- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
لا شك ولا ريب أن كل مذهب أو دين أو قوم فيه نقاط قوة ونقاط ضعف، وهذا شيء طبيعي، ومن تلك المذاهب المذهب الشيعي ففيه نقاط قوة ونقاط ضعف، وإذا أردنا أن نلخّص هذه النقاط أمكننا ملاحظة ما يلي:
أوّلاً: نقاط القوّة
وهي تتلخّص بدورها في اُمور:
الأوّل: إمتلاك الشيعة لتراث ثقافي ضخم
يتمثل في المجموعات الروائية الضخمة كالكتب الأربعة، والتي تشكل منابع ثرّة للفكر الإسلامي العقائدي والفقهي والتاريخي والمفاهيمي وغيره، والتراث الحضاري الذي تركه أهل البيت (ع) من خلال ممارساتهم القيادية طوال قرنين ونصف القرن تقريباً، ممّا يرسم للاُمة المواقف المحددة من شتى التحولات الاجتماعية، والتراث العلمي الفلسفي الزاخر.
وعلى أيّ حال فللشيعة فخرهم في أنهم مؤسّسوا مجمل العلوم الإسلامية، والعاملون على تطويرها، باستمرار.
وممّا دفع الحركة الثقافية باستمرار انفتاح باب الاجتهاد لديهم، وانفتاح إمكانية المناقشة وانتخاب الأصلح مهما عظمت الأقوال وأصحابها.
ويجب أن لا ننسى هنا أنّ العلماء الأجلاّء في العصور الأخيرة قاموا بأروع الخطوات في وضع اُسس مدرسة اُصولية لا نظير لها لدى المذاهب الاُخرى، ويزخر العالم الشيعي المسلم بشتى الطاقات العلمية والفكرية والجامعية في مختلف الحقول.
الثاني: التاريخ الثوري الزاخر بالمواقف الجهادية
إنّ هذا التاريخ المضمّخ بدماء الشهداء المعصومين (ع) وأتباعهم عبر القرون يشكّل أروع مفخرة من مفاخر أتباع أهل البيت (ع)، ويمنح شخصيتهم وآدابهم، وأخلاقهم، وحتى عاداتهم الاجتماعية صبغة تحررية ثورية يقل أن نشهدها لدى غيرهم، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ هذه الروح نفسها شكّلت أكبر عامل مساعد في صنع الثورة الإسلامية الكبرى في إيران، كما كانت هي أهم سبب في تحملهم آلام المتاعب والمصاعب عبر التاريخ، ويمكن القول بأنّ كل ذلك أوجد فيهم إحساساً متميزاً بأنهم يشكّلون طليعة الثورة الإسلامية في أنحاء العالم.
الثالث: العلاقات الدينية القوّية
وجود العلاقات الدينية القويّة بين الجماهير الإسلامية والقيادة العلمائية عبر وجود مبادئ من قبيل (التقليد) و (ولاية الفقيه) وتعليمات شرعية اُخرى تدفع للإنشداد الجماهري بالقيادة، وتعلن ذلك شرطاً للمسيرة المتوازنة.
الرابع: وجود عنصر الخمس
وجود عنصر الخمس كضريبة إلهية ثابتة تعمل على سدّ خلل كبير في الجسم الاقتصادي وتؤمن القسط الأكبر من الحاجيات الاجتماعية.
وقد قام الخمس بدوره الكبير في حفظ الوضع الاقتصادي العام والتوازن فيه، وتحقيق قدرة الحوزات العلمية على الاستقلال والصمود أمام الظالمين والطواغيت، وعدم الذوبان في الهيكلية الرسمية، كما حدث مع الأسف لدى البعض من علماء اخوتنا أهل السنّة، ممّا أفقدهم بشكل طبيعي القدرة على الوقوف أمام الظالمين في كثير من الأحيان.
