- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 12 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
في الإجابة على هذا السؤال يكمن مركز الثقل في قصة عبد الله بن سبأ كلها ، فإن الفكر الشيعي في الإمامة وما يلحق بها والمواقف المتساجلة بين فرق المسلمين من الشيعة وغيرهم ، إذا شدت إلى جذرها من أدلتها من الكتاب والسنة فقد يختل الميزان لأن فكرة الوصية ، والعصمة ، وغيرهما تبعد عن الحكم – في نظر الشيعة – من لا تتوفر فيه هذه الشروط وتلك هي الطامة الكبرى ، وأي فكر أخطر من هذا الفكر ، فلم لا يربط فكر الشيعة بجذر يهودي وتخترع له شخصية تكون كبش الفداء فيلقى اللوم عليها وعلى الذين أخذوا عنها ويشار إليهم بأنهم مارقون ألغموا تاريخ الأمة ودسوا في عقائدها عقائد غريبة عن الإسلام وهكذا صنع عبد الله بن سبأ ولو كان صنعه على حساب الحقيقة وعلى رغم أنف العقول والمقاييس .
وبالإضافة لما ذكرنا هناك سبب آخر دفع إلى خلق عبد الله بن سبأ أشار إليه الدكتور أحمد محمود صبحي وذلك بعد أن استعرض آراء الدكتور طه حسين في وهمية وجود عبد الله بن سبأ . قال الدكتور أحمد صبحي :
ويبدو أن مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين ، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان ثم حرب الجمل وقد شارك فيها كبار الصحابة وزوجة الرسول ، وكلهم يتفرقون ويتحاربون وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي ، أن يبتلي تاريخ الإسلام هذه الابتلاءات ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله ( ص ) وشاركوا في وضع أسس الإسلام ، كان لا بد أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث الجسام على كاهل أحد ، ولم يكن من المعقول أن يحتمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء أبلوا مع رسول الله ( ص ) بلاء حسنا ، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله على ابن سبأ فهو الذي أثار الفتنة التي أدت لقتل عثمان ، وهو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الالتحام على حين غفلة من علي وطلحة والزبير ، أما في التاريخ الفكري فعلى عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الإسلام بظهور الشيعة ، هذا هو تفسير مبالغة كتاب الفرق وأصحاب المذاهب لا سيما السلفيين والمؤرخين : في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ . ولكن أليس عجيبا أيضا أن يعبث دخيل في الإسلام كل هذا العبث فيحرك تاريخ الإسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تم عليه وكبار الصحابة شهود ( 1 ) .
وبعد هذه الإلمامة بملابسات موضوع عبد الله بن سبأ التي انتهينا منها إلى مسك طرف الخيط فيما نظن ألا وهو ربط عقائد الشيعة بعبد الله بن سبأ وما أسندوه إليه من عقائد الشيعة ولنتبين مصدرها الإسلامي وبذلك نكتفي عن الإصرار على وجود ابن سبأ أو عدم وجوده لأنه قد ثبت أن هذه العقائد مصدرها الإسلام فلا يبقى بعد ذلك قيمة لعدم وجود ابن سبأ أو لوجوده ، لنبدأ من ذلك بموضوع الوصية .
1 – الإمام علي وصي النبي ( ص ) :
قلنا فيما سبق أن من أحكام الإسلام ضرورة أن يوصي الإنسان قبل موته بما يريد التصرف به بعد موته فيما من أمور مادية ، وذكرنا أن سيرة النبي ( ص ) أنه كان لا يخرج من المدينة في سفرة ولو ليوم واحد حتى يستخلف على المدينة ، فكيف يترك أمر هذه الأمة من بعده سدى ويعرضها إلى الفتن دون أن يوصي أو يرشح للأمر شخصا من بعده ، وبما أن هذه المسألة قد أشبعتها أقلام الباحثين من مختلف الفرق الإسلامية فلا أريد العودة إلى ما دار حولها ، وكل ما يعنيني هنا أن أبين أن مسألة الوصية مصدرها القرآن والسنة ، أما القرآن فقد أشرك عليا بالولاية العامة وجعل إمامته امتدادا للنبوة حين تختم النبوة بموت الرسول فقال تعالى : * ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) * وقد ذكرنا نزول هذه الآية في علي ( ع ) وما يترتب عليها من لوازم في مكان آخر من هذا الكتاب ، وأما السنة الشريفة فإن الروايات المعتبرة متظافرة بأن رسول الله ( ص ) نص على علي بالوصية في أكثر من مورد ، ومن تلك الموارد :
لما نزل عليه قوله تعالى : * ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) * الشعراء / 214 ، فجمع أقاربه وعددهم أربعون على فخذ شاة وطلب منهم أن يؤازروه على الدعوة فلم يقم إليه إلا علي فأخذ برقبته وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ( 2 ) . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع . هذا وقد ذكر ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة فصلا ممتعا في موضوع وصاية الإمام علي ( ع ) للنبي وأشبع الموضوع وبوسع القارئ الرجوع إليه ، وها أنت قد سمعت أن الوصية جاءت على لسان النبي ( ص ) لفظا ومعنى ومع ذلك ترى هؤلاء يقولون إن موضوع الوصية اخترعه عبد الله بن سبأ وستسمع لو قلت لهم إن الوصية لها مصادرها من السنة : من يقول لك هذه أحاديث دسها الشيعة على لسان السنة .
2 – العصمة :
موضوع العصمة موضوع مهم في الفكر الشيعي خاصة والإسلامي عامة وسأضطر للإطالة فيه لأنه يرتبط بأمور هامة لا بد من التعريف عليها .
فالعصمة لغة هي المنع ومنه قوله تعالى : * ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) * سورة هود / 43 . أما في الاصطلاح الكلامي فالعصمة : لطف يفعله الله تعالى بالمكلف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك ( 3 ) . وواضح من هذا التعريف أن العصمة لا إلجاء فيها وإنما هي مجدد مدد من الله تعالى واستعداد من العبد ، فهي أشبه شئ بأستاذ يقبل على تلميذه لأنه وجد عند التلميذ استعدادا أكثر من غيره لتلقي العلم .
وقد أجمعت الأمة الإسلامية على عصمة الأنبياء عن تعمد الكذب فيما يبلغونه عن الله تعالى واختلفوا بعد ذلك في صدور ما ينافي العصمة منهم على سبيل السهو أو النسيان سواء كانت أدلتهم في ذلك سمعية أو عقلية ، على صدور أو عدم صدور ما ينافي العصمة ذهب بعض أئمة السنة إلى جواز وقوع كل ذنب منهم صغيرا كان أو كبيرا حتى الكفر وبوسع القارئ الرجوع إلى آراء الباقلاني والرازي والغزالي مفصلا في نظرية الإمامة ( 4 ) بينما البعض الآخر فصل في ذلك ولم بصل إلى هذا الحد في تجريدهم من العصمة .
أما الشيعة فقد ذهبوا إلى عصمة الأنبياء مطلقا قبل البعثة وبعدها ( 5 ) وقد ساقوا لذلك أدلة كثيرة . وقد تعرض الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء وكذلك الشيخ المجلسي في البحار مفصلا لذلك والذي يهمني هنا عصمة الأئمة لأنها موضع البحث ، إن عصمة الأئمة أمر مفروغ منه عند الشيعة وقد أثبتها الشيعة للإمام بأدلة من العقل والنقل اقتصر على ذكر بعضها وبوسع طالب المزيد أن يرجع إلى الكتب والبحوث المطولة في ذلك .
عصمة الأئمة وأدلتها العقلية
1 – الدليل الأول :
يقول العلامة الحلي في كتابه الألفين : الممكنات تحتاج في وجودها وعدمها إلى علة ليست من جنسها إذ لو كانت من جنسها لاحتاجت إلى علة أخرى واجبة غير ممكنة ، كذلك الخطأ من البشر ممكن فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم ، ولا يمكن افتراض عدم عصمته لأدائه إلى التسلسل أو الدور أما التسلسل فإن الإمام إذا لم يكن معصوما احتاج إلى إمام آخر لأن العلة المحوجة إلى نصبه هي جواز الخطأ على الرعية ، فلو جاز عليه الخطأ لاحتاج إلى إمام آخر فإن كان معصوما وإلا لزم التسلسل ، وأما الدور فلحاجة الإمام إذا لم يكن معصوما للرعية لترده إلى الصواب مع حاجة الرعية للاقتداء به ( 6 ) .
