ما هي آثار الأسس القرآنية على تنشئة الطفل معرفيا وعاطفيا وسلوكيا؟ وما هي مساوئ التقصير في تربية الطفل؟ وما هي مقومات التربية الصحيحة؟ وما هي الغاية من الارتكاز على مبادئ القرآن في تربية الطفل؟ ودعوة الإسلام إلى توافق الطفل مع نفسه ومع الآخرين، بحوث نتطرق إليها في هذه المقالة.
1ـ أثر الأسس القرآنية على تنشئة الطفل معرفياً
القرآن هو أفضل دليل ومعلم للطرق والأساليب الصحيحة لتعليم الناس من الطفولة إلى البلوغ مما يضمن صلاح الأولاد.
أهم وأقوى الوسائل لتربية صالحة هو تعريف الطفل بمبادئ وأسس الإسلام وأهمها الأسس القرآنية.
فينبغي على الآباء توجيه أطفالهم لحفظ القرآن الكريم وتلاوته والاقتداء به في سائر أمور حياتهم، يجب تعليم الطفل أن يكون نموذجا يحتذى به في الأخلاق، وهذا بالطبع مرتبط بالوالدين، لذلك عندما يكونون قدوة يكون أطفالهم قدوة، لذلك يجب عليهم تصحيح عيوبهم والحصول على أفضل الأخلاق التي يستطيعون يعلمون أولادهم بناء على قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[1].
لم تستبعد الأسس القرآنية القاصرين والتخصصات في تربية الطفل وتربيته على آداب الدين وأخلاقه، بل وجهه وأبلغ أولياء أموره على نحوما إيمان مليء بالحب والتعاطف مع هذه الجرثومة التي يتشكل فيها خير الإنسانية ومصيرها، وبهذه الطريقة تقدم القرآن الكريم قبل عدة قرون من أي دراسة تناولت الطفل وكيفية تربيته، ولم تكن القوانين جديدة، فالنهج الإلهي أثر في كل ما يخص الطفل في تربيته.
إن تربية الطفل وتربيته في حياته المستقبلية لهما أهمية كبيرة، ولعل الهدف الأهم هو اتباع أوامر الله وإنهاء ما حرمنا منه، لتشجيع الطفل على اختبار نفسه في اكتشاف المشكلات وبناء الخبرات، عن الإمام علي (ع): العقل غريزة تربيها التجارب[2].
وتعليمه كيفية ترتيب الأولويات في ضوء أهمها من جهة والسيئة والأسوأ من جهة أخرى، عن الإمام علي (ع): ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الشرين[3].
الطفل العادي الذي تربى وفق قوانين الشريعة الإسلامية منذ ولادته
ـ احترام الاخلاق واعتبار الإسلام منهجه وقانونه.
ـ أن يتصالح الطفل مع نفسه ويقدره ويطور مهاراته.
ـ أن يكون الطفل ذكياً وثاقباً في التعامل مع مجتمعه.
ـ تعلم الشجاعة والتعود على العروض التقديمية القوية في جميع مراحل حياتك مع وجود عقبات مختلفة.
وهنا نستشهد قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[4].
والمراد هنا بقرة العين الأبناء الصالحين الفاضلين، ومن أهم قواعد الإسلام أنها أقيمت على التأقلم الصحيح وعلى مبدأ التيسير والالتزام بالمحتمل.. لقد حقق الله وأثبت إنجازه النهائي في النموذج البشري الذي له نفس القدرات البشرية ولا يعتمد على الخارق، وله نفس الرغبات والاحتياجات البشرية، مثال ينشأ من الأرض ولكنه متصل بالسماء. منهج إسلامي متكامل.
مساوئ التقصير في تربية الطفل
الطفل الذي لم يبن على تعاليم القرآن، وينشأ على المحرمات، ويشتغل في أعمال مقيتة، ولا يصل إلى الرحم، ويضر مجتمعه، ويرفضه، وهو عاص والديه واصدقائه يشتكون منه والجميع من حوله يرفضونه فليحمينا.
وحذرنا منها المولى عز وجل فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[5].
تربية الطفل تتطلب طاعة الوالدين والجهد المستمر في تربيته، لأن الطفل في هذه المرحلة ينوي تنمية نفسه والاستقلالية، فيحتاج إلى مجهود مضاعف من الوالدين. أفضل وسيلة لممارسة الطاعة هي خلق الحب واللطف فيه من خلال النظر إلى البعد الاجتماعي، أي العملية التي يخلقها المجتمع فيه لتنشئة أجيال جديدة بطريقة تجعلهم على دراية بوظائفهم في المجتمع ودور كل منهم فيه.
لذلك يجب على أسرة صالحة أن يرثوا سلوك الإسلام ومبادئه، وراثة المعرفة وتعريف المبادئ ونهج الحياة على أساس المبادئ الإسلامية هو أفضل إرث يمكن للوالدين أن يهبوه لأبنائهم في أي موقف.
مقومات التربية الصحيحة
الهدف الأساسي من تربية الطفل في الإسلام هو إيصال الطفل المتعلم إلى الكمال الذي هو جاهز له وتحقيق ما هو ضروري. ومن ثم يجب على المدرب فهم أهداف العملية التدريبية من أجل توجيه المستفيد إلى الكمال الحقيقي.
وبما أن موضوع التربية ومحورها الطفل والإنسان، فإن أهداف العملية التربوية يمكن تقسيمها وفق ما تقتضيه المكونات الذاتية التي تتكون منها الشخصية الإنسانية إلى الأهداف التالية:
1ـ الأهداف العقلية – الاعتقادية
وهي تتعلق بالجانب العقلي والمعرفي من شخصية الطفل، وتختص بكل ما يعتقد به الطفل في الحياة حول أي موضوع من الموضوعات وكيفية نظره إلى الأشياء المحيطة به.
2. الأهداف القلبية – النفسية
وهي تتعلق بالجانب القلبي من شخصية الطفل، وهدفها تكوين الميول والعواطف وإيجاد الدافع النفسي وتوليد الميول والرغبة لدى الطفل تجاه الأمور الإيجابية، ومن جهة ثانية توليد النفور وعدم الرغبة تجاه الأمور السلبية.
3ـ الأهداف البدنية – السلوكية
وتتعلق بالجانب البدني من شخصية الطفل، وتهدف إلى تنمية الجانب الجسمي له، وتدريبه على المهارات الحركية التي يحتاجها لكي يحقق الأهداف المطلوبة في هذا المجال.
الغاية من الارتكاز على مبادئ القرآن في تربية الطفل
هناك أهداف عامة تفيد المجتمع والأمة الإسلامية، وأهداف تتعلق بالأسرة على وجه التحديد، والأهداف العامة هي كما يلي:
ـ صون اللغة العربية كونها تشكل دورا أساسيا في تماسك أفراد المجتمع تربطهم ببعضهم البعض وتوطد علاقاتهم بالمجتمع العربي على امتداد الأمة العربية، من جانب آخر، وتوحد انتماءاتهم إلى ثقافة لغة واحدة هي اللغة العربية مهما تعددت اللهجات واختلفت حضاراتها، فهذه اللغة هي لغة الإسلام ويجب أن يكون لأبنائه لغة فصيحة وبليغة وأن يكون لديهم إلمام بمعاني المفردات ودلالاتها مما يساعدها على الانتشار.
ـ حفظ كينونة الدين الإسلامي لأنه من أهم عوامل الترابط الاجتماعي والألفة الوطنية والعائلية بين أفراد الأسرة الواحدة فهو المانع الحصين لجميع الشعوب وسعة الطفل المعرفية بعلوم القرآن وارتكازه على مبادئه يمكنه من حفظ سوره وآياته الكريمة والأحاديث النبوية التي ترسخ في عقله ويترجمها في أفعاله وتصرفاته.
كل هذا يغرس فيه تقوى الله ومخافته في كل عمل يقدم عليه وينمي لديه روح التعاون والتضامن واحترام الآخر، حيث يتعود على القيام بالشعائر الدينية وينشأ على حب فعل الخير والدفاع عنه وإحياء المناسبات الدينية والوطنية، وإظهار فضلها في الحفاظ على سوية عالية من الأخلاق لأبناء المجتمع.
