- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 1 تعليق
بعد قتل الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء بأرض كربلاء حصلت وقائع اثبتها التاريخ لنا، وهذه الوقائع تثبت لنا مدى إجرام العصابة التي جاءت إلى كربلاء لقتل الإمام الحسين (ع)، ومدى مظلومية أهل البيت (ع) من هذا الإجرام، وبالخصوص الإمام زين العابدين (ع)، وهو في حالة يرثى لها.
1ـ صور من عواقب قتلة الإمام الحسين (ع) وأعدائه
لا شك ولا ريب في أن كل من اشترك في قتل سيد شباب أهل الجنة وسلبه ونهبه ابتلي ببلية في دار الدنيا قبل الآخرة.
روى الخوارزمي في المقتل عن مينا أنه قال: «ما بقي من قتلة الحسين أحد لم يُقتل إلا رُمي ببلاء في جسده قبل أن يموت»[1].
ونقل سبط ابن الجوزي عن الزهري أنه قال: «ما بقي منهم أحد إلا وعوقب في الدنيا، إما بالقتل، أو العمى، أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدة يسيرة»[2].
مصير عبيد الله بن زياد لعنه الله
قتل عبید الله بن زياد على يد إبراهيم بن مالك الأشتر (ره) في وقعة الخازر حيث التقاه في ميدان المعركة فضربه ضربة بالسيف شرقت منها يداه، وغربت رجلاه، وكان ذلك في الليل، فلمّا تأكدوا منه وجدوا أنه عبيد الله بن زياد نفسه، فاجتزوا رأسه، وقال إبراهيم بن مالك: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي[3].
وبعث إبراهيم بن مالك (ره) برأس عبيد الله بن زياد لعنه الله، ورؤوس الرؤساء من أهل الشام وفي آذانهم رقاع أسمائهم، فقدموا على المختار وهـو يتغدى، فحمد الله تعالى على الظفر، فلما فرغ من الغداء قام فوطأ وجه ابن زياد بنعله، ثم رمى بها إلى غلامه وقال: أغسلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر[4].
«قال أبو عمر البزاز: كنتُ مع إبراهيم بن مالك الأشتر لما لقي عبيدالله بن زياد لعنه الله ـ بالخازر، فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم، قيل: كانوا سبعين ألفاً، وصلب إبراهيم ابن زياد منكساً، فكأني أنظر إلى خصييه كأنهما جعلان!»[5].
مصير عمر بن سعد لعنه الله
كانت الندامة والحسرة قد أكلت قلب عمر بن سعد لعنه الله، لأنه لم ينل من ابن زياد ما كان يؤمله من مناصب الدنيا وأطماعها، وخرج من مجلس ابن زياد يريد منزله إلى أهله وهو يقول في طريقه: ما رجع أحد مثل ما رجعت أطعتُ الفاسق ابن زياد الظالم ابن الفاجر وعصيتُ الحاكم العدل وقطعت القرابة الشريفة وهجره الناس، وكان كلّما مرَّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه، وكلّما دخل المسجد خرج الناس منه، وكلّ من رآه قد سبه! فلزم بيته إلى أن قُتل!»[6].
وكان المختار (ره) قد أعطى عمر بن سعد الأمان بشرط ألا يُحدث حدثاً.
ولما علم عمر بقول المختار فيه عزم على الخروج من الكوفة، فأحضر رجلاً إسمه مالك بن دومة وكان شجاعاً، وأعطاه أربعمائة دينار نفقة لحوائجهما، وخرجا من الكوفة، فلما كانا عند حمّام عمر أو نهر عبدالرحمن أطلع عمر صاحبه على نيته في الهرب خوفاً من المختار، لكن صاحبه أقنعه بأن المختار أعجز من أن ينال عمر بسوء، وأوحى إليه أنه أعز العرب فاغتر بكلامه فرجعا إلى الكوفة، ولما علم المختار بخروجه من الكوفة قال: ألله أكبر! وفينا له وغدر! وفي عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق لما استطاع!
وأرسل عمر إبنه إلى المختار فقال له: أين أبوك؟ قال: في المنزل ـ ولم يكونا يجتمعان عند المختار، وإذا حضر أحدهما غاب الآخر خوفاً أن يجتمعا فيقتلهما – فقال حفص: أبي يقول: أتفي لنا بالأمان؟
قال: أجلس! وطلب المختار أبا عمرة ـ وهو كيسان التمار ـ فأسر إليه أن اقتل عمر بن سعد، وإذا دخلت عليه وسمعته يقول: يا غُلام! عليّ بطيلساني، فاعلم أنه يريد السيف فبادره واقتله!
فلم يلبث أن جاء ومعه رأسه!
فقال حفص: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ قال: نعم، ولا خير في العيش بعده! فقال: إنك لا تعيش بعده! وأمر بقتله.
وقال المختار: عمر بالحسين، وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء، والله لاقتلن سبعين ألفاً كما قتل بيحيى بن زكريا .
وقيل: إنّه قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين[7] .
مصير شمر بن ذي الجوشن لعنه الله
قال مسلم بن عبد الله الضبابي: كنتُ مع شمر حين هَزَمَنا المختار، فدنا منا العبد، فقال شمر : أركضوا وتباعدوا لعل العبد يطمعُ فيّ! فأمعنا في التباعد عنه، حتى لحقه العبد فحمل عليه شمر فقتله، ومشى فنزل في جانب قرية إسمها الكلتانية على شاطىء نهر إلى جانب تلّ، ثم أخذ من القرية علجاً فضربه، ودفع إليه كتاباً.
وقال: عجّل به إلى مصعب بن الزبير .. فمشى العلج حتى دخل قرية فيها أبو عمرة بعثه المختار إليها في أمرٍ ومعه خمسمائة فارس، فأقرأ الكتاب رجلاً من أصحابه، وقرأ عنوانه، فسأل عن شمر وأين هو؟ فأخبره أن بينهم وبينه ثلاثة فراسخ.
قال مسلم بن عبدالله: قلت لشمر لو ارتحلت من هذا المكان فإنّا نتخوف عليك! قال: ويلكم أكل هذا الجزع من الكذاب!؟ ـ والله ـ لا برحت فيه ثلاثة أيام! فبينما نحن في أوّل النوم إذ أشرفت علينا الخيل من التل وأحاطوا بنا، وهو عريان متزر بمنديل، فانهزمنا وتركناه!
فأخذ سيفه ودنا منهم… فلم يك بأسرع أن سمعنا: قتل الخبيث! قتله أبو عمرة، وقتل أصحابه.
ثم جييء بالرؤوس إلى المختار، فخر ساجداً، ونُصبت الرؤوس في رحبة الحذائين، حذاء الجامع»[8].
مصير سنان بن أنس لعنه الله
وهرب سنان بن أنس لعنه الله إلى البصرة فهدم داره، ثم خرج من البصرة نحو القادسية، وكان عليه عيون، فأخبروا المختار، فأخذه بين العُذيب والقادسية، فقطع أنامله ثم يديه ورجليه، وأغلى زيتاً في قدر وألقاه فيه»[9].
مصير خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله
ثم بعث أبا عمرة، فأحاط بدار خولي بن يزيد الأصبحي، وهو حامل رأس الحسين إلى عبيدالله بن زياد، فخرجت امرأته إليهم وهي النوار ابنة مالك ـ كما ذكر الطبري في تأريخه – وقيل: إسمها العيوف، وكانت محبة لأهل البيت، قالت: لا أدري أين هو؟ وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء! فوجدوه وعلى رأسه قوصرة، فأخذوه وقتلوه، ثم أمر بحرقه»[10].
مصير حكيم بن الطفيل السنبسي لعنه الله
ثم بعث عبدالله بن كامل إلى حكيم بن الطفيل السنبسي، وكان قد أخذ سلب العباس ورماه، فأخذوه قبل وصوله إلى المختار، ونصبوه هـدفـاً، ورموه بسهم بالسهام»[11].
مصير حرملة بن كاهل لعنه الله
حدّث المنهال بن عمرو قال: دخلت على زين العابدين (ع) أودعه وأنا أريد الإنصراف من مكة، فقال: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل!؟ وكان معي بشر غالب، فقلت: هو حي بالكوفة!
فرفع يديه وقال: أللهم أذقه حَرَّ الحديد، اللهم أذقه حَرَّ الحديد، اللهم أذقه حرّ النار! قال المنهال: وقدمت إلى الكوفة والمختار بها فركبت إليه، فلقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال! ألم تشركنا في ولايتنا هذه؟ فعرّفته أني كنت بمكة، فمشى حتى أتى الكناس، ووقف كأنه ينتظر شيئاً فلم يلبث أن جاء قوم فقالوا: أبشر أيها الأمير فقد أخذ حرملة فجيء به فقال: لعنك الله، الحمد لله الذي أمكنني منك! الجزار، الجزار! فأتي بجزار فأمره بقطع يديه ورجليه، ثم قال: النار النار، فأُتي بنار وقصب فأحرق[12].
مصير بجدل بن سليم لعنه الله
وكان ممن سلبوا الإمام (ع)، وكانوا قد أتوا المختار به «وعرّفوه أنه أخذ خاتمه وقطع إصبعه! فأمر بقطع يديه ورجليه، فلم يزل ينزف حتى مات»[13].
مصير الذين وطأوا جسد الإمام بالخيل
«قال موسى بن عامر فأوّل من بدأ به[14] الذين وطأوا الحسين بخيلهم، وأنامهم على ظهورهم، وضرب سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم، وأجرى الخيل عليهم حتى قطعتهم، وحرقهم بالنار، ثم أخذ رجلين أشتركا في دم عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب وفي سلبه كانا في الجبانة، فضرب أعناقهما، ثم أحرقهما بالنار، ثم أحضر مالك بن بشير، فقتله في السوق»[15].
مصير عمرو بن صبيح الصيداوي لعنه الله
وطلب عمرو بن صبيح الصيداوي[16] فأتوه وهو على سطحه بعدما هدأت العيون، وسيفه تحت رأسه، فأخذوه وسيفه، فقال: قبحك الله من سيف! ما أبعدك على قربك! فجيء به الى المختار، فلما كان من الغداة طعنوه بالرماح حتى مات.[17].
مصير زيد بن رقاد الجهني لعنه الله
وأحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبل والحجارة وأحرقه»[18].
مصير أبجر بن كعب لعنه الله
قال الخوارزمي: وقال عبيد الله بن عمار: رأيت على الحسين سراويل تلمع ساعة قتل، فجاء أبجر بن كعب فسلبه وتركه مجرّداً، وذكر محمد بن عبدالرحمن: أن يدي أبجر بن كعب كانتا تنضحان الدم في الشتاء وتيبسان في الصيف كأنهما عود!»[19].
ويروي الخوارزمي أيضاً عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «وجد فيه[20] ثلاث وثلاثون طعنة، واربع وثلاثون ضربة، وأخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فصار زمناً مقعداً من رجليه، وأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي فاعتم بها فصار مجذوماً، وأخذ مالك بن نسر الكندي درعه فصار معتوه[21].
مصير أحد سالبي الإمام الحسين (ع)
ورُئي رجل بلا يدين ولا رجلين وهو أعمى، يقول: ربّ نجني من النار! فقيل له: لم تبق عليك عقوبة وأنت تسأل النجاة من النار؟ قال: إني كنت في من قاتل الحسين بن علي في كربلاء، فلما قتل رأيتُ عليه سراويل وتكة حسنة، وذلك بعدما سلبه الناس، فأردت أن أنتزع التكة فرفع يده اليمنى ووضعها على التكة، فلم أقدر على دفعها فقطعت يمينه ثمّ أردت انتزاع التكة، فرفع شماله ووضعها على التكة فلم أقدر على دفعها فقطعت شماله، ثمّ هممت بنزع السراويل فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليَّ النوم، فنمت بين القتلى، فرأيتُ كأن النبي محمد (ص) أقبل ومعه علي وفاطمة والحسن، فأخذوا رأس الحسين، فقبلته فاطمة وقالت: يا بني قتلوك قتلهم الله. وكأنه يقول: ذبحني شمر، وقطع يدي هذا النائم! وأشار إلي.
فقالت فاطمة: قطع الله يديك ورجليك وأعمى بصرك وأدخلك النار، فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي منّي فلم يبق من دعائها إلا النار!»[22].
وروى الخوارزمي عن أبي عبدالله غلام الخليل قال: حدثنا يعقوب بن سليمان قال: كنتُ في ضيعتي فصلينا العتمة، وجعلنا نتذاكر قتل الحسين، فقال رجل من القوم: ما أعان أحد عليه إلا أصابه بلاء قبل أن يموت. فقال شيخ كبير من القوم: أنا ممن شهدها، وما أصابني أمر كرهته إلى ساعتي هذه!
وخبا السراج، فقام ليصلحه فأخذته النار وخرج مبادراً إلى الفرات وألقى نفسه فيه، واشتعل وصار فحمة!»[23].
2ـ نهب المخيم الحسيني
لم يكتف جلاوزة بني أمية، أعداء الله ورسوله، بعد قتل الإمام الحسين (ع) بسلبه ورض جسده الطاهر بحوافر الخيل، بل جاوزوا المدى فعدوا على المخيم لنهب ما فيه، ولهتك ستر حرم رسول الله (ص) بسلب ما عليهن من حلي وحجاب بصورة فجيعة يندى لها جبين كلّ أبي غيور! وما أحسن ما قال اليافعي: «لما قتل السادة الأخيار مال الفجرة الأشرار إلى خيام الحريم المصونة وهتكوا الأستار!»[24].
وروى الطبري عن أبي مخنف قائلاً: ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه، فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها![25].
