- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 18 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
إنّ المعتبر في الصلاة الثنائيّة هو قراءة فاتحة الكتاب وسورة ، وكذا المعتبر في الأولتين من غيرها كالثلاثيّة والرباعيّة ، وقد ورد أنّه : « لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب » « 1 » ، فقراءة شيء من القرآن في الصلاة على ما دوّن في الفقه واجبة ، والقراءة لها سرّ باعتبار أنّ المقروء له سرّ ، فما لم يكن القارئ ذا سرّ فلا يصل هو إلى سرّ القراءة ، ولا ينال أيضا سرّ المقروء ، فتكون قراءته بتراء .
والشاهد على أنّ المقروء – أي : القرآن الكريم – له سرّ هو ما بيّنه اللَّه سبحانه بقوله * ( « إِنَّا أَنْزَلْناه ُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) * . * ( وَإِنَّه ُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » ) * « 2 » لدلالته على أنّ الموجود بين الدفّتين بما أنّه كتاب عربيّ فهو قرآن ، وهو نفسه بما أنّه في أمّ الكتاب أيضا قرآن ، وبما أنّه عليّ حكيم أيضا قرآن ، وهنالك – أي : أمّ الكتاب ، ولدى اللَّه – لا مجال للاعتبار من وضع الألفاظ العربيّة أو العبريّة أو نحوهما ، وليس لدى اللَّه إلَّا الأمر المجرّد التامّ العقليّ الذي لا يناله إلَّا العقل المحض الخالص عن شوب الخيال والوهم ، وكما أنّ ظاهر القرآن العربيّ لا يمسّه إلَّا الطاهر عن الحدث والخبث كذلك سرّه لا يمسّه إلَّا المنزّه عن الرين والدنس ، وهو الالتفات إلى غير المعبود ، إذ الناظر إلى غيره لا يقدر العروج إلى موطن اللدن ، وإذا لم يعرج إليه ليس في وسعه أن ينال أمّ الكتاب العليّ الحكيم ؛ لأنّه لدى اللَّه تعالى .
وكما أنّ ظاهر القرآن العربيّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك سرّه الذي هو العليّ الحكيم منزّه عن تسرّب الباطل عن أيّة جهة وسمت أبدا ، ومن كان في قلبه مثقال ذرّة من حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ باطل وخطأ فكيف ينال ما هو المصون عنه مطلقا ؟ إذ لا طريق للخطإ إلى الصواب ، فالحنين إلى رأس الخطأ لا يجتمع مع عزم الصائب الصرف ، كما لا تجتمع وليمة وعزيمة .
وحيث إنّ أدب الصلاة ذريعة إلى سرّها فالمصلَّي المتأدّب بأدبها من الحضور القلبيّ يصل إلى سرّها ، وهو الوجود العينيّ العقليّ الفائق عن الوجود المثاليّ ، فضلا عن الطبيعيّ ، سيّما الاعتباريّ المتحقّق في عالم الطبيعة . وما صلاه الرسول الأكرم – صلَّى اللَّه عليه وآله – في المعراج كان جامعا لجميع نشآت الصلاة ، والمصلَّي الذي له حضور تامّ فهو الذي يناجي ربّه ، ويقول : إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ، ومعلوم أنّ هذا المصلَّي المستغرق في شهود الكثرة – حسب التعبير بصيغة المتكلَّم مع الغير – لم يبلغ بعد مرحلة الوحدة الصرفة الَّتي لا أثر هناك للنجوى ولا للمناجي ، فضلا عن غيرهما من أولي العبادة والنداء والنجوى والاستعانة ، ولكنّ السلَّم منصوب ، والأمر بالقراءة والرقي ( اقرأ وارق ) مسموع ، والامتثال ميسور .
وقد تقدّم : أنّ النظام العينيّ قد استقرّ على العلَّيّة والمعلوليّة كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام : « كلّ قائم في سواه معلول » « 3 » ، أي : كلّ موجود لا يكون وجوده عين ذاته فهو معلول لما يكون وجوده محض ذاته ، ولا ريب في لزوم كون العلَّة أقوى من المعلول ، ومع ذلك قال بعض أهل المعرفة « 4 » : إنّ « بسم اللَّه » من العبد بمنزلة « كن » من الربّ ، وقد ورد فيه : أنّه أقرب إلى اسم اللَّه الأعظم من سواد العين إلى بياضها ، فالمصلَّي العارف بحكمة الصلاة ، المتأدّب بأدبها يصل إلى حدّ يكون تلفّظه ب * ( « بِسْمِ ا للهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ) * في بدء الفاتحة الَّتي لا صلاة بدونها بمنزلة « كن » من اللَّه الذي إذا صدر منه يتحقّق المراد ويكون ( بالكون التامّ لا الناقص ) .
ومن المعلوم أنّ القراءة بوجودها الاعتباريّ لا تقدر على التأثير العينيّ ، بل بما لها من السرّ الوجوديّ ، والاسم أمر عينيّ مسبّب عن العيب والنقص ، فلذا أمر اللَّه سبحانه رسوله – صلَّى اللَّه عليه وآله – بالتسبيح له حيث قال تعالى * ( « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى » ) * « 5 » ، وذلك الاسم هو سرّ للاسم اللفظيّ الذي يقرأه المصلَّي .
ولا خفاء في أنّ سرّ الاسم الأعظم هو أعظم الأسرار ، ولا ينال إلَّا بخرق الحجب طرّا كما مرّ في تكبيرات الافتتاحيّة ، ولذا ورد في حديث المعراج « . فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح أوحى اللَّه إليه : سمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم في أوّل السورة » « 6 » .
وحيث إنّ بسم اللَّه في أوّل كلّ سورة له معنى خاصّ مطابق لما تحتويه تلك السورة ، وكانت سورة الحمد كافلة لمعارف جمّة فبسم اللَّه الواقع في أوّلها جامع لتلك المعارف ، ولمّا كان إدراك تلك المعارف مرقاة إلى شهود إسرارها فلنأتي بشيء منها ؛ لأنّ الحرّ تكفيه الإشارة عن العبارة .
إنّ الحمد إنّما هو تجاه النعمة ، والنظام الإمكانيّ من المعقول إلى المحسوس ، ومن الغيب إلى الشهادة نعمة إلهيّة أنعمها البارئ تعالى ، فهو تعالى مستحقّ للحمد ، ولا محمود سواه ، وحيث إنّه لا وجود حقيقيّ لغيره ، لأنّ كلّ ما سواه آيات ومظاهر له فهو مالك بالاستقلال لما يصدر عن ما عداه ، فالحمد المتمشّي من غيره إنّما هو مظهر للحمد الناشئ منه تعالى ، فلا حامد عداه ، فهو الحميد بالمعنى المطلق ، أي : الحامد والمحمود .
وقد علَّل في هذه السورة استحقاقه تعالى للحمد بأمور خمسة ، بعضها جامع ومتن ، وبعضها الآخر شرح لذلك المتن :
الأوّل : – أي : ما هو بمنزلة المتن – هو عنوان « اللَّه » ؛ لأنّه جامع لجميع الكمالات ، وكلّ من جمع الكمال فهو محمود ، فاللَّه محمود فله الحمد ، وهذا القسم بمنزلة المتن الذي تشرحه سائر العلل الأربع الآتية .
الثاني : – أي : ما هو بمنزلة الشرح وهكذا العناوين الأخر القادمة – هو عنوان الربوبيّة الَّتي هي من الصفات الخاصّة ، وحيث إنّ اللَّه سبحانه ربّ العالمين وكلّ ربّ محمود فهو محمود فله الحمد .
الثالث : هو عنوان الرحمانيّة الَّتي هي أيضا من الصفات الخاصّة ؛ لأنّها وإن كانت أعمّ من غيرها إلَّا أنّها بالقياس إلى عنوان « اللَّه » خاصّة ، وإن يظهر من بعض أهل المعرفة « 7 » كونها أيضا اسما أعظم نظير عنوان « اللَّه » حسبما يستفاد من قوله تعالى * ( قُلِ ادْعُوا ا للهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه ُ الأَسْماءُ الْحُسْنى ) * « 8 » لدلالته على أنّ كلّ واحد من « اللَّه » و « الرّحمن » واجد للأسماء الحسنى ، إذ المستفاد منه : أنّ كلّ واحد من ذينك الاسمين فله – أي : لكلّ واحد منهما – الأسماء الحسنى ، إذ الضمير يرجع إلى أيّ ، لا إلى خصوص الذات المطلقة الواجبيّة ، ولكن لمّا لم يجعل عنوان « اللَّه » وصفا وتابعا ، ولكن يجعل عنوان « الرّحمن » وصفا وتابعا ، فيمكن الفرق بينهما بجعل « اللَّه » جامعا وجعل « الرّحمن » شارحا .
الرابع : هو عنوان الرحيميّة الَّتي هي أيضا من النعوت الخاصّة ؛ لعدم اتّساعها بالنسبة إلى غير المؤمن . وعلى أيّ تقدير لا تكون نظير عنوان « اللَّه » اسما أعظم ، وحيث إنّ اللَّه سبحانه رحيم وكلّ رحيم محمود فهو تعالى محمود فله الحمد .
الخامس : هو عنوان مالك الجزاء بالجنّة والنار ، وذلك من شؤون الحكمة والعدل ، كما أنّه من شؤون القدرة أيضا ، وكلّ حاكم عدل يملك الجزاء في قبال العمل ، إن كان خيرا فبالجنّة ، وإن كان شرّا فبالنار ، فهو محمود ، وحيث إنّ اللَّه سبحانه مالك له فهو محمود فله الحمد .
فهذا الجزء من الفاتحة حاو للمبدإ والمعاد وما بينهما . أمّا الأوّل والثاني – أي : المبدأ والمعاد – فواضح بما قرّر ، وأمّا الذي يرجع إلى المبدإ والمعاد فهو الدين والصراط والنبوّة والرسالة والوحي والولاية ، وما إلى ذلك ممّا يرجع إلى ربوبيّته تعالى ، حيث إنّ الربّ كما يربّ الحجر والمدر والشجر والبرّ والبحر والحيوان الأعجم كذلك يربّ الإنسان ، ومعلوم أنّ تربيبه وتربيته إنّما هو في ضوء الشريعة والصراط الذي بدونه يكون الناس كالأنعام بل هم أضل ، وبه يصير نبيّا ورسولا ووليّا ، أو عبدا صالحا ومؤمنا فالحا ونحو ذلك .
ومن المعلوم : أنّ لكلّ من المعارف المارّة سرّا عينيّا يختصّ به ، ولا ينال المصلَّي المناجي ربّه إيّاه إلَّا بمعرفة هذه المعارف والاعتقاد بها والسير نحوها حتّى يحصل له شهود مصاديقها ، ويصل إلى سرّها ، وما نقل من مآثر أهل البيت – عليهم السّلام – وآثار مقتفيهم من الخرور مغشيّا عند قراءة الفاتحة فإنّما هو باستناد شهود نبذ من إسرارها .
وحيث إنّ المصلَّي بعد معرفة استحقاق اللَّه سبحانه للعبادة بالبرهان الذي أقامه القرآن يريد أن يصل إلى معروفه بالعيان ، أي : العرفان ، ولا وسيلة لتلك الصلة إلَّا الصلاة ، كما قرّر من أنّها حجزة عن الرين وما يوجب البعد ، ووصلة بين العبد والمولى ، يتوسّل إليه تعالى بالعبادة ، ويناجيه بقوله * ( « إِيَّاكَ نَعْبُدُ » ) * بتقديم ما يفيد الحصر ، ولعلّ قصده في التعبير بالمتكلَّم مع الغير هو : أنّه في صفّ سائر الموجودات العابدة له تعالى ، إذ اللَّه ربّ للعالمين الَّذين يعبدون ربّهم الواحد ، أو هو أنّه في صفّ سائر المصلَّين الراكعين الساجدين الَّذين أمرنا اللَّه تعالى بأن نكون معهم ، كما قال تعالى * ( « وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ » ) * « 9 » ، أو هو أنّه مع قلبه وسائر جوانحه وجوارحه بائتمامهم بإمامهم ، أي : العقل القاهر على ما عداه يعبدونه تعالى ؛ لأنّ المؤمن وحده جماعة ، كما تفطَّن له المجلسيّ الأوّل قدّس سرّه « 10 » .
وعلى أيّ تقدير : يحتاج السالك في طيّ طريق العبادة الصالحة لأن توصل العبد إلى مولاه وتجعل معقولة مشهوده إلى الإعانة ، ولمّا انحصرت الربوبيّة في اللَّه تعالى فلا معين إلَّا هو ، ولذلك يناجي ربّه بقوله * ( « إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » ) * بتقديم ما تقدّمه يفيد الحصر ، وحيث إنّ اللَّه سبحانه معين من استعانة فيعينه بما استدعاه ، ويهديه إلى صراط الَّذين أنعم اللَّه عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، فهؤلاء الَّذين هم على الصراط المستقيم – وهم المنعم عليهم – هم الَّذين يعبدون اللَّه سبحانه ويناجونه ، والمصلَّي يرى نفسه معهم ، وهم الَّذين لم يخلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا ، بل هم الَّذين خلصوا من دم الإفراط ، وروث التفريط ، ونجوا من الغضب والضلالة ، وقالوا : ربّنا اللَّه واستقاموا ، فتتنزّل عليهم الملائكة المبشّرات .
والمصلَّي إذا نجا من جانبي الغضب والضلال ومشى على الصراط السويّ وأخلص عبادته للَّه تعالى يأتيه اليقين ، أي : عين اليقين ، فيشاهد ما فهمه بالبرهان ، ويجد ما وعده القرآن بقوله تعالى * ( « وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » ) * « 11 » ، إذ المراد من الآية : هو بيان الفائدة ، لا الغاية ؛ لأنّ معناها : أنّ من بركات العبادة وفوائدها هو : حصول اليقين ، لا أنّ المراد منها هو تحديد العبادة وتعيين حدّها به ، بحيث إذا حصل اليقين ما زالت الحاجة إلى العبادة ، بأن تكون العبادة بمنزلة النعلين ، حتّى إذا بلغ السالك إلى الوادي المقدّس – اليقين – يلزم خلعهما ، بل العبادة بمنزلة المقدّمتين للنتيجة ، والمرقاة للصعود إلى الدرجة الراقية ، بحيث يلزم حفظ المقدّمتين للنتيجة حدوثا وبقاء وكذا صون السلَّم للصعود ، حتّى إذا زالت المقدمتان زالت النتيجة ، وإذا سقط السلَّم هبط الصاعد كهبوط الشيطان المرجوم بقوله تعالى : * ( « فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها » ) * « 12 » .