إن من أهم حقوق الطفل على والديه تربيته على الدين الحنيف وزرع العقيدة الثابتة في عقله وقلبه حتى يصبح بصيراً في أمر دينه ودنياه، وقد أشارت الروايات إلى هذه المسألة، روي عن الإمام العسكري (ع): أن الله تعالى يكسو بعض الوالدين حلة لا تقوم لها الدنيا بما فيها، فينظر إليهما الخلائق فيعظمونهما، وينظران إلى أنفسهما فيعجيان منهما، فيقولان: يا ربنا أنى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا ؟… فيقال هذا بتعليمكما ولدكما القرآن، وبتبصيركما إياه بدين الإسلام[6].
أما الأهداف الخاصة التي تعود بفوائد فردية كبيرة تتمثل بعدة جوانب منها:
ـ التزام النشء بآيات القرآن الكريم وتعاليمه بحفظه وحفظه وتلاوته جيداً لقراءة مفيدة في دينهم وشؤونهم الدنيوية.
ـ دعوة الأبناء إلى التأمل والتفكير في هذه التعاليم والمعاني النبيلة ومعرفة أحكامها بعمق حتى يكونوا مستعدين لفهمها وتطبيقها في علاقاتهم مع أبناء جيلهم وفي التعامل مع إخوتهم وأولياء أمورهم. وعندما يصبح رب الأسرة يرثهم.
ـ لكن حفظ كلمات القرآن الكريم يساعد الطفل على تلطيف لغته والتحدث بطلاقة.
ـ تعليم أصول العبادة للأطفال وتعويدهم عليها والمثابرة عليها لتصبح جزءا أساسيا من يومهم.
ـ تحصين الناس من خلال ربط شخصيتهم الأولية بالقرآن الكريم ومعتقداته من حيث العقل والفكر والضمير.
ـ عرض وشرح الأمثلة الطيبة من حياة الرسول لأبنائه ومثلهم ومرجعية أحكامهم في شتى أمور الحياة.
ـ تنمية ثقافتهم الفكرية وتعليمهم العرض الشفهي من خلال الإجابة على الأسئلة ورواية القصص الدينية، مفيد لهم وللآخرين، بما في ذلك دروس الحياة التي تقوي إيمانهم.
ـ حفظ بعض السور والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تخلق روحاً دينية لدى الطفل وتنمو على القيم الإسلامية.
ـ إثرائهم بالتوازن اللغوي للمفردات البليغة وتعليمهم القراءة والكتابة بخط جميل.
ـ تقويهم بالأمن العقلي والصقل الأخلاقي وامنحهم السلام الداخلي والاستقرار.
وبمجرد أن تمنح الطفل الشعور بالأمن والسلام، تزيل القلق والخوف من المستقبل المجهول من روح الطفل، وهذا ما نراه في حياة الأنبياء (ع).
يوسف (ع) وهو الطفل الذي كان في التاسعة من عمره حين ألقاه إخوته في البئر وعندما حملته سيارة وأخرجته قال لهم أحدهم من البشر: ارحموا هذا الغريب فقال لهم يوسف: من كان مع الله فليس عليه غربة[7].
2ـ أثر الأسس القرآنية على تنشئة الطفل عاطفيا
لقد عنى الإسلام منذ ظهوره في تربية الأطفال وحرص على نشأة أطفال أمته تنشئة سامية وقد أوصانا رسول الله (ص) بهم قائلا: أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم[8].
هناك عدة من الأسس القرآنية دعتنا لتقديم أطفال أصحاء نفسيا منها:
إقامة علاقة جيدة مع الطفل من خلال الاستماع إلى كل ما يريد كشفه واستكشاف رغباته ومشاعره ومساعدته في التغلب على أي ضائقة نفسية قد يتعرض لها.
بيئة مريحة تسمح للنمو النفسي الصحي للطفل في الداخل في المراحل الأولى من نموه، وخاصة في السنوات الخمس الأولى من حياته.
تلعب اللعبة دورا مهما في تنمية القدرات العقلية والنفسية للطفل، لأنها تعتبر أداة مركزية لتعليم مبادئ الحياة المهمة، مثل تكوين الصداقات وتحقيق روح الجماعة والألفة.