ويقول السيد ابن طاووس(ره): «وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول، حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها، وخرجن بنات رسول الله (ص) وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة والأحباء»[26].
وكان نهب المخيم بأمر مباشر من عمر بن سعد! قال الاسفراييني: «قال (أي عمر بن سعد) دونكم الخيام انهبوها، فدخلوا وجعلوا يسلبون ما على الحريم والأطفال من اللباس! ثمّ قطعوا الخيام بالسيوف، فخرجت أم كلثوم وقالت:
يا ابن سعد، الله يحكم بيننا وبينك ويحرمك شفاعة جدنا ولا يسقيك من حوضه كما فعلت بنا وأمرت بقتال سبط الرسول، ولم ترحم صبيانه، ولم تشفق على نسائه. فلم يلتفت إليها.
وكان المبادر لتنفيذ هذا العمل المخزي شمر بن ذي الجوشن! يقول حسام الدين في الحدائق الوردية: وأقبل شمر بن ذي الجوشن إلى الخيام وأمر بسلب النساء، فأخذوا كل ما في الخيمة، حتى أخذوا قرطاً في أذن أم كلثوم وخرموا أذنها، وفرغ القوم من القسمة، وضربوا فيها النار!»[27].
وروى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين (ع) قالت: دخلت الغاغة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة، وفي رجلي خلخالان من ذهب، فجعل رجل يفضّ الخلخالين من رجلي وهو يبكي! فقلت: ما يبكيك يا عدو الله!؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب إبنة رسول الله!
فقلت: لا تسلبني. قال: أخاف أن يجييء غيري فيأخذه!
قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا!»[28].
وقال ابن نما (ره): «ثم اشتغلوا بنهب عيال الحسين ونسائه، حتى تسلب المرأة مقنعتها من رأسها أو خاتمها من أصبعها، أو قرطها من أذنها، وحجلها من رجلها، وجاء رجل من سنبس إلى ابنة الحسين (ع) وانتزع ملحفتها من رأسها، وبقين عرايا تراوحهنّ رياح النوائب وتعبث بهنّ أكف، قد غشيهن القدر النازل وساورهنّ الخطب الهائل..[29].
روى ابن شهر آشوب عن الإمام الرضا أنه قال:
«إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه، فاستحلت فيه دماؤنا وهتك فيه حُرمتنا! فيه ذرارينا ونساؤنا! وأضرمت النيران في وسبي مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا!»[30].
3ـ محاولة قتل الإمام زين العابدين (ع)
لاشك في أن الإمام زين العابدين (ع) كان حاضراً في كربلاء مع أبيه وكان مريضاً، وهذا مما تسالم عليه التاريخ، وكان شمر بن ذي الجوشن قد سعى بعد قتل الإمام الحسين (ع) الى قتل البقية الباقية من ذرية الحسين المتمثلة بابنه الإمام زين العابدين، وكان ذلك بأمر صادر عن ابن زياد لعنه الله كما صرح شمر نفسه بهذا.
قال الشيخ المفيد (ره) في كتابه الإرشاد: «قال حميد بن مسلم: فوالله لقد كنتُ أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تُغلب عليه فيُذهب به منها، ثمّ انتهينا إلى علي بن الحسين (ع) وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض، ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل؟ فقلت: سبحان الله! أيقتل الصبيان؟ إنّما هو صبي وإنّه لما به! فلم أزل حتى رددتهم عنه.
وجاء عُمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة، ولا تعرّضوا لهذا الغلام المريض.
وسألته النسوة ليسترجع ما أخذ منهنّ ليتسترن به فقال: من أخذ من متاعهن شيئاً فليرده عليهن!
فوالله ما ردّ أحد منهم شيئاً، فوكل بالفسطاط وبيوت النساء، وعلي بـن الحسين، جماعة ممن كانوا معه وقال: إحفظوهم لئلا يخرج منهم أحد، ولا تُسيئن إليهم!»[31].
وروى ابن سعد في طبقاته قائلاً: «وكان علي بن الحسين الأصغر مريضاً نائماً على فراش، فقال شمر بن ذي الجوشن الملعون أقتلوا هذا! فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله! أتقتل فتى حدثاً مريضاً لم يقاتل!؟
وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض!»[32].
وفي روضة الصفا: «فلما وصل شمر – لعنه الله ـ إلى الخيمة التي كان علي بن الحسين فيها متكئاً سلّ سيفه ليقتله، قال حميد بن مسلم: سبحان الله! أيقتل هذا المريض!؟ لا تقتله! وقال بعضهم: إن عمر بن سعد أخذ بيديه وقال: أما تستحيي من الله تريد أن تقتل هذا الغلام المريض!؟
قال شمر: قد صدر أمر الأمير عبيد الله أن أقتل جميع أولاد الحسين. فبالغ عمر في منعه حتى كفّ عنه، فأمر بإحراق خيام أهل بيت المصطفى!» [33].
وفي تذكرة الخواص، عن الواقدي قال: «وإنّما استبقوا علي بن الحسين لأنه لما قتل أبوه كان مريضاً، فمرّ به شمر فقال: اقتلوه ثمّ جاء عمر بن سعد فلما رآه قال: لا تتعرّضوا لهذا الغلام، ثمّ قال لشمر: ويحك من للحرم؟»[34].
4ـ إحراق خيام آل البيت (ع)
قال السيد ابن طاووس (ره): «ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة، وأشعلوا فيها النار، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة»[35].
وقال ابن نما(ره): «وخرج بنات سيّد الأنبياء وقرة عين الزهراء حـاسـرات مبديات للنياحة والعويل، يندبن على الشباب والكهول، وأضرمت النـار فـي الفسطاط فخرجن هاربات وهن كما قال الشاعر:
فترى اليتامى صارخين بعولة ** تحثوا التراب لفقد خير إمام
وبقين ربات الخدور حواسراً ** يمسحن عرض ذوائب الأيتام
وترى النساء أراملاً وثواكلاً ** يبكين كُلَّ مهذب وهُمام»[36].
ولا يخفى أن جميع الخيام قد أضرمت فيها النار، بدليل قول الإمام علي الرضا (ع): «وأضرمت في مضاربنا النّار»[37]، لكنّ الظاهر أن هذا الفسطاط الذي كن النسوة والأطفال فيه جميعاً مع الإمام زين العابدين (ع) هو آخر الخيام التي أُحرقت بعد إخراجهم منه.
الاستنتاج
أن هناك وقائع اثبتها التاريخ لنا بعد قتل الإمام الحسين (ع)، منها: عواقب قتلة الإمام الحسين (ع) وأعدائه، ومصيرهم النهائي في الحياة، ومنها: نهب المخيم الحسيني وهتك ستر حرم رسول الله (ص)، ومنها: محاولة قتل الإمام زين العابدين (ع)، وهو في حالة مرض شديد، ومنها: إحراق خيام آل البيت (ع).
الهوامش
[1] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج1، 104.
[2] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص252.
[3] راجع: ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص132.
[4] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص142.
[5] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص142.
[6] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص233.
[7] راجع: ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص126.
[8] راجع: ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص116.
[9] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص120.
[10] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص118.
[11] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص119.
[12] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص121.
[13] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص123.
[14] أي المختار.
[15] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص118.
[16] وهو أيضاً من الذين رضّوا جسد الإمام (ع).
[17] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص122.
[18] ابن نما الحلّي، ذوب النضار، ص120.
[19] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص43.
[20] أي الحسين .
[21] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص42.
[22] الخوارزمي، مقتل الحسين، ج2، ص115.
[23] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ص62.
[24] اليافعي، مرآة الجنان، ج1، ص135.
[25] الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص334.
[26] ابن طاووس، اللهوف، ص180.
[27] انظر: ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص112.
[28] الصدوق، الأمالي، ص139، مجلس 31، ح2.
[29] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص76.
[30] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص206.
[31] المفيد، الإرشاد، ج2، ص112.
[32] ترجمة الإمام الحسين (ع) ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، ص78.
[33] مير خواند، روضة الصفا، ج3، ص170.
[34] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص232.
[35] ابن طاووس، اللهوف، ص180.
[36] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص77.
[37] راجع: ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص206.
مصادر البحث
1ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأولى، 1418 ه.
2ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 ه.
3ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1417 ه.
4ـ ابن نما الحلّي، محمّد، ذوب النضار في شرح الثار، تحقيق فارس حسّون كريم، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1416 ه.
5ـ ابن نما الحلّي، محمّد، مثير الأحزان، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، طبعة 1369 ه.
6ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق عبد العزيز الطباطبائي، بيروت، مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، طبعة 1416 ه.
7ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه.
8ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى، 1417 ه.
9ـ الطبري، محمّد، تاريخ الأُمم والملوك، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الرابعة، 1403 ه.
10ـ المفيد، محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ه.
11ـ مير خواند، محمّد، روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفاء، طهران، دار الطباعة، طبعة 1270 ه.
12ـ اليافعي، عبد الله، مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 ه.
مصدر المقالة
الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه.
مع تصرف بسيط
جزاكم الله خير جزاء المحسنيين على هذا البحث .