موقف الإمام موسى الكاظم (ع) من حكم الرشيد

2017-04-20

660 بازدید

لقد استعرضنا أساليب الرشيد وسياسته الظالمة مع الإمام(عليه السلام)، والآن نريد الحديث عن موقف الإمام(عليه السلام) قبال هذه السياسة.

Contents
الإمام(عليه السلام) وسياسة الرشيدالمشهد الأوّل :المشهد الثاني:المشهد الثالث :المشهد الرابع:الإمام(عليه السلام) والجماعة الصالحةونطالع نشاط الإمام (عليه السلام) في عدة مجالات :المجال السياسي:الخطوة الاولى: تأكيد الانتماء السياسي لخطّ أهل البيت:الخطوة الثانية : التأكيد على مبدأ التقية:الخطوة الثالثة: النفوذ في الجهاز الحاكمـــــــــــــــــــــــــــــــــــ1-الأعراف (7): 146.2- البينة (98): 1.3- ابراهيم (14): 28.4- تفسير العياشي: 2/ 29 الاذيله وعنه في بحار الأنوار: 48/ 138، ح 13 والاختصاص : 256، بحار الأنوار : 48 / 156.5- بحار الأنوار : 48 / 158 عن كتاب الاستدارك.6- تاريخ بغداد : 13 / 31 وعنه في تذكرة الخواص: 313 وفي مناقب آل أبي طالب: 4/ 346 وعنه في بحار الأنوار: 48/ 144.7- كامل الزيارات: 18 ب 3 وعنه في بحار الأنوار: 48/ 136، وفي مناقب آل أبي طالب: 4/ 345.8- رجال النجاشي: 198 برقم 525، وكان من موالي بني أسد بالكوفة. والخبر من أختيار معرفة الرجال: 440 ح 828 .9- الوسائل: 16/ 204 رقم ح 21359 باب 24 كتاب الأمر والنهي.10- اختيار معرفة الرجال: 1/ 465، ح 364.11- اختيار معرفة الرجال: 430 ح 805 و 433 ح 815 و 434، ح 819 و 820 و 437، ح 824، والفهرست لابن النديم : 328.12- رجال النجاشي: 134 برقم 346 وفي الكشي: 390 ح 732 قال: هو عامّي وفي تنقيح المقال : 1 / 355.13- اختيار معرفة الرجال: 411 ح 771 و في النجاشي: 214 برقم 558 من موالي بني العباس، وجامع الرواة : 1 / 487.14- النجاشي : 306 رقم 837 .15- اختيار معرفة الرجال: 564 ح 1065 وفي رجال النجاشي: 330 برقم 893.16- انظر ترجمته في فهرست أعلام الكشي: 26 في أخبار عديدة. وفي النجاشي: 38 برقم 76 وفى منهج المقال : 98.

الإمام(عليه السلام) وسياسة الرشيد

إنّ سيرة الإمام(عليه السلام) ومواقفه من الرشيد لم تكن استسلامية بل كان الإمام(عليه السلام) صلباً في مواقفه يتحدّى بها الرشيد، وان كان في بعضها شيء من المرونة في بعض الأحيان وذلك لمعرفة الإمام(عليه السلام) به وبنواياه فكان يراعي في مواقفه المصالح العليا.

ونختار بعض المشاهد التي تعبّر عن حقيقة موقف الإمام(عليه السلام) من حكومة الرشيد.

المشهد الأوّل :

عن محمد بن طلحة الأنصاري قال: كان مما قال هارون لأبي الحسن(عليه السلام) حين اُدخل عليه: ما هذه الدار؟

فقال(عليه السلام): هذه دار الفاسقين، قال الله تعالى:(سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وان يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتّخذوه سبيلا وان يَروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا)[1] .

فقال له هارون: فدار من هي؟ قال(عليه السلام): هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة.

قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟

فقال: «اُخذت منه عامرة ولا يأخذها الاّ معمورة».

قال: فأين شيعتك ؟ فقرأ أبو الحسن(عليه السلام): (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة)[2].

قال: فقال له : فنحن كفار؟ قال(عليه السلام): لا ، ولكن كما قال الله (الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار)[3].

فغضب عند ذلك وغلظ عليه إذ قد لقيه أبو الحسن(عليه السلام) بمثل هذه المقالة، وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف[4].

المشهد الثاني:

عن الإمام الكاظم(عليه السلام) قال: «قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم؟

قلت: نعم.

قال: انه لكثير.

قال: قلت: إنّ الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير»[5].

المشهد الثالث :

إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر(عليه السلام): «حُدّ فدكاً حتى أردّها إليك، فيأبى حتى ألحّ عليه.

فقال(عليه السلام): لا آخذها إلاّ بحدودها. قال: وما حدودها؟

قال(عليه السلام): ان حددتها لم تردّها. قال: بحق جدّك إلاّ فعلت.

قال(عليه السلام): أمّا الحد الأول فعدن. فتغير وجه الرشيد وقال: ايهاً.

قال(عليه السلام): والحد الثاني سمرقند. فاربدّ وجهه.

