله ؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما دليلكم عليه ؟
الجواب:
إنّ الشيعة تعتقد ـ وهذه كتبهم في متناول الجميع ـ أنّ نساء النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ـ بل نساء الأنبياء قاطبة ـ منزّهات عن الفواحش ، التي تمسّ الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك أنّ نساء النبيّ معصومات عن سائر الأخطاء ، بل جاء في القرآن ما يدلّ على أنّ امرأتين من نساء بعض الأنبياء كان مصيرهما النار ، وهما امرأة نوح وامرأة لوط ( عليهما السلام ) كما في قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (۱) .
وأمّا نساء النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء ـ كما تحدّث القرآن عنهن ـ لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ ، وإنّما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب ، فيضاعف لهن الثواب إذا جئن بالحسنة ، كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة ، قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (۲) .
وذلك لمكان قربهن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجسامة مسؤوليتهنّ عند الله تعالى وعند الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الإفك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (۳) .
وقد ذكرت القصّة مفصّلة في صحيح البخاري وغيره (۴) ، والمراد بالإفك هو الكذب العظيم ، أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) كما سيأتي بيان ذلك .
وجوابنا عن ذلك :
أوّلاً : إنّ هذه القضية وقعت في زمان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وتحدّث عنها القرآن الكريم ، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعدُ ـ كما يدّعي أهل السنّة ـ فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة ؟
ثانياً : إنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضية ، ومنهم حسّان بن ثابت (۵) ، وكان لحسّان في ذلك شعر ، يعرّض فيه بابن المعطّل المتّهم في هذه القضية ، وبمن أسلم من مضر ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف نحكم على أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة ؟ الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس .
ثالثاً : إنّ هذه القضية محلّ خلاف بين المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة ، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ، والترمذي ، والبيهقي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنّة : أنّ المتّهمَة في هذه القضية هي مارية القبطية ـ زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أُمّ إبراهيم ـ لورود روايات عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) في ذلك (۶) ، ولورود روايات ذكرها علماء أهل السنّة في ذلك (۷) .
ورابعاً : إنّ من العجيب حقّاً والملفت للنظر ، أنّ نجد في الروايات السنّية أنّ ممّن اتّهم مارية القبطية عائشة نفسها ، وأنّها قد أصابتها الغيرة الشديدة ، حتّى أن ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : « ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية » (۸) .
وهي التي نفت الشبه بين إبراهيم وبين الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كما ذكر ذلك السيوطي في « الدرّ المنثور » (۹) ، ويقول ابن أبي الحديد عن موقف عائشة حين مات إبراهيم : « ثمّ مات إبراهيم فأبطنت شماتة ، وإن أظهرت كآبة … » (۱۰) .
هذا ما يذكره علماء السنّة حول القضية ، وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضدّ مارية ، فقل بربّك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟
ألا يقتضي التثبّت والتروّي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه ، بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير إيقاع الفتنة بين الناس !
ــــــــــــــ
(۱) التحريم : ۱۰ .
(۲) الأحزاب : ۳۰ ـ ۳۱ .
(۳) النور : ۱۱ .
(۴) أُنظر : صحيح البخاري ۶ / ۵ .
(۵) صحيح البخاري ۳ / ۱۵۵ و ۵ / ۵۶ .
(۶) تفسير القمّي ۲ / ۹۹ .
(۷) صحيح مسلم ۸ / ۱۱۹ ، المستدرك ۴ / ۳۹ ، الإصابة ۵ / ۵۱۷ ، الكامل في التاريخ ۲ / ۳۱۳ ، طبقات ابن سعد ۸ / ۲۱۴ ، المعجم الأوسط ۴ / ۹۰ .
(۸) الطبقات الكبرى ۸ / ۲۱۲ .
(۹) الدرّ المنثور ۶ / ۲۴۰ .
(۱۰) شرح نهج البلاغة ۹ / ۱۹۵ .
إعداد: مركز آل البيت العالمي للمعلومات / قم المقدسة