ثمّ إنّ المصلَّي المناجي ربّه قد يكون نجواه بلا وسيط من حجاب أو رسول ، وقد يكون من وراء حجاب ، وقد يكون بوساطة رسول ، كما أنّ اللَّه تعالى المتكلَّم لعبده لا يكلَّمه إلَّا بأحد الأنحاء الثلاثة حسبما أفاده في سورة الشورى ، حيث قال تعالى : * ( « وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَه ُ ا للهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِه ِ ما يَشاءُ إِنَّه ُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ » ) * « 13 » .
والسبب في التثليث المذكور هو ضعف الممكن عن التكلَّم ، أو الاستماع بلا وسيط دائما ، بل إنّما هو للأوحديّ من الإنسان حيّنا ، وحيث إنّ تكلَّم العبد مع مولاه فرع تكليم اللَّه إيّاه وكان ذلك على ثلاثة أنحاء كان تكلَّم العبد أيضا كذلك ، ولا بدّ هنا من التنبّه لأمرين :
أحدهما : أنّ اللَّه الحائل بين المرء وقلبه أقرب إلى المصلَّي المناجي من نفسه إليه فضلا عن غيره ، فلا وسيط ولا حاجب من ناحيته تعالى ، إنّما الوساطة والحجاب من جانب المستمع الواعي دائما .
وثانيهما : أنّ الحجاب المنتفي في القسم الأوّل من الأنحاء الثلاثة إنّما هو بالقياس إلى النحوين الآخرين المذكور أحدهما في القسم الثاني ، وهو ما يكون من وراء حجاب ، والآخر في القسم الثالث ، وهو ما يكون بإرسال الرسول . وأمّا بالقياس إلى نفسه فهو أيضا حجاب لا محالة ؛ لأنّ الممكن المحدود يكون أصل وجوده وحدّه وتقيّده وتعيّنه حجابا عن شهود الوجود البحت ، المطلق المنزّه عن الحدّ المقدّس عن القيد ، فلا حجاب بينه وبين اللَّه سبحانه إلَّا نفسه كما أشار إليه بعض النصوص .
ومن هنا يمكن أن يقال بأنّ التكليم منحصر في وراء الحجاب ، وكذا النجوى منحصر فيه ، ولقد أفاد صاحب الفتوحات حصر المناجاة في وراء الحجاب « 14 » ، وإن كان الحقّ هو : كون الحصر من جانبي التكليم والنجوى ، وكون منشإ الحجاب فيهما هو قصور الممكن وضعفه ، حتّى في مرتبة الفناء الذي لا يشاهد فيه الفاني نفسه ؛ لأنّ ذاته المحدودة وإن لم تكن مشهودة حينذاك ولكنّها ليست معدومة ، وإلَّا لما كان الفناء كمالا ، بل موجودة ، فإذا كانت موجودة فلها حكمها الخاصّ من الحجاب ، فتدبّر .
فعند اتّضاح أنحاء النجوى وأنّ الأصل الحاكم في أنحائه هو كونه من وراء الحجاب وأنّ نفي الحجاب نسبيّ لا نفسيّ يتبيّن معنى الخطاب في قوله * ( « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » ) * ، ومعنى الدعاء الشفهيّ في قوله * ( « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » ) * ، كما أنّه يتبيّن سرّ تقديم التوجّه بالأولياء في افتتاح الصلاة ، وقبل دخولها « 15 » ، إذ الخطاب والدعاء لأكثر الناس بل لكثيرهم ليس إلَّا من وراء الحجاب وإن كان ذلك الحجاب من قبلهم لا من اللَّه سبحانه . وأمّا الأوحديّ من الَّذين استخلصهم اللَّه لنفسه نجيّا فهو وإن لم يكن هناك حجاب مركوم ومركَّب ولكن لا محيص هنالك عن الحجاب البسيط ، وهو نفس ذاك المناجي وذاته .
هذا نبذ ممّا يرجع إلى أصل النداء والنجوى وأنحائه ، وإلى ما تحويه سورة الحمد ، مع أنّ أصل الحمد من تعليم اللَّه سبحانه ، إذ لو حبس عرفان حمده عن عباده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة وأسبغ عليهم من نعمة المتظاهرة لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانيّة إلى حدّ البهيميّة ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه * ( « إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا » ) * « 16 » ، على ما أفاده مولانا السجاد – عليه السلام – في صحيفته « 17 » ، فعليه يكون الحمد فصلا مقوّما أخيرا للإنسان فهو ناطق حامد .
وأمّا ما يرجع إلى السورة فحيث إنّ المصلَّي له الخيرة في قراءة أيّة سورة شاء من القرآن – عدا العزائم الأربع – فلا مجال للبحث عن سرّ سورة خاصّة يعيّنها إلَّا بما يرجع إلى أصل الخطاب ، وإلى أصل القرآن ، وقد مرّ منها ما يناسب هذا المختصر ، ولكن لمّا قرأ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – في المعراج سورة التوحيد – حسبما أمره اللَّه تعالى بأن قال : « اقرأ يا محمّد نسبة ربّك قل هو اللَّه أحد » « 18 » – فبالحري أن يشار إلى شطر من سرّها .
وليعلم : أنّه قد ورد في شأن سورة التوحيد ، وكذا الآيات الستّ من أوّل سورة الحديد ما لا ينبغي الذهول عنه ، وهو ما رواه الكلينيّ – رحمه اللَّه – بإسناده عن عاصم ابن حميد قال : سئل عليّ بن الحسين – عليهما السّلام – عن التوحيد ؟ فقال : « إنّ اللَّه – عزّ وجلّ – علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون ، فأنزل اللَّه تعالى * ( « قُلْ هُوَ ا للهُ أَحَدٌ » ) * ، والآيات من سورة الحديد إلى قوله * ( « وَا للهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ) * ، فمن رام وراء ذلك فقد هلك » « 19 » .
إنّ التعمّق : هو التأمّل في العمق ، كما أنّ التدبّر : هو التأمّل في الدبر ، وحيث إنّ للقرآن بطنا بل بطونا فللتعمّق فيه مجال ، كما أنّ له إنباء عمّا يأتي من الحوادث فللتدبّر فيه مجال أيضا . والقرآن آخر كتاب إلهيّ نزل ، وهو خاتم الكتب وخاتم الصحف ، والناس في تكامل حلومهم إلى حدّ يليقون لظهور خاتم الأولياء وخاتم الأوصياء المهديّ المنتظر أرواحنا فداه ، وحينذاك تتعالى العلوم الشهوديّة ، باطَّلاع غير واحد من الناس على الغيب بما يراه من نوره ، وتتكامل العلوم الحصوليّة بعثور غير واحد من الأذكياء على براهين المبدأ والمعاد ، فلا بدّ من علم شهوديّ جامع ، وكذا من علم برهانيّ كافل ، ولكلّ واحد منهما أصحاب ورجال يختصّ به ، ووليّ العصر – عليه السّلام – هو المعلَّم الجامع بين الغيب والشهود ، كما أنّ القرآن كتاب كافل لهما وعلى كاهله تعليم الحكماء ، وإراءة العرفاء فلذا يلزم أن يشمل على ما لا حدّ فوقه ، ولا مقام إمكانيّ وراءه ، وكل حدّ برهانيّ أو مقام شهوديّ يفهمه الحكيم أو يشهده العارف فالقرآن واجد له ، وحيث إنّ الأساس لجميع المعارف هو التوحيد – وكلَّما كمل العلم به كمل العلم بغيره من المعارف الراجعة إليه – فلذا أنزل اللَّه سبحانه ما هو الشامل لأقصى مراتب البرهان ، وأعلى درجات العرفان ، كما هو المترقّب من القرآن الهادي لهما إلى لقاء الرّحمن .
ومن هنا تبيّن أنّ ظاهر النصّ المذكور هو مدح التعمّق ، وترغيب المتعمّقين ، وأنّه لا حدّ وراء ما تحويه سورة التوحيد والآيات الستّ من سورة الحديد ، وأنّ تهلكة من رام وراءه فإنّما هي إرشاد إلى نفي الحدّ الفائق ، إذ السلوك فيما لا طريق إليه ولا حدّ له تيه ، والتائه هالك ، والهالك عن بيّنة في جهنم لا رحمة فيها ، كما في نهج البلاغة الكتاب 20 : « دار ليس فيها رحمة ولا تسمع فيها دعوة » .
إنّ رواسي الحكمة المتعالية وأوتادها الَّذين وتّد اللَّه سبحانه بهم بعد الأئمّة الأطهار – عليهم السّلام – ميدان أرض المعرفة ، لئلَّا يزلّ أو يضلّ أو يذلّ من ليس له حكيم يرشده ، قد استنبطوا من هذا الحديث النورانيّ ، أنّه في سياق مدح المتعمّقين ، حيث قال صدر المتألَّهين – قدّس سرّه – ما عصارته : إنّ هذا العبد كان في سالف الزمان متأمّلا في رموز القرآن وإشاراته ، وكان المتفتّح من آيات هذه السورة أكثر من غيرها ، فحداني ذلك إلى تفسير القرآن . ، وكان أوّل ما أخذت في تفسيره هذه السورة ( سورة الحديد ) . ثمّ بعد أن وقع إتمام تفسيرها . واتّفقت مصادفتي لهذا الحديث . ، فاهتزّ خاطري . ، وانبسط نشاطي . ، فشكرت اللَّه على ما أنعم . « 20 » .
وقد اقتفى صهره في الوافي أثره ؛ لأنّه منه كالضوء من الضوء ، وكالصنو من الصنو ، والذراع من العضد ، حيث قال رحمه اللَّه : لعلَّه – عليه السّلام – أشار بالمتعمّقين إلى أكابر أهل المعرفة ، ولعمري أنّ في سورتي : التوحيد والحديد ما لا يدرك غوره إلَّا الأوحديّ الفريد ؛ ولا سيّما الآيات الأول من سورة الحديد ، وخصوصا قوله عزّ وجلّ * ( « وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ » ) * « 21 » ! ولكنّ العلَّامة المجلسيّ – قدّس سرّه – بعد وصفه الحديث بأنّه صحيح احتمل في قوله عليه السّلام : « المتعمّقون » ثلاثة احتمالات :
الأوّل : أن يكون أمرا بالتعمّق ، فالمعنى : ليتعمّقوا فيه .
الثاني : أن يكون نهيا عنه ، فالمعنى : لا يتعمّقوا كثيرا بأفكارهم ، بل يقتصروا في معرفته سبحانه على ما بيّن لهم .
الثالث : أن لا يكون بمعنى الإنشاء ، سواء كان أمرا كالأوّل ، أو نهيا كالثاني ، بل هو إخبار ، ومبيّن للضابط والمعيار الذي يعرضون أفكارهم عليها ، فلا يزلَّوا ولا يخطأوا ، ثم قال رحمه اللَّه : والأوسط أظهر ، أي : كونه نهيا عن التعمّق بأفكارهم أظهر ؛ للزوم الاقتصار على ما بيّن لهم « 22 » .
أقول : الظاهر هو الأخير ، إذ لا مجال لحمل قوله عليه السّلام : « متعمّقون » على الإنشاء أوّلا ، ولكفاية الآيات الدالَّة على أنّه تعالى * ( لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ ) * ، وأنّهم * ( لا يُحِيطُونَ بِه ِ عِلْماً ) * ، وأنّه * ( لا تُدْرِكُه ُ الأَبْصارُ ) * ثانيا بلا فاقة إلى نزول هاتين السورتين ، ولأنّ نطاق هاتين السورتين مفيد لغير واحد من الأوصاف الإلهيّة الَّتي ترتعد فرائص العقول حولها ثالثا ، ولو كان الهدف السامي لنزولهما هو النهي عن التعمّق ونحو ذلك لكان لهما لسان آخر ، فالصواب هو : أنّ محتواهما بيان للمعيار النهائيّ في التوحيد حتّى تعرض عليه الأفكار والآراء كما استنبطه أساطين الحكمة ، فمحتوى السورتين ميزان قسط لا يحيد ، فلا بدّ من عرض المعارف عليه .
ومن هنا يظهر : أنّ ما أفاده بعض مشايخنا « 23 » – قدّس سرّه – من : أنّ الأظهر أنّ الرواية ذمّ للمتعمّقين إلى الَّذين يتصدّون لمعرفة ما لا يناله الإنسان من ذات اللَّه تعالى ، وأمر لهم بالاكتفاء بمفاد الآيات « 24 » ليس بتامّ ؛ لأنّ المطلب المذكور وإن كان حقّا في نفسه – لأنّ التصدّي لما لا ينال تهلكة وتيه – ولكنّ السورتين قد اشتملتا على معارف جمّة لم يكن في وسع من قدّمه الدهر أن ينالها ، كما لم يؤثر عنهم ما نالته رجال من فارس ، ولو لم يصدّر قوله – رحمه اللَّه – بما نقل عن صدر المتألَّهين – قدّس سرّه – لكان لمقالة وجه وجيه ، ولكنّه – رحمه اللَّه – نقل أوّلا قول صدر المتألَّهين رحمه اللَّه ، ثمّ أتى بما نقل ، ولقد أجاد – قدّس سرّه – في تعليقته على شرح المولى الصالح للأصول من الكافي ، حيث فصل بين التعمّق المذموم والممدوح ، وقال رحمه اللَّه :
وأمّا المذموم فالتعمّق فيما لا تصل إليه العقول من الكلام في الذات وتشبيهه تعالى بالأجسام . وأمّا الممدوح فالتفكَّر في عظمته وقدرته وحكمته وما يصل إليه العقول من صفاته « 25 » . كما أنّه أجاد الشارح – أي : المولى الصالح – في شرحه فراجع .
وبالجملة : أنّ سورة التوحيد وأوائل الحديد لاشتمالهما على الضابط الإلهيّ المصون عن أيّة مغالطة تكون ذريعة لنيل أسرار الصلاة وشهودها ؛ لأنّ المعرفة الحصوليّة بذر المشاهدة الحضورية كما قيل .
ولا مساغ لأحد أن يخالف ما في هاتين السورتين ، أو يختلف عنه ، أو يخلَّفه ، إذ المخالف له مناقض للقرآن الذي لا ريب فيه ، فالمخالف يتردّد في ريبة ، إذ مخالف ما لا ريب فيه مريب ، وأمّا المختلف معه المتخلَّف عنه فهو قاصر مفرّط . ومن المعلوم أنّ المتأخّر عن الحقّ زاهق ، والمتقدّم عليه المخلَّف له – أي : الذي يجعل نفسه إمام القرآن وأمامه ، ويجعل القرآن خلفه – فهو متعدّ مفرط . ومن الواضح أنّ المتقدّم على الحقّ مارق ، ومن سار على ما تهديه السورتان وسلك سبيلهما كاد أن يصل إلى سرّهما الذي هو الموجود العينيّ المتجلَّي بصورة السورة ، والمكتسي بكسوتها ؛ لأنّ اللازم للحقّ لا حق .
وليعلم : أنّ في بعض نصوص المعراج : أنّه قد أوحى اللَّه تعالى إلى رسوله – صلَّى اللَّه عليه وآله – الذي عرج به – في قراءة الركعة الأولى : اقرأ يا محمّد نسبة ربّك تعالى * ( « قُلْ هُوَ ا للهُ أَحَدٌ ا للهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَه ُ كُفُواً أَحَدٌ » ) * ، وفي قراءة الركعة الثانية : اقرأ « إنّا أنزلناه » فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة .
والذي يستفاد من هذا التعبير هو : أنّ نسبة كلّ موجود وما ينتمي هو به إنّما هو الوجود الخاصّ ، والكمال الوجوديّ المخصوص . وأمّا العنوان الاعتباريّ والإضافة الطارئة الَّتي لا مساس لها بذات الشيء فلا دخل لشيء من ذلك في الانتماء .
والذي يصلح لأن يجعل نسبة الربّ تعالى هو الهويّة المطلقة الأحديّة البحتة الصمديّة الصرفة ، مسلوبا عن ذلك كلّ ما يرجع إلى النقص ، والذي يصلح لأن يجعل نسبة الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – وأهل بيته – أي : انتماء الإنسان الكامل ، والخليفة الشامل الجامع – هو كون قلبه مهبط الوحي ، وموطن الملائكة النازلة به فيما يرجع إلى التشريع أو غيره في خصوص الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله ، وفيما يؤول إلى غير التشريع في غيره صلى اللَّه عليه وآله ، والغرض : هو أنّ نسبة كلّ موجود إمكانيّ فإنّما هي تربطه إلى الأحد الصمد الذي هو المنسوب إليه لكلّ ما سواه .
وقد يلاحظ الترتيب في قوس النزول عكس ما في قوس الصعود ؛ لأنّ الصاعد إلى اللَّه يقرأ نسبة أهل البيت عليهم السّلام – أي : « إنّا أنزلناه . » في الركعة الأولى – ونسبة الربّ تعالى ، أي : « قل هو اللَّه أحد . » – في الركعة الثانية ؛ لأنّ الربّ تعالى مدينة الحقّ والتحقّق ، والإنسان الكامل بابها ، حسبما يستفاد من أدعية التكبيرات الافتتاحيّة كما تقدّم ، ويؤيّده ما في الزيارة الجامعة « . من أراد اللَّه بدأ بكم » ، وما في رواية الفقيه « 26 » .
وإن كان الأمر في قوس النزول هو ما مرّ ؛ لأنّه تعالى أوّل كلّ شيء . نعم ، أوليّة كلّ شيء بأوّليّته تعالى ، وآخريّة كلّ شيء بآخريّته تعالى ؛ لأنّ ما بالعرض لا بدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات ، وأمّا هو تعالى فهو الأوّل بلا شيء كان قبله ، وهو الآخر بلا شيء يكون بعده .
أمّا القراءة في غير الأوليين فتجوز الفاتحة كما يجوز التسبيح ، أي : سبحان اللَّه ، والحمد للَّه ، ولا إله إلَّا اللَّه ، واللَّه أكبر ، والنصوص في بيان ما هو الأفضل فهما – أي :
القراءة والتسبيح – متعدّدة ، وفي بعضها تفصيل بين الإمام وغيره « 27 » . وعلى أيّ تقدير : لو اختير التسبيح لكان اللازم على السائر سبيل السرّ الصائر إليه أن يتنبّه بما ورد من سرّ تربيع التسبيح ، وأنّه واقعيّة عينيّة ينتظم بها العرش وما دونه ، حيث إنّه ورد في سبب تكعّب الكعبة وبنائها على الجدران الأربعة من التعليل بكون البيت المعمور مربّعا ، المعلَّل تربيع ذلك البيت المعمور بكون العرش مضلَّعا بأضلاع أربعة ، وجهات أربع ، المعلَّل تربيع العرش بكون التسبيح أربعا ، وهي : « سبحان اللَّه . » .
والذي يستفاد من هذا التعليل هو : أنّ للتسبيح الجامع للتحميد والتهليل والتكبير وجودا خارجيّا ، وأثرا عينيّا مقدّما على العرش الذي منه ينتشئ الأوامر الإلهيّة ، وسببا لأن يهيّأ العرش على مثال ذلك التسبيح ، ولكلّ ضلع من أضلاع العرش حكم يختصّ به وإن كان الكلّ في الوجود الجمعيّ واحدا ، لا صدع ولا شعب فيه .
فتبيّن في هذه الصلة أمور :
الأوّل : أنّ للقرآن سرّا ، وأنّه لا مجال هنالك للَّفظ الاعتباريّ من العربيّة أو العبريّة أو نحو ذلك ، ولا يناله إلَّا اللبيب الذي لا يحوم حوم لبّه سوى حبّ المعبود المتكلَّم بذلك الكلام .
الثاني : أنّ « بسم اللَّه » من العبد بمنزلة « كن » من الربّ ، وأنّه حاو لأعظم الأسماء .
الثالث : أنّ الاسم المؤثّر في العين موجود خارجيّ لا اعتباريّ ، وأنّ ذلك الموجود العينيّ مسبّب ، ولا ينال ذلك إلَّا بخرق الحجب .
الرابع : أنّ اللَّه هو الحامد والمحمود ، وعلل حصر الحمد فيه تعالى .
الخامس : أنّ « الرحمن » اسم أعظم عند بعض أهل المعرفة .
السادس : أنّ فاتحة الكتاب تحميد ودعاء كما في بعض النصوص « 28 » ، وأنّها كافلة للمعارف الثلاث من المبدأ والمعاد وما بينهما .
السابع : أنّ العبادة منحصرة للَّه ، والاستعانة به تعالى .
الثامن : بيان المنعم عليه ، ومن هو على الصراط المستقيم .
التاسع : أنّ اليقين فائدة العبادة المتحقّق بوجودها ، الدائم بدوامها ، الزائل بزوالها ، لا أنّه غايتها وحدّها الباقي بعد زوالها ؛ لأنّه زعم زائف ، وإفك آفل ، وفرض فائل .
العاشر : أنّ نعلي السالك يخلعان بعد الوصول إلى المقصود ، وأنّ مقدّمتي البرهان تحفظان بعد العثور على المطلوب .
الحادي عشر : أنّ أنحاء التكلَّم مع اللَّه ثلاثة ، وأنّ الميز بينها في قلَّة الحجاب وكثرته لا في أصل الحجاب وجودا وعدما .
الثاني عشر : أنّ الفناء الذي هو من منازل السائرين ومقاصد الصائرين هو : عدم الشهود ، لا زوال الوجود ؛ لأنّ الفناء كمال ، وزوال الوجود نقص .
الثالث عشر : أنّ الحمد من تعليم اللَّه ، ولولاه لتصرّف الناس في المنن بلا حمد ، ولصاروا بهائم ، وأنّ الفصل المقوّم للإنسان الناطق هو : الحمد ، فالإنسان حيوان ناطق حامد .
الرابع عشر : ترغيب المتعمّقين بالتدبّر في سورة التوحيد وأوائل سورة الحديد ، عدا التخصيص بالتأمّل في القرآن كلَّه .
الخامس عشر : تكامل العقول والحلوم عند ظهور خاتم الأوصياء عليه السّلام .
السادس عشر : أنّ الحكماء المتألَّهين هم الأوتاد والرواسي لأرض المعرفة .
السابع عشر : تضارب الآراء في معنى حديث السجّاد عليه السّلام ، والتعمّق المذموم والممدوح .
الثامن عشر : أنّ سورة التوحيد هي نسبة الربّ ، وسورة « إنّا أنزلناه » ، هي نسبة أهل البيت عليهم السّلام .
التاسع عشر : العبرة بين قوسي النزول والصعود في تقديم إحدى سورتي التوحيد و « إنّا أنزلناه » على الأخرى .
العشرون : أنّ تربيع العرش مستند إلى تربيع التسبيح ، فالمصلَّي المناجي ربّه إذا استعاذ في بدء الصلاة باللَّه ممّا استعاذ منه عباده المخلصون يصير قلبه عرش الرحمن ، حيث إنّ العرش على شاكلة التسبيح الأربع ، فالمسبّح بالقلب ، المقدّس باللبّ ، المناجي بالسرّ بالغ عرش ربّه بإذنه .