الخامس: النفوس والإنتشار الجغرافي
وهي نقطة قوّة لا يستهان بها إذ يملك مذهب أهل البيت (ع) حوالي المئتي مليون من الأتباع المؤمنين بهم وبتعاليمهم السامية، وهم ينتشرون في رقعة واسعة من الأرض، تشمل أكثر من 80 دولة ويتواجدون في أغنى المناطق وأكثرها استراتيجية.
السادس: قيام الثورة الإسلامية في إيران
فرغم أنّ هذه الثورة هي ملك المسلمين جميعاً، وقائدها هو قائدهم، إلاّ أنّ تمتعها بالصفة الشيعية وإنطلاقها من المنابع الأصيلة لأهل البيت، يمنح التشيّع قوة كبرى وفخراً عظيماً بأنّه استطاع أن يهزم كلّ قوّات الاستكبار، ويقيم أوّل دولة إسلامية حقيقية في العصور الأخيرة، بل ليقيم أوّل دولة إسلامية تقتدي بكل إصرار بنموذج دولة صدر الإسلام الدولة النبوية والعلوية.
السابع: ظهور تواجد حركي وفاعل وقويّ للشيعة في كثير من المناطق
فالوجود الشيعي في لبنان يذهل العالم في صموده أمام التجبّر الصهيوني، والتآمر الصليبي.
والوجود الشيعي في العراق يسجّل أروع البطولات في مقاومة النظام الغاشم.
والحركة الإسلامية الشيعية في شبه القارة لها أثرها الكبير في وسطها الاجتماعي.
وكوادر الحركة الإسلامية الشيعية في أفغانستان أثبتت جدارتها الى حد كبير.
وهكذا يمكننا القول بأنّ هذا التواجد القويّ والفاعل يمثل نقطة قوّة ومظهر عافية في جسم الاُمة الإسلامية كلّها.
الثامن: وجود المراكز العلمية والمجامع والمؤسسات الشيعية الكبرى في مختلف المناطق من العالم
كالحوزات العلمية الكبرى، والجامعات الإسلامية والمراكز المنتشرة في شتى أنحاء العالم كمراكز الخوجة الإثنا عشرية التي تجاوزت الثمانين مركزاً، ومراكز الجمهورية الإسلامية التي تتزايد باستمرار ويعظم نشاطها ويتوسع، ونقاط التبليغ التي اتّسعت كثيراً في السنين الأخيرة وبشكل لا نظير له الى عهد قريب، وكذلك وجود المجامع الدوليه من قبيل المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، والذي يشكّل ظاهرة صحيّة ونقطة قوّة لا يستهان بها في هذا الصدد.
أضف الى هذا وجود مراكز النشر والإعلام وصدور الدوريات والنشرات، وانتشار الكتاب الشيعي في شتى نقاط العالم، و بمختلف اللغات الإنسانية الحيّة.
إنّ هذا بلاريب يشكّل قفزة نوعية في حدّ نفسه وإن كان لا يفي مطلقاً بالحاجة والجوعة العالمية لمعرفة التشيّع والإسلام الأصيل.
التاسع: تتمتّع الشيعة بمبدأ الولاية والمحبّة لأهل البيت (ع)
فهي نعمة جديرة بالذكر، وأنّ لهذا الحبّ دوراً عظيماً في تأكيد الهوية الإسلامية، وصياغة السلوك والعواطف، فإذا أضفنا إليه وجود العتبات المقدسة، وتجمّع الشيعة حولها وزيارتها بما للزيارة من معان كبرى تجلّى لنا عنصر قوّة جدير بالذكر لديهم، يكاد يشكّل إحدى الخصائص التي يتمتّعون بها.
العاشر: وجود بعض التشكيلات الاجتماعية والدينية القويّة
من قبيل تشكيل الخوجة العالمي، الذي يملك 86 مركزاً في أنحاء العالم، والتشكيلات الاجتماعية والاُوربية الاُخرى وكلّها عناصر قوّة بلا ريب.
وهناك عناصر اُخرى لا نجد مجالاً واسعاً للحديث عنها، كالمراسم الخاصّة ووجود المنابر الوعظية المربية كمنطلق مستمر للوعي والثقافة وغير ذلك.
