- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 18 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
ahmadnaji12@gmail.com
12 جمادى الاولى 1429
تاريخ دخول التشيع: منذ الفتوحات الإسلاميّة
عدد الشيعة: لا اعلم
اماكن تواجدهم: مناطق و مدن مختلفة مثل غرناطة و برشلونة
طلباتهم و احتياجاتهم: أتمنّى إرسال الدعاة و المبلّغين إلى هناك لنشر الإسلام
الموضوع: كتاب: الإسلام في اسبانيا
معلومات عامة:
الكتاب: الإسلام في اسبانيا
المؤلف: د. محمد صادق الكرباسي
تمثل الأندلس إسبانيا الحالية لوحة من الفن التشكيلي تناوبت عليه أنامل الحكومات والدول التي قامت ثم اندثرت، ولكل دولة لمسة في مساحة اللوحة، التي بدأت تتشكل خطوطها منذ العام 92 هـ (711م) في معركة وادي لكه عندما بعث والي المغرب موسى بن نصير (ت 97 هـ) القائد العسكري طارق بن زياد (ت 102 هـ) بناءاً على طلب من سكان إسبانيا طالبين النجدة والحماية، لكن الصورة التشكيلية الجميلة بدأت تفقد خطوطها وألوانها ومعالم تفاصيلها بسبب الحروب الداخلية وكثرة الثورات والانقلابات وحكم الإمارات التي بلغت نحو 40 إمارة، ثم بهتت الصورة كاملة في العام 898 هـ (1491 م) بسقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس.
وعملت السياسة الصليبية على دعك الصورة وأشخاصها بنصب محاكم التفتيش وإرجاع الناس عن دينهم وتخييرهم بين النصرانية أو الموت، حتى كاد الإسلام ان يصبح في خبر كان، ولم يعد الإسلام كامنا إلا عند عدد قليل من الأندلسيين الذين حافظوا سراً على ما في الصدور لئلا تحصّله مقاصل محاكم التفتيش.
بيد ان ألوان الصورة على ضعفها وتشويه خطوطها، راحت تستبين من جديدة بعودة تئدة للإسلام بفعل هجرات العرب والمسلمين إليها بخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، وتبصّر عدد من الإسبان بالدين الإسلامي الحنيف، وما رافق ذلك من تحولات على مستوى حقوق الإنسان في العالم الغربي القائم على نظام الديمقراطية والنظام السياسي العلماني الذي عدل عن محاكم التفتيش الى ترك الناس وما يشاؤون من العبادة، على ان العلمانية تختلف مستويات تطبيقها بين بلد أوروبي وآخر، لان الديمقراطية الغربية حتى يومنا آخر تظهر تخوفا غير مبرر من الإسلام الحنيف ساهم بعض جهّال المسلمين وأنصاف المتفيقهين في تعزيزه حكوميا ومجتمعيا.
اللوحة الزيتية لقصة الإسلام في الأندلس وما صاحب ذلك من قيام حكومات على المذاهب السنية والشيعية أو حكومات \”أموية\” و\”علوية\” يلتقطها يراع المحقق الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي في كتاب \”الإسلام في إسبانيا\”، ومن إعداد الفنان التشكيلي العراقي المقيم في مدريد، الدكتور كاظم شمهود طاهر، صدر عن بيت العلم للنابهين ببيروت في 62 صفحة من القطع الصغير، وهذا الكتاب باكورة سلسلة كتب تصدر حسب الدول التي يتوطن فيها الإسلام أو رحل إليها وفق الحروف الهجائية، وهذه السلسلة مستلة من مجلدات \”معجم المشاريع الحسينية من دائرة المعارف الحسينية\”، حيث يحقق الشيخ الكرباسي في المشاريع والمنشئات والفعاليات الحسينية المنتشرة عبر العالم، مما يفضي به البحث الأكاديمي والعلمي الى بيان تاريخ الإسلام في هذه الدولة أو تلك وبيان معالم الحكومات التي توالت عليها وما تركتها من مشاريع مدنية وحضارية وبخاصة ما يتعلق بالنهضة الحسينية، لكون الكاتب أوقف قلمه في بيان معالم نهضة الإمام الحسين (ع) من قريب أو من بعيد.
الطريق الى الأندلس:
ربما يظن البعض جهلا أو تجهيلا ان القائد الأموي عبد الرحمن بن معاوية الأموي (ت 172 هـ) الشهير بالداخل، هو من فتح الأندلس من أيدي النصارى، وبه يبدأ عصر الإسلام في الأندلس بتأسيس الدولة الأموية في المغرب الإسلامي في العام 138 هـ، بعد ان سقطت في المشرق الإسلامي في العام 132 هـ، ولكن الصحيح أن الإسلام دخل الأندلس نهاية القرن الأول الهجري وخضعت إداريا خلال 45 عاما لـ (22) واليا، ثم تولاها فيما بعد عبد الرحمن الداخل.
ومع مرور الزمن أخذت الحكومات المركزية والمحلية مواقعها في عموم إسبانيا وأسهم الإسلام والمسلمون في نشر الثقافة الإسلامية، فعلى سبيل المثال فان مدينة قرطبة التي تشكل القاعدة الأساس للأندلس الإسلامية فانه خلال قرن واحد: \”اُلفّ أكثر من خمسة عشر ألف كتاب.. ونقلوا صناعة الورق من بغداد الى الأندلس، كما أسسوا أكثر من سبعين مكتبة عامة\”، ويضيف الدكتور أمين الطيّبي في كتابه (الإسلام في الأندلس وصقلية وأثره في الحضارة والنهضة الأوروبية)، ص 10: \”كانت قرطبة في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي أكثر مدن أوروبا تمدنا (كفيينا في القرن التاسع عشر)، وكان القادمون من شمال أوروبا يسمعون – بشيء من الرهبة – عن المدينة التي احتوت على عشرات المكتبات، وعلى مئات الحمامات\”، وعن مدينة طليطلة يضيف الطيّبي في الصفحة نفسها:
\”كانت مدينة طليطلة أول مركز علمي عظيم لنقل الثقافة من الإسلام الى المسيحية في الغرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين\”، وكان من معالم هذا التمدن والانفتاح على الآخر كما يؤكد الطيّبي في الصفحة 8: \”فان اليهود رحّبوا بمقدم العرب الفاتحين بعد كل ما عانوه من اضطهاد في عهد القوط، ويعتبر اليهود أن الفترة الذهبية من تاريخهم كانت في ظل الإسلام في الأندلس، حيث حظُوا بحرية لم يعهدوها من قبل\”.
هذا المفهوم يقر به نجل ملكة المملكة المتحدة أمير مقاطعة ويلز، الأمير تشارلز (Charles Philip Arthur George) في كلمة له ألقاها لدى افتتاحه مركز أكسفورد للدراسات الإٍسلامية في 27/10/1993م، كونه الرئيس الشرفي، جاء فيها: \”نحن انتقصنا من أهمية المجتمع الاسلامي وثقافته في إٍسبانيا لمدة ثمانمائة عام ما بين القرنين الثامن والخامس عشر الميلادي. فالإسلام في إٍسبانيا ساهم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الأسس العلمية في عصور الظلام كما ساهم في وضع اللبنة الأولى لبداية عصر النهضة في أوروبا، ولم يكن إسلام إسبانيا مجرد كنز مدفون تم اكتشافه على يد الغرب\”، وعن قرطبة وعموم الأندلس يضيف الأمير تشارلز: \”قرطبة في القرن العاشر كانت أكثر المدن حضارة في القارة الأوروبية، وكثير من عناصر الحضارة التي تفتخر بها أوروبا المعاصرة منبعها الإسلام في إسبانيا، مثل فن الدبلوماسية، والتجارة الحرة، وفتح الحدود، ومناهج البحث العلمي، والأنثروبولوجي، والأزياء، والعلاج بالأعشاب والمستشفيات\”.
أفول وبزوغ:
بيد أن العمران المدني والحضاري الذي تركه المسلمون في الأندلس وكان له التأثير الكبير على كامل أوروبا تحول الى طامة كبرى على سكان الأندلس وما جاورها بعد السقوط، حيث: \”قام حكام إسبانيا باضطهاد المسلمين، وتكاتفت القوى الصليبية على محو الإسلام هناك بأي شكل من الأشكال حتى أنهم منعوا التعامل باللغة العربية وارتداء الزي العربي، وهدموا الحمامات والمنشآت الإسلامية، وصادروا أموال المسلمين، وسنوا قانون الإعدام والحرق بالنار لمن يخالف هذه القوانين\”.
وكان من نتائج هذه القوانين ان تحول الملايين من سكان إسبانيا عن دين الإسلام، واقتصر المسلمون على آلاف عدة تواروا خلف جدران التقية، كما إن الإمعان بالعداء الذي وصل الى عداوة العلم حمل المنتصرون على حرق مكتبة قرطبة والتي: \”كانت تحتل المرتبة الاولى ليس فقط في الأندلس، وإنما في الإمبراطورية الإسلامية قاطبة، وهذه المكتبة أنشئت في عصر محمد الأول ابن عبد الرحمن الثاني الأموي (ت 273 هـ) وبلغت مجلداتها أربعمائة ألف كتاب كلها من المخطوطات الأثرية، وقد استمر إحراق المخطوطات في إسبانيا لعدة قرون حتى انه صار عيدا سنويا واحتفالا شعبيا\”.
ويمكن معرفة عظمة قرطبة وما حل بها من نكبات من خلال نص لمؤرخ الأدب الأندلسي أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت 542 هـ)، يقول فيه: \”وحضرة قرطبة، منذ استفتحت الجزيرة، هي كانت منتهى الغاية، ومركز الراية، وأمّ القرى، وقرار أهل الفضل والتقى، ووطن أولي العلم والنهى، وقلب الإقليم، وينبوع متفجر العلوم، وقبّة الإسلام، وحضرة الإمام، ودار صوب العقول، وبستان ثمر الخواطر، وبحر درر القرائح، ومن أفقها طلعت نجوم الأرض، وأعلام العصر، وفرسان النظم والنثر، وبها أنشئت التأليفات الرائعة، وصنّفت التصنيفات الفائقة\”.
ومن الغريب ان هذه القوانين ظلت سارية المفعول لخمسمائة قرن حتى العام 1967م عندما أصدرت الحكومة الإسبانية قرارا ألغت بموجبه قوانين محاربة الإسلام والمسلمين، وأخذ المسلمون يظهرون الى السطح من جديد بخاصة مع الهجرة الجديدة للعرب والمسلمين. وفي العام 1992 أبرمت الحكومة الإسبانية والهيئة الإسلامية الإسبانية اتفاقا وقعه الملك خوان كارلوس الأول (Juan Carlos I) أتاح بموجبه للمسلمين التعبير عن معتقداتهم بشكل قانوني وحر. وهذا الأمر ضاعف من عدد المسلمين خلال ربع قرن من تاريخ التوقيع الذي يعد بمثابة اعتراف رسمي بالتعددية الدينية حتى وصل عددهم الى نحو مائتي ألف مسلم بين مواطن أصلى ومهاجر مقيم، لكن المحقق الكرباسي له رأي آخر إذ: \”نقل لي العديد من الإسبانيين والمهاجرين إليها ان هناك عددا كبيرا من الإسبان يعملون بالتقية ولا يتظاهرون بالإسلام، لكن الإحصاءات غير الرسمية تفيد بأن عددهم قد تجاوز المليون نسمة، وهذه النسبة تؤيدها الهيئات الدينية الإسلامية في إسبانيا، ومعظم هؤلاء من أصول مغربية الى جانب سائر دول شمال أفريقيا، مضافا الى السنغاليين والسوريين وسائر الدول العربية والإسلامية، بالإضافة الى أكثر من ثلاثين ألف إسباني اعتنقوا الإسلام أخيرا\”.