قال(عليه السلام): والحدّ الثالث افريقية. فأسودّ وجهه وقال: هيه

قال(عليه السلام): والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيه. قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل الى مجلسي!

قال موسى(عليه السلام): قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله»[6].

المشهد الرابع:

ولمّا دخل هارون الرشيد المدينة توجّه لزيارة النبي(صلى الله عليه وآله) ومعه الناس فتقدم الرشيد الى قبررسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: السلام عليك يا رسول الله ياابن عمّ، مفتخراً بذلك على غيره.

فتقدم أبو الحسن(عليه السلام) فقال «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه» فتغير وجه الرشيد وتبيّن الغيظ فيه»[7].

الإمام(عليه السلام) والجماعة الصالحة

بعد أن عرفنا موقف الإمام موسى (عليه السلام) من الرشيد، بقي أن نعرف نشاطه ولا سيّما فيما يخصّ الجماعة الصالحة حيث كان الإمام (عليه السلام) قد قطع أشواطاً في منهجه التربوي في مراحل سابقة، فلابد أن يواصل بناءه في هذه المرحلة، لتعميق ما أسس له سابقاً، ولتوجيه الطاقات باتجاه الأهداف الكبرى التي كان يسعى لها الأئمة (عليهم السلام) من تأصيل الامتداد الشيعي فيوسط الاُمة، وامتلاكه القدرة على مواجهة التحدّيات والوقوف أمام عمليات الابادة التي بدأ الخلفاء بالتخطيط لها كلما شعروا بتوسيع دائرة أتباع الأئمة (عليهم السلام) وقد لاحظنا هارون يصرّح بأنه لو أعطى الإمام عطاءه اللائق به لم يأمن أن يشهر الإمام ضدّه مائة ألف سيف لازالة ملكه.

ونطالع نشاط الإمام (عليه السلام) في عدة مجالات :

المجال السياسي:

قام الإمام موسى(عليه السلام) بعدة خطوات تربوية مع شيعته في هذا المجال.

الخطوة الاولى: تأكيد الانتماء السياسي لخطّ أهل البيت:

إنّ خطّ أهل البيت (عليهم السلام) ومنهجهم هو خط الرفض للظلم والظالمين، ولقد تشدد(عليه السلام) على محبيه وشيعته وحرّم عليهم الانفتاح أو التعاون مع السلطات العباسية الظالمة، وأخذ يعمّق في نفوسهم النزاهة والدقة في رفض الظلم، ليمتلكوا وعياً سياسياً يحصّنهم من الانجراف مع التيار الحاكم أو الاستجابة لمخططات الاحتواء بشكل وآخر.

إنّ موقفه(عليه السلام) مع صفوان الجمّال يكشف دقّة المنهج التربوي عند الإمام مع شيعته في هذه المرحلة وتصعيد الإمام(عليه السلام) لمستوى المواجهة مع الجهاز الحاكم من جهة وحرصه على تفتيت دعائم الحكم القائم حيث أخذ الرشيد يحصي على أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم أنفاسهم ويخطط لابادتهم.

دخل صفوان بن مهران الأسدي على الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) فقال له: «يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحداً». قال: جعلت فداك، أي شيء هو؟

قال(عليه السلام): اكراؤك جمالك من هذا الرجل ،يعني هارون الرشيد!

قال: والله ماأكريته أشراًولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو ، ولكن لهذا الطريق -يعني طريق مكة- ولا أتولاّه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني.

قال(عليه السلام): يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قال: نعم جعلت فداك.

قال(عليه السلام): أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قال: نعم.

قال(عليه السلام): من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو وارد للنار.

وقام صفوان في الوقت فباع جماله وأعرض عن مهنته فبلغ ذلك هارون فأرسل خلفه، فلما مثل عنده قال له ـ وهو يتميّز من الغيظ ـ : يا صفوان! بلغني أنك بعت جمالك، قال: نعم قال: ولم؟ قال: أنا شيخ كبير ، وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال.

قال: هيهات هيهات !! اني لاعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك موسى بن جعفر.

قال: مالي ولموسى بن جعفر. قال: دع عنك هذا، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك»[8].

الخطوة الثانية : التأكيد على مبدأ التقية:

ومن الخطوات التي خطاها الإمام موسى(عليه السلام) مع شيعته هو التشديد على أهمية الالتزام بالتقية كقيمة تحصينية، تحافظ على الوجود الشيعي وتقيه من الضربات الخارجية.

روى معمّر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن موسى(عليه السلام) عن القيام للولاة، فقال(عليه السلام): قال أبو جعفر(عليه السلام): «التقية ديني ودين آبائي، ولا ايمان لمن لا تقية له»[9].

وحدّث درست بن أبي منصور، قال: كنت عند أبي الحسن موسى(عليه السلام) وعنده الكميت بن زيد، فقال له الإمام(عليه السلام): «أنت الذي تقول:

فالآن صرت الى أمية***والامور الى مصائر

فقال الكميت : قد قلت ذلك ، والله ما رجعت عن ايماني، واني لكم لموال ولعدوكم لقال، ولكن قد قلته على التقية فقال(عليه السلام): «انّ التقية لتجوز على شرب الخمر»[10].

الخطوة الثالثة: النفوذ في الجهاز الحاكم

ونشط الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) عن طريق أصحابه، بالنفوذ والاندساس في مواقع السلطة، فقد تصدّر أصحاب الإمام(عليه السلام) مواقع سياسية مهمّة في الحكومة العبّاسية ، وكان الإمام(عليه السلام) يُثني ويثمن عمل هؤلاء ، لكن كان يشترط التعاون وقضاء حوائج المؤمنين والاّ فانه ينتفي غرض المهمة.

واليك قائمة باسماء أصحاب الإمام(عليه السلام) الذين شغلوا مواقع مهمّة في السلطة العبّاسية، وكانوا من أعاظم العلماء وأجلاّئهم منهم:

1- علي بن يقطين: نشأ يقطين بالكوفة وكان يبيع الابزار وكان يقول بالإمامة، وقد اتّصل بأبي العباس السفاح والمنصور والمهدي، ولمّا انتقل يقطين الى دار الحق قام ولده علي مقامه فاتّصل اتصالا وثيقاً بالعبّاسيين، وتولّى المناصب المهمّة في الدولة وكان عوناً للمؤمنين، وقام بتزويج عدد منهم وكان يعيل قسماً كبيراً منهم.

فقد حدّث سليمان كاتبه فقال: أحصيت لعلي من يحجّ عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلا أقلّ من أعطاه منهم سبعمائة درهم وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم وزوّج ثلاثة أو أربعة من أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام) وانفق أموالا ضخمة فيوجوه البرّ والإحسان . وتقلّد أعلى منصب في أيام المهدي ومن بعده عيّنه هارون وزيراً له[11] وكان على اتّصال سرّي ودائم مع الإمام(عليه السلام).

2- حفص بن غياث الكوفي ، ولي القضاء ببغداد الشرقية من قبل هارون ثم تولّى قضاء الكوفة وتوفي سنة (194 هـ)[12].

3- عبد الله بن سنان بن طريف، كان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد[13].

4- الفضل بن سليمان الكاتب البغدادي، كان يكتب للمنصور والمهدي [14].

5- محمد بن اسماعيل بن بزيع من صلحاء الطائفة ومن عيونها وأحد رواة حديث الإمام موسى (عليه السلام) كان، مولى للمنصور وأحد وزراء الدولة العبّاسية[15].

6- الحسن بن راشد مولى بني العبّاس: كان وزيراً للمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد [16].

لقد كان هؤلاء بعض أصحاب الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) ورواة حديثه.

ومن هنا نستطيع أن نقدّر مدى حنكة الإمام(عليه السلام) وتخطيطه للمحافظة على المواقع المهمة لأبناء الجماعة الصالحة في جهاز السلطة من اقرار فضلاء صحابته على قبولهم ولاية الحاكم الجائر فإنّهم أعلم بهذا الخط وشؤونه من عامة المؤمنين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الأعراف (7): 146.

2- البينة (98): 1.

3- ابراهيم (14): 28.

4- تفسير العياشي: 2/ 29 الاذيله وعنه في بحار الأنوار: 48/ 138، ح 13 والاختصاص : 256، بحار الأنوار : 48 / 156.

5- بحار الأنوار : 48 / 158 عن كتاب الاستدارك.

6- تاريخ بغداد : 13 / 31 وعنه في تذكرة الخواص: 313 وفي مناقب آل أبي طالب: 4/ 346 وعنه في بحار الأنوار: 48/ 144.

7- كامل الزيارات: 18 ب 3 وعنه في بحار الأنوار: 48/ 136، وفي مناقب آل أبي طالب: 4/ 345.

8- رجال النجاشي: 198 برقم 525، وكان من موالي بني أسد بالكوفة. والخبر من أختيار معرفة الرجال: 440 ح 828 .

9- الوسائل: 16/ 204 رقم ح 21359 باب 24 كتاب الأمر والنهي.

10- اختيار معرفة الرجال: 1/ 465، ح 364.

11- اختيار معرفة الرجال: 430 ح 805 و 433 ح 815 و 434، ح 819 و 820 و 437، ح 824، والفهرست لابن النديم : 328.

12- رجال النجاشي: 134 برقم 346 وفي الكشي: 390 ح 732 قال: هو عامّي وفي تنقيح المقال : 1 / 355.

13- اختيار معرفة الرجال: 411 ح 771 و في النجاشي: 214 برقم 558 من موالي بني العباس، وجامع الرواة : 1 / 487.

14- النجاشي : 306 رقم 837 .

15- اختيار معرفة الرجال: 564 ح 1065 وفي رجال النجاشي: 330 برقم 893.

16- انظر ترجمته في فهرست أعلام الكشي: 26 في أخبار عديدة. وفي النجاشي: 38 برقم 76 وفى منهج المقال : 98.

المصدر: كتاب أعلام الهداية / الشيخ مكارم الشيرازي