ثانياً: عناصر الضعف والعقبات القائمة
وقد جمعنا بين هذين العنوانين لوجود تداخل بينهما أوّلاً في بعض الأحيان، ولأنهما معاً يشكّلان نقاط فارغ يجب ملؤها بأسرع ما يمكن.
وأهمها كما يلي:
الأوّل: أنماط الحصار السياسي والاقتصادي والأمني والإعلامي بل وحتى العسكري
التي يواجهها الشيعة نتيجة الإحساس الاستكباري بالخطر الإسلامي، والروح الثورية لديهم وأنهم يشكّلون منبع رعب لكل الأطماع الاستعمارية وعناصر تحرر لكل الشعوب من ربقة الأجانب.
ولا نرانا بحاجة للتفصيل في هذا الموضوع بعد أن اتّسعت أبعاده وإتضحت أمام الجميع… وربّما تحوّلت هذه النقطة الى عنصر قوّة لأنها حسّست الشيعة بضرورة التلاحم، ودفعت الكثيرين لمعرفة حقيقة التشيّع، التي أحدثت هذا الحقد الاستكباري الواسع.
الثاني: العداء المتواصل لبعض الحكومات
فقد اُبتلي الشيعه في شتى المناطق بحكومات عميلة ومتعصّبة سلبتهم حقوقهم وضيقت عليهم وقتلت وشرّدت وسلبت الحريات، من قبيل الطغمة البعثية في العراق، ونقاط اُخرى في أنحاء العالم.
الثالث: عدم وجود خطة إعلامية استراتيجية متكامله
بحيث تغطي كل المنطقة الشيعية وتلبّي حاجة العالم الإسلامي للتبليغ وتوضيح الحقيقة، ورغم التحسّن الكبير في أساليب التبليغ بعد نجاح الثورة الإسلامية، إلاّ أنّ الحاجة بقيت قائمة بشدّة لتنسيق إعلامي واسع الأبعاد، ولم تعد التحركات الفردية الإعلامية لتنفع في البين خصوصاً في مواجهة الخطط الاستراتيجية للبهائية والاستعمار وأعداء الإسلام، الذين يخططون ليل نهار لضرب الصحوة الإسلامية، أو إجهاضها، أو احتوائها وتحريفها.
ويمكن القول بأن هناك الملايين من الشيعة في أنحاء العالم الذين لم يصلهم مبلّغ واحد، وربما أدى بهم ذلك الى الانحراف والجهل.
الرابع: الانحراف الكبير الذي أصاب بعض القطاعات الشيعية
وجرّها الى عقائد وسلوكيات غير مقبولة، وبذلك فقد الشيعة ربّما ثلاثين مليوناً من أتباع أهل البيت (ع) نتيجة لذلك.
فالعلويون البكتاشية، وربّما بعض الفرق المتناثرة هنا وهناك، في أثيوبيا، والهند، وأندونيسيا وغيرها يمثّلون نماذج لذلك، وإذا ضمّمنا الى هذا وجود قطاعات تشيع لديها بعض الأوهام وبعض العقائد الواهية خصوصاً في المناطق البعيدة، وربّما بعض الأعمال التي تضرب مسألة الوحدة الإسلاميه وتعرّضها للخطر، أدركنا مدى الخسارة التي منينا بها في هذا المجال.
الخامس: شيوع الروح الإخبارية المفرّطة في كثير من أساليبنا الدراسية والاجتماعية والإعلامية
ذلك أنّه ما قام به علماؤنا الأجلاّء في مجال نفي النزعات الإخبارية المتطرّفة عن علم الاُصول والفقه كالوحيد البهبهاني، والشيخ الأنصاري، رحمهما الله تعالى فإنّ الكثير من قطّاعاتنا الفكرية تشهد روحاً إخبارية محضة.
ففي مجال الأحاديث العقائدية، وفي المجال الأخلاقي، وفي مجال المفاهيم الإسلامية الكبرى، وفي دراستنا الاجتماعية، وأحاديثنا المنبرية، لا نجد إهتماماً كبيراً بالقواعد الاُصولية والتصحيحات السندية، وإنّما تلقى الأحاديث هكذا دونما دراسة للسند وملاحظة لقوانين التعارض وما الى ذلك، الأمر الذي أوجد إرباكاً شديداً في ثقافتنا العامّة وترك قطاعاً كبيراً من الناس تحت رحمة الجهل وربّما الجهل المركّب.
وهذه نقطة هامّة جداً يجب العناية بها وتلافيها.
السادس: عدد الولاءات والمرجعيات
فرغم أنّ المرجعية شكّلت ظاهرة صحيّة منذ وجدت في تاريخنا، واستطاعت أن تلمّ شمل الاُمّة، وأن تصنع الأحداث الكبرى، إلاّ أن نقلتنا الى المرحلة الحسّاسة التي نعيشها كطليعة للاُمّة، وتسلّط الأضواء علينا وقيام دولة إسلامية كبرى، أضف الى كلّ ذلك أننا منينا في الفترة الأخيرة بضربات قاسية برحلة مراجعنا العظام الواحد تلو الآخر، واشتداد التزاحم المرجعي مع الأسف، وتدخّل العناصر المشبوهة، والمعادية، وحتى العناصر الغربية الكافرة للسيطرة وتوجيه الحركة المرجعية لدى الشيعة بما يخدم المصالح المعادية كما يخدم المصالح الاُسريّة الضيّقة أحياناً.
كل هذه الاُمور أحدث إرباكاً عجيباً في أذهان جماهيرنا.
السابع: عدم وجود خطة شاملة لدعم الحوزات العلمية
وتلاحمها والارتفاع بمستواها العلمي ودورها الاجتماعي في مناطقها.
فلدينا العشرات من الحوزات العلمية الكبرى والصغرى، والتي تكاد تتعدّد بقدر توزعنا الجغرافي، إلاّ أن إنعدام هذه الخطة أفقدنا الكثير من العناصر الفاعلة وأهدر الكثير من طاقاتنا العلمية والإعلامية.
ولذا فنحن بحاجة الى خطّة شاملة تركّز على التنسيق ورفع المستوى الدراسي، والتوزيع المتعادل للقوى والاستفادة الفاعلة من كلّ العناصر المفيدة.
الثامن: عدم وجود منظّمة قويّة تتصدّى لحل مشاكل الشيعة الاقتصادية
فإنّ الشيعة في شتى مناطقهم مبتلون بكثير من الفقر والحاجة والعطالة وما تجرّه هذه الاُمور من تبعات سلبية كبيرة إلاّ أننا نعيش تخبّطاً اقتصادياً نفقد معه التخطيط المؤثر للارتفاع بالمستوى الاقتصادي لهم.
نعم تقوم الجهات الدينية والمرجعية والجهات الرسمية في الجمهورية الإسلامية بخطوات مشكورة في هذا الصدد، إلاّ أنّ الحاجة كبيرة جداً وتتطلب علاجاً شاملاً، خصوصاً إذا لاحظنا وجود طاقات اقتصاديه كبيرة لديهم وتمتعهم بمكانة وموقعية استراتيجية في المجال الاقتصادي.
التاسع: وجود الكوارث السياسية والطبيعية
فإنّ هناك الكثير من الشيعة يعانون من المحن السياسية نتيجة سياسات مناطقهم، كما أنّ هناك الكثير منهم يعانون من الكوارث الطبيعية والفتن الاجتماعية.
كل ذلك يتطلب قيام منظمات سياسية ومؤسسات إغاثة اجتماعية، ولجان دفاع عن الحقوق، في حين لا نجد أمامنا مثل هذه المنظمات ممّا يشكّل نقطة ضعف كبرى لدينا، يجب أن نتلافاها في تخطيطنا المستقبلي.
كما أننا نشهد مجموعات شيعية منعزلة عن المسيرة نتيجة للوضع السياسي كما في بورمة (ميانمار) مثلاً.
اقتراحات للدراسة
وعلى ضوء نقاط القوّة والضعف فإنّ الأمانة العامّة بعون الله تعالى وتوفيقه صاغت منهج البحث في هذا المؤتمر بحيث يمكن دراسة معظم هذه النقاط والخروج باقتراحات عملية يمكنها أن تترك آثارها الإيجابية على مجمل المسيرة.
وهنا نودّ أن نقترح الاُمور التالية:
أولاً
نظراً لما لدينا من تراث فكري وثقافي ضخم فإنّ من الطبيعي أن توضع خطّة شاملة لتنظيم هذا التراث الضخم، وضبطه سواء على شكله الفردي وطبق خطّة شاملة، أو على مستوى دوائر المعارف التي تسهّل الاستفادة من هذا التراث، ثمّ العمل على مواصلة هذه المسيرة الغنية عبر الدراسات التحقيقية المعمّقة.
وكلّ ذلك مقدّمة للوصول الى التنظير الحياتي المطلوب، فالفكر لا يراد للفكر وإنّما يراد للحياة، فلابد إذن لعلمائنا ومفكّرينا أن يقوموا بدورهم في التنظير للمجتمع الإسلامي الفاضل، كما يريده الإسلام الأصيل، وكما يتصوّره أهل البيت (ع)، باعتبارهم تلامذة القرآن وأبناء الوحي والرسالة ومعدن العلم.
إنّنا نشعر بطلب عالمي شامل وجوعة شديدة نحو النظريات الحياتية الإسلامية:
ـ أسلمة الجامعات والدراسات الجامعية.
ـ والاقتصاد الإسلامي وآثاره التطبيقية.
ـ حقوق الإنسان من وجهة نظر الإسلام، والنظام العالمي المطلوب.
ـ قضايا المرأة.
ـ قضايا الفن.
ـ والعلاقات الدولية من وجهة نظر الإسلام.
ـ والعلاقات المتطوّرة في مجالات السوق الحرّة أو المتمركزة.
ـ والنظام السياسي والاجتماعي الإسلامي.
هي كلّها قضايا مصيرية لم تصل الإنسانية (بفكرها البعيد عن الوحي) الى حلّ لها.
ويبقى الحلّ بيد الوحي وبيد القرآن وبيد السنّة الشريفة، وبيد من ربّاهم الإسلام وتفهّموا القرآن وجسّدوه وهم أهل البيت (ع)، وفي تراثهم الكثير الكثير ممّا لو درس بعمق لأعطى ثماره الحضارية الكبرى.
فنحن إذن بحاجة الى الخطّة الثقافية الجامعة.
ثانياً
إنّنا بحاجة ماسّة لإعادة دراسه تاريخنا المجيد، وكتابته من جديد وتتّضح ضرورة ذلك إذا لاحظنا.
أ ـ إنّ الإسلام شاء أن يكون أهل البيت قدوة الاُمم على مرّ العصور، وأن تكون ممارساتهم الحياتية منهجاً لكلّ العصور.
ب ـ إنّ الأعداء وكلّ المنحرفين والطغاة شوّهوا الحقائق، وضيّعوا حدود الله وأحكامه ومنحوا المسيرة الإسلامية صبغتهم الطاغوتية في كثير من الأحيان، بما استغلّوه من قوى ومن عناصر عميلة باعت ضميرها للطغاة.
ج ـ إنّ التاريخ لم يُكتب بنزاهة وموضوعية، وإنّما كُتب من زوايا نظر متعددة متأثراً بنزعات كاتبيه وهوى الحكّام.
د ـ إنّ مؤرّخينا ـ نحن الشيعة ـ في غالب الأحيان لم يكتبوه كتابة حضارية، وأنهم كانوا في الغالب يؤرخون ليدافعوا عن معتقدهم ضد الحملات التي كانت تُشن عليه، ومن هنا فإنّنا نشعر بحاجة ماسّة لتشكيل لجان متخصّصة تعمل وفق خطط مدروسة ومتقنة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي.
ثالثاً
على ضوء ما قلناه في نقطة القوّة الثالثة نجدنا بحاجة قصوى لتأكيد شعبية النظام الإداري في الإسلام، بدءاً بصوره البسيطة كعلاقة الأب بأبنائه ووصولاً الى مرحلة المرجعية، وانتهاءً الى النظام السياسي العام.
وقد قلنا إنّ هناك عناصر مؤثرة في تقوية العلاقة ومنها (مسألة التقليد)، و (مسألة ولاية الفقيه)، و (مسألة احترام العلماء)، و (موضوع الشورى) و (مسألة العلاقه بين الحاكم والاُمة) وغير ذلك.
فلابدّ إذن من إقامة هذه الاُصول على قواعد علمية متينة بعيداً عن التأثر بظروف المراحل السابقة التي مررنا بها، أي مراحل (التشرذم)، و (الاقطاعيات المحلية)، و (اليأس من الفرج)، و (إيكال الاُمور الى مرحلة الظهور) وما الى ذلك، ثم الإنطلاق الى تثقيف الاُمة وجماهيرها التثقيف المناسب، وكلّ ذلك يستلزم تطويراً حقيقياً في مناهج الدراسة الفقهية ولا أقول الاُصولية.
فإنّنا والحمدلله نملك رصيداً اُصولياً جيداً إلاّ أنّ المشكلة تكمن في التركيز على أبواب تقليدية، وإهمال أبواب حياتية مهمّة جداً في بعض دراساتنا طبعاً، وإلاّ فإننا ـ والحقّ يقال ـ نملك رصيداً فكرياً لا بأس به ولكنه بحاجة ماسة الى توسعة وتطوير وتفصيل.
رابعاً
إنّنا بحاجة لوضع الخطط الاقتصادية الكفيلة بما يلي:
1ـ تنظيم موارد الحقوق الشرعية من أخماس وزكوات وردّ مظالم وكفّارات، وصونها من الضياع ودراسة إمكانات تنميتها وتوسيعها عبر التوعية ونشر الثقة وتحريك العواطف الإسلامية الغنية.
2ـ تنمية أحاسيس التبرع لدى المتمكنين، بل وحتى الطبقات الضعيفة وتوجيهه الوجهة التي تخدم القضية العامّة.
3ـ سدّ عجز المناطق المنكوبة، والتي يضرّ بها الفقر وتمزقها براثنه، عبر المساعدات المباشرة، أو غير المباشرة وإيجاد محطّات تشغيل مناسب.
4ـ العمل على إيجاد نوع من التوازن بين مستويات المعيشة وتقريبها الى بعضها.
5ـ إيجاد تعاون بين المؤسسات الاقتصادية والتجارية ذات العلاقة ضماناً لتحقيق الاُمور السابقة.
خامساً
إنّنا بحاجة لمشروع ضخم يستهدف عبر دراسات مستوفية، تحقيق إحصاء جامع للشيعة ونشاطاتهم وكوادرهم وتجمعاتهم وتشكيلاتهم السياسية والاجتماعية، وذلك بغية تنفيذ الخطط الإعلامية والثقافية والاقتصادية بأفضل وجه.
وهذا يتطلّب بالطبع تعاوناً مستمراً بين كلّ الغيارى وذوي النفوذ في المجالات الاجتماعية، ليمكن الوصل الى إحصاء جامع تُرجى منه النتائج الكافية.
سادساً
ولمّا كانت الثورة الإسلامية الكبرى في إيران تشكّل كما قلنا قوّة كبرى، وفخراً عظيماً للتشيّع، فإنّه من الطبيعي أن يتمّ (دعم الثورة الإسلامية).
إنّنا في الحقيقة من اُولئك الذين تقع عليهم المسؤولية الكبرى للحفاظ على الثورة ومكاسبها ودعمها وتسديدها والدفاع عنها.
