نصوص وأقوال العلماء في المتولي على الخمس

نصوص وأقوال العلماء في المتولي على الخمس

2024-09-30

50 بازدید

الخمس من الضرائب الإسلامية الثابتة بالقرآن والسنّة والإجماع، إلاّ أنّ هناك اختلافاً في موارده بين الفقهاء، وهناك اختلاف كلّي في أحد موارده بين الإمامية والمذاهب الاُخرى، وهو خمس المكاسب، إذ ذهبت الإمامية الى ثبوته إجمالاً، ورفضه فقهاء أهل السنّة.

آراء في تكييف خمس المكاسب

ولسنا هنا بصدد إثبات هذا القسم الأخير، إلاّ أنّنا نذكر هنا بعض الآراء في تكييفه:

فقد يقال: إنّه كان ثابتاً من أوّل الأمر. كما قد يقال: إنّه تمّ جعله بشكل ثابت من قبلهم (ع) بناءً على أنّ لهم ذلك.

وربّما يقال: إنّ الأئمة (ع) أخذوا هذا الخمس باعتبار اختلاط أموال الناس بحقّهم، فهو بذلك يشكّل تطبيقاً لتخميس المال الحلال المختلط بالحرام.

كما قد يقال: بأنّ إيجابه كان من باب ولاية الحاكم الشرعي، خصوصاً بعد أن رأى الأئمة (ع) أنّ الأموال والحقوق المخصوصة لهم قد زويت عنهم الى موارد اُخرى.

معرفة المتولّي على الخمس

ولسنا هنا بصدد ترجيح أيّ قول من هذه الأقوال وإنّما المهم لدينا في هذه المرحلة هو معرفة المتولّي على الخمس، فمن هو؟

إنّ الظاهر من مجموع النصوص الواردة في شأن مطلق الخمس، وتلك الواردة في خصوص أرباح المكاسب: أنّه ضريبة مالية يجب دفعها الى وليّ الأمر والحاكم الشرعي، بل إنّ الأمر في هذا القسم أوضح منه في الاُمور الاُخرى، باعتبار إحتمال الاستحقاق المباشر للأصناف الثلاثة من بني هاشم، بمقتضى الآية الشريفة، وإن كان الراجح فيها أيضاً أنّ الخمس يعود الى الإمام كلّه، وهو يعمل على صرفه في المصالح العامّة بمقتضى سهم الإمام، وفي إصلاح أحوال الفقراء من بني هاشم حتى يستغنوا، وحينئذ يصرف الباقي في المصالح العامّة أيضاً.

النصوص الواردة في هذا المجال

هذا ما يبدو من مجمل النصوص، فلنستعرض جملة منها:

1ـ جاء في بعض الروايات تسمية الخمس بأنّه «وجه الإمارة»[1].

وهو يدلّ بوضوح على أنه جزء من بيت المال الواقع تحت إشراف أمير المؤمنين، والوليّ الشرعي لهم.

2ـ النصوص التي تنسب الخمس لله تعالى من قبيل: «الوصية بالخمس لأنّ الله عزّ وجل قد رضي لنفسه الخمس»[2].

«والله لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربّهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاّء»[3].

«الخمس لله والرسول وهو لنا»[4].

بل يمكن أن يقال: إنّ تقديم ما حقّه التأخير في الآية وإدخال اللام على لفظ الجلالة والرسول وذي القربى دون الآخرين، فيه ظهور في الملكية إلاّ أنّ يُقال: إنّ السياق يسوق تأثير اللام الى باقي الأقسام.

3ـ النصوص التي تنسب الخمس لهم (ع) ، من قبيل:

«الخمس لله والرسول وهو لنا»[5].

«ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لنا»[6].

«لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونة»[7].

وسُئل الإمام عن تقسيم الخمس فأجاب: «ذلك الى الإمام».

وجاء هذا التعبير في تقسيم الخمس[8]: «فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون»[9].

وعندما قدم أحد أصحاب الإمام (ع) بمال الخمس قال له: «أما إنّه كلّه لنا وقد قبلت ما جئت به»[10].

وجاء في الرواية أيضاً: «إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا»[11].

«على كلّ امرىء غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (س) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريّتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا»[12].

«كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله (ص) فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا»[13].

وقد سُئل (ع): ما حق الإمام في أموال الناس؟ فقال: «الفيء، والأنفال، والخمس»[14].

وقد جاء التعبير عن الإمام (ع) بأنّه صاحب الخمس[15].

4ـ وأخبار التحليل بنفسها تدلّ على عودة الخمس الى الإمام، ثم إنّه (ع) يبيحها لشيعته، وذلك ـ كما هو ظاهر ـ بالنسبة الى الأموال التي تنتقل الى الفرد الشيعي، وفيها حقّ من حقوق الإمام كالخمس، لا بالنسبة لأموال الشيعي نفسه التي يعمل فيها فيُستحق عليه الخمس.

ولكنها على أي حال واضحة في نسبة الخمس الى الإمام (ع) وأنّ له الولاية عليه، وبالتالي يدخل ضمن الأموال العامة، التي يتمّ توزيعها وهدايتها لتحقيق التوازن العام، غاية الأمر أنّ جزءاً معيناً منه يصرف تكريماً لبني هاشم، ليتمّ الارتفاع بمستواهم الى حدّ الغنى، وهو نفس ما يتمّ عمله بالنسبة للآخرين، حيث يعطَوْن من الزكاة حتى يستغنوا، فتتحقّق نظرية الإسلام في التعادل الاقتصادي، الذي لا يرضى للفرد في مستوى معيشته أن ينزل عن حد الغنى، ولا أن يرتفع الى مستوى الإسراف.

أقوال العلماء

ويحسن هنا أن نرجع الى أقوال العلماء لنزداد يقيناً بهذه الحقيقة:

يقول الإمام الخميني

«وبالجملة: فمن تدبّر في مفاد الآية والروايات ظهر له أن الخمس بجميع سهامه من بيت المال، والوالي ولي التصرّف فيه، ونظره مُتَّبع بحسب المصالح العامة للمسلمين، وعليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرّر إرتزاقهم منه حسب ما يرى»[16].

وإذا كان الفقهاء أحياناً قد أفتوا بالدفع المباشر الى بني هاشم فهم ينظرون حتماً الى مرحلة ما قبل قيام الحكومة الإسلامية، ولذا جاءت لديهم الآراء التالية:

فالسيّد صاحب العروة الوثقى: يجيز دفع سهم السادات مباشرة، وإن كان يحتاط استحباباً  بالدفع الى المجتهد، ويوجب دفع سهم الإمام الى المجتهد الجامع للشرائط.

أمّا السيّد محسن الحكيم فيرى: إنّ الأحوط وجوباً دفع سهم السادة الى الحاكم الشرعي، وإن كان قد أصدر إذناً عاماً بذلك.

أما سهم الإمام (ع) فالأحوط وجوباً لديه مراجعة المرجع العام المطلّع على الجهات العامّة في ذلك.

أما السيّد الإمام الخميني فيؤكّد على أنّ  سهم السادات يجب أن يصرف بإذن المجتهد، وكذلك سهم الإمام.

ويقول السيد الگلبايگاني

«بالنسبة لسهم الإمام المبارك (ع) فيجب في هذا الموضوع أن تراجع أدلّة ولاية الفقيه في عصر الغيبة بشكل مفصّل ودقيق. وما يستفاد ـ إجمالاً ـ بمناسبة الحكم والموضوع، وأن الاُمور العامّة في عصر الغيبة لم تهمل وتترك بلا تنظيم، وأن الأحكام أيضاً ـ ما عدا تلك المشروطة بمباشرة الإمام (ع) الشخصية أو نائبه الخاص ـ لم تعطّل ما يستفاد منها هو:

أنّ ولاية الفقيه ثابتة على كل تلك الاُمور التي يجب أن يتولاّها الحاكم والوالي للأمر، وأنّ السهم المبارك للإمام (ع) من الاُمور المالية الإسلامية، التي تُرك أمرها الى (مَن بيده الأمر) كما كان الحال كذلك في عصر الرسول الأكرم (ص) وسيّدنا أمير المؤمنين (ع)، حيث كانت هذه الشؤون المالية الإسلامية تُدار من قِبلها، وكذلك نجد سائر الأئمة (ع) يتدخلون في مثل هذه الموارد حيث ترتفع الموانع من تدخّلهم، وتراجعهم الشيعة في ذلك.

وكما يقتضيه طبع الحكم وأصل التشريع، فإنّ القائم والمتولّي على الاُمور التالية: مثل جبايتها وتقسيمها يجب أن يكون ولي الأمر، أما جواز استقلال من عليه الحقّ في التصرف فهو يحتاج الى دليل.

