- عن عبدالله بن محمّد المروزيّ، عن عمارة بن زيد، عن عبدالله بن العلا، عن جعفر الصادق عليه السّلام قال:
كنتُ مع أبي وبيننا قوم من الأنصار، إذ أتاه آتٍ فقال له:
ـ إلْحَقْ؛ فقد احترقتْ دارك!
فقال: يا بُنيّ ما احترقت.
فذهب ثمّ لم يلبث أن عاد فقال: قد ـ واللهِ ـ احترقت دارُك!
فقال: يا بُنيَّ ـ واللهِ ـ ما احترقت.
فذهب.. ثمّ لم يلبث أن عاد ومعه جماعة من أهلنا وموالينا يبكون ويقولون: قد احترقت دارك. فقال: كلاّ ـ واللهِ ـ ما احترقت، ولا كَذِبتُ ولا كُذِبت، وأنا أوثقُ بما في يدي منكم وممّا أبصرَتْ أعينُكم.
وقام أبي وقمتُ معه.. حتّى انتَهَوا إلى منازلنا والنارُ مشتعلة عن أيمان منازلنا وعن شمائلها ومن كلّ جانبٍ منها، ثمّ عدَلَ ( أي الإمام الباقر عليه السّلام ) إلى المسجد فخرّ ساجداً.. وقال في سجوده: وعزّتِك وجلالك، لا رفعتُ رأسي مِن سجودي أو تُطفيها.
قال ( الصادق عليه السّلام ): فوَاللهِ ما رفعَ رأسَه حتّى طُفِئت، واحترق ما حولها، وسَلِمتْ منازلنا.
ثمّ ذكر عليه السّلام أنّ ذلك لدعاءٍ كان قرأه عليه السّلام. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 285:46 ـ 286 / ح 89 عن الكتاب العتيق للغروي. وأورده الشيخ الحرّ العامليّ في كتابه: إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 66:3 / ح 93 قائلاً في مقدّمته: روى بعضُ علمائنا في كتابٍ ألّفه، ووُجد في نسخةٍ عتيقةٍ في خُزانة أمير المؤمنين عليه السّلام بإسنادٍ ذكره عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال:.. ).
- وروى الشيخ الطوسي في أماليه، أنّ رجلاً من أهل الشام ـ وكان مركزه بالمدينة ـ يتردّد على مجلس أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام، يقول له: يا محمّد، ألا ترى أنّي إنما أغشى مجلسك حياءً منّي لك، ولا أقول إنّ أحداً في الأرض أبغض إليّ منكم أهلَ البيت، وأعلمُ أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين ( أي حاكم الشام ) في بغضكم، ولكنْ أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحُسن لفظ، وإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك! وكان أبو جعفر عليه السّلام يقول له خيراً، ويقول: لن تَخفى على الله خافية.
فلم يلبث الشاميّ إلاّ قليلاً حتّى مَرِض واشتدّ وجعه، فلمّا ثقل دعا وليَّه وقال له: إذا أنت مددتَ علَيّ الثوب في النعش، فائتِ محمّدَ بن عليّ ( أي الباقر عليه السّلام ) وسَلْه أن يُصلّيَ علَيّ، وأعلِمْه أنّي أنا الذي أمرتك بذلك.
فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا أنّه قد برد، وسَجَّوه، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليُّه إلى المسجد فلمّا أن صلّى محمّدُ بن عليّ ( الباقر ) عليه السّلام وتورّك، وكان إذا صلّى عقّب في مجلسه، قال له: يا أبا جعفر، إنّ فلاناً الشامي قد هلك، وهو يسألك أن تصلّيَ عليه. فقال أبو جعفر عليه السّلام: كلاّ، إنّ بلاد الشام بلاد صرد ( أي برودة شديدة )، والحجاز بلاد حَرّ ولهبها شديد، فانطلقْ فلا تَعجلنّ على صاحبكم حتّى آتيَكم.
ثمّ قام عليه السّلام من مجلسه فأخذ وضوءً، ثمّ عاد فصلّى ركعتين، ثمّ مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء الله، ثمّ خرّ ساجداً حتّى طلعت الشمس، ثمّ نهض عليه السّلام فانتهى إلى منزل الشاميّ.. فدخل عليه، فدعاه فأجابه، ثمّ أجلسه وأسنده، ثمّ أتى له بسَويقٍ فسقاه وقال لأهله: املأوا جوفه، وبرّدوا صدره بالطعام البارد.
ثمّ انصرف عليه السّلام.. فلم يلبث إلاّ قليلاً حتّى عُوفيَ الشاميّ فأتى أبا جعفر عليه السّلام فقال: أخْلِني ( أي سامحني )، فأخلاه، فقال الشامي: أشهد أنّك حُجّة الله على خَلْقه، وبابُه الذي يُؤتى منه، فمَن أتى من غيرك خاب وخَسِر، وضلّ ضلالاً بعيداً. فقال له أبو جعفر عليه السّلام: ما بدا لك ؟ قال: أشهد أنّي عهدتُ بروحي، وعاينتُ بعيني، فلم يتفاجأني إلاّ ومنادٍ ينادي.. أسمعه بأذُني ينادي وما أنا بالنائم: رُدُّوا عليه روحَه؛ فقد سألَنا ذلك محمّدُ بن عليّ. فقال له أبو جعفر عليه السّلام: أما علمتَ أنّ الله يُحبّ العبدَ ويبغض عملَه، ويبغض العبدَ ويحبّ عمله ؟!
فصار بعد ذلك مِن أصحاب أبي جعفر عليه السّلام. ( أمالي الطوسي 24:2 ـ 25 ـ وعنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 233:46 / ح 1، والعوالم للشيخ عبدالله البحراني 106:19 / ح 1. وروى ذلك باختلاف يسير: ابنُ شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 186:4 مختصراً بإسناده عن محمّد بن سليمان، وابن حمزة في الثاقب في المناقب 369 / ح 2.. وفيه: أنّ الإمام الباقر عليه السّلام قال: إذا غسّلتموه فدَعُوه على السرير ولا تكفّنوه حتّى آتيَكم. ثمّ قام فتطهّر، وصلّى ركعتين ودعا وسجد بعده فأطال السجود.. ثمّ قام فلبس نعليه وتردّى برداء رسول الله صلّى الله عليه وآله ومضى إليه، فلمّا وصل ودخل البيتَ الذي يُغسَّل فيه وهو على سريره وقد فُرِغ من غُسله، ناداه باسمه فقال: يا فلان. فأجابه ولبّاه ورفع رأسه وجلس، فدعا عليه السلام بشربة سويق فسقاه، ثمّ سأله: ما لك ؟ فقال: إنّه قد قُبض روحي بلا شكٍ منّي، وإنّي لمّا قُبِضتُ سمعتُ صوتاً ما سمعتُ قطُّ أطيبَ منه: رُدُّوا إليه روحَه؛ فإنّ محمّد بن عليٍّ قد سأَلَناه ).