هذا المقال يهدف إلى بيان كيفية الحصول على البركة في الرزق، لأن الكثير يحصلون على الرزق ولكن لا يحصلون على البركة فيه، وذلك لأنهم يجهلون أسباب الحصول على البركة في الرزق. وقبل الخوض في لب الموضوع يجدر الوقوف يشكل مختصر، على حقيقة معنى البركة والرزق، ومن ثم بيان كيفية الحصول على البركة في الرزق.
ما هو المقصود من البركة؟
البركة لغة هي: الزِّيادةُ والنَّماءُ. والتَّبْريك: الدُّعاء بالبَركَة.[1] وقال ابن منظور: (برك) البَرَكة النَّماء والزيادة والتَّبْريك الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة يقال بَرَّكْتُ عليه تَبْريكاً أي قلت له بارك الله عليك وبارك الله الشيءَ وبارك فيه[2].
واصطلاحا: فهي: النماء والزيادة من الخير، مع ثبوت هذا الخير واستقراره ودوامه واستمراره عند صاحبه. ومن الجدير بالذكر – هنا – أن البركة ليس بالضرورة أن تكون دائمًا مقصورة على الشيء الكثير فقط، بل قد تكون في الشيء القليل كما تكون في الشيء الكثير قال الحافظ: فيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون[3]. ومن المهم أن يعلم أيضًا أن البركة قد تكون جلية، وقد تكون خفية، كما قد تكون مثوبة أخروية.
فالبركة الجلية: هو ما يشاهد كثيرًا بالعادة من كثرة الخير وسوق الرزق للإنسان، ونمائه عند صاحبه وما يرافق ذلك من توفيق، وتيسير في الحصول على الرزق، ونحوه.
والبركة الخفية: قد تكون بدفع المضرات والجوائح والآفات عن الرزق، وعدم تعرض الإنسان للحوادث المرورية مثلاً أو الأمراض الخطيرة، ونحوه مما يأتي على جانب كبير من رزقه، وقد ذكروا بأن الغنم أو الأنعام إذا أنتجت الإناث فهذا من البركة الخفية لأنها تنمو وتتضاعف، وإذا أنتجت الخراف أو الذكور فهذا من المحق الخفي[4].
فالنتيجة إذن من خلال ما بينا من هو النماء والزيادة من الخير، مع ثبوت هذا الخير واستقراره ودوامه واستمراره عند صاحبه، وأنها تشمل الخير المادي والمعنوي. وأن المراد من الرزق: هو كل ما يصدر من الله تعالى إلى الإنسان من الخير المادي والمعنوي. [5]
كيفية الحصول على البركة في الرزق
من خلال ما بينا من المفاهيم والمعاني للبركة والرزق في اللغة والإصطلاح، والنتائج التي توصلنا إليها، يمكننا القول بأن المراد من حصول البركة في الرزق، هو الحصول على النماء والزيادة، من الخير، مع ثبوت هذا الخير واستقراره ودوامه واستمراره عند صاحبه، ويحصل هذا النماء والزيادة في الأمور المادية والمعنوية. والآن سوف نتطرق إلى بيان العوامل المؤثرة في الحصول على البركة في الرزق، فنقول: هنالك عوامل وأسباب كثرة تؤثر ايجابا على حصول البركة في الرزق، وذلك فيما لو رعاها الإنسان وأحسن المراقبة والتطبيق الصحيح لها. ومن تلك العوامل والأسباب :
1. القرآن الكريم
الإلتزام بتلاوة القرآن الكريم وتدبّره، حيث إنّ القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، ولحافظه، وقارئه، مع الحرص على مداومة تلاوته طوال السنة، وعدم الاقتصار على تلاوته في شهر رمضان المبارك، كما يفعل بعض الناس. فلذلك أثر ملحوظ في الحصول على البركة في الرزق وفي جميع مجالات الحياة.