2 – الدليل الثاني :
يقول الشيعة إن مفهوم الإمام يتضمن معنى العصمة لأن الإمام لغة هو المؤتم به : كالرداء اسم لما يرتدى به ، فلو جاز عليه الذنب فحال إقدامه على الذنب إما أن يقتدى به أو لا ، فإن كان الأول كان الأول كان الله تعالى قد أمر بالذنب وهذا محال ، وإن كان الثاني – خرج الإمام عن كونه إماما فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مؤتما به وبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بتصور أن العصمة متضمنة في مفهوم الإمام ولازمة لوجوده ( 7 ) .
3 – الدليل الثالث :
الإمام حجة الله في تبليغ الشرع للعباد وهو لا يقرب العباد من الطاعة ويبعدهم عن المعصية من حيث كونه إنسانا ، ولا من حيث سلطته فإن بعض الرؤساء الذين ادعو الإمامة كانوا فجرة لا يصح الاقتداء بهم فإذا أمروا بطاعة الله كانوا مصداق قوله تعالى : * ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) * 44 / البقرة . وفي مثل هذه الحالات لا يثق المكلف بقولهم وله عذره ، فثبت أن تقريب الناس من طاعة الله لا من حيث كون الإمام إماما ، وإنما من حيث كونه معصوما حيث لا يكون للناس عذر عصيانه تصديقا لقوله تعالى : * ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) * الآية / 165 من سورة النساء ، والأئمة حجج الله كالرسل سواء بسواء لأن الإمام منصوب من قبل الله تعالى لهداية البشر ( 8 ) .
هذه ثلاثة أدلة من كثير من الأدلة العقلية التي اعتمدوها في التدليل على العصمة .
الأدلة النقلية على عصمة الإمام
أ – قال الله تعالى في سورة البقرة : الآية / 124 لنبيه إبراهيم : * ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) * دلت هذه الآية على العصمة لأن المذنب ظالم ولم لنفسه لقوله تعالى : * ( فمنهم ظالم لنفسه ) * 32 / فاطر .
ب – قال الله تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) * الآية / 49 من سورة النساء ، والدليل فيها : أن أولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لأحكام الله تعالى لتجب لهم هذه الطاعة ولا يتسنى هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإنكار عليهم وذلك ينافي أمر الله بالطاعة لهم ( 9 ) .
ج – ذهبت الآية الثانية والثلاثين من سورة الأحزاب إلى عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم وهي قوله تعالى : * ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) * فبعد إثبات نزولها في أهل البيت الذي نص عليه كل من الإمام أحمد في مسنده ، ومستدرك الصحيحين والدر المنثور ، وكنز العمال وسنن الترمذي ، وتفسير الطبري ، وخصائص النسائي ، وتاريخ بغداد ، والاستيعاب لابن عبد البر ، والرياض النضرة للمحب الطبري ، ومسند أبي داوود وأسد الغابة ، جميع هؤلاء قالوا إنها نزلت في النبي ( ص ) وعلي ( ع ) وفاطمة والحسن والحسين ( ع ) ( 10 ).
ويتساءل العلماء عن معنى ذهاب الرجس لينتهوا إلى أنه نفي كل ذنب وخطأ عنهم والإرادة هنا تكوينية لا تشريعية لوضوح أن التشريعية مراده لكل الناس .
ولا يلزم منه الإلجاء لما سبق أن ذكرناه من أن العصمة مدد من الله تعالى واستعداد من العبد . هذه بعض أدلة الشيعة في العصمة وهي كما ترى منتزعة من الكتاب والسنة والعقل ، فما وجه نسبتها إلى عبد الله بن سبأ ؟ وأين موضع الصدق من تلك النسبة ، إن القارئ من حقه أن يسأل هؤلاء الكتاب هل اطلعوا على مصادر الفكر الشيعي عندما كتبوا عن الشيعة أم لا ، فإن كان الأول فما معنى هذا الخبط وهذه النسب الباطلة ، وإن كان الثاني فما هو المبرر لهو للخوض في أمور لم يطلعوا عليها أليس لهم رادع من مقاييس الأدب الإسلامي الذي رسمه الله تعالى بقوله : * ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) * الإسراء / 36 ، وفي الوقت ذاته إن المنهج العلمي يأبى عليهم هذه التخرصات ونسبة الأشياء إلى غير مصادرها إذا ففكرة العصمة حتى ولو كانت أدلتها غير ناهضة ، فلا يجوز أن تنحى عن مصدرها وتنسب إلى شخصية وهمية خلقها الحقد وافتعلها الهوى .