وهنا يؤيد المؤلف ما تذهب إليه: \”الدراسات الحديثة أن الأندلس كانت مسلمة قبل أن تسمى بإسبانية\”.
الحسين في الأندلس:
يتربع الإمام الحسين (ع) على قلب كل مسلم، بل وكل حر من أحرار البشرية ناهيك عن جنسه ومعتقده، ولذلك كثرت الرايات التي ترفع الإمام الحسين (ع) شعارا في حركتها التحررية أو الثورية أو التصحيحية، سلمية كانت أو مسلحة، بغض النظر عن النوايا والأهداف المضمرة، ولم تكن الأندلس ببعيدة عن هذه الرايات، ولذلك فان الدكتور كاظم شمهود طاهر يؤيد رأي المحقق الكرباسي أن الإسلام دخل الأندلس ودخل معه التشيع والولاء لأهل البيت (ع) من طرق عدة، أهمها عبر الجيش الإسلامي الفاتح، الذي كان فيه: \”عدد كبير من العوائل العربية التي تدين بنصرة أهل البيت، وكان معظمها من العراق واليمن\”، منهم القائد حسين بن عبد الله بن حنظلة الصنعاني المشهور بحنش الصنعاني (ت 100 هـ)، والقائد عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر (ت 143 هـ)، والقائد الحسين بن يحيى الخزرجي (كان حيا عام 165 هـ)، فضلا عن أن موسى بن نصير كان من الموالين لأهل البيت (ع)، وكان هذا الولاء أحد أسباب خلعه في العام 96 هـ من قبل سليمان بن عبد الملك الأموي (ت 99 هـ)، ثم اعتقاله والتنكيل به وتعذيبه وتجريده من كل ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة.
ويرى المعد أن قبائل البربر في شمال أفريقيا والأندلس كانت محلا خصبا للتشيع، بخاصة وان بعض القبائل العربية وبخاصة السلطات الأموية مارست معها العصبية القبلية والقومية مما دفعها الى المعارضة والثورة على الواقع السيئ، ولذلك: \”تردد لأول مرة صدى التشيع في الأندلس بين صفوف البربر، وكانت المناطق البربرية ميدانا لجميع الثورات الشيعية في الأندلس، يمدها ذلك الطوفان الهائل للتشيع الذي شمل جميع شمال أفريقيا خاصة بعد تأسيس أول دول علوية في المغرب الإسلامي وهي دولة الأدارسة سنة 173 هـ، وقد اعتنق التشيع قبائل بربرية كبيرة معروفة كان لها امتداد واسع في المغرب والأندلس، منها بنو حماد وبنو زيري وقبيلة الصنهاجيين وقبائل كتامة\”.
وبتقدير المؤلف فان الإسلام الشيعي دخل الى الأندلس من طريقين:
الأول: عبر الأندلسيين الذين رحلوا الى المشرق الإسلامي وبالأخص الى العراق ومصر والمغرب ثم عادوا متأثرين بثقافة أهل البيت (ع)، وكان في مقدمتهم محمد بن عيسى القرطبي الذي كان حيا في العام 221 هـ.
ثانيا: عبر عدد من علماء المشرق الإسلامي الذي باشروا بنشر ثقافة أهل البيت (ع)، ومنهم أبو اليسر الرياضي إبراهيم بن محمد الشيباني (ت 317 هـ)، البغدادي النشأة والذي تجول وعمل في المغرب الإسلامي والأندلس.
وكان للقمع الذي مورس بحق أهل البيت (ع) والموالين لهم في المشرق الإسلامي من الأسباب الداعية الى هجرة رجالات الإسلام الى المغرب الإسلامي ومنه الى الأندلس، ومنهم نسل الإمام الحسن بن علي (ع) (ت 50 هـ)، وحسب تعبير الدكتور طاهر: \”تمركز هؤلاء العلويون في شمال أفريقيا ثم عبروا الى شبه جزيرة أيبريا، وكان لهم دور كبير ومهم في نشر الثقافة الشيعية في الأندلس\”، كما كان لهجرة أبناء الصحابي الجليل عمار بن ياسر (ت 37 هـ)، وأحفاد الصحابي الجليل مالك بن الحارث النخعي الأشتر (ت 39 هـ) الى الأندلس دور كبير في نشر الإسلام في هذه البلاد، وحسب تعبير المحقق الكرباسي: \”ان المهاجرين أو الداخلين الى الأندلس من الشيعة كانوا من البيوتات التي تعتبر في حينها أعمدة وأساطين التشيع، وهذا يعني أنهم وجدوا لأنفسهم في الأندلس أرضية مناسبة رغم وجود الحكم الأموي هناك\”.
وعلى الرغم من الصراعات بين الإمارات وظهور ثورات بالضد من الحكم الأموي وقمعها، حتى عدها البعض بنحو 14 ثورة، مثل ثورة شقيا بن عبد الواحد المكناسي (ت 160 هـ)، فان الكرباسي يؤكد: \”رغم كل الصراعات فان التشيع سرى في تلك البلاد حتى شاع وظهر بحيث أصبحت القضية الحسينية والتي هي من أقوى ظواهر التشيع فاشية في الأندلس، وقد برز شعراء عدة وهم يرثون الإمام أبا عبد الله الحسين (ع) كما جرت الطقوس والشعائر الحسينية في عاشوراء، وظلت حتى نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس عام 898 هـ\”.
