- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
للمذهب العرفاني قواعد تختصّ به في الفكر الإسلامي ، ففي الفلسفة يُقال بأنّها جاءت من اليونان ، وعندما انتقلت إلى الإسلام لبست ثوباً جديداً ، وأخذت محتوىً مغايراً ومختلفاً .
أمّا العرفان فلا يمكن القول بأنّه جاء من الهند ، أو أنّه كان عند الفرس أو أنّه حصيلة الفلسفة الأفلاطونيّة الجديدة والتي هي بدورها حصيلة لامتزاج أفكار أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس ، أو كان في الإسكندرية أو من الديانات الهنديّة أو المانويّة أو أنّه من آثار المسيحيّة وانتقل إلى الإسلام نتيجة لاحتكاك المسلمين بالرهبان المسيحيّين ، أو أنّه نشأ من أفكار بوذيّة ، والعرفان الإسلامي امتداد لما كان عند هؤلاء كما يحاول بعض المفكّرين أو الكتّاب الإيحاء والقول بذلك .
فصحيح أنّ للعرفان جذوراً عند هؤلاء ولكنّه عندما جاء إلى الإسلام نما وترعرع ، وصار له محتوى جديد ومغاير أيضاً لما هو موجود عند الآخرين .
« على أنّ الرياضات الروحيّة ، وكبح جماح النفس ، والابتعاد عن العلائق الدنيويّة ، كانت موجودة في الفلسفة الهنديّة ، وكذلك نجد وحدة الوجود والأفكار الصوفيّة الأخرى في عقائد أفلاطون المحدثة .
وترى في الغنوصيّة نظماً عرفانيّة وإشراقيّة . وتجد في العرفان المسيحي ما يناظره في العرفان الإسلامي .
كذلك يوجد الكثير من المشتركات بين الفلسفة الإشراقيّة للشيخ شهاب الدِّين السهروردي المعروف بشيخ الإشراق ، والفلسفة الإيرانيّة القديمة وآراء ونظريّات الحكيم خسرواني ، والحكيم بهلوني . . .
يجب أن ندرك أنّ الدِّين الإسلامي المقدّس هو نظام معتدل وبعيد عن الإفراط والتفريط الذي يكون في غير محلّه ، لهذا فهو يخالف مرتاضي الهند ( الذين يمارسون الرياضات الروحيّة القاسية ) ، ورهبان المسيحيّة ، والسلوكيّة التي تخالف العقل السليم والاعتدال » ( 1 ).
وبكلمة واحدة نستطيع أن نقول إنّ الأصل في العرفان والركيزة الأساسيّة له في الإسلام هو بيان العلاقة بين الإنسان وبين الله تعالى .
فالعرفان الإسلامي هو علم يشابه سائر العلوم كالفقه والأصول والتفسير والحديث ، وهو في نظر أهله من العلوم التي أُخذت أُسسها وموادّها الأصليّة من الإسلام ، وليس هو من قبيل الرياضة والطبّ التي وفدت إلى العالم الإسلامي من الخارج وبلغت الرُّشد والتكامل في أحضان المعارف الإسلاميّة .
وقد ذهب بعض المستشرقين إلى القول بأنّ العرفان والأفكار العرفانيّة كلّها إنّما جاءت إلى العالم الإسلامي من خارجه .
ويذهب السيّد محمّد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان إلى القول : « وليس التصوّف ممّا أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما أنّه يوجد بين الأُمم التي تتقدّمهم في النشوء كالنصارى وغيرهم حتّى الوثنيّة من البرهمانية والبوذيّة ، ففيهم من يسلك الطريقة حتّى اليوم بل هي طريقة موروثة ورثوها من أسلافهم » ( 2 ).
