- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
السؤال:
هل المعصوم من أهل البيت ( عليهم السلام ) يعلم أنّ الأكل الذي يأكله مسموم أم لا يعلم ؟
الجواب:
الجواب عن هذه الشبهة يتمّ بأحد وجهين :
الأوّل : إنّ الأئمّة ( عليهم السلام ) أقدموا على القتل وشرب السمّ ، مع علم ويقين منهم على ذلك ، وأمّا أنّهم لا يعلمون بما يجري عليهم ، ولو علموا لم يقدموا لأنّه من الإلقاء في التهلكة ، فهذا ينافي صريح الأخبار عنهم في هذا الشأن .
فهذا الإمام الصادق ( عليه السلام ) يقول : « إنّ الإمام لو لم يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير ، فليس ذلك بحجّة الله على خلقه » (۱) .
وهذا الإمام الرضا ( عليه السلام ) يقول له الحسن بن الجهم : إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد عرف قاتله ، والليلة التي يقتل فيها ، والموضع الذي يقتل فيه ، وقوله لما سمع صياح الأوز في الدار : « صوائح تتبعها نوائح » .
وقول أُمّ كلثوم : « لو صلّيت الليلة داخل الدار ، وأمرت غيرك أن يصلّي بالناس » ؟ فأبى عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف ( عليه السلام ) أنّ ابن ملجم قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا يجز تعرّضه ؟ فقال ( عليه السلام ) : « ذلك كان ولكنّه خيّر في تلك الليلة ، لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ » (۲) .
وهكذا كان الجواب منهم ( عليهم السلام ) عن شأن حادثة الإمام الحسين ( عليه السلام ) (۳) ، وإلى كثير من أمثال هذه الأحاديث والأجوبة .
ولكن أجمعها لرفع هاتيك الشبهة ، وأصرحها في الغرض خبر ضريس الكناسي ، فإنّه قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول ـ وعنده أناس من أصحابه ـ : « عجبت من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ، ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم ، كطاعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ، ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا ، والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفى عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يراد عليهم ممّا فيه قوام دينهم » .
فقال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ ذكره ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم ، والظفر بهم حتّى قُتلوا وغلبوا ؟
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ، ثمّ أجراه فبتقدّم علم إليهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قام علي والحسن والحسين ، وبعلم صمت من صمت منّا ، ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم من أمر الله عزّ وجلّ ، وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا الله تعالى أن يدفع عنهم ذلك ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم ، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثمّ كان انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم » (۴) .
وبعد هذا البيان الجلي ، والحجّة الناصعة ، تحصل القناعة لكُلّ عارف بصير ، فالحاصل : أنّ التسليم بما هو قضاء الله وقدره ليس من الإلقاء للنفس في التهلكة .
الثاني : إنّ الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) كانوا مجبورين في حياتهم الشخصية ، وأمام الأحداث والظواهر على العمل بعلمهم العادي المتأتّي من العلل الطبيعية ، والأسباب المتداولة المتوفّرة للجميع .
ويؤكّد على ذلك استسلام النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أمام إرادة الله تعالى ، جاء في التاريخ : أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) كان في المسجد ، فأخبروه بسوء حال ابنه إبراهيم ، فذهب ( صلى الله عليه وآله ) إلى البيت واحتضن ابنه ، فقال له ـ وهو ينظر إليه ـ : « يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من الله شيئاً ، إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، ونهانا عن الصياح ، ولولا أنّه وعد صادق وموعود جامع وجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه » (۵) .
وكان بإمكان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق الإعجاز والولاية ، تلك الولاية التي كانت للسيّد المسيح ( عليه السلام ) في معجزاته في إحياء الموتى ، وإعادة صحّة وسلامة المرضى من أمراضهم الصعبة ، أن يعيد سلامة ابنه .
كان بإمكان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ببركة الدعاء المستجاب الذي منحه الله تعالى أن يغيّر الحالة التي كانت لابنه ، وكان بإمكان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق العلم الغيبي أن يقضي على عوامل المرض لكي لا يمرض ابنه ، ولكنّه ( صلى الله عليه وآله ) لم يستخدم في هذا الأمر ، ولا في الأُمور الأُخرى هذه الأسباب المؤثّرة ، ولم يخطُ خارج الأحداث الطبيعية والأسباب العادّية ، لماذا ؟!
لأنّ هذه الأسباب غير العادّية أُعطيت للنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لأهداف أُخرى ، وأنّه عليه أن يستخدمها فيما يخصّ بإثبات الولاية ، أو في المواقف التي يحتاج إليها فيها ، لا في المسائل الصغيرة والأعمال الشخصية العادّية ، نعم إنّه يستطيع استخدام هذه الأسباب عندما يقترن الأمر بإذن إلهي ، عندما يريد أن يثبت ويبرهن نبوّته وارتباطه بمقام الربوبية مثلاً .
ومن أسباب عدم استخدام هذه الأُمور رعاية الجوانب التربوية ، فإنّ حياة الزعيم القائد والإمام لو كانت بعيدة عن المصائب والمشاكل ، والبلايا والأمراض مثلاً ، لم يستطع أن يوصي الآخرين بالصبر والتحمّل في المشاكل والمصائب ، أو يدعو الأُمّة للمقاومة وتحمّل الصعاب والصبر عليها ، إذ لاشكّ في أنّ صبر القائد والإمام في المصائب والمشاكل ، ومقاومته وإيثاره في ميادين الجهاد قدوة للآخرين ، لأنّ الشخص الذي لا يعرف الألم وعدم الراحة ، ولم يلمس طوال حياته المصائب والمشاكل ، لا يمكنه أن يكون نموذجاً في الأخلاق ، وقدوة لحياة الإنسان .
ولهذا ترى في التاريخ أنّ الشخصيات الإلهية كانت تسعى كالآخرين لحلّ مشاكلها ، ومواجهة مصائبها بالوسائل العادّية .
ويؤكّد على ذلك ما نشاهده في أسلوب حياة المعصومين ( عليهم السلام ) من أنّه لا يختلف كثيراً عن حياة الآخرين ، كانوا يمرضون مثلهم ، ويتوسّلون لشفائهم بالأدوية التي كانت في زمنهم ، وفي الحياة الاجتماعية ، أو المعارك الجهادية يستخدمون نفس الوسائل التي يستخدمها الآخرون ، ويرسلون الأشخاص ليأتوهم بالتقارير عن المعارك ، فإنّ كُلّ ذلك يدلّ على أنّهم لم يكونوا ليستفيدون من الوسائل الإعجازية .
فصفوة البحث : إنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) والأئمّة يعلمون الغيب ، ولكن لا يستخدمون ذلك العلم إلاّ في المواقف الخاصّة ، لا في حياتهم اليومية العادّية .
فكانوا ( عليهم السلام ) يعلمون أنّ هذا الطعام الذي يأكلونه مسموم ، ولكنّهم يسلّمون لأمر الله تعالى وقدره .
ــــــــــــــ
(۱) بصائر الدرجات : ۵۰۴ .
(۲) الكافي ۱ / ۲۵۹ .
(۳) المصدر السابق ۱ / ۲۵۸ .
(۴) المصدر السابق ۱ / ۲۶۱ .
(۵) السيرة الحلبية ۳ / ۴۳۴ .
إعداد: مركز آل البيت العالمي للمعلومات / قم المقدسة