- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
نحن نعتقد بأن النبي محمد وأهل بيته الطاهرين (ع) ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فليس من الغريب أن يزور النبي وأهل بيته (ع) قبر الإمام الحسين (ع) الذي ضحى بكل شيء من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي، وقد وردت روايات في كتب الفريقين تثبت ذلك، نذكر بعضها:
زيارة النبي وأهل بيته (ع) لقبر الحسين (ع)
روى الشيخ محمد بن المشهدي بإسناده إلى الأعمش، قال: كنت نازلاً بالكوفة وكان لي جار كثيراً ما كنت أقعد إليه، وكان ليلة الجمعة، فقلت له: ما تقول في زيارة الحسين (ع)؟ فقال لي: بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فقمت من بين يديه وأنا ممتلى غضباً، وقلت: إذا كان السحر أتيته فحدثته من فضائل أمير المؤمنين (ع) ما يُسخِنُ الله به عينيه.
قال: فأتيته وقرعت عليه الباب، فإذا أنا بصوت من وراء الباب: إنّه قد قصد الزيارة في أول الليل، فخرجت مسرعاً فأتيتُ الحير، فإذا أنا بالشيخ ساجد لا يمل من السجود والركوع، فقلت له: بالأمس تقول لي: بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، واليوم تزوره؟ فقال لي: يا سليمان لا تلمني، فإنّي ما كنت أثبت لأهل هذا البيت إمامة حتى كانت ليلتي هذه، فرأيت رؤيا أرعبتني، فقلت: ما رأيت أيها الشيخ؟
قال: رأيت رجلا لا بالطويل الشاهق ولا بالقصير اللاصق، لا أُحْسِنُ أصفه من حسنه وبهائه، معه أقوام يحفّون به حفيفاً ويزفونه زفّاً، بين يديه فارس على فرس له ذنوب على رأسه تاج، للتاج أربعة أركان في كل ركن جوهرة تضيء مسيرة ثلاثة أيام، فقلت: من هذا؟
فقالوا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (ص)، فقلت: والآخر؟ فقالوا: وصيه علي بن أبي طالب (ع)، ثم مددت عيني فإذا أنا بناقة من نور عليها هودج من نور تطير بين السماء والأرض، فقلت: لمن الناقة؟ قالوا: لخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (ص) قلت: والغلام؟ قالوا: الحسن بن علي، قلت: فأين يريدون؟
قال: يمضون بأجمعهم إلى زيارة المقتول ظلماً الشهيد بكربلاء الحسين ابن علي، ثم قصدت الهودج وإذا أنا برقاع تتساقط من السماء أماناً من الله جل ذكره لزوّار الحسين بن علي ليلة الجمعة، ثم هتف بنا هاتف: ألا إنا وشيعتنا في الدرجة العليا من الجنّة، والله يا سليمان لا أدعُ هذا المكان حتى تُفارق روحي جسدي[1].
زيارة النبي (ص) يوم قتل الحسين (ع) برواية أم سلمة
1ـ عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: خرج رسول الله (ص) من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلاً، ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك شعثاً مُغبراً؟! فقال: أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له «كربلاء»، فَأُرِيتُ فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي، وبسطها إليّ فقال: خذيها واحتفظي بها، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وسددت رأسها واحتفظت بها، فلمّا خرج الحسين (ع) من مكة متوجهاً نحوالعراق كنت أُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان في اليوم العاشر من المحرم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين (ع) ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها، ثمّ عُدتُ إليها آخرَ النّهار فإذا هي دم عبيط، فصحتُ في بيتي وبكيتُ، وكظمتُ غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرع بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقق ما رأيت[2].
