- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
هناك تساؤل مهمّ هو : أَتؤمن المدرسة العرفانيّة بالعقل والاستدلال العقلي في المقام الأوّل من البحث أم ترفض ذلك ؟
للإجابة عن ذلك يمكن أن يُقال : إنّ هناك اتّجاهين في هذا المجال :
الأوّل : هو الاتّجاه المتطرّف الذي ينكر أيّ دور للاستدلالات العقليّة في مجال الكشف عن الحقائق الوجوديّة ، وهذا ما يظهر من خلال بعض كلمات العرفاء.
* منها ما ذكره الآملي حيث قال : « إنّ النفع من العلوم هو تحصيل معرفة الله على سبيل اليقين ومعرفة الأشياء – على ما هي عليه – التي هي أيضاً من معرفة الله تعالى ; لأنّ من عرف الأشياء على ما هي عليه ، عرف الله على ما هو عليه ، ومن عرف الله على ما هو عليه عرف الأشياء على ما هي عليه ، لاستحالة انفكاك كلّ واحد منهما عن الآخر ، وكلاهما مستحيل من العلوم الرسميّة » ( 1 ).
* ومنها ما ذكره ابن فناري في « مصباح الأنس » حيث قال : إنّ « معرفة الأشياء على ما هي عليه » ( 2 ) بالأدلّة النظرية متعذّرة ؛ لوجوه . ثمّ استعرض وجوهاً متعدّدة للاستحالة .
* ومنها ما عن عبد الرزّاق الكاشاني ، فإنّه رجع من العلوم الرسميّة إلى العلوم الحقيقيّة ، وصنّف في التصوّف كتباً ورسائل ، حتّى قال في خطبة بعض رسائله : « الحمد لله الذي نجّانا من مباحث العلوم الرسميّة بالمنّ والإفضال ، وأغنانا بروح المعاينة عن مكابدة النقل والاستدلال ، وأنقذنا ممّا لا طائل تحته من كثرة القيل والقال ، وعصمنا من المعارضة والمناظرة والجدل والجدال ، فإنّها مثار الشبهة ومظانّ الريب والضلال والإضلال » ( 3 ) .
وبعد أن ينقل السيّد حيدر الآملي جملة من هذه الأقوال في ذمّ الاستدلال العقلي والعلوم البحثيّة يقول في خاتمة كلامه : « والغرض إظهار رداءة العلوم الرسميّة ونفاسة العلوم الحقيقيّة وشرف أهلها وحسنها ; لينظر العاقل فيهما ويختار ما هو مناسب بحاله منهما » ( 4 ).
إلاّ أنّ هذا الاتّجاه وإن كان يظهر من بعضهم ، ولكنّه غير تامّ كما هو المحقَّق عند المحقِّقين من العرفاء ، وهذا ما ستأتي الإشارة إليه إجمالاً .
الثاني : وهذا الاتّجاه وإن كان يعتقد أنّ تفسير الوجود ونظامه وتجلّياته لا يتمّ إلاّ على أُسس المكاشفة والشهود ، إلاّ أنّه لا يرفض كلّ الرفض أسلوب الاستدلال العقلي ، بل يسمح له ولكن في حدود معيّنة ; لعدم قدرته على نيل ما وراء ذلك .
وهذه الطريقة التي اعتمدها بعض العرفاء وسلكوها في سبيل تحصيل المعارف والوصول إلى فهم حقيقة الوجود ، وطريقة الاتّصال به ، واختلافهم عن طريقة الفلاسفة اختلافاً كبيراً في تفسير حقيقة الوجود أدّى بالبعض إلى التشنيع على العرفان وشنّ الحملات الكبيرة عليه واعتباره ملغياً لدور العقل في حقول المعرفة : «العرفان يلغي العقل . . . ومن حقّ العقل أن يدافع عن نفسه » ( 5 ).
ولذلك كان لبعض المفكّرين ومنهم الجابري موقفاً نقديّاً لاذعاً من المنهج المعرفي لدى العرفاء .
وممّا يقوله الجابري في مجال نقده لمنهج أهل العرفان : « هو في جانب منه موقف من العلم ، موقف نفسيّ وفكريّ ووجوديّ ، لا بل موقف عامّ من العالم ، يشمل الحياة والسلوك والمصير .
والطابع العامّ الذي يسم هذا الموقف هو الانزواء والهروب من العالم والتشكّي من وضعيّة الإنسان فيه ، وبالتالي الجنوح إلى تضخيم الفرديّة والذاتيّة ، تضخيم العارف لأناهُ . ينطلق هذا الموقف ، أوّل ما ينطلق ، عن القلق والشعور بالخيبة إزاء الواقع الذي يجد العارف نفسه فيه : الواقع الذي يعيش فيه كنفس مقيّدة في بدن ، وكفرديّة مؤطّرة في مجتمع ; حيث لا يلقى إلاّ ما يُنغّص ويكدّ ، إلاّ ما يجعله يشعر بأنّه محاصر ومستبعد ، فيبدو العالم له شرّاً كلّه ، وتصبح مشكلته الأساسيّة بل الوحيدة هي مشكلة الشرّ في العالم : لماذا كان العالم يحتوي على الشرّ ؟ لماذا يطغى فيه الشرّ وما مصدره . . . » ( 6 ).
ويتابع القول : « . . الموقف العرفاني كان دائماً موقف هروب من عالم الواقع إلى عالم « العقل المستقيل » كلّما اشتدّت وطأة الواقع على الفرد الذي لا يعرف كيف يتجاوز فرديّته ، ويجعل من قضيّته الشخصيّة قضيّة جماعيّة وإن لزم الأمر قضيّة إنسانيّة » ( 7 ) . والسبب في ذلك بحسب رأيه أنّ العرفان « موقف سحريّ يلغي العالم ليجعل من « أنا » العارف الحقيقة الوحيدة ، فهو يعتبر العالم شرّاً كلّه ليجعل من « أنا » – ومن « أنا » هُ وحده – نفحة الخير الإلهي الوحيدة في العالم » ( 8 ).
ويمكن تلخيص هذا الموقف في النقاط التالية :
أوّلاً : إلغاء العرفان لدور العقل .
ثانياً : موقف العرفان من العالم والانسان هو الانزواء والهروب .
ثالثاً : العرفان يعطي الاهتمام والأولويّة للذات الفرديّة دون الخروج عن ذلك إلى الدائرة الاجتماعيّة الواسعة .
رابعاً : إنّ العرفان يحتوي على نظرة تشاؤميّة تجاه العالم هي نظرة « الشرّ » إليه .
وقد ناقش الجابريَّ في مواقفه هذه المفكّرُ علي حرب حيث خالفه فيما ذهب إليه من مواقف سلبية تجاه العرفان ، ودافع عن موقع العقل في الفكر العرفاني باعتبار أنّ العرفان يكمل طريق الفلسفة في الوصول إلى الحقائق التي لم تحصل عليها الفلسفة من خلال العقل .
يقول حرب عن موقفه المناهض للجابري : « وفيما يختصّ بالجابري ، فإنّي أُخالفه من هذا المنطلق بالذات ، أي لكونه حاول أن يقصي من دائرة العقل والمعقوليّة قارّة معرفيّة بكاملها ممثّلة بالفكر الصوفي » ( 9 ).
واعتبر أنّ موقف الجابري له تداعيات تترك بصمات سلبية على دور العرفان في بنية العقل وركائزه المعرفيّة وذلك لأنّها بحسب قول حرب « قد آلت إلى استبعاد إنجازات فكريّة رائعة من دائرة العقل والعقلانيّة ، ممثّلة بالفكر الصوفي والإشراقي ، بشكل خاصّ » ( 10 ).