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي، تعززت مدرسة أهل البيت في إسبانيا من خلال هجرة الباكستانيين واللبنانيين للعمل في إسبانيا كما ساعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979م وهجرة العراقيين في عهد نظام صدام (ت 2006 م) الى زيادة المشاريع الحسينية، وتؤشر الأرقام أن: \”أول حسينية تأسست في إسبانيا من التاريخ الإسلامي الحديث هي حسينية الأمة في مدينة غرناطة وكان من وراء تأسيسها مجموعة من الطلاب الإيرانيين واللبنانيين الذين كانوا يدرسون في جامعة غرناطة، وكانت تعرف هذه الجالية بالأمة فأطلق الاسم على الحسينية أيضا وتاريخها يعود الى سنة 1406 هـ- 1986م\”، على ان أول مسجد لشيعة أهل البيت (ع) في العصر الحديث أقيم في العام 1376 هـ باسم مسجد أهل البيت في برشلونة، كما ان محبي أهل البيت (ع) تمكنوا ولأول مرة في تاريخ إسبانيا الحديثة في يوم العاشر من شهر محرم العام 1426 هـ من تنظيم مسيرة حسينية حاشدة في مدينة برشلونة.
واختتم الكتاب بمجموعة نصوص لنخبة من علماء ومستشرقين إسبان يشيدون بالإٍسلام واسهاماته في أوروبا وما حولها.
* إعلامي وباحث عراقي
الرأي الآخر للدراسات – لندن
شبكة النبأ المعلوماتية
amirmaher@hotmail.com
27 جمادى الثانية 1424
الموضوع: إسبانيا في عهد المسلمين
معلومات عامة:
حاضرة متألقة وهمزة وصل حضارية
الموقع: تقع إسبانيا في جنوب غرب أوروبا، عاصمتها مدريد، تشمل الجزء الأكبر من شبـه جزيرة إيبريا، تجاورها البرتغال، وتفصلها جبال البرنس عن فرنسا، ومضيق جبل طارق عن المغرب جنوباً، أهم مدنها: برشلونة، بلنسية، سرقوسة، مرسية، قرطبـة، ولها ساحل طويل على البحـر المتوسط في الشرق والجنوب الشرقي.
لمحة تاريخية: خضعت إسبانيا في القرن الأول الميـلادي لحكم الإيبريين سكـان البـلاد القدمـاء، واكتسبوا حق المواطنيـة الرومانيـة، ولكنها ما لبثت أن خضعت في القرنين الخامس والسادس لحكم البرابرة الغزاة الذين شنوا عليها حرباً مدمرة .
في القرن العاشر، وبالتحـديد في سنة 711م. بدأ الفتح الاسلامي لإسبـانيا بقيادة طارق بن زياد الذي هزم ملك القوط في معركة \”وادي بكة\”، وشتت شمل رجاله، وفي السنة التالية جنّد موسى بن نصير بما جرى حتى جنّد جيشاً، والتحق بطارق في سنة 93هـ، وأكملا فتح إسبانيا التي أسمـاها المسلمون \”الأندلس\”، ولكن المسلمين تعرضـوا لنكسة في 115هـ، 732م حيث انهزموا في معركة \”بواتيه\”على يد ملك الفرنج شارل مارتل، وبذلك أوقف الزحف الاسلامي داخل القارة الأوروبية.
ظلت هذه البلاد خاضعة للخلافة الأموية 39 سنة، وبلغت ذروة مجدها في أيام عبد الرحمن المعروف بـ\”الداخل\”، ولكن عصر الأمجاد هذا تراجع حيث سادت صفوفهم الفرقة والانقسام، وأنهكتهم الصراعات، ما سهّل على جيوش قشتالة استعادة إسبانيا، وإخضاع غرناطة آخر معاقل المسلمين فيها في سنة 1492م.
وهي السنة التي قـام كولومبوس فيها برحلته الاستكشافية إلى أميركا، ليرحل المسلمون عن\”الأندلس\”نهائياً، بعد أن أخضعوها لسلطانهم ثمانية قرون.
ترك المسلمون في الأندلس بصمات واضحة في مختلف الميادين، ماجعل منها حاضرة متألقة، وحلقة وصل حضاري بين الاسلام والغرب، وركيزة من الركائز الأساسية للنهضة الحديثة في أوروبا والعالم، ويشهد على ذلك ما خلّفوه من آثار، بلغت غاية في الدقة، والاتقان، والروعة، والجمالية.
ومن الجدير ذكره أن المسلمين في الأندلس لم يعيشوا نمطاً واحداً، بل طرأت على أحوالهم بعض التغيرات،حيث كان للظروف والعوامل التي أحاطت بهم دورها في إبراز سماتهم الحضارية، وانتاج مفاهيمهم السياسية والفكرية ـ وبتعبير آخر ـ منظومتهم الحياتية، سواء كانوا من الذين فتحوها، أو الذين عاشوا فيها، أو الذين اعتنقوا الإسلام من الإسبان، أو الذين تبنوا بعض العادات والتقاليد الإسلامية.
الفاتحون : كانت أولى التسميات التي أطلقت على المسلمين في إسبانيا، هي تسمية «المسلمون الفاتحون» التي شملت كلّ المسلمين سواء الذين فتحوا شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال حالياً) سنة 92هـ (711م) سواء كانوا من البربر الذين حضروا من المغرب مع القائد العسكري طارق بن زياد، وكان عددهم سبعة آلاف جندي، أو من العرب الذين حضروا من المشرق العربي ودخلوا شبه الجزيرة الإيبيرية سنة (712م) بقيادة موسى بن نصير لمساعدة الفاتحين الأوائل ومتابعة تقدّمهم في الأراضي الإيبيرية.
حقق هؤلاء انجازات باهرة ، وأخضعوا لسيطرتهم مدن إسبانيا، باستثناء بعض المناطق الواقعة في الشمال، وتوغلوا في بعض الأراضي الفرنسية حتّى وصلوا إلى بواتييه، ولكن شارل مارتل أوقف تقدّمهم سنة (732م) في وقعة بلاط الشهداء التي خسرها المسلمون واستشهد فيها المجاهد الكبير عبد الرحمن الغافقي.
خضعت الأندلس منذ الفتح الإسلامي للأمويين، ومن ثُمَّ للعباسيين، ولم تلبث أن أصبحت إمارة مستقلة على يدي عبد الرحمن الأوّل \”الداخل\” الذي فر إليها من السلطة العباسية، واتخذ من قرطبة عاصمة لإمارته، الذي حاول أن يجعلها عاصمة على غرار دمشق، فبنى جامع قرطبة الذي استوحى فكرته من جامع بني أمية في دمشق.
وبعد انتهاء فترة الإمارة سنة 929م. تولى الحكم عبد الرحمن الثالث \”الناصر\” وبدأت معه فترة الخلافة التي دامت حتّى وفاة عبد الملك \”ابن المنصور\”سنة 1031م. وأدّت وفاته إلى تشتت الخلافة، وظهور ممالك الطوائف الذين حكموا مناطق متفرّقة من الأندلس.
المرابطون: شجعت حالة الانقسام والتشظي التي عصفت بالأندلس الجيوش الإسبانية في شمال إسبانيا على لم شملها وتكتيل قواها، فتمكنت بقيادة ملكها ألفونسو السادس من استرداد مدينة طليطلة من المسلمين سنة 1058م، التي شكّل سقوطها ضربة قوية للمسلمين، فاضطروا لطلب مساعدة من إخوانهم المرابطين في المغرب.
فلبوا الدعوة وهاجموا الإسبان في منطقة قرب بداخوس (غرب إسبانيا) وانتصروا عليهم سنة 1086م في معركة الزلاقة. وتشجع قائد المرابطين واستولى على الحكم الإسلامي في الأندلس بشكلٍ كامل وبقي مسيطراً عليه حتّى عام 1148م. وقد أطلق اسم «المرابطين» على الأشخاص الذين التفوا حول العالـم القيرواني الفقيه في الدِّين عبد اللّه بن ياسين الجذولي الذي أرسل معهم لتعليمهم شريعة ربّهم إذ أقام رباطاً وانقادوا له .
الموحّدون : تولى الموحِّدون حكم الأندلس بعد المرابطين ، وهم جماعة أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، ودعوا لتصحيح الفهم الإسلامي، والعودة بالمسلمين إلى القرآن الكريـم والسنّة النبوية بعد انصراف عددٍ من علماء المغرب بدراساتهم إلى المبالغة بالفقه المذهبي وفروعه، واستمروا في حكم الأندلس حتّى سنة 1232م.
اتخذوا من إشبيلية عاصمتهم لهم، وجهدوا لجعلها في مصاف العواصم الكبرى، فشيدوا فيها عدداً من المعالـم الحضارية، التي كان من أهمها الخيرالدا أو (المئذنة) التي بدأ ببنائها أبو يعقوب يوسف سنة 1172م، وتابع ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور بناءها من بعده. وتعتبر الآن من أعظم الآثار الإسلامية في الأندلس ورمز مدينة أشبيلية.
كما خلّف الموحِّدون في إشبيلية برج الذهب الذي أقيم لحراسة المدينة ومراقبة حركة الملاحة وللدفاع عنها من القشتاليين الذين سيطروا أخيراً على كثير من المواقع الأندلسية المهمّة، وبدا تفوّق قواتهم واضحاً نتيجة لاتحادهم المتين واتفاقهم على توجيه ضربة للحكم الاسلامي في الأندلس. وإزاء حالة التحدي برزت بعض الشخصيات الإسلامية المهمّة مثل ابن الأحمر الذي استطاع بعد وفاة منافسه ابن هود تشكيل مملكة غرناطة التي كانت تضمُّ غرناطة ومالقة وبعض المناطق الجنوبية في الأندلس.وكان من أهم منجزاته العمرانية بناء قصر الحمراء العظيم الذي يُعتبر أهم أثر تركه العرب في إسبانيا، والذي ما زال باقياً حتّى الآن كتحفة تمجد دور العرب المسلمين وإبداعهم المعماري الباهر.
الأسالمة والمولّدون : دخل أهالي سكان البلاد الأصليين الاسلام بعد أن وجدوا في المسلمين كرم الأخلاق وحُسن المعاملة ، وكان ذلك بخلاف ما لاقوه من معاملة القوطيين لهم، فأطلق عليهم اسم الأسالمة، أو المسالِمَة في بعض الأحيان، كما كان يُطلق على أولاد الأسالمة اسم «المولّدون»، وقد عاش المسلمون والأسالمة إخواناً من دون أي تمييز. وكان قد برز من بين هؤلاء المسالمة عدد من الشخصيات المهمة كمهدي بن مسلم الذي تولى قضاء قرطبة أيام والي الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي، وأبا محمَّد علي بن أحمد بن سعيد بن سعيد حزم، العالـم الموسوعي والكاتب المشهور الذيكما يقال يعود في أصوله إلى المسيحية.
الصقالبة : أمّا الصقالبة فقد برزت آراء مختلفة عن أصلهم، أكثرها رواجاً تشير إلى أنَّه كان يؤتى بهم من الدول الأوروبية، وخصوصاً من بلاد السلاف شرق أوروبا، سلط الاهتمام على البارزين منهم لتربيتهم تربية توافق ميولهم.
في البداية كانوا يعملون خدماً ثُمَّ لم يلبث أن تحسنت أوضاعهم شيئاً فشيئاً، حيث ازداد عددهم في عهد عبد الرحمن الناصر، وتولوا وظائف حربية وإدارية في عهد المنصور بن أبي عامر، كما برز منهم بعض المفكّرين والأدباء، ووصلوا إلى درجة عالية من القيادة، فحكموا مملكة بلنسية في فترة الطوائف وبقوا في الحكم فترة من الزمن دامت حتّى سنة 411هـ 1021م.
المدجّنون : وبعد استرداد المسيحيين لبعض المناطق الواقعة في شمال شرقي شبه الجزيرة الإيبيرية وبالضبط إقليمي كاتولونيا وأراغون، بقي بعض المسلمين الذين لـم يهاجروا بعد خسارة المسلمين لهذين الإقليمين تحت السيطرة المسيحية فسمّوا بـ\”المدجّنين\”. وازداد عددهم ازدياداً واضحاً بعد سقوط مدينة طليطلة سنة 1058م، وبلنسية سنة 1094م ومورسيا سنة 1266م. وقد لقي هؤلاء الكثير من العنف وسوء المعاملة من القشتاليين، ومُنعوا من التكلّم باللغة العربية، فاضطروا للبحث عن لغة خاصّة بهم، وكانت \”الخميادو\” التي استخدموا فيها الكلمات العربية وكتبوها بحروف إسبانية،كما شيدوا العمران، وأبدعوا في الفنون، ولا يزال حتّى الآن الأثر الإسلامي واضحاً في الكنائس التي بُنيت في عهدهم، كما لا تزال بعض فنونهم التقليدية معروضة في متاحف الآثار في مدريد وطليطلة وغرناطة وقرطبة.
الموريسكيون : بعد سقوط غرناطة سنة 1492م، وانتهاء حكم المسلمين للأندلس بقي كثيرٌ من المسلمين تحت حكم السلطات الإسبانية التي أجبرتهم على التنصر بعد أعوام قليلة من سيطرتهم عليها، وتحوّل العرب المسلمون إلى مسيحيين كاثوليك، وسمّوا بـ\”الموريسكيين\” أو \”المسلمين الصغار\” أو \”العرب المتنصرين\”، وتابعوا استعمال لغة \”الخميادو\” التي كان يتداولها المدجّنون، واستمرت هذه اللغة حتّى مطلع القرن الثامن عشر.
وظهر أدب خاص بهم دعي بالأدب الموريسكي. ولـكن الموريسكيين لم يقفوا موقف المتفرج إزاء وضعهم الصعب، خاصة بعد نقض السلطات الاسبانية بنود معاهدة تسليم غرناطة لإسبانيا والتي كانت تشمل 67 شرطاً تضمن الحياة العادية للمسلمين. فقاموا بتمرّدات ضدَّ المسيحيين، ومن أهمها التمرّد الذي حصل في سنة 1500م في بلدة غواديس التي كانت جزءاً من مملكة بني نصر في غرناطة منذ سنة 1238م. ولكن تمسك الموريسكيون بوجودهم وعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية، ومقاومتهم لكل المحاولات الهادفة للتخلي عنها، ولكن هذه المحاولات لقيت مقاومة أدت إلى ظهور محاكم التفتيش ضدَّ كلّ من تبدو عليه أيّة صلة بالإسلام أو يُضبط حاملاً أيّة شارة من شاراته أو مؤدياً لشعائره أو ممارساً لعاداته. وعندما لـم تستطع السلطات الإسبانية فرض ما تريده عليهم قررت التخلّص منهم بعد إلحاح شديد من الكنيسة، وصدر المرسوم الذي نصّ على نفيهم من أراضيها سنة 1609م بحجّة التآمر على الحكم والاتصال مع عناصر من خارج البلاد، فرُحِّلوا إلى تونس والجزائر والمغرب، وأسسوا قرى ومدناً أهمها قرية تستور.
وبرز عددٌ من الموريسكيين اللامعين منهم على سبيل المثال الكاتب أحمد بن القاسم الفقيه ابن الشيخ الحجري وكان يُعرف بالشهاب الحجري وكانت له اليد الطولى في الترجمة من العربية إلى الإسبانية وبالعكس وأهم كتاب له هو \”رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب\”.
الموروس : أمّا الموروس فهي جمع لكلمة مورو التي تعني العربي أو المسلم الذي أتى من المغرب، وجاء هذا الاسم من اسم مراكش في المغرب. ويستعمل هذا اللقب بشكل خاطىء من قبل كثير من الإسبان إذ يُطلقون لفظ مورو على كلّ عربي موجود في إسبانيا أو خارجها سواء كان من المغرب أو من دول الشرق حتّى لو كان مسيحياً، ويستخدمون هذه التسمية للدلالة على شخص يقوم بعمل غير محبب عندهم، ولا يُنادون به العربي وجهاً لوجه من دون معرفة درجة تقبله له.
الموروس كورتادوس :أما المسلمين الذين كانوا يشتغلون بالزراعة ورعاية الماشية، ولـم يُسمح بتطبيق قانون الإبعاد عليهم لأنهم كانوا عبيداً لأصحابهم، فلقبوا بالموروس كورتادوس أو العرب المبتورين إن صحت الترجمة. وتابعت محاكم التفتيش مهماتها حتّى القرن الثامن عشر، والذي كان بداية العكوف بشكل جزئي عن ملاحقة التظاهر بالإسلام أو التأييد له. وقد تعرض هذا القانون في تللك الترة لانتقاد شديد من قبل بعض المفكرين والأدباء، وفي مقدمة هؤلاء الأديب خوفياندس، ما أدّى في النهاية إلى إصدار القرار النهائي بإلغاء محاكم التفتيش عام 1235هـ/ 1820م.
المستعربون : لم ينته أثر المسلمين وفضلهم على الإسبان بعد خروجهم منها، بل ما زالت بصماتهم في مجالات الحياة كافة شواهد أبدية على عظمتهم. وبرز كثير من المستعربين أو النصارى المعاصرين أو الأندلسيين المسيحيين، وغالبيتهم من المسيحيين الذين اختلطوا بالأندلسيين وتبنوا بعض العادات الإسلامية وتعلّموا اللغة العربية، وظلّوا في المناطق التي كان يحكمها العرب، وعاشوا في بيوت لها مخطط البيوت العربية.
تعتبر حركة الاستعراب الإسبانية من أقدم أنواع الاستشراق في الغرب كنتيجة طبيعية لحكم المسلمين الطويل لإسبانيا منذ بداية القرن الثامن الميلادي، وكانت دراسات المستعربين الإسبان للمواضيع العربية أكثر عمقاً وتأثراً من دراسات المستشرقين الغربيين للعالمين العربي والإسلامي. ولم تقتصر اهتمامات الاسبان في دراسة الاسلام بل نرى الكثير من المستعربين الإسبان الذين سخّروا كثيراً من وقتهم لتعلّم اللغة العربية لكي يُتاح لهم التعرّف جيّداً على حضارة العرب في إسبانيا وعلى تاريخ الإسلام، وليكون اتصالهم بهم أشدّ صلة، ومعلوماتهم أكثر دقة، ويأتي في مقدمة هؤلاء المستعربين أميليو غارثيا غوميز الذي لعب دوراً كبيراً في التعريف بالحضارة العربية الإسلامية في الأندلس من خلال أبحاثه ومحاضراته المتنوّعة.
المسلمون الذين حنّوا إلى مجد أجدادهم :
على رغم ظهور بعض الجاليات والعائلات من أصول إسلامية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلاَّ أنَّ دورها وعددها كان ضئيلاً. وما زاد في أعدادهم، تلك السمعة الطيبة التي انتشرت في بداية النصف الثاني من القرن العشرين عن إسبانيا كواحدة من أجمل بلاد العالـم، لما تتمتع به من طقس لطيف وطبيعة خلابة وشواطئ جميلة وآثار معمارية عريقة، إضافة لما يتميّز به شعبها من حسن المعاشرة وكرم الضيافة وسهولة المخالطة… وهذا ما شجع السياح والطلاب في كثير من دول العالـم على زيارتها للدراسة أو للإقامة فيها وخصوصاً العرب والمسلمين الذين حنّوا إلى بلاد أجدادهم وإلى فترة من تاريخهم المشرق، فيقيم قسم منهم في مدريد العاصمة الإسبانية التي يعود الفضل في بنائها إلى الأمير الأندلسي محمَّد بن عبد الرحمن بن الحكم، وقسم آخر يقيم في برشلونة ثانية المدن الإسبانية وأهمها اقتصادياً. أمّا القسم الأكبر فاستقر في المدن الأندلسية قرطبة وإشبيلية وغرناطة وبلنسية وماربيا، وبنوا فيها القصور والفيلات الفخمة وشيدوا المساجد والمراكز الإسلامية وشجعوا جمعية الصداقة العربية ـ الإسبانية، كما عملوا على تشكيل النوادي العربية ـ الإسبانية، وجمعية الصحافيين، بهدف زيادة روابط الجاليات العربية بأوطانها، والإكثار من نشاطاتها في المناسبات الدينية والعربية ووضع الحلول المناسبة لأولاد الجاليات العربية الذين يعيشون في بيئة غربية مغايرة للبيئة العربية التي عاش فيها آباؤهم.
وعند التكلّم عن المسلمين في إسبانيا، يجب عدم نسيان المسلمين المقيمين في مدينتي سبته ومليلة المحتلتين من قبل الإسبان، ويشكلون نسبة جيّدة من عدد المسلمين في كامل إسبانيا الذي يُقدّر بحوالي 600 ألف مسلم، منهم 200 ألف شخص ولدوا وهم يحملون الجنسية الإسبانية، أو لأبوين مسلمين، أو اعتنقوا الإسلام خلال السنوات العشرين الأخيرة لأسباب مختلفة، مثل البحث عن أصولهم الأندلسية، أو التعب من الدين الكاثوليكي، أو لأسباب مالية. هذا وتختلف أعمال المسلمين في إسبانيا بحسب وضعهم العلمي والاقتصادي، فبعضهم يعمل كرجال أعمال أو أطباء أو أصحاب مطاعم، بينما يعمل البعض الآخر، خصوصاً المسلمين المغاربة، بأعمال ذات مجهود عضلي نادراً ما يقوم بها الإسبان.
ويواجه المسلمون في إسبانيا، نتيجة الظروف التي تمرّ بها تلك البلاد، مشكلات متنوّعة، سواء لسوء تعامل بعض الإسبان معهم، وخصوصاً المتطرفين الذين يرون فيهم منافسين لهم ولأولادهم عند البحث عن عمل، أو لإهمالهم من قبل المجتمع الإسباني، أو لطبيعة حياتهم، وخصوصاً في ما يتعلّق بأسمائهم وصعوبة لفظها من قبل الإسبان.
واما الشيعة فلهم حضور قديم في اسبانيا , وعددهم وان غير غير معلوم , الا ان حضورهم معتنى به يحيون المراسم ويعظمون الشعائر.
sadeq2000@naseej.com
8 محرم 1424
الموضوع: التشيع في الاندلس
معلومات عامة:
جاء في مقال نشرته مجلة الهادي الصادرة في قم بإيران باللغة العربية في عددها الثاني لسنتها الأولى المؤرخ ذي القعدة 1391 هـ بقلم الدكتور عبد اللطيف السعداني ، بفاس « المغرب » تحت عنوان : « حركات التشيع في المغرب ومظاهره » مشيراً الى أثر التشيع في الأندلس ، وإقامة المأتم على الامام الحسين الشهيد عليه السلام فيما نصه :
« ومن حسن حظّنا هذه المرة أن أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري ، لسان الدين ابن الخطيب ، أسعفنا بإشارة ذات أهمية كبرى ، والفضل في ذلك يعود الى إحدى النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التاريخي « أعلام الاعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام » التي حفظتها لنا خزانة جامعة القرويين بمدينة « فاس » من عاديات الزمن .