2. التقوى
الإلتزام بتقوى الله عزّ وجلّ، من أسباب الحصول على البركة في الرزق، والحصول على سعادة الدارين. والتقوى تعرّف بأنها جعل المسلم حمايةً ووقايةً بينه وبين العذاب من الله تعالى، ويتحقّق ذلك؛ بالقيام بالطاعات والعبادات، وتجنّب الوقوع بالمنهيات والمحرّمات، ودليل ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[6]. فالله -تعالى- عذّب الأقوام المُكذبين برسالات الأنبياء والرسل؛ بسبب كفرهم، وتكذيبهم لرسلهم. فالتقوى إذن من الأمور والعناصر المهمة والمؤثرة في الحصول على البركة في الرزق.
3. الصدق والأمانة
الإلتزام بالصدق في البيع والشراء، مع بيان ما في السلعة من عيوبٍ إن كان فيها ذلك؛ فالصدق يحقّق البركة، ويزيد في الرزق. وكذلك الالتزام بالصدق بين الشركاء، فالوفاء، والصدق، والأمانة، والإخلاص بين الشركاء، يبارك تجارتهم وعملهم، ويزيد رزقهم، ويدرّ عليهم الخير الوفير.
4. الإبتعاد عن الفسق والفجور
الابتعاد عن الفسق والفجور، فالفسق إما أنْ يكونَ فسقاً أكبر، مُخرجاً من ملّة الإسلام، مثل: الكفر والنفاق، وتحليل الأمور المحرّمة في الإسلام؛ كالربا، أو الزنا، أو اللواط، وجحد أمور الدين المعلومة بالضرورة، كأركان الإسلام، وأركان الإيمان، وإمّا أن يكون فسقاً أصغر يتمثّل بارتكاب الذنوب والمعاصي مع العلم بحرمتها، دون أنْ يخرج صاحبها من ملة الإسلام، ولكنْ عليه المُسارعة إلى التوبة والاستغفار، والرجوع إلى الله تعالى. فذلك مما يؤثر في الحصول على البركة في الرزق وفي كل حياة الإنسان. وقال العلماء: من نتائج المعصية قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر وإضاعة الوقت، ونفرت الخلق، والوحشة مع الرب وقلَّة السَّداد وتشتيتُ الفكر، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، ولِبَاس الذل، وضيق الصدر.
5. الطلب، والقيام بالأعمال في الأوقات الباكرة
الكسل وعدم الاستيقاظ في الأوقات الباكرة، والتأخّر في الذهاب إلى الاعمال يؤدي إلى انتزاع البركة في الرزق، فعلى المسلم الاهتداء بالسنة النبوية، والاقتداء بالنبي (ص) بالقيام بالأعمال وإنجازها باكراً. والتقرّب إلى الله -عزّ وجلّ- بالدعاء، فالدعاء من أعظم العبادات، كما أنّه صلةٌ بين العبد وربه، وله دوره الفعال والمؤثر في الحصول على البركة في الرزق.
وَرُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثَةٌ يَدْعُونَ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ رَجُلٌ جَلَسَ عَنْ طَلَبِ اَلرِّزْقِ ثُمَّ يَقُولُ اَللَّهُمَّ اِرْزُقْنِي يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَ لَمْ أَجْعَلْ لَكَ طَرِيقاً إِلَى اَلطَّلَبِ وَ رَجُلٌ لَهُ اِمْرَأَةُ سَوْءٍ يَقُولُ اَللَّهُمَّ خَلِّصْنِي مِنْهَا يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى أَ لَيْسَ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرَهَا بِيَدِكَ وَ رَجُلٌ سَلَّمَ مَالَهُ إِلَى رَجُلٍ وَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ بِهِ فَجَحَدَهُ إِيَّاهُ فَهُوَ يَدْعُو عَلَيْهِ فَيَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرْتُ بِالْإِشْهَادِ فَلَمْ تَفْعَلْ[7]. ومما يساعد على البركة في الرزق التبكير في طلبه كما قال الرسول (ص): اللهم بارك لأمتي في بكورها؛ والعمل بجد ونشاط كما جاء في قوله (ص): ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد.
والنوم في أول النهار، وتضييع صلاة الفجر، وما بعده حتى وقت القيلولة، من مفسدات القلب، المانع من نزول البركة في الرزق، المورث خسارة منافع دنيوية وأجور أخروية، والذي يحرم الإنسان السرور أيامه ولياليه، ويكتب عليه الهم الدائم، والاكتئاب، ومرارة العيش، وضيق النفس، وقلق القلب، وفقدان الشعور بلذة الحياة وجمالها، والذي ينزع البركة من العمر. والأيام والليالي تمر والحياة سقيمة، يعتورها الملل، تذهب البسمة، ويذهب الفرح، فلا تراه إلا وهو محتار، لا يهنأ بعيش، ولا يفرح بطيش، لا تزول همومه بسفر، ولا في حضر، قد لازمته ملازمة الشمس للنهار، والظلام لليل. يسأل نفسه لماذا حياتي هكذا؟!.. وهل كل الناس مثلي؟!
وهو سبب رئيسي لكل ذلك.. أكثر الناس ينامون من قبل الفجر، ويمر عليهم الفجر وهم نائمون، ويمر أول النهار وهم نائمون، ويمر وقت الضحى وهم نائمون، إلى الظهيرة وقت القيلولة، حيث يبدأ يومهم ونهارهم ، لينتهي في منتصف الليل وقرب الفجر، ليبدأ ليلهم بعد ذلك، ويستمر إلى وقت الظهر، وهكذا كل يوم!! لا يشعرون بقلوبهم، ونفوسهم، وأبدانهم:كيف أنها تضمحل، وتهزل، وتضعف، ويصيبها الأمراض، الحسية والمعنوية ببطء، ولا يفيقون إلا بعد التبدل مرضا، وضيقا، وقلقا.
إبطال سنة الليل وسنة النهار: مخالفة لسنة الله تعالى في خلقه. فقد جعل الله تعالى الليل لباسا، والنوم سباتا، وجعله سكنا، وجعل النهار معاشا وحركة، وهو الحكيم الخبير، يعلم ما الذي يصلح شأن عباده في الدنيا، فإذا صادم الإنسان سنة الله الكونية، وقلب الساعات قلبا، وخالف طريق السير، وصار بمواجهة السنن، فلا يلومن إلا نفسه. ويقول الله تعالى ممتنا على عباده بنعمة الليل للسكن والنوم، ونعمة النهار للمعاش: “هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون“. “وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا“. إن الذي ينام نهاره قد ضيع غنيمتين عظيمتين:
الغنيمة الأولى: واجب الله عليه صلاة الفجر في جماعة.
والغنيمة الثانية: بركة أول النهار، الوقت الذي تقسم فيه الأرزاق، فيحرم ذلك الرزق الإلهي في يومه؛ لنومه. فمن ضيع حق الله الواجب عليه، فلا عجب أن يعيش في: قلق، وثبور، ونقصان، وكدر. لما يجده من عقاب الله عليه، لإهماله ما وجب عليه.. أرأيتم إنسانا لا يقوم بوظيفته كما يجب، فيجد توبيخا من صاحب العمل، وربما خصم شيئا من أجرته: ألا يجد ألما في نفسه من التوبيخ، وحرمان الأجرة؟. فكيف الذي يضيع حق الله تعالى؟!. وقد دعى (ص) بالبركة، لمن اغتنم هذا الوقت، في أموره عامة، سواء كانت دنيوية أو أخروية: بورك لأمتي في بكورها[8]. الرزق والبركة لمن صلى الفجر جماعة، وهذا الوقت وقت البركة في الرزق فإن النبي (ص) قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها. اللهم زد في أرزاقنا وبارك لنا فيها ووفقنا للصلاة في الجماعة يا رب العالمين.
