من أسباب تخلف المسلمين

2015-09-12

82 بازدید

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

هناك سؤال يجول في الأذهان، ويطرح نفسه بقوة ليقول: كيف تقلصت الحضارة الإسلامية العملاقة، وانزوت عن الساحة المعاصرة؟ ثم إنه ما هو العلاج لإرجاعها وإعادتها إلى الحياة؟

عدم الاهتمام بالعلم:

من أهم أسباب تقلص حضارتنا أنّا أصبحنا اليوم بحيث لا نهتم بالعلم والتعمق، والعمل والمثابرة، بينما الأجانب أخذوا يعملون بكلا الشيئين، مضافًا إلى السبب الرئيسي في ذلك وهو: أننا تركنا ما أمرنا به رسول الله (ص) من التمسك به، حيث قال (ص): «إني تارك فيكم الثقلين ـ أو خليفتين ـ: كتاب الله وعترتي أهل بيتي». والحديث متواتر عند الفريقين(۱). فحيث تركنا كتاب الله عزوجل وعترة نبيه (ص) ولم نهتم بالعلم والتعمق فيه، والعمل والمثابرة عليه، خسرنا حضارتنا الإسلامية. ولنمثل ـ توضيحًا للمطلب ـ بمسألة اعتقادية هي: «عصمة الأنبياء» عند الشيعة وعند العامة، ثم لننظر الفرق بينهما مصدرًا وتحليلاً. يكفينا في هذا المجال مراجعة كتاب «تنزيه الأنبياء» للسيد المرتضى (رحمه الله)، هذا الكتاب القيّم الذي ألّفه أحد من أعلام الشيعة في القرن الرابع الهجري، يعني قبل ما يقارب من ألف سنة، ألا وهو السيد المرتضى (قدس سره) فإنه كتاب صغير الحجم، لكنه كبير في المعنى والمحتوى، حيث إنه ذكر فيه ما يثبت به عصمة الأنبياء (ع) وطهارتهم من الدنس، ونزاهتهم عن الخطأ والاشتباه، والسهو والنسيان، والزلل والعصيان.

قصص العلماء وعصمتهم:

هذا هو واحد مما جاء في كتبنا المعتبرة، ومصنفات علمائنا المعتمدة، بالنسبة إلى عصمة الأنبياء (ع)، بينما نرى القصص المشتهرة لدى بعض الناس عن بعض الأنبياء خلاف ذلك إذ فيها ما لا يليق بشأنهم فكيف بمقام عصمتهم وطهارتهم؟ وما ذلك إلا لما تسرب من بعض كتب العامة إلى أوساط الناس، وانتشر من مصادرهم فيما بينهم. ومن المعلوم أن العامة حيث إنهم لم يأخذوا معارفهم من أئمة أهل البيت: ذرية رسول الله (ص) وقرباه، الذين نزل القرآن وقصصه في بيوتهم «وأهل البيت أعرف بما في البيت» وقعوا في مأزق من المعارف الصحيحة، ومنأى عن المنابع المعتبرة، والمصادر الموثوقة، فاضطروا إلى التشبث بمآخذ مشبوهة، والتمسك بمصادر غير معتبرة، دعيت فيما بعد بالاسرائيليات. وإنما سميت بذلك لأن وهب بن منبه، وكعب الأحبار، ومن أشبههما هم مصدر أكثر القصص الواردة في كتب السنّة بالنسبة إلى قصص الأنبياء (ع)، ثم أبو هريرة ومجاهد والشعبي ومن إليهم هم مصدر ثان لها، مع أنا لو راجعنا تاريخ هؤلاء لرأينا أن بعضهم من النواصب المبغضين للإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع)، حتى أن المؤرخين يذكرون عن أحدهم بأنه كان شديد العداء لعلي وأهل بيته (ع)، علمًا أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) هو من عرّفه القرآن الكريم: بأنه نفس رسول الله (ص) حيث يقول تعالى في آية المباهلة: ﴿أَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُم﴾(۲) وأن أهل بيته هم قربى الرسول الحبيب (ص) الذي جعل القرآن مودتهم أجر رسالته (ص)، وذلك حيث يخاطب الله تعالى رسوله الكريم ويقول له: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إَلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(۳).

التفسير لدى الفريقين:

هذا هو حال بعض من أخذ منهم العامة في مجال قصص القرآن الحكيم بالنسبة إلى الأنبياء (ع)، وكذلك أيضًا حال الذين أخذ منهم العامة في مجال تفسير القرآن العظيم وتبيين معانيه وأحكامه. وعليه: فإذا كان كذلك فلماذا نرى الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في تفسير مجمع البيان ينقل عنهم؟ والجواب: إنّا إذا راجعنا زمانه، والظروف التي كان يعيش فيها، لرأينا أن الظروف كانت تقتضي آنذاك بأن يأتي بكلام الإمام الصادق(ع) وأن يأتي إلى جانبه بكلام أبي هريرة، وأن يأتي بكلام علي أمير المؤمنين (ع) وبكلام عمر وعثمان مثلاً، حتى يستطيع من بيان الحق، ونشر كتابه، وإبلاغ ما وصله من روايات أهل البيت (ع) في التفسير، وفي قصص القرآن، وفي أحكام الله تعالى، إلى الناس وإلى الأجيال من بعده، ثم إنه على الناس والأجيال الذين يأتون من بعده أن يتدبروا ما جاء فيه، ليأخذوا بأحسنه، ويتركوا ما لم يكن حسنًا منه، كما قال تعالى: ﴿فَبَشِّر عَبَادِ الّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ الْقَوْلَ فَيَتبعُوْنَ أَحْسَنَهُ﴾(۴). إذًا فالشيخ الطبرسي (رحمه الله) إنما نقل ما نقل في تفسيره مجمع البيان، من أقوال العامة، ليستطيع عبر تلك الظروف القاسية التي كان التحدث فيها عن أهل البيت (ع) وعما يروونه عن جدهم رسول الله (ص) جرمًا كفارته الهتك والقتل أن يوصل رواياتهم (ع) إلى الناس، موكلاً الاختيار وحسن الانتخاب منها إليهم، وهذا يدل على أن ما جاء في كتابه يوجد فيه الصحيح، لا أن كل ما كتبه فيه صحيح، فإنه لم يلتزم هو به أيضًا. هذا في مجال أصول الدين من قصص القرآن والتفسير.

فروع الدين ومسائله:

وأما في مجال فروع الدين من الصلاة والصيام وغيرهما فكذلك أيضًا، إذ نرى أن الشيخ الطوسي (رحمه الله) المعروف بشيخ الطائفة في كتابه «الخلاف» يقول: هذا رأي جعفر بن محمد (ع)، وهذا رأي أبي حنيفة، وهذا رأي أم سلمة، وهذا رأي عائشة، وهذا رأي الزهري، وهذا رأي الثوري، وهذا رأي الأوزاعي، وهذا رأي أحمد، وهذا رأي مالك، وهذا رأي الفضل بن شاذان، وهذا رأي الصفار، وغيرهم وغيرهم. نعم، هذا هو حال كتاب الخلاف لشيخ الطائفة وكذلك هو حال العلامة (رحمه الله) في كتابه «تذكرة الفقهاء» وكتابه الآخر «مختلف الفقهاء» فإنه قد أتى في كل من كتابيه هذين بمختلف الآراء لكل من العامة والخاصة أيضًا لنفس الغرض. ثم إن من دأب الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في كتابه المذكور «مجمع البيان» ـ على ما عرفت ـ هو أن لا ينتخب النتيجة ولا يتعرض لاختيار الصحيح من الأقوال والآراء عادة، وإنما يقول: هو المروي عن الإمام الباقر والامام الصادق (ع)، أو هو المروي عن الإمام علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين (ع)، بينما قد دأب الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه «الخلاف» وكذلك العلامة الحلي (رحمه الله) في كتابيه «المختلف» و«التذكرة» على انتخاب الصحيح من الأقوال، وإبداء الرأي فيها، فيقولون بعد مخض الآراء: إن هذا رأينا، ودليلنا عليه كذا. وكيف كان: فإننا في الحقيقة إذا اقتنعنا بالسطحيات، واكتفينا بالظواهر والقشور، ولم نتعمق في العلم، ولم نجدّ في العمل، ولم نتقنهما بقوة لم نحصل على دين ولا دنيا، ولا وجّهنا أنفسنا ولا وجّهنا غيرنا، وإنما نكون قد حشونا أذهاننا وأذهان غيرنا بأشياء غير صحيحة، وملأناها بما تتنافى مع حلال الله وحلال أنبيائه، فنكون بالنتيجة قد خسرنا ديننا، وإن خسران الدين وفقده يؤدي قطعًا وجزمًا إلى خسران الدنيا والآخرة معًا، وذلك هو الخسران المبين.

العلم والعمل:

إذن: فلابدّ من الاهتمام بالعلم والتعمق فيه، والجدّ في العمل والمثابرة عليه، رغم احتياج ذلك إلى التعب والنصب، وقد كنا في كربلاء المقدسة نتباحث مع جماعة من الأصدقاء، وبعضهم الآن يتواجد في الكويت وغيرها، كتاب «مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار» للسيد عبد الله الشبر (رحمه الله) وهو كتاب يقع في ثلاث مجلدات يبحث بتعمق ودقة الروايات التي فيها نوع من الغموض والإغلاق، ويستكشف بعض ما يمكن أن يريده المعصومون (ع) منها، وإني أوصي الأصدقاء بمطالعة هذا الكتاب ومباحثته فإن ذلك مفيد جدًا. مثلاً: قد يسمع الإنسان خطيبًا فوق المنبر وهو يقرأ أحاديث «الطينة»، فيفكر أن الطينة هي التي توجّه الإنسان وتقرّر مصيره النهائي دون غيرها، مع أنه إذا كانت الطينة هي التي توجّه الإنسان وتقرّر مصيره فقط فما هو إذن فضل المؤمن؟ وما هو ذنب المجرم؟.

نعم إن لمثل هذه الأحاديث وغيرها مما هي دعامة حضارتنا مقدمات وممهدات، ومداخل ومخارج، ولابد للانسان من التعرف عليها، والتعمق والتوغل فيها، حتى يستطيع أن يعرف ما هي مداخلها وما هي مخارجها؟ وما هي مقدماتها وما هي ممهداتها؟ وما هي النسبة بينها وبين سائر الروايات؟

_______________________

۱ـ معاني الأخبار: ص۹۳٫ كمال الدين: ص۲۴۷٫

۲ـ سورة آل عمران: ۶۱٫

۳ـ سورة الشورى: ۲۳٫

۴ـ سورة الزمر: ۱۷- ۱۸٫

الكاتب: السيد محمد الحسيني الشيرازي