موقف السنة من العصمة
قبل الدخول بالموضوع ألفت النظر إلى قصة تحكى ولها دلالتها في موضوعنا وهي : أن شخصا مدينا جلب إلى الحاكم فسأله الحاكم هل أنت مدين لهذا المدعي ؟ قال : نعم ، أنا مدين ولكني منكر للدين ، إن هذه القصة تشبه تماما موقف من ينكر علينا القول بالعصمة وفي الوقت ذاته يقول بها . على أننا إنما نشترط العصمة في الإمام لضمان وصول أحكام وعقائد صحيحة ، ولضمان اجتناب المفارقات التي قد تنشأ من كون الإمام غير معصوم ، ولا نريد من العصمة أن تكون وساما نضعه على صدور الأئمة فإن لهم من فضائلهم ما يكفيهم كما أننا لا نسبح في بحر من الطوبائية لأننا نعيش دنيا الواقع بكل مفارقاتها ، إننا من وراء القول بالعصمة نربأ بالإمام أن يكون من سنخ من نراهم من الناس ، لأنه لو كان من نفس السنخ والسلوكية فما هي ميزته حتى يحكم الناس وفي الناس من هو أكثر منه استقامة ومؤهلات وقابلية ، تلك هي الأمور التي نريدها من وراء العصمة لا أن المعصوم من نوع آخر غير نوع الإنسان كما قد يتصور البعض . فالعصمة في نظرنا ضابط يؤدي إلى حفظ شريعة الله تعالى نظريا وصيانتها من العبث تطبيقيا ، وأساطين السنة يذهبون لمثل ذلك ولكنهم في الوقت نفسه ينكرون علينا القول بها وإليك نماذج من أقوالهم لتعرف صحة ما نسبناه لهم :
الرازي :
يذهب الرازي في معرض رده على عصمة الإمام عند الشيعة : إلى أن لا حاجة إلى إمام معصوم ، وذلك لأن الأمة حال إجماعها تكون معصومة لاستحالة اجتماع الأمة على خطأ ، بمقتضى حديث رسول الله ( ص ) لا تجتمع أمتي على ضلالة ( 11 ) . ومع غض النظر عن صحة وعدم صحة هذا الحديث ، نسأل هل مثل هذا الإجماع ممكن بحيث يضم كل مسلم في شرق الأرض وغربها ، قد يكون الجواب إن المسلمين يمثلون في هذا الإجماع بأهل الحل والعقد ، وهنا نسأل : من هم وما عددهم ؟ وهل هم محصورون في مكان معين ؟ وما الدليل على ذلك ؟ ثم نسأل : هل المجموع إلا ضم فرد إلى فرد فإذا جاز الخطأ على الأفراد جاز على المجموع المكون من الأفراد ، إن الإمام ابن تيمية يجيب على ذلك بأنه لا يلزم أن يخطأ المجموع إذا أخطأ الأفراد لأن للجمع خاصية لا توجد في الأفراد ، ومثلها مثل اللقمة الواحدة لا تشبع بينما مجموع اللقم يشبع ، والعصا الواحدة تكسر في حين مجموع العصي لا يكسر ، إلى أن يقول قال رسول الله ( ص ) : الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد ( 12 ) وما أدري ما هو وجه الشبه بين كون اللقم تشبع بعكس اللقمة الواحدة ، وبين كون المجموع يعصم والأفراد لا تعصم ، وذلك لأن اللقمة تحمل قابلية الإشباع بنسبة معينة فإذا ضمت إلى مثلها اجتمعت هذه الأفراد من قابلية الإشباع فكونت إشباعا كاملا ، وكذلك العصا تحمل نسبة من القوة فإذا ضمت لمثها كونت قوة كافية ، وأين هذا من الفرد المخطئ فإنه لا
يكون نسبة من الصحة إذا ضمت لغيرها كونت مجموعا صحيحا ، بل بالعكس فالفرد يمثل هنا نسبة من الخطأ إذا ضمت لمثلها تضاعف الخطأ وكون خطأ كبيرا ، إن هذا القياس مع الفارق ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن ابن تيمية لم ينف فكرة العصمة وإنما نفى أن تكون لواحد ليس إلا فكأن العقدة أن تكون لواحد أما لو نسبت لجماعة فلا إشكال ومن ناحية ثالثة إنه إنما اشترط العصمة للأمة من أجل الثقة وضمان سلامة الأحكام وهو عين الهدف الذي تذهب إليه الشيعة وأنا أنقل لك رأيه مفصلا :