أمّا عن دور العرفان في المعرفة فيقول حرب بأنّه – أي العرفان – : « تعبير عن مأزق هذا العقل الذي لم تتح له إمكانيّة أن يتعقّل ما يحصل ويحسن ويرغب » ( 11 ) فالعقل قاصر عن إدراك بعض المعارف ، أمّا العرفان فهو كما يقول : « يكشف ما يحجبه الخطاب الفلسفي من أوجه الكائن ، ومن ثمّ يكشف عن اللامعقول الذي ينطوي عليه العقل الفلسفي » ( 12 ) .
والعرفان في نظر حرب يمتلك الشموليّة في الإدراك من خلال التأويل والغوص في الباطن ، وبه يتقاطع البيان والبرهان ، والحدس والاستدلال . . . وفي هذا المجال يقول : « هم – أي العرفاء – الذين اختصّوا بالتأويل والغوص على الباطن أكثر من غيرهم من الفرق ، فإنّ العرفان الصوفي يمثِّل في نظرنا المنهج التأويلي بامتياز ، فمع العرفان – بما هو تأويل – يتقاطع البيان والبرهان ، والحدس والاستدلال ، والوحي والنظر . . . وبه يتصالح الرمزي والواقعي ، ويطلّ الظاهر على الباطن ، ويظهر الحقّ في الحقائق ، ولذا نرى أنّ العرفان . . . ليس « استقالة العقل » كما قد يظنّ ، وإنّما هو في الحقيقة تأمّلات الفكر وفتوحات العقل » .
فهذه دعوة صريحة إلى التصالح بين الفلسفة والعرفان ، وعدم الانغلاق على العقل ، لأنّه من الممكن التداخل بين العقل والعرفان ، وذلك عندما يصبح وسيلة لإكمال طريق العقل ، وذلك حيث يتوقّف العقل ولم يعد له مجال في البحث .
ورغم المقولة السائدة والتي تفصل وتميّز بين طريقة العرفاء الكشفيّة المبنيّة على الذوق والعيان القلبي وبين طريقة المدارس الأخرى المبنيّة على البرهان العقلي والبحث والنظر ( طريقة الفلاسفة ) ، اتضح أنّ مدرسة الحكمة الحكمة المتعالية التي وضع أسسها صدر الدين الشيرازي وَفَّقت بين هاتين الطريقتين وأضافت إليهما شيئاً آخر .
وكلّ هذا يدعم ما ذكرناه في مقدّمة هذا البحث من أنّ المدرسة العرفانيّة لم ترفض بالمطلق أسلوب الاستدلال العقلي ، ولم تلغِ دور العقل ، وإن كان هناك اتّجاه متطرّف أنكر هذا الدور .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع الأسرار ، مصدر سابق : ص 473 .
(2) مصباح الأنس ، مصدر سابق : ص 9 .
(3) جامع الأسرار : ص 498 .
(4) المصدر نفسه : ص 499 .
(5) الجابري ، محمد عابد ، تكوين العقل العربي « نقد العقل العربي » ( 1 ) ، مركز دراسات الوحدة العربيّة ، ط 4 ، بيروت ، 1989 م : ص 255 .
(6) تكوين العقل العربي ، مصدر سابق : ص 379 .
(7) المصدر نفسه : ص 259 .
(8) تكوين العقل العربي ، مصدر سابق : ص 379 .
(9) حرب ، علي ، التأويل والحقيقة : قراءات تأويليّة في الثقافة العربيّة ، دار التنوير ، بيروت ، 1985 م : ص 273 .
(10) حرب ، علي ، سلسلة النصّ والحقيقة ( 1 ) ، المركز الثقافي العربي ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 1993 م : ص 93 .
(11) حرب ، علي ، التأويل والحقيقة : ص 288 .
(12) حرب ، علي ، نقد الحقيقة ( النصّ والحقيقة ) ، المركز الثقافي العربي ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 1993 م : ص 100 .
المصدر: العرفان الشيعي