وعليه فإنّ هذه الولاية على أمر السهم المبارك للإمام (ع) ، تقبل الاستظهار من أدلة الحكومة وادّعاء شموله لذلك قويّ وقريب»[17].

ملاحظة مهمّة

وينبغي أن نركّز هنا على أن الحديث هو عن رجوع الخمس الى منصب الإمامة لا شخص الإمام، وأن الحديث النظري يركّز على منصب القيادة الإسلامية والإمارة وولاية الأمر.

إذ الحديث عن حقّ الإمام الشامل للفيء والأنفال والخمس، هو حديث عن أموال الدولة وملكيتها العامّة، ولذلك تنتقل بشكل طبيعي من إمام الى آخر، ولا تدخل في تركته الشخصية بلا ريب.

وقد روى الصدوق بإسناده عن أبي عليّ بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث (ع): إنّا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (ع) عندنا. فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي (ع) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه»[18].

من ولي الأمر

وهنا ننتقل الى المرحلة التالية من البحث، وهي تعيين وليّ الأمر، فمن هو؟ وهل يمكن أن يكون متعدّداً؟

لا ريب في أنه الإمام المعصوم (ع) حال وجوده. ولكن ما هو الموقف في عصر الغيبة؟

والجواب عن هذا يختلف على ضوء المباني.

فإن قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة أمر مسلّم به، لا ينكره إلاّ مكابر. كما أن قيام فقيه، أو مجلس من الفقهاء بإدارتها أمر مسلّم به، ولكن مبنى تشكيلها يختلف، فتارة يكون المبنى هو ولاية الفقيه، واُخرى يكون المبنى هو نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي نظام الحسبة، وعلى كلا الحالين، تارة نقول بدور للشعب، أو الخبراء، أو لأهل الحل والعقد بانتخاب الحاكم، واُخرى لا نعطي دوراً لذلك.

ثمّ إنّه على ضوء نظام ولاية الفقيه، تارة نقول بأنّ الأدلة تمنح الفقهاء الواجدين للشرائط على مستوى واحد ولاية فعلية مطلقة على كل شؤون المسلمين، واُخرى نقول بأنها تعلن أهليتهم لذلك، ويبقى عليهم أن يجتمعوا لينتخبوا أحدهم، أو يحصل أحدهم على شعبية واسعة تؤهّله ليتحرك نحو القيادة الفعلية وكذلك بالنسبة لنظام الحسبة مع القول بالانتخابات، يأتي البحث في إمكان انتخاب وليٍّ لكل منطقة، أو لكلّ ناحية من نواحي الحياة في عرض واحد أولاً.

وحينئذ فالنتائج قد تختلف من حالة الى اُخرى.

ولسنا هنا بصدد الاستدلال التفصيلي على كل مبنىً من هذه المباني، إلاّ أنّنا نشير الى أنّ التأمّل في الأدلة يؤكّد لنا أنّ إدارة شؤون الحكومة الإسلامية تحتاج الى ولاية يملكها الحاكم الشرعي، ليستطيع إدارة البلاد، وملء منطقة الفراغ القانوني، وإصدار الأوامر التي تخالف الحالات الأوّلية المباحة مثلاً، وإلاّ فلن تستقيم الاُمور، وهو أمر لا يرضاه الشارع قطعاً وبدونه تعطّل الأحكام الإسلامية.

ولا يمكننا أن نتصور ولايات فعلية متعددة على منطقة واحدة، بل إن النصوص الإسلامية ترفض قيام حكومتين، أو تواجد إمامين، وطبيعة الحال تقتضي ذلك، وذلك رعاية لوحدة القانون ووحدة المعايير ووحدة الاُمة.

وقد جاء في الروايات رفض فكرة تعدد الأئمة في آن واحد، كما في صحيحة الحسين بن أبي العلا: «قلت لأبي عبد الله تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا. إلاّ وأحدهما صامت»[19].

وهناك روايات اُخرى معتبرة بهذا المضمون.

وإذا عدنا الى أدلة ولاية الفقيه فلا نجد الدلالة الكافية على تعميم مبدأ الولاية الفعلية الى كل فقيه جامع للشرائط.