رأي ابن تيمية في العصمة
قال ابن تيمية عند رده على الشيعة عند قولهم : إن وجود الإمام المعصوم لا بد منه بعد موت النبي وذلك لأن الأحكام تتجدد تبعا للموضوعات ، والأحوال تتغير وللقضاء على الاختلاف في تفاسير القرآن وفي فهم الأحاديث وغير ذلك .
ولو كانت عصمة النبي ( ص ) وكمال الدين كافيين لما حدث الاختلاف ، فثبت أنه لا بد من إمام معصوم يبين لنا معاني القرآن ويعين لنا مقاصد الشرع كما هو مراده إلى آخر ما ذكروه في المقام : فقال ابن تيمية : لا يسلم أهل السنة أن يكون الإمام حافظا للشرع بعد انقطاع الوحي لأن ذلك حاصل للمجموع ، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيرا من نقل الواحد ، فالقراء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه ، والمحدثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها ، والفقهاء معصومون في الكلام والاستدلال ( 13 ) ويختلف هنا ابن تيمية عن الرازي فإذا كانت العصمة عند الرازي لمجموع الأمة فهي عند ابن تيمية لجماعة من الناس كالقراء والفقهاء والمحدثين ، وهنا يشترط ابن تيمية العصمة لضمان حفظ مضمون الشريعة كما هو الحال عند الآخرين من الشيعة وغيرهم ، فما الذي أجازها لمجموعة ومنعها عن فرد ؟ إن عدد المعصومين عند الشيعة لا يتجاوز الأربعة عشر وهم مجموعة منتخبة خصها الله تعالى بكثير من الفضائل بإجماع فرق المسلمين فلماذا نستكثر عليهم العصمة ونجيزها لغيرهم مجرد سؤال ؟
رأي جمهور السنة في العصمة
يمكن القول أن جمهور السنة يصححون الحديث المروي عن النبي ( ص ) وهو قوله ( ص ) : ” أصحابي ، كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ” ( 14 ) ولازم هذا الحديث عصمة الصحابة كما سيرد به التصريح من بعضهم لأن صحة الاقتداء بأي منهم ومتابعته في الظلم لو حصلت حال كونه مرتكبا للذنب وهو الحاصل من كونه غير معصوم فمعناه الأمر من الله تعالى باتباع العاصي والظالم ولو لنفسه وإذا لم يتابع ويعمل بما أراده النبي فإن معناه ترك أمر القرآن لأنه قال : * ( ما أتاكم الرسول فخذوه ) * ( 15 ) والصحابي هنا ينقل أمر الرسول ، فإن قلت إن الله تعالى أمرنا بأن نأخذ الحديث من العادل الثقة لقوله تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) * الآية 6 / الحجرات ، التي دلت بمفهومها على حجية خبر العادل ، ونحن لا نأخذ الأمر إلا من العادل منهم ، قلت : إن ذلك يدل بالمفهوم على أن فيهم غير العادل حينئذ وهو المطلوب .
وعلى العموم إن لازم الحديث المذكور عصمة الصحابة ، وما سمعنا من ينكر على هؤلاء فلماذا إذا قال الشيعة بعصمة أئمتهم ينتقدون ؟
التفتازاني والعصمة
يقول التفتازاني وهو من أجلاء علماء السنة في كتابه شرح المقاصد : احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة : بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ( رض ) مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم ، وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها ( 16 ) وفي هذا النص أمور :
1 – إن التفتازاني هنا يصرح بعصمة الخلفاء الثلاثة .
2 – يقول : إن عصمتهم غير واجبة بمعنى أنهم لا يقسرون عليها وإلا فلا يتصور تعلق الأحكام بالأمور التكوينية وإنما مجال الأحكام السلوك الاختياري والاستعداد لقبول العصمة أمر مخلوق فيهم .
3 – مفاد كلامه أن العصمة ملكة تمنع صاحبها من مقارفة الذنب لا على نحو سلب الاختيار وهذا عين ما يقوله الشيعة في أئمتهم وليرجع من شاء إلى بحث العصمة في كتب الكلام الشيعة ، وعلى هذا فلماذا هذه الجعجعة يا مسلمون ؟
شمس الدين الأصفهاني ونور محمد والعصمة
يذهب الحافظ نور محمد وشمس الدين الأصفهاني الأول في تاريخ مزار شريف ، والثاني كما نقله عنه الغدير إلى أن الخليفة عثمان معصوم ( 17 ) وقد نقله عن كتابه مطالع الأنظار . والرجلان من علماء أهل السنة .
الإيجي والعصمة
يذهب عبد الرحمن الإيجي صاحب كتاب المواقف في نفس الكتاب إلى عصمة الخلفاء وعلى النحو الذي قال به التفتازاني فيما ذكرناه عنه أي أنها ملكة فيهم لا توجب سلب الاختيار ( 18 ) وهو من علماء السنة وقد كشفت لنا هذه الجولة أن الشيعة لا ينفردون بالقول بالعصمة بل علماء السنة يذهبون لذلك ، إذا فما هو وجه نسبتها إلى عبد الله بن سبأ وما هو وجه نقد الشيعة على القول بها ؟ أنا لا أريد أن أحشد للقارئ نقد كتب السنة ومؤلفيهم حول موضوع العصمة فإن كتبهم طافحة بذلك ، ولكن سأستعرض لك رأي كاتب يعيش في القرن العشرين وفي عصره الذرة بالذات وهو وأيم الحق من أكثر أهل السنة الذين قرأت لهم اعتدالا في الكتابة عن الشيعة ولكن مع ذلك كله تبقى الرواسب في النفوس تعمل عملها . إني أعتقد أن هذا الرجل قد بحث في كتب الشيعة وغيرهم قبل أن يكتب كتابه وذلك لما رأيت له من كثرة المصادر مع افتراض أنه اطلع على آراء أهل السنة في هذه المواضيع فلماذا الإنكار على الشيعة دون الآخرين وإذا كان لم يطلع وهو ما أستبعده ، فلماذا يكتب ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) نظرية الإمامة ص 39 .
( 2 ) أنظر تاريخ الطبري ج 2 ص 216 ، وتاريخ ابن الأثير ج 2 ص 28 ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي ج 45 ص 97 طبعة أوفست .
( 3 ) توفيق التطبيق للكيلاني ص 16 .
( 4 ) نظرية الإمامة ص 111 و 112 .
( 5 ) معالم الفلسفة لمغنية ص 193 .
( 6 ) الألفين للعلامة الحلي ص 54 .
( 7 ) الأربعين للرازي ص 434 .
( 8 ) نهاية الإقدام للشهرستاني ص 85 .
( 9 ) كشف المراد للعلامة الحلي ص 124 .
( 10 ) أنظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 5 ص 219 فصاعدا .
( 11 ) المستصفى مبحث أركان الإجماع .
( 12 ) نظرية الإمامة 117 .
( 13 ) نظرية الإمامة 120 .
( 14 ) طبقات الفقهاء للشيرازي ص 3 .
( 15 ) الآية 7 من سورة الحشر .
( 16 ) شرح المقاصد بتوسط الغدير للأميني ج 9 ص 375 .
( 17 ) الغدير نفس ج 9 ص 375 .
( 18 ) الغدير للأميني ج 7 ص 140 . والمواقف ص 399 .
المصدر: هوية التشيع/ الشيخ أحمد الوائلي