زهد الإمام علي (ع) و النبي عيسى (ع) في الخطبة 160

زهد الإمام علي (ع) و النبي عيسى (ع) في الخطبة 160

کپی کردن لینک

يوجد تشابه بين النبي عيسى (ع) وأمير المؤمنين علي (ع) من حيث الخصائص المعنوية و زهد والأخلاقية، وقد أشارت هذه المقالة إلى بعضها بالاعتماد على الخطبة 160 من نهج البلاغة. لقد تناولت هذه الخطبة زهد النبي عيسى والإمام علي (ع)، وخاصةً نظرة الإمام علي إلى الدنيا وخصائصها. إنّ الموضوع الرئيسي لهذه الخطبة هو معرفة الله وتوضيح نماذج الزهد والبساطة في حياة أنبياء الله، ثم تتطرق إلى زهد بعض الأنبياء مثل الرسول الأكرم (ص)، وداود، وموسى، وعيسى (ع).

وصف النبي عيسى (ع) في الخطبة 160 من نهج البلاغة

يمكن ملاحظة الخصائص الأخلاقية والمعنوية للنبي عيسى (ع) في نهج البلاغة، وتحديداً في الخطبة 160. تعدّ هذه الخطبة تاريخية وعقائدية وأخلاقية، وقد تطرّقت في جزء منها إلى دراسة خصائص النبي الأكرم محمد المصطفى (ص)، والنبي موسى، والنبي داوود، والنبي عيسى (ع).

في الجزء الرابع من هذه الخطبة، يستخدم الإمام أسلوب “القصص” أو بعبارة أخرى “النموذج الأسطوري” للأعلام والعظماء، ويقدم الأنبياء الإلهيين كنماذج وأمثلة كافية وشاملة للبشر. وقد تم تقديم النبي عيسى (ع) كنموذج بين الأنبياء الإلهيين في الخطبة 160 من نهج البلاغة، وذلك بسبب زهده وتقواه وسيره في الطريق الإلهي المستقيم.

وفي الخطبة 160، يقول أمير المؤمنين علي (ع):

«وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِی عِیسَى ابْنِ مَرْیمَ، فَلَقَدْ کانَ یتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَ یلْبَسُ الْخَشِنَ وَ یأْکلُ الْجَشِبَ وَ کانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیلِ الْقَمَرَ وَ ظِلَالُهُ فِی الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاکهَتُهُ وَ رَیحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَ لَمْ تَکنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لَا وَلَدٌ یحْزُنُهُ وَ لَا مَالٌ یلْفِتُهُ وَ لَا طَمَعٌ یذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ یدَاهُ».[1]

زهد النبي عيسى (ع) في الروايات

في إحدى الروايات المروية عن النبي عيسى (ع)، ورد هذا المضمون إضافةً إلى قوله: «وَلَیسَ لِی شَی‏ءٌ وَ لَیسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّی‏»؛[2] أي: لا أملك شيئاً من متاع الدنيا، ومع ذلك ليس على وجه الأرض أحدٌ أغنى مني.

كما قال الإمام الصادق (ع): «فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي غُدْوَةً رَغِيفًا مِنْ شَعِيرٍ وَ عَشِيَّةً رَغِيفًا مِنْ شَعِيرٍ، وَ لَا تَرْزُقْنِي فَوْقَ ذَلِكَ فَأَطْغَى».[3]

تطابق زهد الإمام علي (ع) وزهد النبي عيسى (ع)

لقد علمنا بوضوح من الخطبة 160 من نهج البلاغة عن الزهد السامي للنبي عيسى (ع)، وأدركنا من كلام الإمام المضيء أن للنبي عيسى (ع) منزلةً رفيعةً في الزهد والتقوى.

ومع ذلك، في رواية أخرى، اعتبر رسول الله (ص) أن الإمام علي (ع) هو الجامع لجميع الخصائص المعنوية للأنبياء. وفي هذا الصدد، يقول النبي (ص) عن زهد أمير المؤمنين علي (ع): «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ وَإِلَى نُوحٍ فِي تَقْوَاهُ وَإِلَى إِبْرَاهِيمَ فِي حِلْمِهِ وَ إِلَى مُوسَى فِي هَيْبَتِهِ وَ إِلَى عِيسَى فِي عِبَادَتِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ»؛[4]

من الواضح أن أمير المؤمنين علي (ع) هو جامع الأضداد ومجمع خيرات وفضائل الأولياء والأوصياء، وخاصةً في الزهد والعبادة، حيث يوجد تشابه كبير بينه وبين النبي عيسى (ع).

الدنيا في نظر الإمام علي (ع) والنبي عيسى (ع)

من خلال البحث والتحقيق في أقوال وكلمات النبي عيسى (ع)، نجد أن الدنيا وكل متعلقاتها من مال وثروة ومنصب وبيت وعقار، وغيرها، لا قيمة لها في نظره. لقد شبّه كلٌّ من النبي عيسى وأمير المؤمنين علي (ع) الدنيا ومتعلقاتها بعجوز شمطاء تعرض نفسها بأجمل وأكمل صورة أمام أهل الدنيا. وقد ورد في أقوال وكلمات النبي عيسى (ع) قوله:

«إِنِّي أَرَى الدُّنْيَا فِي صُورَةِ عَجُوزٍ هَمَّاءَ عَلَيْهَا كُلُّ زِينَةٍ قِيلَ لَهَا كَمْ تَزَوَّجْتِ قَالَتْ لَا أُحْصِيهِمْ كَثْرَةً قِيلَ أَمَاتُوا عَنْكِ أَمْ طَلَّقُوكِ قَالَتْ بَلْ قَتَلْتُهُمْ كُلَّهُمْ قِيلَ فَتَعْسًا لِأَزْوَاجِكِ الْبَاقِينَ كَيْفَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِأَزْوَاجِكِ الْمَاضِينَ وَ كَيْفَ لَا يَكُونُونَ مِنْكِ عَلَى حَذَرٍ».[5]

كما أنَّ أمير المؤمنين علي (ع)، في مناجاته الليلية، ناجى الدنيا بقولٍ شبيهٍ بقول النبي عيسى (ع): «يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي، أَبِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ لَا حَانَ حِينُكِ، هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي، لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَطُولِ الطَّرِيقِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ».[6]

إن هذين القولين المضيئين المليئين بالمعرفة الإلهية والتوجه نحو العالم الآخر يوضحان جيداً كيف كانت الدنيا في نظر النبي عيسى (ع) وكيف كانت طريقة تعامله معها.

ومن هنا يتضح أنه عندما يقول الإمام (ع) في وصف النبي عيسى (ع):”يتوسد الحجر، ويلبس الخشن من الثياب، ويأكل الخبز اليابس” فإن هذا السلوك والابتعاد عن الدنيا لا يرجع إلا إلى الإيمان الحقيقي بالله والتوجه نحو العالم الآخر. إن هذا الابتعاد عن الدنيا في سيرة النبي عيسى (ع) يرجع إلى غنى روحه بالمعرفة الإلهية، وليس إلى فقره المادي.

مصداق التشابه في الرواية النبوية

يتجلّى التشابه بين أمير المؤمنين علي (ع) والنبي المسيح عيسى (ع) بشكل كامل في هذه الرواية المروية عن رسول الله (ص)، حيث يقول في هذا الصدد:

«يَا عَلِيُّ، مَثَلُكَ فِي أُمَّتِي مَثَلُ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ افْتَرَقَ قَوْمُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ مُؤْمِنُونَ وَهُمُ الْحَوَارِيُّونَ، وَفِرْقَةٌ عَادَوْهُ وَهُمُ الْيَهُودُ، وَفِرْقَةٌ غَلَوْا فِيهِ فَخَرَجُوا عَنِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ شِيعَتُكَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَفِرْقَةٌ أَعْدَاؤُكَ وَهُمُ الشَّاكُّونَ، وَفِرْقَةٌ غُلَاةٌ فِيكَ فَهُمُ الْجَاحِدُونَ، وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ وَشِيعَتُكَ وَمُحِبُّو شِيعَتِكَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَعْدَاؤُكَ وَالْغُلَاةُ فِي مَحَبَّتِكَ فِي النَّارِ».[7]