6. التوكل على الله
التوكل على الله مع السعي وطلب الرزق من الأسباب التي تجلب البركة. وهو الأخذ بالسبب، وتعلق القلب بالمسبب سبحانه، فيتعلق قلبه بالله في جلب النفع ودفع الضر، وسعة الرزق والبركة فيه، وتيسير الأمر.. قال جل في علاه: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}[9]، يعني كافيه: “يكفيه ما يؤذيه ويضره، ويكفيه حاجته وما أهمه” ومنها الحصول على البركة في الرزق. والتوكّل على الله عزّ وجلّ، بمعناه الإيجابي، وذلك مع الحرص على الكسب والسعي له، وعدم الجلوس في البيت وانتظار العمل.
7. بر الوالدين وصلة الأرحام
برّ الوالدين، وصلة الأرحام، حيث إنّهما متصلان بالله تعالى؛ فالواصل لرحمه وصله الله تعالى، والقاطع لرحمه قطعه الله تعالى. فقد جعلهما الله تبارك وتعالى سببين لسعة الرزق، ولجلب البركة في الرزق على الواصل في ماله وعياله، وصحته وعمره بشكل عام.
8. الدعاء ليلة النصف من شعبان:
وقد ذكر السبكي في تفسيره أن إحياء ليلة النصف من شعبان يكفر ذنوب السنة وليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع وليلة القدر تكفر ذنوب العمر اهـ وقد توارث الخلف عن السلف في إحياء هذه الليلة بصلاة ست ركعات بعد صلاة المغرب كل ركعتين بتسليمه يقرأ في كل ركعة منها بالفاتحة مرة والإخلاص ست مرات بعد الفراغ من كل ركعتين يقرأ سورة يس مرة ويدعو بالدعاء المشهور بدعاء ليلة النصف ويسأل الله تعالى البركة في العمر ثم في الثانية البركة في الرزق ثم في الثالثة حسن الخاتمة[10].
وهنالك أحاديث كثيرة وأفعال متعددة عن النبي الأكرم محمد (ص) والأئمة الأطهار (ع)، تركز على أهمية الصدقة، والتوكل على الله، والاجتهاد في طلب الرزق، والاعتدال في الإنفاق، وتجنب الإسراف والتبذير، وضرورة حفظ الحقوق، وغيرها من الأمور التي تعين على جلب البركة في الرزق.
النتيجة:
العوامل والعناصر والأمور التي توصلنا إلیها للحصول على البركة في الرزق، وكونها مؤثرة بشكل كبير وملحوظ في الحصول على البركة في الرزق، هذه: التقوى، البكور في طلب الرزق، التوكل على الله، الصدق والأمانة، تجنب الفسق والفجور، بر الوالدين وصلة الرحم. وأخيرا نقول: فعلى الإنسان المسلم، المؤمن، الذي يريد أن يحصول على البركة في الرزق، رعاية هذه الأمور، وتطبيقها في حياته بشكل جيد، وغيرها من العوامل والعناصر التي لم نذكرها خوفا من الإطالة.
الهوامش
[1] – الفراهيدي، كتاب العين، ج5، ص366.
[2] – ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص395.
[3] – العسقلاني، فتح الباري، ج3، ص337.
[4] – المباركفوري أبو العلا، تحفة الأحوذي، ج6، ص177. – عبد الرؤوف مناوي، فيض القدير، ج5، ص503.
[5] – ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص115.
[6] – سورة الأعراف، 96.
[7] – المجلسي، مرآة العقول، ج12، ص176.
[8] – الشحود، الوقت وأهميته في حياة المسلم، ج1، ص215.
[9] – سورة الطلاق: 3.
[10] – محمد الحداد، تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، ج1، ص521.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكریم
- ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، لسان العرب. -بيروت-1414ه.
- أبي عبد اللَّه مَحمُود بِن مُحَمّد الحَدّاد، تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، دار العاصمة للنشر – الرياض، 1408 هـ – 1987 م.
- العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري. – بيروت- 1379ه.
- علي بن نايف الشحود، الوقت وأهميته في حياة المسلم، دار العاصمة للنشر – الرياض، 1408 هـ – 1987 م.
- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين. -قم- 1409ه.
- المباركفوري أبو العلا، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي. – بيروت،-1424ه.
- المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية-تهران-1404ه.
- المناوي القاهري، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير. مصر-1356ه.