فالتصوّف جزء من حركة الأمم وثقافتهم وطريقة سلوكها في التعبير عن الشأن العبادي المختصّ بها سواء كانت ديانة توحيديّة أم ديانة وثنيّة . وهذا الاسم المشترك بين الإسلام وغيره لا يعني انتقال مسألة العرفان والتصوّف من الأديان الوثنيّة إلى الإسلام بنفس المحتوى والمضمون ، ولكنّه انتقل « لا بمعنى الأخذ والتقليد العادي كوراثة الناس ألوان المدنيّة بعضهم من بعض وأُمّة منهم متأخّرة من أُمّة منهم متقدّمة » ( 3 ) ، والسبب في ذلك هو الاختلاف بين ما يدعو إليه الإسلام وما تدعو إليه سائر الديانات والأفكار والمذاهب ، ف « دين الفطرة يهدي إلى الزُّهد والزّهد يرشد إلى عرفان النفس ، فاستقرار الدِّين بين أمّة وتمكّنه من قلوبهم يعدّهم ويهيّئهم لأن تنشأ بينهم طريقة عرفان نفس لا محالة » ( 4 ) .
إذن فمن وجهة نظر الطباطبائي أنّ دخول العامل الديني على أيّة أمّة كفيل بتصحيح مسارها الفكري وتصويب منهجها ، وعلى هذا « فمكث الحياة الدينيّة في أُمّة من الأُمم برهة معتدّاً بها ينشئ بينهم هذه الطريقة لا محالة صحيحة أو فاسدة وإن انقطعوا عن غيرهم من الأمم الدينيّة كلّ الانقطاع ، وما هذا شأنه لا ينبغي أن يعدّ من السنن الموروثة التي يأخذها جيلٌ عن جيل » ( 5 ) .
ولتقريب المسألة أكثر نقول : بأنّه في العرفان عندنا مسألتان أساسيّتان :
المسألة الأولى : ما هو التوحيد ؟
المسألة الثانية : مَنْ هو الموحِّد ؟
فالنقطة الأساسيّة والمركزيّة في العرفان هي هاتان المسألتان ، نعم قد تجد في الرؤى الفلسفيّة أو الكلاميّة أنّ هناك حديثاً عن هذه المسائل ولكنّها ليست المحور لكلّ شيء ، وطبعاً هذا الكلام عن عدم محوريّة الحديث في الرؤى الفلسفيّة عن قضيّة التوحيد لا يشمل أو لا يطال الفلاسفة العرفانيّين كأمثال صدر المتألّهين باعتبار وجود هذا المذهب والمشرب العرفاني في الحكمة المتعالية ؛ حيث استطاع هذا الفيلسوف الكبير أن يقرّب الفلسفة إلى العرفان .
وفي كلمات صدر المتألّهين ما يشير إلى أنّ هاتين المسألتين هما الأساس عند العرفاء ، يقول : « أمّا العرفاء فقد خرجوا عن التعلّقات بما سوى الله تعالى ، وقصروا النظر على وجه الله ، من غير التفات إلى ذواتهم فضلاً عن غيرها وحصل لهم الموت الإرادي عن هذه النشأة الدُّنياويّة » ( 6 ) .
« . . فنّ الربوبيّات من المفارقات المسمّى بأثولوجيا من العلم الكلّي والفلسفة وعلم النفس من الطبيعيّات فإنّهما من المقاصد التي هي أساس العلم والعرفان . . » (7) .
وتحقيق القول في قضيّة منشأ العرفان وكونه مصطلحاً منتزعاً من داخل بيئة الإسلام أو أنّه معرّب عن لغة أُخرى أو بيئة فكريّة أخرى ؟ فإنّ هذه القضيّة تحتاج إلى تحقيق موسّع ومفصّل .
ولكنّنا عندما نرجع إلى الروايات الصادرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام نجد ألفاظاً من قبيل عرف وعرفان ومعرفة والوقوف في عرفات و . . .