وبهذه الإشارة تنحل العقدة المستعصية ، وينكشف لنا ما كان غامضاً من قبل ، مما أغفل الحديث عنه المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع ، ذلك أن ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن معاوية انتقل به الحديث الى ذكر عادات الأندلسيين خاصة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز ، وإنشاد المراثي ، وقد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف إحدى هذه المراسيم وصفاً حياً شيقاً ، حتى ليخيل أننا نرى إحياء هذه الذكرى في بلد شيعي ، وذكر أن هذه المراثي تسمى الحسينية ، وأن المحفظة عليها بقيت من قبل تاريخ ابن الخطيب الى أيامه ونبادر الآن الى نقل هذا الوصف على لسان صاحبه :
« ولم يزل الحزن متصلاً على الحسين ، والمآتم قائمة في البلاد ، يجتمع لها الناس ويحتفلون لذلك ليلة يوم قتل فيه ، بعد الأمان من نكير دول قتلته ، ولا سيما بشرق الأندلس . فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق ـ يعني مشرق الأندلس ـ يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب ، يستجنى خلف سترة في بعض البيت ، ويحتفل بالأطعمة ، ويجلب القراء المحسنون ، ويوقد البخور ، ويتغنى بالمراثي الحسنة » .
وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضاً ؛ فإنه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلاً وبياناً عن الحسينية وطقوسها ، فقال :
« والحسينية التي يستعملها الى اليوم المسمعون ، فيلوون لها العمائم الملونة ، ويبدلون الأثواب ، كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد ، وإن ضعفت . ومهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها .
وفي المغرب اليوم ما لا يزال أولئك المسمعون الذين أشار اليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم ، وينشدون ، وكثرت في إنشادهم عل الأخص المدائح النبوية ، كما أن الأغنية الأندلسية الشائعة اليوم في بلاد المغرب تشتمل في أكثرها على المدائح النبوية أيضاً » انتهى كلام السعداني .
أقول : ويظهر من هذا الوصف أن النياحة على الامام الحسين وإقامة شعائر الحزن والاسى عليه ، قد تداوله المسلمون في الأندلس منذ أن وطئت أقدام المسلمين أرض الأندلس وبقيت هذه التقاليد في هذه البلاد الاسلامية النائية حتى القرن الثامن الهجري ـ كما يستبان من كلام ابن الخطيب ـ ويستنتج من استعمال كلمة الحسينية التي استعملها المسلمون هناك لإقامة العزاء الحسيني وإنشاد المراثي فيها أنه كان للشيعة شأن يذكر في الأندلس .
هذا وقد نشرت المجلة السالفة الذكر في عددها الثالث لسنتها الأولى المؤرخ صفر 1392 هـ تتمة مقال الاستاذ السعداني ، الذي نقل فيه بعض المراثي على الامام الشهيد ، تلك المراثي التي إن دلت على شيء فإنما تدل على تغلغل المذهب الشيعي في بعض طبقات الشعب في الاندلس والمغرب العربي ، وعلى شدة تعلقهم بالحسين الشهيد ، وقيامهم بمراسيم النوح عليه في ذكراه الأليمة .
إن ما قاله الاستاذ السعداني في ذلك هو ما يلي :
كما أفادنا ابن الخطيب بنقله نموذجاً لهذه المراثي مدى عناية الشعراء بهذا الموضوع . وعرفنا بأحد شعراء الشيعة في الأندلس ، الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين ، وهو أبو البحر صفوان بن إدريس بن إبراهيم النجيي المرسي ( 561 ـ 598 هـ) هذه القصيدة كانت مشهورة وينشدها المسمعون ، وهي كما يلي :
سلام كأزهـار الربــى يتنســـم على منزل منـه الهــدى يتعلــم
على مصرع للفــاطميين غيبــت لأوجههم فيـــه بـدور وأنجــم
على مشهد لو كنــت حاضر أهله لعاينت أعضــاء النبــي تقسـم
على كربلاء لا أخلف الغيب كربـلا وإلا فان الدمـع أنــدى وأكــرم
مصارع ضجــت يثرب لمصابهـا وناح عليهـن الحطيــم وزمــزم
ومكة والاستــار والركن والصفـا وموقف حـج والمقــام المعظــم
ثم يستطرد الشاعر بإسناد القصيدة على هذا الوتر ، ويقول :
لو أن رسول الله يحيــى بعيدهـم رأى ابن زيــاد أمهكيـف تعقــم
وأقبلت الزهراء قــدس تربهــا تنادي أباهـا والمدامــع تسجــم
تقول : أبي هـم غادروا ابني نهبـة كما صاغه قيس ومــا مـج أرقـم
سقوا حسنا للسم كاســا رويـــة ولم يقرعوا سنــا ولــم يتندمـوا
وهم قطعوا رأس الحسيـن بكربـلا كأنهم قد أحسنـوا حيــن أجرمـوا
فخذ منهم ثاري وسكــن جوانحـاً وأجفان عيـن تستطيـر وتسجــم
أبي وانتصر للسبط واذكـر مصابه وغلته والنهـر ريـــان مفعــم
ويختم الشاعر قصيدته الطويلة تلك بهذه الأبيات :
فيا أيهــا المغرور والله غاضــب لبنت رســول الله أيــن تيمـم ؟
ألا طرب يقلى ألا حـزن يصطفـى ألا أدمع تجرى ألا قلـب يضـرم ؟
قفوا ساعدونا بالدمــوع فأنهـــا لتصغر في حق الحسيــن ويعظـم
ومهما سمعتهم في الحسـيـن مراثياً تعبر عن محض الأسى وتتــرجم
فمدوا أكفاً مسعديـن بــدعــوة وصلوا على جد الحسين وسلمــوا
ثم يواصل الأستاذ السعداني كلامه ويقول :
« ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية ، فنعثر على أثر آخر للفكر الشيعي ؛ حيث نلتقي بأحد أدباء الأندلس في النصف الأول من القرن السابع الهجري ، هو القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي ، المقتول في 20 محرم سنة 658 هـ ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة ، موضوعها هو رثاء سيدنا الحسين .
أولهما : « اللجين في رثاء الحسين » ولا يعرف اليوم أثر لهذا الكتاب غير اسمه .
وثانيهما : « درر السمط في أخبار السبط » وكان كل ما بقي من هذا الكتاب هو ما نقله المقري في كتابه : « نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب » وقد اعترف المقري بأنه أغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما يشم منه رائحه التشيع . ثم إنه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط … » الخ .