قام الإمام الكاظم (ع) بإدارة شؤون المدرسة الكبرى التي أعزت العلم ورفعت مناره في أيام أبيه الإمام الصادق (ع)، فقد أصبح منذ اليوم الأول بعد وفاة أبيه عميداً وزعيماً للهيئة العلمية والنهضة الفكرية في عصره.
وقد أقبل عليه العلماء، واحتف به رجال الفكر، لا يفارقونه ولا يفترقون عنه، حتى بلغ من احتفائهم به وإقبالهم عليه أنه إذا نطق بكلمة أو أفتى فتوى بنازلة بادروا إلى تسجيل ذلك.
وقد روى عنه هؤلاء العلماء جميع أنواع العلوم على اختلافها وتباعد أطرافها من الحكمة، وتفسير الذكر الحكيم، والفقه الإسلامي بجميع أبوابه.
كما رووا عنه الآداب الاجتماعية، والنصائح الرفيعة، والحث على التضلع في العلم على اختلاف أنواعه.
ولم تكن تلك الكوكبة من العلماء والرواة التي كان يربو عددها على أربعة آلاف شخص على مستوى واحد من حيث الثقة والعدالة، فقد كان فيهم عدد غير قليل من المنافقين والكذابين الذين لم يتحرجوا من الكذب والوضع، فقد كانوا يضعون الحديث والأخبار على لسان النبي الأمين وعترته الميامين، ليأخذوا عوض ذلك الثمن من السلطة الحاكمة التي حاربت الإسلام، وأفسدت عقائد المسلمين، ومزقتهم شيعاً وأحزاباً.
وهناك جمهرة أخرى من المجهولين الذين لم يوثقوا ولم يجرحوا، وطائفة أخرى من الضعفاء، كما أن فيهم عدداً ضخماً من الثقات والعدول الذين تحرجوا من الوضع، وعُرفوا بالصدق والأمانة، وإليهم يستند الفضل في ضبط الأحكام الإسلامية، ونشر فقه آل البيت (ع)، ونظراً لوجود هذه الطوائف في رواة الأثر فقد انقسم الخبر بلحاظهم إلى صحيح وحسن وضعيف وموثق.
وعلى أي حال، فإن الكثيرين من أصحاب الإمام قد قاموا بدور مهم في التأليف والتصنيف، ونشر الحضارة الإسلامية، حتى ملأوا المكتبة العربية والإسلامية في عصورهم بنتاجهم القيم، الأمر الذي دل بحق على أنّ لهم اليد الطولى في رفع منار العلم، وتقويم الأخلاق، وتهذيب الأفكار.
وها نحن نعرض ترجمة طائفة من أصحابه ورواة حديثه قد رتبناها على حروف الهجاء، وهي كما يلي:
1ـ أبان بن عثمان
اللؤلؤي، كان يسكن الكوفة والبصرة، وقد روى عن الإمام الصادق وولده الكاظم (ع)، وذكر أبو عمرو الكشي أن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عنه، والإقرار له بالفقه[1].
ألف كتاباً جمع فيه المبدأ، والمعاد، والمبعث، والمغازي، والوفاة، والسقيفة، والردة.
2ـ إبراهيم بن أبي البلاد
كان إبراهيم ثقة، جليلاً، رفيع المنزلة، عظيم الشأن.
روى عن الصادق والكاظم والرضا (ع)، وأرسل له الإمام الرضا (ع) رسالة أعرب فيها عن ثنائه وإكباره له[2].
3ـ إبراهيم بن نعيم
العبدي الكناني، ثقة، جليل، من عيون هذه الطائفة، ومن الأعلام الذين أخذت منهم الأحكام والفتيا.
روى عن الإمام الصادق وولده موسى (ع)[3].
4ـ إسماعيل بن عبد الخالق
وجه من وجوه الشيعة، وفقيه من فقهائها، وقد عرف أهله بالعدالة والولاء لأهل البيت (ع). روى عن الصادق والكاظم (ع)، وله کتاب[4].
5ـ ثعلبة بن ميمون
الأسدي الكوفي، قال النجاشي: كان وجهاً من أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، نحوياً، لغوياً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد. روى عن الصادق والكاظم (ع)[5].
وكان يلقب بأبي إسحاق الفقيه، وبعد في الطليعة من علماء هذه الطائفة، بالإضافة إلى ورعه وتقواه.