1ـ عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد (ع)، قال: أصبحت يوماً أم سلمة رحمها الله تبكي، فقيل لها مم بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين (ع) الليلة؛ وذلك إنني ما رأيت رسول الله (ص) منذ قبض إلا الليلة، فرأيته شاحباً كئيباً، قالت: فقلت: مالي أراك يا رسول الله شاحباً كثيباً؟ قال: ما زلتُ الليلة أحفر قبوراً للحسين وأصحابه[3].
3ـ في مناقب آل أبي طالب عن جامع الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني، قالوا: إن أم سلمة قالت: رأيتُ رسول الله (ص) في المنام وعلى رأسه التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ فقال: شهدت قتل الحسين (ع) آنفاً[4].
4ـ عن ابن عباس قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أم سلمة، وهي تقول: يا بنات عبد المطلب أسعدنني وابكين معي فقد قتل سيدكن، فقيل: ومن أين علمت ذلك؟
قالت: رأيتُ رسول الله الساعة في المنام شعثاً مذعوراً، فسألته عن ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته فدفنتهم، قالت: فنظرت فإذا بتربة الحسين (ع) التي أتى بها جبرئيل من كربلاء، وقال: إذا صارت دماً فقد قتل ابنكِ، فأعطانيها النبي (ص) فقال: اجعليها في زجاجة فلتكن عندك، فإذا صارت دماً فقد قتل الحسين (ع)، فرأيت القارورة الآن قد صارت دماً عبيطاً يفور[5].
5ـ عن رزین قال: حدثتني سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (ص) – تعني في المنام ـ وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين (ع) آنفا[6].
6ـ جاء في المراسيل أن سلمى المدنية قالت: دفع رسول الله (ص) إلى أم سلمة قارورة فيها رمل من الطفّ، وقال لها: إذا تحوّل هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يقتل الحسين (ع)، قالت سلمى: فارتفعت واعية من حجرة أم سلمة، فكنت أول من أتاها، فقلت لها: ما دهاك يا أم المؤمنين؟ قالت: رأيت رسول الله (ص) في المنام والتراب على رأسه، فقلت: ما لك؟ فقال: وثب الناس على ابني فقتلوه وقد شهدته قتيلاً الساعة، فاقشعر جلدي وانتبهت وقمتُ إلى القارورة فوجدتها تفور دماً، قالت سلمى: فرأيتها موضوعة بين يديها[7].
7ـ عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (ع) ـ في حديث طويل ـ قال: ثم خرج الحسين (ع) وقال لأم سلمة: يا أم إني لمقتول يوم عاشوراء يوم السبت، فكانت أم سلمة تعد الأيام وتسأل عن يوم عاشوراء، فلما كانت تلك الليلة صبيحة قتل الحسين (ع) رأت في منامها رسول الله (ص) أشعث مغبراً باكياً، وقال: دفنت الحسين وأصحابه الساعة، فانتبهت أم سلمة وخرجت صارخة بأعلى صوتها، واجتمع إليها أهل المدينة، فقالوا لها: ما الذي دهاك؟
قالت: قتل الحسين ابن علي وأصحابه، قالوا: أضغاث أحلام، فقالت: مكانكم فإن عندي تربة الحسين (ع)، فأخرجت إليهم القارورة فإذا هي دم عبيط، فحسبوا الأيام فإذا الحسين (ع) قتل في ذلك اليوم[16].
زيارة النبي (ص) يوم قتل الحسين (ع) برواية ابن عباس
1ـ في منتخب الطريحي: روي عن ابن عباس قال: كنت نائماً في منزلي في مدينة الرسول (ص) قائلة الظهر، فرأيت رسول الله (ص) وهو مقبل من نحو كربلاء وهو أشعث أغبر والتراب على شيبته وهو باكي العينين حزين القلب، ومعه قارورتان مملوءتان دماً، فقلت له: يا رسول الله ما هذه القارورتان المملوءتان دماً؟!
فقال لي: هذه فيها من دم الحسين (ع)، وهذه الأخرى من دم أهل بيته وأصحابه، وإني الآن رجعت الآن من دفن ولدي الحسين (ع)، وهو مع ذلك لا يفيق من البكاء والنحيب، قال ابن عباس: فاستيقظت من نومي فز عامر عوباً حزيناً على الحسين ولم أعلم بقتله، فبقيت في الهم والغم أربعة وعشرين يوماً حتى جاء الناعي إلى المدينة بقتل الحسين (ع)، فحسبتُ من يوم الرُّؤْيا إلى ذلك اليوم، فإذا هو يوم قتل الحسين (ع)، وفي تلك الساعة التي رأيت فيها المنام كان مقتل الحسين (ع)، فتعجبت من ذلك وتزايدت أحزاني وتصاعدت أشجاني[8].
2ـ عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله (ص) فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة، فقلت: يا رسول الله ما هذه القارورة؟ قال: دم الحسين وأصحابه ما زلت ألتقطه منذ اليوم، قال: فنظرنا فإذا قد قتل الحسين (ع) في ذلك اليوم، وقيل: الذي رأى المنام عمار بن أبي عمار[9].
3ـ في بعض كتب المناقب: عن عمار: أن ابن عباس رأى النبي (ص) في منامه يوماً بنصف النهار وهو أشعث أغبر في يده قارورة فيها دم، فقال: يا رسول الله ما هذا الدم؟ قال: دم الحسين (ع) لم أزل التقطه منذ اليوم، فأحصي ذلك اليوم فوجد أنه قتل في ذلك اليوم[10].
4ـ عن ابن عباس، قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي (ص)، فخرجت يتوجه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء، فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين ما بالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت: يا بنات عبد المطلب أسعدنني وابكين معي فقد قتل والله سيدكن وسيد شباب أهل الجنّة، قد قتل والله سبط رسول الله وريحانته الحسين (ع).
فقيل: يا أم المؤمنين ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول الله (ص) في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم، قالت: فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين (ع) التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال: إذا صارت هذه التربة دماً فقد قتل ابنك، وأعطانيها النبي (ص) فقال: اجعلي هذه التربة في زجاجة أو قال: في قارورة وليكن عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قتل الحسين، فرأيتُ القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور.
قال: وأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين (ع)، فجاءت الركبان بخبره وأنه قد قتل في ذلك اليوم[11].
5ـ في أثر ابن عباس: رأى النبي (ص) في منامه بعد ما قتل الحسين (ع) وهو مغبر الوجه حافي القدمين باكي العينين، وقد ضمّ حُجَزَ قميصه إلى نفسه، وهو يقرأ هذه الآية (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[14]، وقال: إني مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض، وهو ذا في حجري، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربي[15].
زيارة النبي (ص) يوم قتل الحسين (ع) برواية الطرماح
روي عن الطرماح بن عدي رضي الله عنه قال: كنت من قتلى كربلاء وقد بقي في رمق الحياة، ولو حلفت لكنت صادقاً إذ رأيت بعد عشرات متتابعات عشرين فارساً لهم نور شعشعاني، وكلهم ذو ثياب بيض يفوح منها رائحة المسك والعنبر، فقلت في نفسي: هذا ابن زياد وقد أقبل يطلب جسد الحسين (ع) ليمثل به فجاءوا حتى نزلوا بين القتلى، ثم إن المتقدم أتى إلى الحسين (ع) وجلس عنده وأجلسه وسنده بصدره، وأومأ إلى نحو الكوفة بيده فما ردّها إلا وبها رأس الحسين (ع)، فركبه على الجسد كما كان أولا، فطار عقلي وقلت: ليس ابن زياد قادراً على هذا فتأملته فإذا هو رسول الله (ص).
فقال: السلام عليك يا ولدي، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا جداه، قال: كيف يا ولدي قتلوك؟! أتراهم ما عرفوك؟! ومن الماء منعوك؟! وعن حرم جدك أخرجوك؟! ويلهم ألا أخبرتهم بحسبك عسى أن يرقوا لحالك، فبكى وقال: يا جداه أخبرتهم فقالوا: نعرفك حق المعرفة لكن نقتلك ظلماً وعدواناً.
فقال: يا أبي آدم، ويا أبي نوح، ويا أبي إبراهيم، ويا أخي إسماعيل، ويا أخي موسى ويا أخي عيسى ـ فأجابوه بالتلبية ـ انظروا إلى ما فعلت أشقياء أمتي من بعدي بعترتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، فقالوا: آمين اللهم آمين، فجعلوا يبكون ويعزون النّبي (ص) زماناً طويلا، وهو يحثو التراب على رأسه وشيبته الطاهرة، والحسين لا يقص عليه ما صدر وما عملوه فيه حتّى غشي عليه من البكاء، وأنا أسمعهم وأشاهدهم، ففارقوه وانطرح كما كان أولا ميتاً[13].
بيان بعض المحققين[17]
ولأجل بقاء الحسين (ع) عارياً على وجه الصعيد ثلاثاً ـ وهو علة الكائنات لاشتقاقه من النبي (ص) الذي هو علة العلل المتفرع من الشعاع الإلهي الأقدس ـ أظلمت الدنيا ثلاثة أيام[18]، واسودت سواداً عظيما[19] حتى ظن الناس أن القيامة قامت[20]، وبدت الكواكب نصف النهار[21]، وأخذ بعضها يضرب بعضاً[22]، ولم يُرَ نور الشمس[23]، ودامت الدنيا على هذا ثلاثة أيام[24]، ولا غرابة في اضمحلال نور الشمس في المدة التي كان فيها سيد شباب أهل الجنّة عارياً على وجه الصعيد؛ إذ هو العلة في مجرى الكون؛ لما عرفت من اشتقاقه من الحقيقة المحمدية التي هي علة العلل والعقل الأول، وحديث عرض الولاية على الموجودات فمن قبل عمّت فائدته ومن أبي عرى عن الفائدة يؤكد ذلك.
وإذا صح الحديث بتغيّر الكون لأجل إبراز عظم نبي من الأنبياء حتى غامت السماء ومطرت حين استقى به أحد علماء النصارى في سرّ من رأى[25] مع أنه لم يكشف عن جسد ذلك النبي ولا كانت أعضاؤه مقطّعة، فإذاً كيف لا يتغيّر الكون ولا يُمحى نور الشمس والقمر وقد تُرِكَ سيّد شباب أهل الجنة على وجه الصعيد مجرّداً، ومثلّوا بذلك الهيكل القدسي كلَّ مثلة!
ما للسماء غداةَ أُرْدِيَ لم تَمُرْ ** والأرض يومَ أُصيب لم تتصدع
إني لأعذر بعده بدر الدجى ** لو لم يلخ والشمس لو لم تطلع
والشُّهْبَ لو أَفَلَتْ وهَذِي السُّحْبَ لو** هِيَ أَقْلَعَتْ والوحش لو لم تَرْتَعِ
والماء لو لم يضف والأشجار لو** لم تره والأطيار لو لم تَسْجَعِ
والريح عند هبوبها لو أنها ** جاءَتْ عواصفها بريحٍ زَعْزَعِ
وحُرِمْتُ شرب الماء إن أنا عنده ** لم ألف مكتئباً ولم أَسْتَرْجِعِ
رمتِ العِدا قلبي بِسَهم الغدرِ إِنْ ** لَمْ يُشْجِنِي رَفْعُ الكريم الأَرْفَعِ
وحُمِلْتُ فوقَ أَجَبْ عارٍ ضالع ** إِن أَنْسَ حَمْلَ بِنَبِهِ فوقَ الضُّلْعِ[26].
بلى، لقد تغيرت أوضاع الموجودات واختلفت الكائنات فبكته الوحوش وجرت دموعها رحمة له؛ قال أمير المؤمنين (ع): بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة، والله كأني أنظر إلى الوحوش مادة أعناقها على قبره تبكيه ليلا حتى الصباح[27]، ومطرت السماء دم فأصبحت الحباب والجرار وكلّ شيء ملآن دماً[28]، وحتى بقي أثره على البيوت والجدران مدة[29]، ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط[30] حتى في بيت المقدس.
ولما دخل الرأس المقدّس إلى قصر الامارة سالت الحيطان دماً[31]، وخرجت نار من بعض جدران قصر الإمارة وقصدت عبيد الله بن زياد فقال لمن حضر عنده: اكتمه[32] وولى هارباً منها، فتكلّم الرأس الشريف بصوت جهوري: إلى أين تهرب يا ملعون؟ فإن لم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك، ولم يسكت الرأس حتى ذهبت النار فأدهش من في القصر، ومكث الناس شهرين أو ثلاثة يرون الجدران ملطخة بالدم ساعة تطلع الشمس وعند غروبها[33].
وحديث الغراب المتلطخ بدم الحسين (ع) وقد طار إلى المدينة ووقع على جدران فاطمة ابنة الحسين الصغرى، ومنه استعلمت قتل أبيها (ع)، ولما نعته إلى أهل المدينة قالوا: جاءت بسحر بني عبد المطلب، وما أسرع أن جاء الخبر بشهادته، يرويه الموفق أخطب خوارزم أحمد بن مكي المتوفى سنة ٥٦٨ في مقتل الحسين (ع)[34].
ولا غرابة فيه بعد المصادقة على وجود ابنة للحسين (ع) غير فاطمة وسكينة، فإنّ شهادته (ع) حفلت بالكثير من خوارق العادة؛ أراد الجليل عزّ شأنه إعلام الأمة الحاضرة والأجيال المتعاقبة الواقفين على هذه الملحمة التي لم يأت الدهر بمثلها بالقساوة التي استعملها الأمويون مع أبي عبد الله (ع) المستشهد في سبيل الدعوة الإلهية، وفي ذلك توجيه الأنظار إلى كرامة الحسين (ع) عند الله، وأن قتله سوف يكون مدحرة للأضاليل، وإحياء للدين الذي أراد بقاءه ربُّ العالمين إلى يوم يبعثون.
قال ابن الجوزي: لقد منع النبي من النوم أنين عمه العباس بن عبد المطلب لمّا أُسِرَ يوم بدر وأُوثق كتافاً، فكيف به لو يسمع أنين الحسين؟! ولما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي: غيب وجهك عني فإني لا أُحبّ أن أرى قاتل الأحبة، مع أنّ الإسلام يجبُّ ما قبله، فكيف به لو يرى من ذبح ولده وحمل أهله على أقتاب الجمال؟![35]
بلی، لقد حضر رسول الله (ص) المعركة وشاهد ذلك الجمع المتألب على استئصال أهله من جديد الأرض، وبمرأى منه عويل الأيامى ونشيج الفاقدات وصراخ الصبية من الظمأ، وقد سمع العسكر صوتاً هائلا: «ويلكم يا أهل الكوفة إنِّي أرى رسول الله (ص) ينظر إلى جمعكم مرة وإلى السماء أخرى وهو قابض على لحيته المقدسة»، لكن الهوى والضلال المستحكم في نفوس ذلك الجمع المغمور بالأطماع أوحى إليهم «أنه صوت مجنون»، فصاح الجمع: لا يهولنّكم ذلك، وكان أبو عبد الله الصادق (ع) يقول: لا أراه إلا جبرئیل[36].
الاستنتاج
أنه ليس من الغريب أن يزور النبي محمد وأهل بيته (ع) قبر الإمام الحسين (ع) لأنّهم أحياء عند ربهم يرزقون، وقد وردت روايات عدة أكدت على ذلك، منها ما روته أم سلمة زوج النبي (ص)، ومنها ما رواه ابن عباس، ومنها ما رواه الطرماح وهو من المجروحين في كربلاء.
الهوامش
[1] المفيد، المزار الكبير، ص330.
[2] المفيد، الإرشاد، ج2، ص130.
[3] الطوسي، الأمالي، ص90.
[4] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص55.
[5] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص55.
[6] الترمذي، سنن الترمذي، ج13، ص193.
[7] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص232.
[8] الطريحي، منتخب الطريحي، ص471.
[9] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص268.
[10] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص231.
[11] الطوسي، الأمالي، ص 314.
[12] الطوسي، الأمالي، ص 314.
[13] الجزائري، الأنوار النعمانية، ج3، ص253.
[14] إبراهيم، ٤٢.
[15] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص84.
[16] الخصيبي، الهداية الكبرى، ص203.
[17] المقرّم، مقتل الحسين (ع)، ص291.
[18] ابن عساكر، تاریخ ابن عساكر، ج4، ص334.
[19] ابن عساكر، تاریخ ابن عساكر، ج4، ص339.
[20] ابن حجر الهيثمي، الصواعق المحرقة، ص194.
[21] ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج2، ص354.
[22] ابن عساكر، تاريخ ابن عساكر، ج4، ص339.
[23] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص197.
[24] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص161.
[25] الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص441.
[26] القصيدة للشيخ محمّد بن شريف بن فلاح الكاظمي.
[27] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص165.
[28] السيوطي، الخصائص الكبرى، ج2، ص126.
[29] ابن حجر الهيثمي، الصواعق المحرقة، ص194.
[30] ابن عساكر، تاريخ ابن عساكر، ج4، ص339.
[31] ابن عساكر، تاريخ ابن عساكر، ج4، ص339.
[32] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص196.
[33] ابن الأثير، الكامل، ج4، ص90.
[34] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص105.
[35] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص273.
[36] انظر: ابن قولويه، كامل الزيارات، ص553.
مصادر البحث
1ـ ابن الأثير، علي، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، طبعة 1386 ه.
2ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
3ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، تهذيب التهذيب، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأُولى، 1404 ه.
4ـ ابن حجر الهيثمي، أحمد، الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة 1414 ه.
5ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 ه.
6ـ ابن عساكر، علي، تاریخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الفكر، طبعة 1415 ه.
7ـ ابن قولويه، جعفر، كامل الزيارات، تحقيق جواد القيّومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
8ـ الترمذي، محمّد، سنن الترمذي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثانية، طبعة 1403 ه.
9ـ الجزائري، نعمة الله، الأنوار النعمانية في بيان النشأة الإنسانية، بيروت، دار القارئ، الطبعة الأُولى، 1429 ه.
10ـ الخصيبي، حسين، الهداية الكبرى، بيروت، مؤسّسة البلاغ، الطبعة الأُولى، 1419 ه.
11ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه.
12ـ الراوندي، سعيد، الخرائج والجرائح، قم، مؤسّسة الإمام المهدي (ع)، الطبعة الأُولى، 1409 ه.
13ـ السيوطي، عبد الرحمن، الخصائص الكبرى، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، 1405 ه.
14ـ الطريحي، فخر الدين، المنتخب للطريحي في جمع المراثي والخطب، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1424 ه.
15ـ الطوسي، محمّد، الأمالي، قم، دار الثقافة، الطبعة الأُولى، 1414 ه.
16ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
17ـ المفيد، محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
18ـ المفيد، محمّد، المزار الكبير، تحقيق محمّد باقر الأبطحي، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
19ـ المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين (ع)، مؤسّسة البعثة، بلا تاريخ.
20ـ الهيثمي، علي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة 1408 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف بسيط)
الأصطهباناتي، محمّد حسن، نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين (ع)، قم، مؤسّسة الرافد للمطبوعات، طبعة 1432 ه.