فالديل العقلي الذي يركّز على مسألة دوران الأمر بين تعيين الفقيه والتخيير بينه وبين غيره ـ وحتى لو غضضنا النظر عن ما يورد عليه من قبيل أن الترديد هنا قد يتصوّر بين المتباينات ـ لا يقتضي أكثر من تعيين فرد فقيه له الولاية والقدرة على تصريف شؤون المجتمع.

أما الأدلّة النقلية، فهي كذلك، كما سيبدو من استعراضها:

الروايات: «اللهمّ إرحم خلفائي» المستفيضة سنداً إنّما يثبت بها وجود خلافة ما لهذا الصنف من البشر، أما شمولها لجميع العلماء، وإطلاقها لما يشمل كلّ جوانب الحياة الاجتماعية، فغير تام، خصوصاً إذا علمنا أنها ليست بهذا الصدد، ولا يتحمل لسانها لسان النصب العام للعلماء.

ويتوضّح عدم إمكان استفادة هذا المعنى الواسع من الروايات، إذا لاحظنا وجود قدر متيقّن عرفي لها يركّز على نوع من الخلافة كالخلافة العلمية، بل وحتى لو استفدنا عموم الخلافة لمطلق الشؤون فإن هناك قدراً متيقناً يركّز على الفرد الخليفة في كل عصر، بل يمكن أن يقال إنّ هذا القدر المتيقن هو في الواقع أمر مركوز عرفاً وشرعاً من خلال تعاليم وحدة الإله في الكون، ووحدة الإمامة، ووحدة الاُمة بقوانينها ومعاييرها.

ولو تمّ هذا ـ وهو في رأينا تام ـ لأمكن القول بأنه يمنح النصوص المطلقة بنفسها ظهوراً في خصوص المورد المرتكز، فكيف ونحن نفرض وجود الإطلاق من أصله؟

وهذا الإشكال يرد على روايات: «العلماء ورثة الأنبياء» و «الفقهاء اُمناء الرسل» و«إنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها» و«العلماء حكّام على الناس» وأمثالها.

أما بالنسبة لمقبولة عمر بن حنظلة[20] التي جاء فيها عن الفقيه: «فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً» وكذا قوله (ع):«فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فقد استُخفّ بحكم الله وعلينا رُدّ، والرادّ علينا كالراد على الله»، فالإشكال وارد عليها وإن اختلف القدر المتيقن هنا واتّجه نحو خصوص القضاء.

أمّا رواية إسحاق بن يعقوب[21] والتي جاء فيها: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله». فإنها وإن أمكن دلالتها على أن الولاية هي للفقهاء ولكن الإشكال الأخير يرد على استفادة الولاية لمطلق الفقهاء.

فيقال: إنّ وضوح ضرورة وحدة الوليّ، وقبح تعدّد الأولياء الفعليين، إنّما يصل الى حد يشكّل  قيداً إرتكازياً لأيّ إطلاق مدّعى في البين، فلا يمكن أن نستفيد منها، أنّ كلّ هؤلاء الرواة يشكّلون بالفعل أولياء مطلقاً على الأموال والأعراض والنفوس، وكلّ ما يرجع الى الإمامة، بحيث تساوق حجّية أوامرهم فيها حجّية أوامر الإمام المعصوم (ع) وهذا القيد أولى من قيود «العدالة» و «الذكورة» المطروحة في البين.

ولم يبق إلاّ بعض الروايات التي ترجع الى الثقاة، وهي في عدم الدلالة أوضح من غيرها.

فمثلاً جاء في رواية عبد الله بن جعفر الحميري في حديث طويل يروي فيه عن أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (ع) قال: «سألته وقلت: من اُعامل؟ أو عمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثّقة المأمون»[22].

ومن الواضح أننا مهما عملنا على تجاوز هذا المورد من هذه الرواية فلن نستطيع الوصول الى الولاية المطلقة والفعلية لكل الثقاة.

هذا وقد استدلّ بعض العلماء بأدلّة تجمع بين مقتضى التسليم بلزوم وجود اُطروحة للحكم والولاية من قبلهم (ع) وعدم وجود أيّة إشارة في الروايات لاُطروحة اُخرى غير اُطروحة ولاية الفقيه.

وهو استدلال متين لو لوحظت مختلف أبعاده، ولكنه كما هو واضح لا يؤدي الى الإيمان بالولاية المطلقة الفعلية لمطلق الفقهاء الجامعين للشرائط.