6ـ جميل بن دراج
ابن عبد الله النخعي الكوفي، من أصحاب الإمام الصادق، وولده موسى (ع)، وكان ثقة، جليلاً، من كبار العلماء، وهو أحد الستة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم، وكان كثير الحديث روى عنه خلق كثير[6].
7ـ الحسن بن الجهم
ابن بكير بن أعين، أبو محمد الشيباني،عده الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم (ع) ووثقه، وقال النجاشي: إنه ثقة. روى عن أبي الحسن موسى وولده الرضا، وله كتاب[7].
8ـ الحسن بن علي
ابن يقطين بن موسى، ثقة، فقيه، متكلم. روى عن الإمام الكاظم وولده الرضا (ع)، وله كتاب أسماه مسائل أبي الحسن موسى[8].
9ـ الحسن بن محبوب
السراد، ويقال له: الزراد، كوفي، ثقة، عده الشيخ من أصحاب الكاظم (ع). روى عن الإمام الرضا (ع)، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب الصادق (ع)، وكان جليل القدر، يعد من أعلام عصره، ألف كتباً كثيرة، منها كتاب الحدود وكتاب الديات[9].
10ـ الحسين بن زيد
ابن علي بن الحسين (ع)، يلقب بذي الدمعة، كان الإمام الصادق (ع) قد تبناه ورباه وزوجه بنت الأرقط. روى عن الصادق والكاظم (ع).
وقال رواة الأثر: إنه نشأ في حجر الإمام الصادق منذ قتل أبوه، وأخذ منه علماً كثيراً، وكان لا يجالس أحداً، ولا يدخل إليه، إلا من يثق به، وإنما لقب بذي الدمعة لكثرة بكائه، وقد قالت له زوجته: ما أكثر بكاؤك؟!
فقال لها: وهل ترك لي السهمان والنار سروراً يمنعني من البكاء، أراد بالسهمين اللذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى، وبالنار التي أحرق فيها أبوه زيد.
11ـ الحسين بن محمد
ابن الفضل الهاشمي، ثقة، جليل، من شيوخ بني هاشم. روى عن الصادق والكاظم (ع)، وله كتاب كبير.
وقال الشيخ المفيد: كان الحسين بن محمد من خاصة الكاظم (ع) وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفضل من شيعته[10].
12ـ حماد بن عثمان
ابن زياد الرواسي، ثقة، جليل القدر، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والإقرار له بالفقه، وله كتاب. روى عن الإمام موسى وولده الرضا (ع)[11].
13ـ حماد بن عيسى
الجهني البصري، قال الكشي: هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والإقرار له بالفقه.
روى عن الصادق والكاظم والرضا (ع)، وكان متحرزاً في الحديث ومن المؤلفين، له كتاب «النوادر» وكتاب «الصلاة» و«كتاب الزكاة».
وقد دخل على الإمام الكاظم (ع) فقال له: جعلت فداك، ادع الله لي أن يرزقني داراً وزوجة وخادماً، والحج، فدعا الإمام له بذلك، وأضاف إلى دعائه أن يرزقه خمسين حجة، فرزقه الله جميع ذلك، وحج خمسين عاماً، فلما انتهت الخمسون جاء إلى واد ليغتسل منه، فجاءه سيل عارم فغرق فيه[12].
14ـ داود بن زربي
الخندقي البندار، وثقه النجاشي، وقال الشيخ المفيد في إرشاده: «إنه من خاصة أبي الحسن (ع) وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه، وممن روى النص على إمامة أبي الحسن الرضا (ع)، فقد حمل إلى الإمام موسى (ع) مالاً فأخذ منه وترك الباقي، فقال له داود: لم لا تأخذ الباقي؟
قال (ع): إِنَّ صَاحِبَ الْأَمْرِ بَعْدِي يَطْلُبُهُ مِنْكَ.
ولما توفي الإمام موسى (ع) طلب الإمام الرضا (ع) من داود ما تبقى من الأموال، وكانت له خاصية بالرشيد، وله كتاب[13].
15ـ داود بن سليمان
عده الشيخ المفيد من خاصة أبي الحسن موسى (ع) وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه، وممن روى النص عن الإمام موسى له على إمامة ولده الرضا الله، فقد قال له: إني سألت أباك – يعني الإمام الصادق – من الذي يكون بعده ؟ فأخبرني أنك أنت، فلما توفي أبو عبد الله ذهب الناس يميناً وشمالاً، وقلت بك أنا وأصحابي، فأخبرني من الذي يكون بعدك ؟
فقال له: ابني فلان – يعني الرضا.
16ـ ذريح بن محمد
ابن يزيد أبو الوليد المحاربي، روى عن الصادق والكاظم (ع). ذكره ابن عقدة وابن نوح، وله كتاب، ووثقه الشيخ[14]، والعلامة، وغيرهما.
17ـ سهل بن اليسع
ابن عبد الله بن سعد الأشعري، قمي، ثقة، روى عن الإمام الكاظم والرضا (ع)، وله كتاب[15].
18ـ سيف بن عميرة
النخعي، عربي، كوفي، ثقة. روى عن الصادق والكاظم (ع). له کتاب[16].
وعده ابن النديم من فقهاء الشيعة[17].
19ـ صفوان بن يحيى
أبو محمد البجلي بياع السابري،كوفي، ثقة. قال الشيخ الطوسي: إنه أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وغيرهم، وكان يصلي في كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كل سنة ثلاث مرات، والسبب في ذلك أنه تعاقد هو وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام أنه إن مات واحد منهم أن يقوم من بقي منهم بالصلاة والزكاة والحج عنهم، فمات صاحباه ويقي صفوان، فوفى لهما بذلك، فكان جميع ما يفعله من البر والخير يجعله ثلاثة أقسام، قسم له وقسمان لصاحبيه.
وكان من الزهاد المحتاطين، فقد كلفه شخص وهو مسافر أن يحمل معه دينارين إلى أهله في الكوفة، فقال له: إن جمالي مكرية فلابد أن أستأذن الأجراء.
ويكفي للتدليل على وثاقته أنه كان له منزلة عند الإمام الرضا (ع)، وكان وكيلاً له. وصنف ثلاثين كتاباً[18].
20ـ الضحاك الحضرمي
أبو مالك، كوفي عربي، أدرك أبا عبد الله (ع)، وقال قوم: إنه روى عنه، وقال آخرون: لم يرو عنه وروى عن أبي الحسن موسى (ع)، وكان متكلماً، ثقة في الحديث، له كتاب في التوحيد رواه علي بن الحسن الطاطري[19].
21ـ عبد الله بن جندب
البجلي، عربي، كوفي: عده الشيخ الطوسي من أصحاب الكاظم والرضا (ع)، قال: كان وكيلاً للإمام موسى وولده الرضا (ع)، وكان عابداً، رفيع المنزلة لديهما[20].
وقد وثق الرجل في الوجيزة والحاوي ومشتركات الطريحي، وقد أجمع المترجمون له أنه لم يغمز بوجه وأنه ثقة بلا خلاف.
22ـ عبد الله بن الحارث
المخزومي، أمه من ولد جعفر بن أبي طالب، وقد وثقه الشيخ المفيد في الإرشاد، وعده من خاصة الإمام الكاظم (ع) وثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه.
23ـ عبد الله بن مسكان
أبو محمد، ثقة، عين. روى عن الإمام الكاظم (ع)[21].
وقال الكشي: هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه[22].
24ـ عبد الله بن المغيرة
قال النجاشي: هو أبو محمد البجلي… كوفي، ثقة، لا يعدل به أحد لجلالته ودينه وورعه. روى عن أبي الحسن موسى. قيل: إنه صنف ثلاثين كتاباً[23].
25ـ علي بن جعفر
أخو الإمام الكاظم (ع)، ثقة، جليل، من عيون الهاشميين ومن خيارهم، وفي طليعة الرواة الثقات. روى عن أبيه، وبعد وفاته اختص بأخيه موسى (ع)، وروى عنه الشيء الكثير، وقد أفرد المجلسي في بحاره فصلاً لرواياته عنه، وقد ألف رسالة في الأحاديث التي رواها عن أخيه موسى، وكان قوي الإيمان، صلب العقيدة[24].
26ـ علي بن حمزة
ابن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن أمير المؤمنين (ع)، وهو والد سيدنا حمزة المدفون بقرب الحلة الذي يزار ويتبرك بقبره، وهو ثقة. روى وأكثر الرواية، له نسخة يرويها عن الإمام موسى[25].
27ـ علي بن عبيد الله
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، قال فيه النجاشي: إنه أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه، اختص بالإمام موسى والإمام الرضا (ع)، وقال: إن له كتاباً في الحج يرويه كله عن الإمام موسى[26].
28ـ علي بن يقطين
ابن موسى البغدادي، من وجوه هذه الطائفة ومن أعيانها. له المنزلة المرموقة، والمكانة العليا عند الإمام أبي الحسن موسى الكاظم (ع).
كان الإمام (ع) يكن لعلي أخلص الود والولاء، فقد زاره يوماً، فقال (ع) لأصحابه: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَرَى رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الْمُقْبِلِ وأشار إلى علي.
فانبرى إليه بعض الحاضرين قائلاً: أهو من أهل الجنة؟
أَمَا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وأرسل علي إلى الإمام شخصاً يطلب منه الدعاء له، فلما مثل الرسول بين يدي الإمام قال له: يابن رسول الله، أرسلني ابن يقطين لتدعو الله له.
لِلْآخِرَةِ؟
نعم.
ضَمِنْتَ لِعَلِيِّ بْنِ يَقْطِينَ أَنْ لَا تَمَسَّهُ النَّارُ أَبَداً[27].
29ـ عمر بن محمد بن يزيد
أبو الأسود، بياع السابري، مولى لثقيف، كوفي، ثقة، جليل الشأن.
روى عن الصادق والكاظم (ع)، وأثنى عليه الإمام جعفر الصادق (ع)، فقال:
أَنْتَ وَاللَّهِ مِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.
ـ جعلت فداك، من آل محمد؟!
ـ إِي وَاللَّهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
ـ من أنفسهم؟!
إِي وَاللَّهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
يا عُمَرُ، أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ[28]،[29].
30ـ فضالة بن أيوب
الأزدي، عربي، سكن الأهواز، ثقة في حديثه. روى عن الإمام موسى، له كتاب الصلاة.
وعده الكشي ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم من أصحاب أبي عبد الله (ع)، وتصديقهم والإقرار لهم بالفقه والعلم[30].
31ـ الفيض بن المختار
الجعفي، كوفي. روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن، ثقة، عين. له كتاب يرويه ابنه جعفر[31].
وهو أول شخص سمع النص من أبي عبد الله على إمامة ولده موسى.
32ـ ليث بن البختري
المرادي، يكنى أبا بصير، ثقة في حديثه. روى عن الصادق والكاظم (ع)، وفي صحيح جميل بن دراج: إِنَّ أَوْتَادَ الْأَرْضِ أَرْبَعَةٌ، وَأَعْلَامَ الدِّينِ أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَبُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَيْثُ بْنُ الْبَخْتَرِي الْمُرَادِيُّ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَعْين، وقيل فيه غير ذلك.
33ـ محمد بن أبي عمير
الأزدي، بغدادي الأصل والمقام، من أشهر علماء هذه الطائفة، ومن عيون رواتها، وقد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه، وقد عد مراسيله مسانيد، عاصر الإمام الكاظم والرضا والجواد (ع).
34ـ محمد بن علي
ابن النعمان، أبو جعفر المعروف بمؤمن الطاق، من عمالقة الفكر الإسلامي، ومن عظماء الزمن الذين فتحوا باب التاريخ على مصراعيه، ودخلوا فيه أحراراً، فسجلوا لأمتهم ولعصرهم العز والافتخار، كان مؤمن الطاق في طليعة علماء الإسلام في فقهه وعلمه، ودفاعه عن حوزة الدين، ولكن بعض المؤرخين القدامى لم يجودوا إلا بنتف يسيرة من آرائه وتراثه.
وطعن الحاقدون عليه فالصقوا به شتى التهم والظنون، وحملوه أوزاراً كثيرة،
وسبب ذلك – فيما نحسب – مواقفه الشهيرة التي حاجج بها أئمة المذاهب الإسلامية، وسائر علماء عصره، فأثبت بوضوح فكرة الإمامة والتقاءها بواقع الإسلام وهديه، مما أدى إلى إثارة الأحقاد عليه.
وعلى أي حال، فقد لقبت الشيعة هذا العملاق العظيم بـ «مؤمن الطاق»، ولقبه خصومه وأعداؤه بشيطان الطاق، وسبب ذلك فيما قالوا أنه كان يجلس للصرف في سوق يقع بطاق المحامل بالكوفة، فاختصم مع شخص في درهم مزيف، فغلب على خصمه، فلقّب بذلك[32].
وكان مؤمن الطاق من قادة الفكر الإسلامي، وقد أجمع علماء عصره على الاعتراف بمنزلته العلمية، وأشاد الإمام الصادق لا بفضله وقربه منه.
فقرنه بعظماء العلماء من أصحابه، فقال: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً أَرْبَعَةٌ: بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيُّ، وَزُرَارَةٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَالْأَحْوَلُ[33].
ويدل هذا الحديث على مدى أهميته ومكانته عند الإمام (ع)، فقد قرنه بالأفذاذ من عيون أصحابه.
35ـ المفضل بن عمر
الجعفي الكوفي، من كبار العلماء، ومن عيون المتقين والصالحين، ومن أفذاذ عصره. له المنزلة المرموقة، والمكانة العليا عند أهل البيت (ع).
وأقر الإمام جعفر الصادق بمواهبه العلمية، فقد حدث الفيض بن المختار، قال: قلت للإمام الصادق: جعلني الله فداك، إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم حتى أرجع إلى المفضل بن عمر فيقضي من ذلك، على ما تستريح إليه نفسي، ويطمئن إليه قلبي.
فقال له الإمام (ع): أَجَلْ هُوَ كَذَلِكَ[34].
وعده الشيخ المفيد من ثقات الفقهاء الصالحين.
36ـ نصر بن قابوس
اللخمي القابوسي، روى عن الصادق والكاظم والرضا (ع)، وكانت له منزلة عندهم. له كتاب[35].
وعده الشيخ المفيد من خاصة الإمام الكاظم (ع) ومن ثقاته، ومن أهل الورع والعلم من شيعته[36].
وقال الشيخ الطوسي: إنه كان وكيلاً عند الإمام الصادق (ع) لعشرين سنة[37].
وهو أحد رواة النصّ على إمامة الإمام الرضا، وذلك يكشف عن وثاقته وعدالته.
37ـ هشام بن الحكم
من أفذاذ الأمة الإسلامية، ومن كبار علمائها، ناضل كثيراً، وجاهد طويلاً في نصرة الحق، والذب عن كيان الإسلام، خصوصاً في ذلك العصر الذي انعدمت فيه الحريات العامة، وكان الذاكر لفضائل أهل البيت (ع) عرضة للانتقام والتنكيل من قبل السلطة الحاكمة التي بذلت جميع إمكانياتها في إضعاف كيان آل الرسول (ع)، ولكن هشاماً لم يعن بذلك، فقد ناظر خصومه، وفاق عليهم، وتحدثت الأندية العلمية عن قوة استدلاله وروعة برهانه الأمر الذي ينم عن مدى تعلقه وحبه لأهل البيت (ع).
38ـ هشام بن سالم
الجواليقي الجعفي، هو من عظماء هذه الطائفة، ومن عيونها. روى عن الإمام أبي الحسن (ع)، وقد عينه الإمام الصادق (ع) للمناظرة في التوحيد مع رجل من أهل الشام.
وفي هذا دلالة على وفور علمه وتقدمه في الفضل، وقد ألصقت بالرجل التهم ورمي بالإلحاد، وقد رماه بذلك حساده وأعداؤه والدفاع الذي ذكرناه عن هشام يأتي في رفيقه وسميه، وقد اعترف له بالفضل والوثاقة كثير من مترجميه[38].
39ـ يونس بن عبد الرحمن
مولى علي بن يقطين، من أفذاذ الأمة الإسلامية، ومن كبار علمائها، وكان وحيد عصره في تقواه وورعه، تربى في مدرسة الإمام الكاظم، وأخذ منه العلوم والمعارف، ومن بعده اختص بولده الإمام علي الرضا (ع).
40ـ يونس بن يعقوب
أبو علي البجلي الدهني الكوفي، اختص بالإمام الصادق والكاظم، وعده الشيخ المفيد من فقهاء أصحاب الصادقين (ع)، ومن الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام الذين لا يطعن فيهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة، والمصنفات المشهورة.
ومما يدل على وثاقته أنه وكله أبو عبد الله وأبو الحسن (ع) ليشتري لهما بعض الأشياء، فلما اشترى ذلك وأوصله إليهما قال له أحدهما: لا والله ما أَنْتَ عِنْدَنَا مُتَّهَم، إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَكَ اللهُ مَعَ رَسُولِه وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَاللَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ الله[39].
الاستنتاج
أن الإمام الكاظم (ع) أصبح بعد وفاة أبيه الإمام جعفر الصادق (ع) زعيما للنهضة الفكرية في عصره، واجتمع حوله أكثر من أربعة آلاف عالم وراو، قد رووا عنه مختلف العلوم، وفيهم بعض المنافقين والكذابين، وساهم العديد من أصحابه في التأليف ونشر الحضارة الإسلامية، مما ساعد في تعزيز العلم والأخلاق.
الهوامش
[1] الأردبيلي، جامع الرواة، ج1، ص١٢.
[2] الأردبيلي، جامع الرواة، ج1، ص16.
[3] النجاشي، رجال النجاشي، ص19، رقم 24.
[4] النجاشي، رجال النجاشي، ص27، رقم 50.
[5] النجاشي، رجال النجاشي، ص117، رقم 302.
[6] الطوسي، رجال الكشي، ج2، ص673، رقم 705.
[7] النجاشي، رجال النجاشي، ص5، رقم 109.
[8] النجاشي، رجال النجاشي، ص45، رقم 91.
[9] النجاشي، رجال النجاشي، ص96، رقم 162.
[10] المفيد، الإرشاد، ج2، ص247.
[11] النجاشي، رجال النجاشي، ص15، رقم 240.
[12] النجاشي، رجال النجاشي، ص140، رقم 370 .
[13] النجاشي، رجال النجاشي، ص160، رقم 424.
[14] النجاشي، رجال النجاشي، ص127، رقم 289.
[15] النجاشي، رجال النجاشي، ص186، رقم 494.
[16] النجاشي، رجال النجاشي، ص189، رقم 504.
[17] ابن النديم، الفهرست، ص٢٧٥.
[18] النجاشي، رجال النجاشي، ص145، رقم 356.
[19] النجاشي، رجال النجاشي، ص205، رقم 546.
[20] الأردبيلي، جامع الرواة، ج1، ص479.
[21] النجاشي، رجال النجاشي، ص214، رقم 559.
[22] الطوسي، رجال الكشي، ص375، رقم 705.
[23] الطوسي، رجال الكشي، ص215، رقم 561.
[24] الطوسي، رجال الكشي، ص429، رقم 803.
[25] النجاشي، رجال النجاشي، ص273، رقم 714.
[26] النجاشي، رجال النجاشي، ص256، رقم 671.
[27] الطوسي، رجال الكشي، ص431، رقم 810.
[28] آل عمران، ٦٨.
[29] الطوسي، رجال الكشي، ج2، ص623، رقم 605.
[30] الطوسي، رجال الكشي، ج2، ص831، رقم 1050.
[31] النجاشي، رجال النجاشي، ص311، رقم 851.
[32] ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، رقم 3005.
[33] الطوسي، رجال الكشي، ج1، 347، رقم 215.
[34] الطوسي، رجال الكشي، ج1، ص347، رقم 216.
[35] النجاشي، رجال النجاشي، ص427، رقم 1146.
[36] المفيد، الإرشاد، ج2، ص248.
[37] الطوسي، الغيبة، ص347.
[38] النجاشي، رجال النجاشي، ص434، رقم 1165.
[39] الطوسي، رجال الكشي، ج2، ص685، رقم 724.
مصادر البحث
1ـ القرآن الكريم.
2ـ ابن النديم، محمّد، الفهرست، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأُولى، بلا تاريخ.
3ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان الميزان، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1406 ه.
4ـ الأردبيلي، محمّد علي، جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والاسناد، قم، مكتبة المرعشي النجفي، طبعة 1403 ه.
5ـ الطوسي، محمّد، اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، تحقيق مهدي الرجائي، قم، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، طبعة 1404 ه.
6ـ الطوسي، محمّد، الغيبة، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1425 ه.
7ـ المفيد، محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
8ـ النجاشي، أحمد، فهرست أسماء مصنّفي الشيعة، المعروف برجال النجاشي، تحقيق موسى الشبيري الزنجاني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1416 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
القرشي، باقر، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، تحقيق مهدي باقر القرشي، النجف، دار المعروف، الطبعة الثانية، 1433 ه، ج29، ص227 ـ ص365.