سابعاً
ورغم وجود بعض وسائل الإعلام إلاّ أنّنا نجدنا في فقر كبير من هذه الجهة، الأمر الذي يتطلب قيام الغيارى بوضع الخطّة الإعلامية الصحفية، وتنظيم خطوط استراتيجية لها، بحيث تتعاون وسائلنا الإعلامية فيما بينها في مجال المادة والنشر، كما تقوم بسدّ النقص في كثير من مناطق الفراغ.
إنّ إحصاءً سريعاً يوضّح مدى التخلف الذي نعانيه في هذا الجال بالنسبة للمذاهب والأديان والاتجاهات الاُخرى.
ثامناً
الحاجة الى خطّة سياحية دينية منظّمة، ومن الواضح أنّ مسألة التعارف والمشاركة في الآلام والآمال هي من صميم الأهداف الإسلامية، كما أنها في طليعة الواجبات الملقاة على عاتق المجمع العالمي لأهل البيت (ع).
ولا ريب في أنّ جود العتبات المقدسة وزيارتها بما تحمله من تعظيم للمعصومين تتضمّن تحقيق هذا الهدف، إلاّ أنها اليوم لا تملك التنظيم المطلوب، ومن هنا نجد أن هناك حاجة لتنظيم زياراتنا ومواسمها ووضع خطّة للاستفادة الأفضل من هذه المراسم.
إنّها فرصة ثمينة للتعارف، كما إنّها فرصة ثمينة لمعرفة الهموم والقيام بالواجبات، التي يفرضها الإسلام والتشيّع بأفضل وجه.
ولا ننسى إنّ من أهم متممّات عملية كبرى كالحجّ هي لقاء الإمام والتعرف على توجيهاته.
تاسعاً
ولمّا كان الشباب يشكّل عنصر الحيوية في كل مجتمع، ولمّا كنّا نمتلك ـ ربّمّا نسبة عالية منهم ـ في مجتمعاتنا فمن الطبيعي أن نعمل على إنشاء منظّمة عالمية تُعني بهم وتعمل على توفير أنشطة خاصّة وإقامة ندوات ومعسكرات ومخيمات تثقيفية ودينية، ورياضية، وتوجّه طاقاتهم للخدمة الاجتماعية.
كما تعمل على حشد الطاقات الجامعية والمدرسية لتنظيم مشاريع للخدمات الاجتماعية، وتوفير أجواء لظهور الإبداعات والطاقات الشابة بالإضافة لدور هذه الطاقات في المجالات السياسية أيضاً.
عاشراً
وإذا لاحظنا أنماط الحصار الذي يواجهه الشيعة من جهة، وأنماط العنف والضغط الحكومي ضدّهم، والتفرقة الطائفية والعنصرية التي يعيشونها في بعض المناطق، فإنّنا نجدنا بحاجة ماسّة لإيجاد منظّمة عالمية لحقوق الإنسان، تعمل على الدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة، وتدوين انتهاكات حقوق الإنسان وتطالب الحكومات بالتعامل العادل، وتتّخذ الخطوات اللازمة لحضور المحافل الدولية والإتّصال بالمنظمات العالمية لحقوق الإنسان لتحقيق هذا الهدف.
وإنّنا نعتقد أن ما هو موجود من منظمات صغيرة واعتراضات فردية، أو من قبل مؤسسات صغيرة لا يكفي مطلقاً لتحقيق هذه الغاية النبيلة.
حادي عشر
والمرأة في التصور الإسلامي وفي الثقافة الشيعية يمكنها أن تحقّق أسمى درجات التكامل حتى تصل الى مرتبة «يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها» كما جاء في حق الزهراء (عليها السلام).
ولما كانت تشكّل نصف المجتمع، والجزء الفعّال في المسيرة الاجتماعية من مجالات التربية الروحية والعلمية والأخلاقية، فإنّ من الطبيعي أن تتمّ العناية الكاملة بقضية المرأة المسلمة، وفي الخصوص المرأة المسلمة من أتباع أهل البيت (ع)، ومن هنا فإنّنا نجدنا بحاجة ماسّة جداً لإنشاء منظّمة عالمية للمرأة المسلمة تحقّق الأهذاف التالية:
1ـ رفع مستويات المرأة العلمية والثقافية والاجتماعية.
2ـ الدفاع عن حقوقها.
3ـ تنسيق طاقاتها لتخدم القضية العامة بشكل أكبر وأهم.
4ـ تحقيق التواصل بينها وبين أخواتها في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
ثاني عشر
الحاجة الى منظّمة عالمية تُعني بالطفل وتشيع فيه نهمه لمطالعة واكتشاف المجهولات، فرغم كلّ ما يبذله في هذا المجال نجد الحاجة ماسّة لقيام مثل هذه المنظّمة العالمية.
ثالث عشر
لزوم وضع خطّة جامعة لدعم الحوزات العلمية في كلّ مكان والارتفاع بمستوياتها العلمية ونشاطاتها التبليغية، وهذا يعني لزوم الاعتناء بالاُمور التالية:
1ـ الكوادر التدريسية.
2ـ المناهج الدراسية.
3ـ الطلبة والمتعلمين فيها.
4ـ الحاجات المادية والرواتب.
5ـ النشاطات التبليغية.
فالحوزات هي منبع الخير أينما وجدت، والعلماء هم المنار أينما حلّوا، ويمكن أن تقاس حيوية أية منطقة ـ أحياناً ـ بمستوى الحوزات المتواجدة فيها.
ومن الطبيعي أن ترتبط تلك الحوزات بالمرجعية والحوزات العلمية الكبرى من جهة، وبالقيادة الإسلامية وولاية الأمر من جهة اُخرى، حتى يمكن ضمان السير المتوازن لها على طريق خدمة الأهداف العُليا.
رابع عشر
وبملاحظة ما عرضنا من كوارث طبيعية، وضائقات مادية ومالية، وتضييقات سياسية، تؤدي في كثير من الأحيان الى تشريد عشرات الآلاف عن مناطقهم، وتركهم في العراء يواجهون كلّ أنواع العذاب، هذا ما حدث مثلاً بالنسبة لأهالي جنوب لبنان وجنوب العراق وآذربايجان، فإنّ من المأمول أن نقوم بإنشاء منظّمة خيرية للإغاثة والإمداد، تعمل على استيعاب هذه الحالات الطارئة، وسدّ النقص في هذا المجال.
خامس عشر
وأخيراً فإننا ندعو لوضع خطّة اقتصاديه شاملة لدعم المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، وتوفير متطلّبات حركته العالمية بما تتطلّبه من إمكانات وجهود كبرى.
ولا يمكننا أن نلقي كلّ الأعباء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية خصوصاً إذا لاحظنا كلّ ما تمرّ به من مشاكل اقتصادية وما تعانيه من حصار خفي ومعلن في هذا المجال.
الاستنتاج
أن من نقاط القوّة في الوضع الشيعي إمتلاكه لتراث ثقافي ضخم، وامتلاكه تاريخ ثوري زاخر بالمواقف الجهادية، مع وجود علاقات دينية قويّة بين الجماهير الإسلامية والقيادة العلمائية، ووجود عنصر الخمس كضريبة إلهية ثابتة، وامتلاكه قوة بشري هائلة، بالإضافة إلى قيام الثورة الإسلامية في إيران، وظهور تواجد حركي وفاعل وقوي لها في كثير من المناطق، ووجود مراكز علمية ومجامع ومؤسسات كبرى لها في العالم، وتمتّعها بمبدأ الولاية والمحبّة لأهل البيت (ع).
مصدر المقالة (مع تصريف بسيط)
التسخيري، محمّد علي، حول الشيعة والمرجعية في الوقت الحاضر، نشر المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، الطبعة الثانية، 1426 ه.