وكلّها ألفاظ تشير إلى محور معيّن لهذه الكلمة ، وإشارات إلى هذا المصطلح الموجود ، أمّا عن وجود ما يرادفها فإنّ الطباطبائي عندما يعبّر عن العرفان يقول : العرفان الفارسي ، العرفان اليوناني . . . ولكن هل هذا يعني أنّ هذا الاصطلاح موجود أو غير موجود ؟ وأنّ المحتوى كان موجوداً في تلك العصور القديمة أيضاً مع الفارق بينه في تلك الأزمنة وبين ما وصل إليه العرفان الإسلامي ؟ هذه بحوث تحتاج إلى تفصيل كما ذكرنا ، مع الإشارة فقط إلى أنّه في الأزمنة القديمة كان يسمّى « غنوص » وما يعبّر عنه بالظاهر الغنوصيّة التي تعني نفس الظاهرة العرفانيّة ، وهي أقرب ما تكون إلى الباطنيّة ، أمّا في الإسلام فإنّ المراد من العرفان هو تلك الرؤية الكونيّة .
وهنا لا بدّ من الوقوف عند مسألة أساسيّة وهامّة وهي : ما هو الموقف والاتّجاه العامّ لغير العرفاء من مقولات العرفانيّين ومعتقداتهم ؟
يمكن القول باختصار أنّ هناك مواقف ونظريّات متعدّدة من العرفان ، فقد رأى أصحاب الحديث وفقهاء المسلمين أنّ العرفاء لا يرتبطون عمليّاً بالإسلام ، وأنّ استنادهم إلى الكتاب والسنّة إنّما هو خداع صِرف وتضليل للعوامّ ، ورأى البعض بأنّ العرفان والتصوّف حركة قامت بها ملل من غير العرب ضدّ الإسلام والعرب معاً ، تحت ستار من المعنويّات .
وهناك موقف ثالث أيّده بعض علماء المسلمين ومنهم الشهيد مرتضى مطهّري رضوان الله تعالى عليه ومفاده : أنّ في العرفان والتصوّف
– وخصوصاً في العرفان العملي – يمكن رصد بدع وانحرافات كثيرة ، لا تتّفق مع كتاب الله ومع السنّة المعتبرة .
ولكن العرفاء شأنهم شأن سائر طبقات المفكّرين المسلمين ، ومثل أغلب الفرق الإسلاميّة ، يمتلكون خلوصاً في النوايا ، ولا يريدون أبداً معارضة الإسلام في أمر أو قول ، ويمكن أن تكون لديهم شبهات وأخطاء ، ولكن لم يكن هناك أيّ سوء نيّة بالنسبة إلى الإسلام عمليّاً عندهم .
وإلى هنا تكون جملة من الأمور قد اتّضحت لدينا وهي :
أوّلاً : أنّ العرفان إنّما يُشاد على طبيعة النظرة التوحيديّة للإنسان ، وعلى نقطة البداية للإنسان إزاء مبدأ التوحيد .
ثانياً : أنّ العرفان يضمّ النظرية والتطبيق أو السلوك في نفس الوقت ، بينما التصوّف هو ظاهرة اجتماعيّة لها أعرافها الخاصّة .
ثالثاً : أنّ العرفان مصطلح عريق في اللغة العربيّة ، ومع كونه موجوداً ما قبل الإسلام إلاّ أنّه مغاير لرؤية الإسلام ومنهجه في الحياة ، والعرفان الإسلامي نشأ من داخل البيئة الفكريّة الإسلاميّة .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) . مقدّمات تأسيسيّة في التصوّف والعرفان ، مصدر سابق : ص 11 .
(2).الطباطبائي ، محمّد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1390 ه ، و الطبعة الخامسة ، 1403 ه – 1983 م : ج 6 ، ص 192 – 193 .
(3) . المصدر نفسه : ص 193 .
(4) الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ص 193 .
(5) المصدر نفسه .
(6) الشيرازي ، صدر الدِّين ، تفسير القرآن الكريم ، تصحيح محمّد خواجوي ، انتشارات بيدار ، قم ، الطبعة الأولى ، د . ت : ج 6 ، ص 233 .
(7) الشيرازي ، صدر الدِّين ، المبدأ والمعاد ، تصحيح : جلال الدِّين أشتياني ، مع مقدّمة السيّد حسين نصر ، أنجمن شاهنشاهي فلسفة إيران ، سيّد حسين نصر : ص 7 .
المصدر: العرفان الشيعي