مصداق التشابه في آيات القرآن الكريم

توجد آية أخرى في سورة النساء الشريفة تشير إلى التشابه بين النبي عيسى (ع) والإمام علي (ع). في هذه الآية الكريمة، يقول الله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا».[8]

من خلال دراسة التفاسير الروائية، نجد أن هذه الآية تشير إلى أن أهل الكتاب سيؤمنون بالنبي عيسى (ع) عند موتهم. يجب الانتباه إلى أن المقصود من هذا القول في القرآن هو تصديق النبي عيسى (ع)، وليس رؤيته. ومع ذلك، يمكن استنباط هذه المماثلة بين رؤية النبي عيسى (ع) والإمام علي (ع) من الروايات.

على سبيل المثال، في تفسير فرات الكوفي الشريف، وتحت هذه الآية التي تبدو أنها تخص النبي عيسى (ع)، ورد أن النبي (ص) قال مخاطباً الإمام علي (ع):

«يَا عَلِيُّ إِنَّهُ لَا يَمُوتُ رَجُلٌ يَفْتَرِي عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَقُولَ فِيهِ الْحَقَّ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئاً وَ إِنَّكَ عَلَى مِثْلِهِ لَا يَمُوتُ عَدُوُّكَ حَتَّى يَرَاكَ عِنْدَ الْمَوْتِ»؛[9]  وكما أنَّ مُكذّبي عيسى (ع) يؤمنون به عند الموت (بواسطة الرؤية)، وهو ما لا ينفعهم، فإنَّك مثله؛ فعدوك سوف يراك قبل موته.

النتيجة

الزهد ليس فقرًا ماديًا بل غنى روحي: يوضح المقال أن زهد النبي عيسى (ع) والإمام علي (ع) لم يكن ناتجًا عن فقر مادي، بل هو اختيار واعٍ نابع من غنى روحي ومعرفة إلهية عميقة. إن تركهم لملذات الدنيا هو تعبير عن إيمانهم العميق بأن القيمة الحقيقية تكمن في الإقبال على الآخرة، وليس في حيازة الماديات. هذا الزهد يمثل قوة داخلية وسموًا عن إغراءات الحياة.

الهوامش

[1] نهج البلاغة، الخطبة 160.

[2] المجلسي، بحار الأنوار، ج 14، ص 276.

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 21، ص 546.

[4] المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 265.

[5] المجلسي، بحار الأنوار، ج 14، ص 326.

[6] نهج البلاغة، الحكمة 456.

[7] المجلسي، بحار الأنوار، ج 28، ص 53.

[8] سورة النساء، آية 159.

[9] تفسير فرات الكوفي، ص 106.

مصدر المقالة

  1. قرآن کریم
  2. صبحی صالح، شرح نهج البلاغه، بیروت، ۱۳۸۷ ه.ق.
  3. خوئی، حبیب الله بن محمد، منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة، تصحیح ابراهیم میانجی، انتشارات دارالعلم 1344.
  4. ابن فرات الکوفى، ابوالقاسم، تفسیر الفرات الکوفی، سازمان چاپ و انتشارات وزارت ارشاد اسلامی تهران، ١٤١٠ ه.ق.
  5. فهد حلی، احمد بن محمد، عدة الداعي و نجاح الساعي، دارالکتب الاسلامی، 1410 ه.ق.
  6. دیلمی، حسن بن محمد، غرر الأخبار و درر الآثار في مناقب أبي الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، دلیل نا، قم، 1384.
  7. دیلمی، حسن بن محمد، ارشاد القلوب الی الصّواب، نشر الشریف الرضی، قم، 1412 ه.ق.
  8. ابن شاذان، محمد بن احمد، مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن ابي‌طالب و الأئمة من ولده عليهم‌السلام من طريق العامة، مدرسة الإمام الهادي (ع)، قم، 1407 ه.ق.

مصدر المقالة

مكارم شيرازى، ناصر، پيام امام اميرالمؤمنين (عليه السلام)‏، دار الكتب الاسلامية‏، طهران‏، 1386 الهجري الشمسي، چاپ: اول‏، ج 6، ص 237.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *