- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- توسط : المشرف
- 0 نظر
لماذا السيدة فاطمة (س) مرضت؟ وماذا قالت في خطبتها لنسوة المهاجرين والأنصار عند عيادتهن لها؟ ولماذا عادها أبو بكر وعمر؟ وما هي وصيتها لعلي (ع) قبل استشهادها، وكيف جرت مراسيم تشييعها ودفنها؟
فاطمة (س) على فراش المرض
إنتشر خبر مرض السيّدة فاطمة الزهراء (س) في المدينة، وسمع الناس به، ولم تكن تشكو السيّدة فاطمة الزهراء (س) من داء عضال غير ما حدث لها بين الحائط والباب من عصرها وكسر ضلعها وسقوط جنينها.
كلّ هذه الاُمور ساهمت في انحراف صحتها وقعودها عن ممارسة أعمالها اليوميّة، وكان زوجها العطوف عليها وعلى أبنائها هو الذي يتولّى تمريضها، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس.
جاءت نسوة من أهل المدينة لعيادتها، فخطبت فيهنّ تلك الخطبة وأعادت النسوة كلامها على رجالهنّ، فجاء الرجال يعتذرون، فما قبلت اعتذارهم حتّى قالت (س): «إليكم عنّي لا عذر بعد تعذير ولا أمر بعد تقصير».
لقد انتشر خبر استياء السيّدة فاطمة (س) من السلطة ونقمتها على الذين آزروا الحزب الحاكم بسكوتهم وصمتهم، وتناسوا كلّ النصوص التي نزلت في آل الرسول (ع)، وأعرضوا عن كلّ حديث سمعوه من شفتي الرسول (ص) في حقّ الزهراء (س) وزوجها وولديها، وأخيراً تولَّد شيء من الوعي عند الناس، وعرفوا أنّهم مخطئون في دعم السلطة الحاكمة التي تنكّرت لِشرعية الزعامة لآل رسول الله (ص)، لم تُعِر للحقّ اهتماماً ولم تعرف منطقاً سوى القوّة وحدّ السيف.
عيادة النساء للسيّدة فاطمة (س)
لا نعلم بالضبط السبب الحقيقي والدافع الأصلي الذي دعا نساء المهاجرين والأنصار لعيادة السيّدة فاطمة الزهراء (س)، فهل كان ذلك بإيعاز من رجالهن؟ وما الذي دعا اُولئك الرجال لإرسال نسائهم إلى دار السيّدة فاطمة (س)؟ وهل حصل الوعي عند النساء وشعرن بالتقصير بل الخذلان لبنت رسول الله (ص)، فانتشر هذا الشعور بين النساء فحضرنَ للعيادة والمجاملة أو إرضاء لضمائرهن المتألّمة ممّا حدث من خذلان لآل البيت النبوي؟
أو كانت هناك أسباب سياسية فرضت عليهنّ ذلك، فحضرن لتلطيف الجوّ وتخفيف التوتّر للعلاقات بين بنت رسول الله (ص) وبين السلطة الحاكمة في ذلك اليوم؟ خاصة وإنّ الموقف الاعتزالي الذي اختارته السيّدة فاطمة (س) لنفسها وانسحابها عن ذلك المجتمع لم يكن خالياً عن التأثير السلبي على السلطة، بل كان عاملاً مساعداً لتأجيج ضمائر الناس، وبالأخص حين حمل الإمام أمير المؤمنين (ع) السيّدة فاطمة (س) وأخذ يطوف بها على بيوت الأنصار تستنجد بهم وتستنهضهم فلم تجد منهم الهمّة والحميّة للحقّ المغتَصب[1].
وعلى كلّ تقدير فلا يعلم أيضاً عدد النساء اللاّتي حضرن عند الزهراء (س) وهي طريحة الفراش، ولكن يبدو أنّ العدد لم يكن قليلاً بل كان مما يُعبأ به.
خطبة الزهراء (ع) في نساء المهاجرين والأنصار
قال سُوَيْدُ بن غفلة: لمّا مرضت سيّدتنا فاطمة (س) المَرْضة التي توفّيت فيها، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليَعِدْنَها، فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت من علّتك؟ فحمدت الله وصلّت على أبيها (ص) ثم قالت:
«أصبَحتُ واللهِ عائِفَةً لدنياكم، قالِية لرجالكم، لَفَظْتُهُم بَعدَ أنْ عَجَمْتهُمْ، وَشَنَأْتُهُمْ بَعْدَ أن سَبَرْتُهُمْ، فَقُبحاً لفُلولِ الحدِّ، واللَّعبِ بَعدَ الجِدِّ، وقَرْعِ الصَّفاةِ، وخَوْرِ القَناةِ، وخَطَلِ الرّأيِ، وزَلَلِ الأهواءِ.
وَبِئسَ ما قَدَّمَتْ لهم أنفُسُهم أنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهْمِ وفي العذابِ هُم خالدون.
لا جَرَمَ والله لَقَدْ قَلَّدَتْهُم رِبْقَتها، وَحَمَّلَتْهُم أَوْقَتَها، وَشَنَنتْ عَلَيْهِم غارتها، فجَدعاً وعَقراً وسُحْقاً للقوم الظالمين.
وَيْحَهُم أنّى زَحْزَحوها عن رَواسي الرِّسالةِ، وقواعِدِ النبوّةِ والدّلالَةِ ومَهبِطِ الوحيِ الأمين، والطّبين بأمرِ الدُّنيا والدّين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نَقَموا من أبي الحسن؟ ! نَقَموا واللهِ مِن نَكيرِ سيفِهِ، وَقِلَّةِ مُبالاتِه بِحَتْفِهِ، وشِدَّةِ وَطأتِهِ، ونَكالِ وَقْعته، وتَنَمُّرِهِ في ذاتِ اللهِ عزّوَجَلَّ.
واللهِ لو تَكافُّوا عَن زَمان نَبَذَهُ رسولُ الله (ص) لأعْتَلَقَهُ، ولَسار بِهِم سَيْراً سُجُحاً، لا يُكْلَمُ خِشاشُه، ولا يكلّ سائره، ولا يُتَعْتَعُ راكبهُ، ولأوردهم مَنْهَلاً نميراً فَضْفاضاً تَطْفَحُ ضِفّتاه، ولا يَتَرَنَّقُ جانِباهُ، ولاصَدَرَهُم بِطاناً، ونصح لهم سرّاً وإعلاناً، قد تحيّر بهم الرّيّ غير متحلٍّ منه بطائل.
ولا يحظى من الدنيا بنائل، إلاّ بِغَمْرِ الماءِ وَرَدْعِه شَرَرَ الساغِب، وَلَبانَ لَهُمُ الزّاهِدُ من الرّاغِب، والصّادقُ مِنَ الكاذِبِ، ولَفُتِحَتْ عليهِم بَرَكاتٌ مِنَ السماءِ والأرضِ، وسَيَأْخُذُهُمُ اللهُ بما كانوا يكْسِبونَ.
أَلا هَلُمَّ فَاسْمَعْ، وَما عِشْتَ أراكَ الدَّهْرُ العَجَبَ، وإنْ تَعْجَبْ فَقَد أعْجَبَك الحادِثُ، لَيْتَ شِعري إلى أيِّ سِناد استَنَدوا، وعلى أيّ عِماد اعتَمَدوا، وبِأيَّةِ عُرْوة تَمَسّكوا، وعلى أيّةِ ذُرِّيَّة اَقْدَموا واحتنكوا؟ لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا.
استبدلوا الذُنابى والله بالقوادِمِ والعَجزَ بالكاهِل، فَرَغْماً لمَعاطِسِ قوم (يحسبون أنّهُم يُحسِنون صُنْعاً)[2]، (ألا إنّهم هُمُ المُفْسِدون وَلكن لا يَشْعُرونَ)[3].
وَيْحَهُم (أَفَمَنْ يهَدي إلى الحقِّ أَحَقُّ أن يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدّي إلاّ أَنْ يُهدى فما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمونَ)[4].
أما لَعَمْري لقد لَقِحَتْ فَنَظِرَةٌ رَيْثَما تُنْتِج، ثمّ احْتَلِبوا طِلاعَ القَعْبِ دَماً عَبيطاً، وذُعافاً مُمْقِراً، هُنالِكَ يَخْسَرُ المُبْطِلونَ، ويَعْرِفُ التالون غِبَّ ما سَنَّ الأوَّلونَ…».
قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها (س) على رجالهن فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد ونحكم العقد، لما عَدَلنا إلى غيره، فقالت: «إلَيْكُمْ عَنيّ! فَلا عُذْرَ بَعْدَ تَعذيرِكُم وَلا أمْرَ بَعْدَ تَقصيرِكُم»[5].
عيادة أبي بكر وعمر بن الخطاب للزهراء (س)
كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة (س) بين الحين والحين إلاّ عمر وأبا بكر لم يعوداها لأنّها قاطعتهُما ورفضتهُما ولم تأذن لهُما بعيادتها، ولمّا ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بُدّاً من عيادتها لئلاّ تموت بضعة المصطفى (ص) وهي ساخطة عليهما سخطاً ذاع صيته على رؤوس الأشهاد، فتبقى وصمة عار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلى يوم الدين، وأرادوا حلّ الأزمة باسترضاء الزهراء (س) لينتهي كلّ شيء.
وروي أنّ عمر قال لأبي بكر: إنطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها، فانطلقا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلَّماه فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلّما عليها، فلم تردّ عليهما السَّلامَ، فتكلّم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله (ص) والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي وإنك لأحبّ إليَّ من عائشة إبنتي، ولوددت يوم مات أبوك أَنّي متّ ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفكِ وأعرف فضلكِ وشرفكِ، وأمنعك حقّكِ وميراثك من رسول الله (ص)؟ إلاّ أنّي سمعت أباكِ رسول الله (ص) يقول: «لا نورّث، ما تركناه صدقه».
فقالت (س): «أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به؟ فقالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة إبنتي فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟».
قالا: نعم، وسمعناه من رسول الله (ص).
قالت: «فإنّي اُشهدُ الله وملائكته أَنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبيّ (ص) لأشكونّكما إليه»، فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه ومن سخطكِ يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق وفاطمة تقول: «والله لأدعونَّ عليكما في كلّ صلاة اُصلّيها، ثم خرج باكياً» فاجتمع الناس إليه فقال لهم: يبيت كلّ رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أَنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي[6].
الساعات الأخيرة قبل الرحيل
كانت السيّدة الزهراء (س) في ذلك اليوم الذي توفيت فيه طريحة الفراش، وقد أخذ منها المرض مأخذه، ولم يسمع لها سوى الأنين والحنين لأبيها، لقد رأت أَباها في المنام وهو يقول لها: «هلمّي إليّ يا بُنَيَّة فإنّي إليك مشُتاقٌ ثمّ قال لها: أنتِ الليلةَ عندي»[7].
انتبهت من غفوتها واستعدّت للرحيل إلى الآخرة، فقد سمعت من أبيها الصادق المصدَّق الذي قال: «من رآني فقد رآني»[8]. سمعت منه نبأ ارتحالها فلا مجال للشكّ والتردّد في صدق الخبر.
فتحت عينها واستعادت نشاطها ولعلّها كانت في صحوة الموت وقامت لاتّخاذ التدابير اللازمة، واغتنمت تلك السويعات الأخيرة من حياتها، أقبلت الزهراء تزحف أو تمشي متّكئة على الجدار نحو الموضع الذي فيه الماء من بيتها، وشرعت تغسل ثياب أطفالها بيديها المرتعشتين، ثم دعت أطفالها وطفقت تغسل رؤوسهم، ودخل الإمام عليّ (ع) البيت وإذا به يرى عزيزته قد غادرت فراش العلّة وهي تمارس أعمالها المنزلية.
رقّ لها قلب الإمام (ع) حين نظر إليها وقد عادت إلى أعمالها التي كانت قد اعتادت على بذل الجُهد فيها أيّام صحّتها، فلا عجب إذا سألها عن سبب قيامها بتلك الأعمال المجهِدة بالرغم من انحراف صحّتها، وإذا بها تجيبه بكلّ صراحة بأنّ: هذا اليوم هو آخر يوم من أيام حياتي، قمت لأغسل أطفالي وثيابهم لأنّهم سيصبحون يتامى بلا اُمّ، سألها الإمام عن مصدر هذا النبأ فأخبرته بالرؤيا، فهي بذلك قد نعت نفسها إلى زوجها بما لا يقبل الشك.
وصيّة الزهراء (س) للإمام عليّ (ع)
وفي الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها طيلة هذه المدّة من الوصايا التي يجب تنفيذها.
فقالت لعليّ (ع): «يابن عمّ إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أننّي لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي».
قال لها عليّ (ع): «أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله (ص)». فجلس عند رأسها، وأخرج مَن كان في البيت.
ثم قالت: «يابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني».
فقال عليّ (ع): «معاذ الله أنتِ أعلم بالله، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لا بدّ منه، والله لقد جدّدتِ عليَّ مصيبة رسول الله (ص) وقد عَظُمَتْ وفاتُكِ وفَقدُكِ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها!! هذه مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها».
ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ الإمام رأسها وضمّها إلى صدره ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به، وأختار أمركِ على أمري». فقالت (س): «جزاكَ الله عنّي خير الجزاء، يابن عمّ اُوصيك أوّلاً أن تتزوّج بعدي… فإنّ الرجال لا بدّ لهم من النساء».
ثم قالت (س): «اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفّني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار»[9].
ثم قالت (س): «يابن العمّ إذا قضيتُ نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي، فإنّي طاهرة مطهَّرة، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله (ص)، وصَلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي، وادفنّي ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، وعفَّ موضع قبري، ولا تُشهِد جنازتي أحداً ممّن ظلمني، يابن العمّ أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً، واجعل لأولادي يوماً وليلةً، يا أبا الحسن! ولا تَصِح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان اُمّهما»[10].
أوّل نعش أُحدث في الإسلام
روي عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة الزهراء (س) قالت لأسماء: إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا اُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجريدة رطبة فحسنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة (س): «ما أحسن هذا وأجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل»[11].
وعن الإمام الصادق (ع): «أوّل نعش اُحدث في الإسلام نعش فاطمة، إنّها اشتكت شكاتها التي قبضت فيها، وقالت لأسماء: إنّي نحلت فذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني؟ فقالت أسماء: إنّي إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك مثله؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت (س): نعم، فدعت بسرير، فأكبته لوجهه، ثم دعت بجرائد نخل فشدّدته على قوائمه، ثم جلّلته ثوباً فقالت أسماء: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت (س): اصنعي لي مثله، اُستريني سترك الله من النار»[12].
لحظات عمرها الأخيرة
انتقلت السيّدة فاطمة الزهراء (س) إلى فراشها، واضطجعت فيه وهي مستقبلة القبلة.
وقيل: إنّها أرسلت بنتيها زينب واُمّ كلثوم إلى بيوت بعض الهاشميات لئلاّ تشهدا موت اُمّهما، كلّ ذلك من باب الشفقة والرأفة والتحفّظ عليهما من صدمة مشاهدة المصيبة.
وكان الإمام عليّ والحسن والحسين (ع) خارج البيت في تلك الساعة ولعلّ خروجهم كان للسبب نفسه أو لسبب آخر.
وحين حانت ساعة الاحتضار وانكشف الغطاء فتحت السيّدة فاطمة (س) عينيها ثم قالت: «السلام على جبرئيل، السلام على رسول الله، اللهمّ مع رسولك، اللهمّ في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثم قالت: هذه مواكب أهل السماوات وهذا جبرئيل وهذا رسول الله يقول: يا بنية أَقدمي فما أمامكِ خيرٌ لك». ثم قالت: «وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني» ثم قالت: «إليك ربّي لا إلى النار» ثم غمّضت عينيها ومدّت يديها ورجليها.
وجاء عن أسماء أنّ فاطمة الزهراء (س) لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء: «إنّ جبرئيل أتى النبيّ لما حضرته الوفاة بكافور من الجنّة فقسّمه أثلاثاً، ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعليّ، وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً فقالت: يا أسماء ائتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، وضعيه عند رأسي، فوضعته ثم قالت لأسماء حين توضّأت وضوءها للصلاة: هاتي طيبي الذي أتطيّب به، وهاتي ثيابي التي اُصلي فيها فتوضأت» ثم تسجَّت بثوبها ثم قالت: «انتظريني هنيئةً وادعيني فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أنّي قدمت على أبي فأرسلي إلى عليّ».
فنادتها أسماء فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الحياة، فوقعت عليها تقبّلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله (ص) فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام، ودخل الحسن والحسين فوجدا اُمّهما مسجّاة فقالا: يا أسماء ما ينيم اُمّنا في هذه الساعة؟ قالت: يا ابنَيْ رسول الله ليست اُمّكما نائمة، لقد فارقت الدنيا.
فألقى الحسن نفسه عليها يقبّلها مرةً ويقول: «يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني»، وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: «أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت».
فقالت لهما أسماء: يا ابنَيْ رسول الله، إنطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فابتدر إليهما جمع من الصحابة وسألوهما عن سبب بكائهما فقالا: «قد ماتت اُمّنا فاطمة (س)». فوقع الإمام عليّ (ع) على وجهه يقول: «بمن العزاء يا بنت محمّد»[13]؟
مراسم التشييع والدفن
وارتفعت أصوات البكاء من بيت عليّ (ع) فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله (ص)، واجتمعت نساء بني هاشم في دار فاطمة (س) فصرخن وبكين، وأقبل الناس إلى عليّ (ع) وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان، وخرجت اُمّ كلثوم وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله! الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً.
واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجّون، وينتظرون خروج الجنازة ليصلّوا عليها، وخرج أبو ذر وقال: انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله قد اُخّر إخراجها في العشية[14].
وأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان علياً (ع) ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله (ص)[15].
وهكذا تفرّق الناس، وهم يظنّون أنّ الجنازة تشيّع صباح غد. وروي أنّ وفاتها كانت بعد صلاة العصر أو أوائل الليل.
ولكنّ الإمام عليّاً (ع) غسّلها وكفّنها هو وأسماء في تلك الليلة، ثم نادى: يا حسن يا حسين يا زينب يا اُمّ كلثوم هلمّوا فتزوّدوا من اُمّكم فهذا الفراق واللقاء الجنّة، وبعد قليل نحّاهم أمير المؤمنين (ع) عنها[16].
ثم صلّى عليٌّ على الجنازة ورفع يديه إلى السماء فنادى «اللهمّ هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت ميلاً في ميل»[17].
فلمّا هدأت الأصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل تقدّم أمير المؤمنين والعباس والفضل بن العباس ورابع يحملون ذلك الجسد النحيف، وشيّعها الحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وبريدة وعمار[18].
ونزل عليّ (ع) إلى القبر، واستلم جسد بضعة رسول الله (ص) وأضجعها في لحدها وقال: «يا أرض أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله محمّد بن عبدالله (ص)، سلّمتكِ أيتها الصدّيقة إلى من هو أولى بكِ منّي، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ»، ثم قرأ (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[19]، ثم خرج من القبر، وتقدّم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرّة النبويّة، وسوّى عليّ (ع) قبرها[20].
تأبين الإمام عليّ (ع) للزهراء (س)
انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف أمرهم وهجوم القوم عليهم، فلمّا نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن لفقد بضعة الرسول وزوجته الودود التي عاشت معه عيشة الصفاء والطهارة والتضحية والإيثار، وتحمّلت من أجله الأهوال والصعاب، فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (ص) ثم قال:
«السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفى عن سيدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسي لي بسنَّتك في فرقتك موضع تعزي، فلقد وسّدتُك في ملحودة قبرك بعد أن فاضت نفسك بين نحري وصدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي.
بلى، وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله!
أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار الله دارك التي أنت فيها مقيم، كَمَدٌ مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق الله بيننا وإلى الله أشكو، وستنبّئك ابنتك بتضافر اُمّتك عليَّ، وعلى هضمها حقّها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، والسلام عليكما يا رسول الله سلام مودّع لاسئم ولا قال، فإن أَنصرف فلا عن ملالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، والصبر أَيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً…»[21].
الاستنتاج
ان بعد رحلة رسول الله (ص) وهجوم القوم على بيت فاطمة (س) اصبحت مريضا تعاني مما أصابها من عصرة باب دارها، فعادتها نسوة المهاجرين والأنصار فخطبت فيهن خطبة تستنكر فيها موقف رجالهن، ثم أن أبا بكر وعمر جاءا لعيادتها ولكن خرجا منها وهي ساخطة عليهما، وأنها أوصلت عليا بوصايا قبل استشهادها.
الهوامش
[1] ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج1، ص19.
[2] الكهف، 104.
[3] البقرة، 12.
[4] يونس، 35.
[5] الصدوق، معاني الأخبار، ص354، ح1.
[6] ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج1، ص20.
[7] المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص179، ح15.
[8] ابن حنبل، مسند أحمد، ج3، ص55.
[9] فتّال النيشابوري، روضة الواعظين، ج1، ص151.
[10] المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص214.
[11] الأربلي، كشف الغمة، ج2، ص126.
[12] الطوسي، تهذيب الأحكام، ج1، ص469، ح1540.
[13] كشف الغمة، ج2، ص122.
[14] فتّال النيشابوري، روضة الواعظين، ص151.
[15] الهلالي، كتاب سليم بن قيس، ص392.
[16] المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص179، ح15.
[17] المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص215، ح44.
[18] فتّال النيشابوري، روضة الواعظين، ص152.
[19] طه، 55.
[20] المجلسي، بحار الأنوار، ج79، ص27، ح13.
[21] الكليني، الكافي، ج1، ص458، ح3.
مصادر البحث
1ـ ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، بيروت، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأُولى، 1416 ه.
2ـ ابن قتيبة، عبد الله، الإمامة والسياسة، تحقيق طه محمّد الزيني، بيروت، دار المعرفة، بلا تاريخ.
3ـ الأربلي، علي، كشف الغمة في معرفة الأئمّة، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1421 ه.
4ـ الصدوق، محمّد، معاني الأخبار، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، طبعة 1379 ش.
5ـ الطوسي، محمّد، تهذيب الأحكام، تحقيق وتعليق السيّد حسن الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1365 ش.
6ـ فتّال النيشابوري، محمّد، روضة الواعظين وبصيرة المتعلّمين، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الثانية، 1375 ش.
7ـ الكليني، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
8ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
9ـ الهلالي، سليم، کتاب سليم بن قيس، تحقيق محمّد باقر الأنصاري الزنجاني، قم، دليل ما، الطبعة الأُولى، 1422 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف بسيط)
المجمع العالمي لأهل البيت، أعلام الهداية، (فاطمة الزهراء)، قم، المجمع العالمي لأهل البيت، الطبعة الأُولى، 1422 ه.