وعليه: فنبقى والقدر المتيقن في الموضوع وهو الفقيه الجامع للشرائط والذي قبلته الاُمّة، إن قلنا بأنّ نصوص اعتبار البيعة كافية في صنع إرتكاز عرفي متشرّعي يترك أثره على ظهور النصوص، ويحقق لنا القدر المتيقن المطلوب من خلالها.

وإلاّ كان اللازم تصور قدر متيقن ينحصر في فرد متعين، إمّا بانتخاب أهل الحل والعقد، أو من خلال إذعان الفقهاء له، أو غير ذلك.

ثم إنّنا لو سلكنا طريق (الحسبة) في سبيل الوصول الى نوع من ولاية الفقيه على الحياة العامّة، فإن الأمر كذلك لا يقبل ولاية محتسبين في منطقة واحدة، بل لا يقبل ولايتين في منطقتين، بعد الفراغ من لزوم وحدة الدولة الإسلامية طبعاً مع الإمكان، ومع عدمه فيمكن أن نتصور ولايتين على منطقتين وذلك بشكل استثنائي.

ثمّ إنّنا لو قبلنا ـ جدلاً ـ شمول الدليل لكلّ الفقهاء وإثباته ولاية عامّة لهم، فلا شك في لزوم طاعتهم للولي الفقيه الحاكم، حفظاً لوحدة المسلمين ومنعاً من شقّ عصاهم، وهن أمر مسلّم به، ولا ريب في أنّ للفقيه أن يحكم بعودة كلّ الاُمور إليه ومنها الأموال والحقوق الشرعية.

وذلك إما لأنه يفتي بذلك ويرى المصلحة في تحويل فتواه الى حكم عام، أو أنه ـ دونما إفتاء بذلك ـ يرى أن المصلحة الاجتماعية تفرض ذلك، وهذا يعني بالتالي تقليص الكثير من صلاحيّاتهم وترك المجال لهم في الحدود التي يأذن بها هذا الوليّ الحاكم، ويعود الحال الى ما استنتجناه مع شيء من الفرق.

ونؤدّ هنا أن نشير الى أنّنا نفترض الظروف المؤاتية، أما الظروف الاستثنائية التي يمتنع فيها قيام الحكومة الإسلامية، فلها أحكامها الاستثنائية أيضاً، ومع ذلك فلا يمكننا تصور تلك الولاية لمطلق الفقهاء، لمنع وجود المقتضي، ووجود المانع أيضاً من هذا الإطلاق، وحينئذ فلا مناص من حصر القدر المتيقن في بعضهم ممّن تتوفّر فيهم الشروط المناسبة.

النتيجة

1ـ إنّ الخمس كغيره من الأموال العامّة يعود أمرها الى الولي الحاكم.

2ـ إنّ هذا الولي الحاكم هو الفقيه الجامع للشروط الذي تعيّن بنحو ما أميراً للاُمّة وإماماً لها.

وبعد هذين الأمرين نصل الى لزوم دفع الحقوق الشرعية ـ كالخمس ـ الى الوليّ الفقيه وأمير الاُمة الإسلامية، ليقوم بصرفها وفقاً للمصاريف المقررة، والله أعلم.

خاتمة 

نقول قبل كلّ شيء: يجب أن نصحّح مفهوم الدولة الإسلامية، فإنّه لا يعني خصوص الدولة الإسلامية الإيرانية، وإنّما يُراد به مجمل الحكومة الإسلامية على العالم الإسلامي، باعتبار أنّنا لا نعتقد بتعدد الحكومة الإسلامية في الأرض.

فإذا لاحظنا الواقع القائم كان علينا أن نسلّم استثناءً بقيام الحكومة الإسلامية في هذه الأرض أو تلك، وحينئذ فيجب أن تطرح بحوث جديدة في العلاقة بين الدول الإسلامية المتعددة، ومنها مسألة الأخماس، والزكوات، والأنفال، فهل يمكن صرف كل دولة محاصيلها في إطار حدودها المفروضة؟ أم يجب أن تسلم لمجموع الاُمة؟ أم أنّ علينا التفصيل بين الملكيات العامّة، كمحاصيل الأرض المفتوحة عنوة وغيرها؟

كلّ هذه أسئلة يجب الفراغ منها قبل القيام بالتوزيع، فإذا افترضنا أنّ لكلّ دولة إسلامية أن تنظر الى مصالح شعبها أولاً، ثم تلاحظ المجموع الإسلامي أمكننا على ضوء ما سبق أن نقول:

إنّ قضية تقسيم الخمس والزكاة من قبل المراجع، أو بالأحرى من قبل الفقهاء (لأنّ مفهوم المرجعية مفهوم متأخر زمنياً عن عصر النصوص) أمرٌ راجع لمرحلة ما قبل قيام الدولة الإسلامية، وعدم اعتقاد الشيعة بالحكومات القائمة، بل وعدم اعتقاد البعض منهم بضرورة قيام الدولة الإسلامية، بل اعتقادها أحياناً بضرورة تأجيل الأمر الى ظهور الإمام الحجّة (ع) وحينئذ جاءت الآراء القائلة بالاحتفاظ بالضرائب الإسلامية الثابتة الى أن يظهر، أو صرفها في الموارد التي نعلم برضا الإمام في صرفها فيها.

إلاّ أنّ التسالم الأخير على الرأي القائل بالصرف، طرح فكرة قيام الفقهاء باستلام الحقوق الشرعية وتقسيمها.

وعلى هذا وبعد القبول بقيام الحكومة الإسلامية، وأنها المتولية على بيت المال، وبعد الإيمان بأنّ الخمس والزكاة هما من موارد بيت المال الإسلامي بلا ريب، فإنّه لا معنى لطرح فكرة استلام المراجع الدينية لهذه الحقوق، خصوصاً إذا لاحظنا الفكرة السابقة القائلة بأنّ الولاية لا تتعدد في الدولة الإسلامية، وضرورة الفصل بين المرجعية الفتوائية والمرجعية الولائية.

كما لا معنى ـ مع ذلك لفكرة منع قيام الحكومة الإسلامية بفرض الضرائب الحكومية بعد الإيمان بأهمية بيت المال ووظيفته، والإيمان بالولاية على الأموال والأعراض والأنفس، والتي يملكها الحاكم الإسلامي سواء كان معصوماً، أو غير معصوم (كنائب المعصوم).

أما مسألة إمكان أن يقوم المؤدّون بأداء ما عليهم من ضرائب بدلاً عن الخمس والزكاة، فهذا أمر يتّبع رأي الحكومة الإسلامية ومدى احتياجاتها فلا مشكلة في البين.

ولا يتّبع هذا فتاوى المجتهدين لأنّ الأمر هنا حكومي لا فتوائي، إلاّ أن يشكك أحد في مشروعية الحكومة الإسلامية، أو في مشروعية قيامها بفرض الضرائب، أو توزيعها وهي اُمور مستبعدة.

الاستنتاج

أنّ الخمس ضريبة مالية يجب دفعها الى وليّ الأمر والحاكم الشرعي، ولا ريب في أن الإمام المعصوم (ع) هو ولي الأمر حال وجوده، وفي في عصر الغيبة يختلف على ضوء المباني، فعلى ضوء نظام ولاية الفقيه، فالخمس كغيره من الأموال العامّة يعود أمرها الى الولي الحاكم، وهو الفقيه الجامع للشروط الذي تعيّن بنحو ما أميراً للاُمّة وإماماً لها.

الهوامش

[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص241.

[2] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص361.

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص328.

[4] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص361.

[5] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص361.

[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص338.

[7] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص328.

[8] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص362.

[9] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص364.

[10] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص368.

[11] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص375.

[12] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص351.

[13] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص339.

[14] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص373.

[15] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص354.

[16] الخميني، كتاب البيع، ج2، ص495.

[17] الكلبايكاني، مجمع المسائل، ج6، ص386.

[18] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص374.

[19] الكليني، الكافي، ج1، ص178.

[20] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص98.

[21] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص101.

[22] الكليني، الكافي، ج1، ص330.

مصادر البحث

1ـ الحر العاملي، محمّد، وسائل الشيعة، تصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1403 ه‍.

2ـ الخميني، روح الله،  كتاب البيع، طهران، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، الطبعة الأُولى، 1421 ه‍.

3ـ الكلبايكاني، محمّد رضا، مجمع المسائل، قم، دار القرآن الكريم، الطبعة الثانية، 1409 ه‍.

4ـ الكليني، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.

مصدر المقالة (مع تصريف بسيط)

التسخيري، محمّد علي، حول الشيعة والمرجعية في الوقت الحاضر، نشر المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، الطبعة الثانية، 1426 ه‍.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *