- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 3 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
من الأبحاث المتقدّمة عن حقيقة العرفان ومعناه وأصوله تتبيّن لنا أنّه ينقسم إلى قسمين :
أوّلاً : العرفان النظري .
ثانياً : العرفان العملي .
فما هو المراد من هذين القسمين ؟
أوّلاً : العرفان النظري : وهو فرع من فروع المعرفة الإنسانيّة التي تحاول أن تعطي تفسيراً كاملاً عن الوجود ونظامه وتجلّياته ومراتبه . بعبارة أخرى : العرفان النظري هو بصدد إعطاء رؤية كونيّة عن المحاور الأساسيّة في عالم الوجود . وهي « الله » و « الإنسان » و « العالم » .
ولكن هذه الرؤية يستند العارف في تأسيسها على المكاشفة والشهود ، ومن هنا فإنّ العرفان النظري هو علم له موضوع ومبادئ ومسائل ، كأيّ لون من ألوان المعرفة الأخرى .
والكلام في هذا القسم من العرفان يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في الطريق الموصل لمعرفة حقائق الوجود على ما هي عليه وخصوصاً المعارف المرتبطة بالتوحيد ، فالمشرب العرفاني يعتقد أنّه لا طريق لتلك المعرفة إلاّ من خلال تصفية القلب وتزكيته بواسطة الرياضات المعنويّة التي أقرّها الشارع المقدّس .
يقول السيّد حيدر الآملي : « اعلم أنّ العلوم كلّها تنقسم إلى قسمين : رسميّ اكتسابيّ ، وإرثيّ إلهيّ ، فالعلم الرسمي الاكتسابي يكون بالتعليم الإنساني على التدريج ، مع نصَب قويّ وتعب شديد في مدّة طويلة ، والعلم الإرثي الإلهي يكون تحصيله بالتعليم الربّاني بالتدريج وغير التدريج مع رَوح وراحة – في مدّة يسيرة – وكلّ واحد منهما يحصل بدون الآخر ، ولكنّ الثاني – أي العلم الإرثي – يفيد بدون الأوّل ، والعلم الأوّل لا يفيد بدون العلم الثاني ، كعلوم الأنبياء والأولياء ، فإنّها تفيد بدون العلم الظاهر ، بخلاف العلم الظاهر فإنّه لا يفيد بدونه .
وإليهما أشار النبيّ صلّى الله عليه وآله بقوله : « العلم علمان ; علم اللسان فذلك حجّة الله على ابن آدم ، وعلم في القلب ، وذلك هو العلم النافع » ( 1 ) .
وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : « العلم علمان مطبوع ومسموع ، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع » ( 2 ).
والقسمان بأسرهما يمكن تحصيلهما والجمع بينهما ، كما كانا حاصلين للكثير من الأنبياء والأولياء والكمّل – ومع تقديرهما – الأصلح والأنفع منهما لا يكون إلاّ العلم الثاني أي الذي في القلب ، لأنّ العلم الأوّل ليس له نفع ومع أنّه كذلك المضرّة منه متوقّعة ، بل هي واقعة وحاصلة ، وأقلّها الحرمان من حصول المعارف الحقيقيّة والعلوم الإرثيّة التي هي سبب المنفعة دنياً وآخرة .
بيان ذلك : أنّ النفع من العلوم – في هذا المكان – هو تحصيل معرفة الله على سبيل اليقين ، ومعرفة الأشياء على ما هي عليه ، التي هي أيضاً من معرفة الله تعالى ، لأنّ من عرف الأشياء على ما هي عليه عرف الله تعالى ، على ما هو عليه ، ومن عرف الله على ما هو عليه عرف الأشياء على ما هي عليه ; لاستحالة انفكاك كلّ واحد منهما عن الآخر ، وكلاهما مستحيل الحصول من العلوم الرسميّة .
أمّا الأوّل – أي معرفة الله – : فلأنّهم أقرّوا بعجزهم عن معرفة ذات الحقّ ووجوده ، وقالوا : نحن ما نعرف منه إلاّ أسماءه وصفاته وأفعاله ، والحال أنّ الذي قالوه في هذه المعارف أيضاً – عند التحقيق – لا يشهد إلاّ بجهلهم .
وأمّا الثاني – أي معرفة النفس – : فلأنّهم عجزوا عن معرفة أنفسهم التي هي أقرب الأشياء إليهم فضلاً عن غيرها » ( 3 ).
« وأمّا كيفيّة تحصيل العلوم الحقيقيّة – أي الإرثي الإلهي – فهو في غاية السهولة ، لأنّها موقوفة على فراغ القلب وصفاء الباطن ، وهذا يمكن بساعة واحدة وبيوم واحد وبليلة واحدة ! هذا إذا كان القائل بها قائلاً بالكسب ، وأمّا إذا لم يكن قائلاً به ، بل يكون قائلاً بأنّها هبة إلهيّة وعطيّة ربّانيّة ، فيمكن حصولها بأقلّ من ذلك » ( 4 ).
وقال الشيخ الأكبر محي الدِّين بن عربي في بعض رسائله : « فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه من الفكر – إذا أراد معرفة الله تعالى من حيث المشاهدة – ومن المُحال على العارف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن ويستريح ، ولا سيّما في معرفة الله تعالى .
ومن المحال أن يعرف ماهيّته بطريق النظر ، فما لك يا أخي ! تبقى في هذه الورطة ولا تدخل طريق الرياضات والمجاهدات والخلوات التي شرّعها رسول الله صلّى الله عليه وآله فتنال ما نال من قال فيه سبحانه وتعالى :
* (عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ) * ( 5 ) .
ومثلك من يتعرّض لهذه الخطّة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة » ( 6 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المجلسي ، محمّد باقر ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1403 ه – : ج 2 ، ص 33 ، باب 1 ، ح 26 .
(2) بحار الأنوار ، مصدر سابق : ج 1 ، ص 218 ، باب 1 ، ح 44 .
(3) الآملي ، حيدر بن علي بن حيدر ، جامع الأسرار ومنبع الأنوار مع رسالة نقد النقود في معرفة الوجود ، تحقيق : هنري كوربان وعثمان يحيى ، الترجمة الفارسيّة : السيّد جواد الطباطبائي ، طهران ، المركز الفرنسي للدراسات الإيرانيّة ، شركة المنشورات العلميّة والثقافيّة ، 2002 م : ص 472 .
(4) المصدر نفسه : ص 534 .
(5) الكهف : 65 .
(6) جامع الأسرار ، مصدر سابق : ص 491 .
المصدر: العرفان الشيعي