منح الطفل حرية التعبير وامتلاك آراء مستقلة لاكتساب الثقة بالنفس ويكون له شخصية مستقلة، لأن قمع مشاعر الأطفال وتجاهل آرائهم يؤدي إلى الاكتئاب، ويجب أن يحصل الوالدان على أكبر قدر من الدعم اللفظي وتجنب التعبيرات المسيئة أو المخيبة للآمال من قدراتهم مثل: أنت كسول، أو أنت لا تفعل شيئا، لأن هذه التعبيرات تسبب ضررا نفسيا وعاطفيا كبيرا للطفل، والذي سوف يتأصل فيه طوال حياته ويصعب عليه نسيانها.
أن يكون مبدأ الثواب والعقاب حاضرا في ذهن الطفل ليقدر الأشياء الخيرة التي يفعلها فينال ثوابها عند الله أولا ومن الوالدين ثانيا، وتوقع العقاب يجعل الطفل يتجنب أذية غيره أو فعل السيئات لأنه سيجازى بالعذاب بسبب سوء ما فعل.
وهنا يجب أن نستحضر لذهن الطفل قول الله تعالى في كتابه: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ[9].
الأثر الإيجابي لترسخ مبادئ الإسلام في نفس الطفل قد نراه في عدة جوانب من شخصيته منها قوة صلة الطفل بالله، فيقينه بوجود إله عادل وحاكم في كل شيء، وإليه يرجع الأمر كله، هذه أهم دواعي بث الطمأنينة في قلبه، وتجعله يفوض أمره كله لصاحب كل أمر، ويكون على ثقة وإيمان أن لن يصيبه مكروه إلا بإذن وإرادة الله تعالى.
ففي الحديث القدسي عن نبينا محمد (ص) يقول: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ اللهَ تَحِدُهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فاسأل الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنَ باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لم يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أن يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوك إلا بشيء قد كتبهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وَجفّتِ الصُّحف[10].
الصبر عند وقوع الأزمات والثقة بلله في الشدائد من صفات المسلم، الحق وهي أكثر ما يجعله يشعر بالراحة والأمان لأنه قد سلم ما عصى عليه للذي لا تخفى عنه خافية.
أن يعلم المسلم أن كل شيء مقدر له ويتمجد بالحكمة التي لا يعرفها إلا خالقه، لذلك دعاه خالقه للصبر من أجل تحقيقها حتى ينال الدرجات العلى فقد قال تعالى: والصَّابِرِينَ فِيوَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ[11].
توافق الطفل مع نفسه
الإسلام يريد أن يتصالح الطفل مع نفسه ويفهمها ويقيمه بالعدل، ولا يستهين به ولا يؤدي به إلى الغرور والجشع، وإن يوليها النضج والاستقرار العاطفي والإسلام دين محبة وسلام ومغفرة وتسامح ولا ينبغي للمعلم إلا تنمية القدرات التي بداخلهم، فعن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: قال موسى بن عمران (ع) يا رب أي الأعمال أفضل عندك؟ فقال عز وجل: حب الأطفال، فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمتهم أدخلتهم برحمتي الجنة[12].
ويتلقى الطفل هذا السلوك من والديه وعائلته، فمن ناحية أكد الإسلام على توفير بيئة مناسبة لتنشئة الطفل من وجهة نظر أيديولوجية وأكد على إبعاده عن المنحرفين من ناحية أخرى البيئة الأيديولوجية، وعن الإمام على (ع)، قال: علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة[13].
الأب هو الشخص الأول الذي يجب أن يعمد لضبط نفسه أمام أطفاله ليتسنى للطفل أن يهذب نفسه مقتديا بأبويه ويتقن كيفية إصلاحها وعلاج عيونها والعمد إلى إكمال نواقصها، فالأهل هم أرشده للطريقة المثلى لذلك، حتى ينعم طفلهم بالسلام والنفس السوية والعقل الراجح والقلب السليم، الذي به ينال رضا الله وجنته في الآخرة وينال عمل صالح وقبول طيب من مجتمعه في دنياه وحياة طيبة ونفس مطمئنة يهنأ طفلهم بها.
ولعل التفاؤل هو أهم ركن من أركان الإيمان، لأنه لا يوجد إيمان بوجود الله مصحوب بالحزن واليأس، وترك اليأس هو أول خطوة نحو الأنانية، لأن الإسلام دين سلام وطمأنينة ودائما ما يعني أن على المسلم أن يكون متفائلا ويمنعنا من التشاؤم واليأس من الحياة لأن اليأس والاكتئاب دين الضعفاء والمشركين بالله والمتشككين في ضميره الله الذي يجب أن يلجؤوا إليه في وقت محاكمتهم.
إن ترسيخ هذه الأفكار في ذاكرة الطفل يبعث على السعادة في نفسه والنشوة الروحه ليرتقي بنفسه إلى أعلى درجات السلام الداخلي وتعليم الطفل أن التسليم هو أهم شعائر الدين وركائزه القويمة فيقول الله تعالى في كتابه: وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ[14].
فالطفل ليكون مسلما يجب أن يكون لديه دائما حسن الظن بالله، ومطمئنا بما كتبه وقسمه الله له، فلا يجد لليأس مكانا في داخله ويغدو متفائلا وذو همة عالية هذه من أهم مسؤوليات الآباء أمام أبنائهم وأهم حقوق أبنائهم من والديهم، زرع الطمأنينة بالتسليم الله واستذكار الآية الكريمة: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَىَ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[15].
أما عن المسؤولية التي ألقاها الله تعالى على عبده تجاه أسرته نستذكرها في قول النبي محمد المصطفى (ص): كلكم راعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عن رعيته قال: وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ[16].
توافق الطفل مع الآخرين
من آداب الإسلام أن يحسن المسلم للآخرين، وأن يعاملهم بكل ود وحب، ويصبر على أذى الناس، فقد قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[17].
الحسنة التقية والسيئة الإذاعة، فقد حث الإسلام المسلم بمعاملة الناس معاملة طيبة حسنة، فقد قال رسول الله (ص): ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسنا يوم القيامة؟ فأعادها ثلاثاً أو مرتين. قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقا.
3ـ أثر الأسس القرآنية على تنشئة الطفل سلوكياً
أن الأسس القرآنية أعطت أهمية كبيرة للعلاقات الأسرية، وخاصة الجانب السلوكي للأطفال، بحيث يلعب تعليمهم السلوكي دورا مهما في بناء دعامة قوية ومستقرة للأسرة، الأمر الذي ينعكس بدوره على المجتمع بأسره، على أساس أن الأسرة هي الجزء الأساسي من المجتمع، لأن الأسرة يجب أن تدعم الطفل معنويا، كما أكد الإسلام على ذلك، وهذا ما ظهر له في أيام الإسلام في التدريب على ركوب الخيل، مما ينمي ويقوي شخصيته من وجهة النظر هذه.
يجب تعليم الطفل أن العلاقة بينه وبين أفراد الأسرة هي علاقة احترام متبادل وتفاعل بين بعضهم البعض من أجل بناء أسرة مستقرة ومستقرة ومتماسكة من حيث السلوك والإدراك لجأ الإسلاميون الأوائل إلى تعليم أبنائهم أن يكونوا أقوياء، ومن بينهم تذكر الرجال على وجه الخصوص، حتى يكونوا الذراع المعين والقوي لأسرهم في شيخوخة والديهم. كما في الماضي، لا يمكنهم أداء واجباتهم العائلية، فقد أمرهم الإسلام والقرآن الكريم بالطاعة حتى في سن الشيخوخة فقد قال تعالى في كتابه: فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلَاً كَرِيمًا[18].
لكن العنف ليس من الأساليب الصحيحة التي يجب اتباعها في التدريب السلوكي للأطفال، ويجب على الآباء مراقبة الطفل، وفي هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى متابعة الوالدين للنجاح في العملية التعليمية توجيه الطفل سلوكياً وإرشاده بشكل صحيح وصحيح، وكذلك التحكم في أفكاره وتصوراته وانفعالاته بهدوء لا يثيره، ويعامله الأهل كأصدقاء لمساعدته، اعثر على طريقك في الحياة.
أمر الله تعالى في كتابه المجيد بالرحمة وتعليم سلوك الرحمة ليس فقط للإنسان، ولكن أيضا للكائنات الأخرى الموجودة حوله يتبع بعض الآباء نهج إصدار الأوامر والتعامل مع العنف والديكتاتورية من أجل السيطرة على الاعتقاد بأنها أفضل طريقة تربوية؛ الطفل هو الشخص الذي لا يلتزم بالقواعد، ولا يحترم الآخرين، وهو لطيف في كل شيء.
وأفضل حل للوالدين هو اتباع أسلوب تدريب متوازن يتوسط في الحزم والتصحيح دون التأثير سلبا على تنشئة الطفل من أجل إتباع أفضل طرق تربية الطفل، يجب على الوالدين الحرص على عدم استخدام كلمات غير لائقة أو التحدث بوقاحة أمام الأطفال لأن الوالدين هم المرأة التي ينظر إليها الطفل ويتعلم منها، ويجب أن يكون حذرا.
يجب أن يكون لدينا سلوك أخلاقي ومحترم تجاه أطفالنا ويجب تحديد سلوك الوالدين بشكل صحيح. يكمل الاحترام المتبادل بينهما الصورة التي يحتاج الطفل إلى رؤيتها من أجل لصق صورة جيدة في ذهنه تشكل عواطفه ونفسية طبيعية ولا تظهر الخلاف أمام الطفل أو الإهانة التي تنعكس بشكل مباشر على الطفل لا يؤدي الطفل خالف ولا يشعر بالأمان ومن الأخطاء التي يرتكبها الوالدان إلقاء اللوم على طفلهما وبيان عيوبه وسلوكه السيئ في حضور الآخرين مثل أصدقائه وأقاربه، مما يتسبب في انكسار الطفل وإحراجه وينعكس في حالته العقلية والعاطفية يضعه في حالة انطوائية تميل إلى الشعور بالوحدة والعزلة.
الاستنتاج
أن الأسس القرآنية لها آثارا على تنشئة الطفل معرفيا وعاطفيا وسلوكيا، فالاسلام دعا الآباء إلى توجيه أطفالهم لحفظ القرآن وتلاوته والاقتداء به في سائر أمور حياتهم، كما حذرنا من مساوئ التقصير في تربية الطفل، ثم أن الهدف الأساسي من تربية الطفل في الإسلام هو إيصال الطفل المتعلم إلى الكمال، وأن أهداف العملية التربوية يمكن تقسيمها إلى الأهداف العقلية – الاعتقادية، والأهداف القلبية – النفسية، والأهداف البدنية – السلوكية، ثم أن الإسلام دعا إلى عدة من الأسس القرآنية لتقديم أطفال أصحاء نفسيا، كما أن الأسس القرآنية اعطت أهمية كبيرة للعلاقات الأسرية، وخاصة الجانب السلوكي للأطفال، بحيث يلعب تعليمهم السلوكي دورا مهما في بناء دعامة قوية ومستقرة للأسرة.
الهوامش
[1] الصف، ٢.
[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج٢٠، ص٣٤١.
[3] ابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، ص٢٥٠.
[4] الفرقان، ۷۹.
[5] التحريم، 1.
[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج۷، ص٣٠٦.
[7] الزمخشري، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج۳، ص5.
[8] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج٢١، ص٤٧٦.
[9] الرعد، ٦.
[10] القرطبي، كتاب الجامع من المقدمات، ص٦١.
[11] البقرة، ۱۷۷.
[12] البرقي، المحاسن، ج۱، ص۲۹۳.
[13] الحراني، تحف العقول، ص١٠٤.
[14] یوسف، ۸۷.
[15] البقرة، ٢٥٦.
[16] البخاري، صحيح البخاري، ج۳، ص۸۸.
[17] فصلت، ٣٤.
[18] الإسراء، ٢٣.
مصادر البحث
1ـ ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأُولى، 1378 ه.
2ـ ابن طلحة الشافعي، محمّد، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع)، تحقيق ماجد بن أحمد العطية، بلا تاريخ.
3ـ البخاري، محمّد، صحيح البخاري، دار الفكر، طبعة 1401ه.
4ـ البرقي، أحمد، المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين محدّث، قم، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1371 ه.
5ـ الحر العاملي، محمّد، وسائل الشيعة، تصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1403 ه.
6ـ الحرّاني، ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1404 ه.
7ـ الزمخشري، محمود، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1412ه.
8ـ القرطبي، محمّد، كتاب الجامع من المقدمات، تحقيق المختار بن الطاهر التليلي، الأردن، دار الفرقان، الطبعة الأُولى، 1405ه.
9ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الياسري، مها، الأسس القرآنية لبناء الأسرة وأثرها في تنشئة الطفل، قم، طبعة 2023، ص82ـ ص90.