- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
بعد الحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسوله المصطفى محمد صلى الله عليه واله وسلم ابتدأ سماحة الشيخ محمد العباد كلمته ليوم الجمعة لهذا الأسبوع ۲۶/۱۰في مدينة العمران بالاحساء بقول قال الإمام الصادق (ع) : ( استكثروا من الإخوان فان لكل مؤمن شفاعة )
روى المحدثون أن المنصور العباسي كتب للإمام الصادق (ع) ( لم لا تغشانا كما يغشانا الناس ) فا جابه الإمام (ع) (ليس لنا ما نخافك من أجله ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوه له ولا أنت في نعمة فنهنئك بها ولا تراها نقمة فنعزيك بها فما نصنع عندك ؟ )فكتب المنصور ( تصحبنا لتنصحنا ) فأجابه الإمام (ع) ( من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة ومن أراد الآخرة لا يصاحبك ) هناك منهجان للإمام الصادق (ع) متقابلان في طبيعة علاقته مع الآخرين وهما يجسدان الموقف الإسلامي السليم والعقلائي بحيث يمكن لكل فرد رسالي ومجتمع عقلاني أن يأخذ بهما دون أن يتخبط في الرؤية النظرية ولا في الموقف العملي
المنهج الأول: الانفتاح على المجتمعات
وهذا ما يدل عليه المعرفة لشخصية الإمام الصادق (ع) فعندما نتعرف على الإمام (ع) نجد هناك الشواهد الكثيرة التي تدل على مدى الانفتاح الواسع على كل المجتمعات وليس فقط في الدائرة الشيعية ونرى هذا الانفتاح من خلال عدة أمور : –
۱ : – دعوته (ع) إلى الإكثار من الإخوان فقد روي أنه قال ( استكثروا من الإخوان فان لكل مؤمن شفاعة )
۲: – نهيه (ع) عن العداوة وروي أنه قال : – ( إياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلب على الإخوان وينبت عليهما النفاق )
۳ : – نهيه (ع ) من جعل الاختلاف في الرأي خصوصا في فروع العقيدة سببا للحكم على الآخرين بالخروج عن الين أو التشيع
عن سراج وكان خادما لأبي عبد الله (ع) قال : بعثني أبو عبد الله (ع)في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه ، فانطلقنا فيها ثمّ رجعنا مغتمين ، وكان فراشي في الحائر الّذي كنّا فيه نزولاً ، فجئت وأنا بحالٍ فرميت بنفسي ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد الله قد أقبل ، فقال :قد أتيناك – أو قال : جئناك – فاستويت جالساً وجلس على صدر فراشي ، فسألني عمّا بعثني له ، فأخبرته فحمد الله ثمّ جرى ذكر قومٍ ، فقلت :جُعلت فداك !.. إنّا نبرأ منهم ، إنّهم لا يقولون ما نقول ، فقال:يتولّونا ولا يقولون ما تقولون ، تبرؤون منهم ؟.. قلت : نعم ، قال:فهو ذا عندنا ما ليس عندكم ، فينبغي لنا أن نبرأ منكم ؟..
قلت : لا ، جُعلت فداك !.. قال : وهو ذا عند الله ما ليس عندنا ؟.. أقتراه أطرحنا ؟.. قلت : لا والله ، جُعلت فداك !.. ما نفعل ، قال ::فتولّوهم ولا تبرؤا منهم .. إنّ من المسلمين مَن له سهمٌ ، ومنهم مَن له سهمان ومنهم مَن له ثلاثة أسهم ، ومنهم مَن له أربعة أسهم ، ومنهم مَن له خمسة أسهم ، ومنهم مَن له ستّة أسهم ، ومنهم مَن له سبعة أسهم .فلا ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين ، ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة ، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة ، ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب السّتة ، ولا صاحب الستّة على ما عليه صاحب السبّعة .
فنجد من خلال هذه الرواية أن الإمام يدعونا إلى تجاوز الاختلافات الفرعية لينفتح بعضنا على البعض الآخر
۴ : – حثه (ع) على التواصل مع الآخرين من غير الدائرة الشيعية
عن هشام الكندي قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: (إياكم أن تعملوا عملاً يعيّرونا به، فإنَّ ولدَ السوء يُعيِّر والِدَهُ بعمله؛ كونوا لمَن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً؛ صلُّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم)
۵ : – استيعاب مدرسته العلمية والتربوية لكل الانتماءات والاتجاهات الفكرية والاجتماعية وهذا ما جعل مدرسته أكثر المدارس انفتاحا على الآخرين بحيث لم يقتصر عطاؤها على الشيعة خاصة أو المسلمين فقط بل امتد إلى سائر البشرية والى عصرنا الحاضر ولا يغيب عن الأذهان كتاب الإمام الصادق عند علماء الغرب فهو من الشواهد التي يدل على أن للإمام الصادق دورا في بناء الحضارة المدنية المعاصر وعل مستوى العالم
۶ : – الحوارات العلمية للإمام (ع) مع بعض أئمة المذاهب الإسلامية كالإمام أبي حنيفة بل ومع غيرهم من النصارى واليهود بل والملحدين والزنادقة لخير دليل على الانفتاح الواسع على مستوى كل المدارس البشرية والسيرة المباركة للإمام مليئة بهذه الحوارات
من أهداف الانفتاح على المجتمعات :
قبل كل شيء الانفتاح على المجتمعات يمثل أصلا عمليا يحمل أهداف الرسالة والقادة الربانيين ولتوضيح هذا نذكر أهدافا عدة : –
۱: – العمل على إرساء الفكر الإسلامي الأصيل وليستوعب كل البشرية وقد قال الله تعالى : – ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
وهذا لا يمكن إلا من خلال الانفتاح على الآخرين
۲ : – من خلال الانفتاح يمكن إن يتعرف الآخرون على رجالات المجتمع ومؤهلاتهم العلمية والسلوكية وبذلك نعرف سر الشهادات للتعريف بشخصية الإمام الصادق (ع) فقد قال الإمام مالك بن انس ( مارات عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب نشر أفضل من جعفر بن محمد علما وفضلا وعبادة وورعا ) وهذا من نتائج انفتاح الإمام (ع) على الآخرين
۳ : – استطاع الإمام عليه السلام وببركة الانفتاح أن يقاوم الانحرافات خصوصا الفكرية منها وأن يظهر قوة ومتانة الفكر الإسلامي وأن يحفظه من الفكر المنحرف الدخيل عليه
تنبيه لابد منه :
لا يعني الانفتاح في مدرسة الإمام (ع) وسيرته أنه بدون موازين بل لابد أن يحمل معه روح المحافظة على القيم الإلهية والإنسانية ولذا نجد هناك من الروايات عن الإمام الصادق (ع) ينه فيها عن الانفتاح في بعض الحالات
فقد روي عنه (ع) أنه قال : – ( من قعد إلى ساب أولياء الله فقد عصى الله ) وهذا نموذج على أن الانفتاح على الآخرين لابد أن يكون ضمن ضوابط محددة
المنهج الثاني : – القطيعة مع الحاكم الظالم
نلاحظ من خلال قراءتنا لشخصية الإمام الصادق (ع) أن القطيعة مع الحاكم الظالم تشكل أصلا نظريا وعمليا في تأسين طبيعة علاقة الأمة وبالأخص قادتها الربانيين مع الأنظمة الظالمة في كل عصر والرواية التي ذكرناها في بداية كلامنا خير شاهد على ذلك وهي واحدة من عشرات الروايات التي وردت عن الإمام (ع) في هذا المعنى
لماذا القطيعة مع الظالم ؟
وكما للانفتاح على المجتمعات أهدافا بناءة فان للقطيعة مع الحاكم الظالم أهدافا أخرى بناءة ومنها :
۱: – عدم إعطاء الشرعية لحكم الظالم ولجرائمه التي يرتكبها في حق الأبرياء ومن المعلوم تاريخيا ما ارتكبه المنصور من جرائم وبالأخص في حق العلويين وينقل التاريخ أن في ليلة واحدة قتل مئة منهم فلو انفتح الإمام (ع) عليه من خلال علاقة طبيعية لأستغل المنصور هذا في المزيد من ترسيخ حكمه والمزيد من جرائمه
۲ : – مقاطعة الإمام (ع) للمنصور تعني المحافظة على الموازين والصفات التي لابد من وجودها في الحاكم الذي تختاره الأمة من العلم والتقوى والعدل والوعي الإداري والسياسي وغيرها من الصفات التي تؤهله لقيادتها في تطبيق الحكم العادل وبناء الحضارة المتطورة على أساس النظام الإسلامي
۳ : – من خلال الرواية المذكورة أول الكلمة تعني أن رموز الأمة من علماء الدين ووجهائها المجتمع بحاجة ماسة إلى وعي سياسة الخداع الذي يمارسها الحكام الجائرين لاستقطاب العلماء أو الوجهاء تحت شعارات عديدة ومن وراء الستار يمارس الظلم في حق الأبرياء فنجد أن المنصور يكتب للإمام (ع) ( تصحبنا لتنصحنا ) ظانا منه أنه يخدع الإمام بذلك إلا أن الإمام (ع) كشف واقع هذه الخديعة فأجابه ( إن من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك )
۴ : – الحفاظ على سلامة الخط الرسالي من أهم أولويات الإمام (ع) ولا يمكن ذلك من خلال الوقوف أمام تدخل الإرادة السياسية المنحرفة والمتمثلة آنذاك في المنصور العباسي الذي مارس شتى أنواع السبل مع بعض أئمة المذاهب الإسلامية ونجح في فرض إرادته واملاءاته عليهم من خلال تقريبهم إلى بلاط القصر وجعل مذاهبهم مذهب الدولة الرسمي
۵ : – لاشك أن موقف الإمام (ع) السلبي من المنصور فيه درس تربوي مهم لرموز الأمة وهو أن من أخطر مداخل الشيطان إلى حب الدنيا هو التقرب إلى الحاكم الظالم وقد يدخل الشيطان تحت شعار المصلحة العامة أو غير ذلك لكن قد لا يجني من هذا إلا المصلحة الشخصية وقد يعطى مساحة للتحرك ليكون رمزا في مجتمعه دون أن يعطى هذه المساحة غيره من رموز المجتمع وأبنائه وبالتالي فان المجتمع لا يجني أي فائدة واقعية من كهذا صورة للانفتاح
وهنا أقول يمكن للإمام (ع) أن يكسب المصالح الشخصية الكثيرة لو تقرب إلى المنصور العباسي لكن إلى جانب ذلك تبقى السجون مليئة بالعلويين وغيرهم ويبقى التضييق مستمرا عليهم وعلى سائر الأبرياء من أبناء الأمة
لاشك أن المرء لو كان باستطاعته عند انفتاحه على الحاكم غير الشرعي أن يمارس دورا ايجابيا لمصلحة المجتمع دون أن يكون على حساب الدين فان هذا من أولويات مسؤولية الشخصية الرسالية وهذه حالة استثنائية في تعاطي العلاقة مع الحاكم غير الشرعي بحاجةالى رؤية واضحة وصدق مع النفس ونتائج ايجابية عامة يشهد عليها الواقع
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين