العدل الإلهي: مفهومه، أدلته، ونقد آراء الأشاعرة حول فعله

العدل الإلهي: مفهومه، أدلته، ونقد آراء الأشاعرة حول فعله

کپی کردن لینک

تُعدّ مسألة العدل الإلهي من القضايا المحورية في الفكر الإسلامي، إذ ترتبط بفهم طبيعة الله وعلاقته بالكون والعباد، ويتناول هذا البحث مفهوم العدل، حيث يُعرَّف العدل في اللغة والاصطلاح العقائدي، ويُبرز أهميته كصفة من صفات الله، كما يستعرض الأدلة التي تدل على تنزيه الله عن فعل القبيح، ويناقش آراء الأشاعرة حول هذه القضية، وأخيرا يستعرض قدرة الله على فعل القبيح وعدم فعله للظلم، مما يبرز العلاقة الوثيقة بين العدل والرحمة الإلهية، ويؤكد على أهمية هذه المفاهيم في تعزيز العقيدة الإسلامية.

المبحث الأوّل: معنى العدل

معنى العدل في اللغة: ورد في لسان العرب: العَدْل: ما قام في النفوس أ نّه مستقيم، وهو ضدّ الجور، والعدل في أسماء الله تعالى يعني الحكم بالحق، والعدل في الناس يعني المرضي قوله وحُكمه[1].

تنبيه: العَدْل من أسماء الله تعالى، وهو مصدر أُقيم مقام الاسم، والمقصود منه المبالغة في وصفه تعالى بأ نّه عادل، أي: كثير العدل.

معنى العدل في الاصطلاح العقائدي: العدل يعني تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب.

معنى التنزيه: التنزيه يعني البُعد، ويُقال: الله منزّه عن القبيح، أي: بعيد عنه[2].

معنى الفعل القبيح: الفعل القبيح هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم، ويستحق تاركه المدح.

معنى الفعل الواجب: الفعل الواجب هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح، ويستحق تاركه الذم[3].

معنى الوجوب على الله تعالى: إنّ قولنا الوجوب على الله تعالى لا يعني أ نّه تعالى محكوم بأوامر غيره، بل يعني أنّنا نكتشف عن طريق التدبّر في صفاته تعالى أ نّه حكيم، وتقتضي حكمته أن يفعل كذا، لأنّ عدم فعله له يؤدّي إلى الإخلال بحكمته.

الآيات القرآنية المتضمّنة لمعنى الوجوب على الله

1- كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[4]، أي: أوجب الله تعالى على نفسه الرحمة[5].

وَعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ[6]، أي: يجب على الله تعالى بيان الطريق المستقيم للعباد[7].

إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى[8]، أي: يجب علينا بمقتضى العدل أن نهدي العباد إلى الحقّ ببعث الرسل ونصب الدلائل[9].

وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرى[10]، أي: يجب على الله تعالى أن يجعل داراً أُخرى إضافة إلى دار الدنيا ليقع فيها الجزاء والانتصاف[11].

معنى العدل الإلهي في أحاديث أئمة أهل البيت

1ـ قال الإمام أمير المؤمنين علي (ع): العدل أن لا تتهمه[12].

2ـ قال الإمام جعفر الصادق (ع): أمّا العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه[13].

تنبيهات

1- إنّ العدل من صفات الله الفعلية، وليس من صفاته الذاتية، لأنّ العدل عبارة عن تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، وهذا الأمر منتزع من مقام الفعل.

2- إنّ العدل الإلهي صفة لكيفية تعامل الله تعالى مع الكون بما فيه الإنسان، ولهذا اكتسبت هذه الصفة أهمية خاصة وموقعاً مميّزاً، لأنّ بها يتمّ تحديد نوعية موقف تعامل الله عزّ وجلّ مع الإنسان.

3 ـ إنّ العدل الإلهي لا يتنافى مع حرّية الله في أفعاله، وليس العدل قيداً لأفعال الله عزّ وجلّ، لأنّ الحرية الإلهية منزّهة عن النقص والظلم والقبائح، ولا يفعل الله تعالى إلاّ الحسن، ولا يضع الأُمور إلاّ في مواضعها اللائقة بها، ولهذا لا يكون بين حرية الله في أفعاله والعدل الإلهي أيّ تضاد أو تناف.

الفرق بين العدل و المساواة

إنّ المساواة تعني مراعاة التساوي بين طرفين أو بين عدّة أطراف، ولكن العدل يعني إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، والفرق بينهما: إنّ أموراً من قبيل: مراعاة الاستحقاق وأخذ الأولويات بنظر الاعتبار وإعطاء كلّ كائن نصيبه بموجب ما يستحق، تُشترط في العدل، ولكنها لا تُشترط في المساواة.

مثال: لا يعني مراعاة العدل بين تلاميذ الصف الواحد أن يُعطى الجميع درجات متساوية، ولا يعني مراعاة العدل بين العمّال والموظفين أن يُعطى الجميع أُجوراً متساوية، بل يعني مراعاة العدل في هذا المقام: إعطاء كلّ تلميذ الدرجة التي تستحقها معلوماته ولياقته العلمية، وإعطاء كلّ عامل أُجرته بحسب أهمية العمل الذي يقوم به.

تنبيه: إنّ الحكمة في جعل الله الاختلاف والفوارق بين الناس وعدم المساواة بينهم في إعطاء المواهب والنعم هو لأ نّه تعالى جعل الحياة الدنيا داراً للبلاء والاختبار، فخلق نظاماً يؤدّي إلى رفع بعض الناس فوق البعض الآخر، ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، وليرى مستوى صبرهم وشكرهم ومدى نجاحهم في الاختبار الإلهي.

لماذا اعتبر العدل أصلا من أصول مذهب التشيّع؟

الدليل الأوّل: بالعدل يتمّ التوحيد، ومن دون إثبات العدل لا يمكن إثبات النبوّة والإمامة والمعاد.

قال العلاّمة الحلّي: اعلم أنّ هذا الأصل ـ أي العدل ـ عظيم تبتني عليه القواعد الإسلامية، بل الأحكام الدينية مطلقاً، وبدونه لا يتمّ شيء من الأديان[14]، توضيح ذلك:

1ـ الصلة بين العدل والنبوّة

إنّ العدل الإلهي هو الذي يقتضي:

أوّلا: إرسال الله الأنبياء بالهدى ودين الحقّ.

ثانياً: وثوق الناس بهؤلاء الأنبياء، واطمئنانهم بأنّ هؤلاء هم الذين أرسلهم الله وسدّدهم بالمعاجز، وأنّ هدفهم الخير والصلاح لهم، ولولا العدل الإلهي لأمكن القول:

أوّلا: قد لا يرسل الله تعالى أحداً من رسله إلى العباد، فيترك الناس لشأنهم، ثمّ يفعل بهم كيفما يشاء، فيبطل أصل النبوّة.

ثانياً: قد يسدّد الله تعالى الكذّابين والدجّالين بالمعجزة، أو يرسل رسلا من أجل إغواء العباد وإلقائهم في التهلكة، فلا يمكن بعد ذلك الوثوق بالأنبياء.

2ـ الصلة بين العدل و الإمامة

إنّ العدل الإلهي هو الذي يقتضي اصطفاء الله تعالى الأئمة والأوصياء بعد رسول اللّه (ص) للحفاظ على ما جاء به الرسول (ص) والتصدّي من بعده للقيام بالمسؤوليات التي كانت على عاتقه (ص) ما عدا النبوّة، ولولا العدل الإلهي لجاز له تعالى أن يترك الأُمة من بعد رسول اللّه (ص) سُدى، ويتركهم يتخبّطون في الضلال من دون وجود أحد يرشدهم إلى الحقّ والصواب.

3ـ الصلة بين العدل و المعاد

إنّ الاعتقاد بالعدل الإلهي هو الذي يستلزم الاطمئنان بالوعد الإلهي وتحقّق المعاد وإثابته تعالى للمحسن وعقوبته للمسيء في دار الآخرة، ولولا ثبوت العدل الإلهي لم يمكن الوثوق بوعد الله تعالى، ولأمكن القول بأ نّه تعالى قد يلغي المعاد أو يقيمه ولكنه يتصرّف بالعباد كيفما يشاء، فيلقي الأنبياء في نار جهنم ويدخل الطغاة والمجرمين في جنّة النعيم ! فيبطل بذلك أصل المعاد.

الدليل الثاني

إنّ الأشاعرة فسّروا العدل الإلهي بصورة تؤدّي إلى نفيه، فوقف أتباع مذهب أهل البيت (ع) بقوة أمام هذا التفسير، ودافعوا عن العدل الإلهي بحيث عُرفوا بالعدلية، واعتبر العدل الإلهي أصلا من أصول مذهبهم[15].

المبحث الثاني: أدلة عدم فعله تعالى للقبيح

الدليل الأوّل: لا يخلو الداعي إلى فعل القبيح عن أربع صور، وهي:

الصورة الاُولى: الجهل بالقبح: وهي أن يكون فاعل القبيح جاهلا بقبح ما يفعله.

الصورة الثانية: العجز عن تركه: وهي أن يكون فاعل القبيح عالماً بقبح ما يفعله، ولكنه عاجز عن تركه.

الصورة الثالثة: الاحتياج إليه: وهي أن يكون فاعل القبيح عالماً بقبح ما يفعله، وغير عاجز عن تركه، ولكنه محتاج إلى فعله.

الصورة الرابعة: فعله عبثاً: وهي أن يكون فاعل القبيح عالماً بقبح ما يفعله، وغير عاجز عن تركه، وغير محتاج إلى فعله، ولكنه يفعله عبثاً، والله سبحانه وتعالى منزّه عن جميع هذه الصور ـ وهي الجهل والعجز والاحتياج والعبث ـ، لأنّه تعالى هو العالم والقادر والغني والحكيم على الإطلاق، فلهذا يستحيل عليه فعل القبيح، وذكر معظم علماء الشيعة: أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

تنبيه: إنّ الله تعالى لا يفعل القبيح لعدم وجود الداعي لفعله، أمّا فعله تعالى للحسن، فليس الداعي احتياجه تعالى إليه، وإنّما يفعل الله الحسن لحسنه لا للحاجة إليه.

الدليل الثاني: إنّ الله تعالى حكيم، وهذه الحكمة الإلهية تستلزم عدم فعله تعالى للقبيح، لأنّ فعل القبيح لا ينسجم مع الحكمة.

الدليل الثالث: يلزم فعله تعالى للقبيح عدم الجزم بصدق الأنبياء، لأنّ دليل النبوّة مبني على إظهار الله المعجزة على يد النبي، فلو كان الله فاعلا للقبيح، فإنّه قد يُظهر المعجزة على يد من يدّعي النبوّة كذباً، فلا يمكن بعد ذلك الوثوق بصحة نبوّة أي نبي.

الدليل الرابع: يلزم فعله تعالى للقبيح جواز صدور الكذب منه تعالى، لأنّ الكذب نوع من أنواع فعل القبيح، ومنه يلزم عدم الوثوق بوعد الله ووعيده تعالى، فينتفي الجزم بوقوع ما أخبر بوقوعه من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.

الدليل الخامس: يلزم من فعله تعالى للقبيح جواز وصفه تعالى بالظلم والجور والعدوان، لأ نّه تعالى لو كان فاعلا للقبيح لأمكن أن يصدر منه الظلم والجور والعدوان، لأ نّها من جملة القبائح.

تنبيه: بما أنّ الله تعالى منزّه عن فعل القبيح، فلهذا لا يصح نسبة أيّ فعل قبيح إليه تعالى، وبما أ نّنا نجد ارتكاب بعض العباد للأفعال القبيحة، فلهذا لا يصح نسبة هذه الأفعال إلى الله تعالى، بل ينبغي نسبتها إلى العباد، ويكون كلّ إنسان هو المسؤول عن الفعل القبيح الذي يصدر عنه.

المبحث الثالث: مناقشة رأي الأشاعرة حول فعله تعالى للقبيح

ذهب الأشاعرة إلى أنّ الله تعالى يفعل ما يشاء، وكلّ ما يفعله الله تعالى فهو حسن، وإن حكم العقل بقبح هذا الفعل.

الدليل الأوّل للأشاعرة: إنّ الفعل لا يكون قبيحاً إلاّ بعد نهي الشارع عنه، وبما أنّ أفعال الله تعالى لا تقع في إطار أوامر ونواهي الشرع، فلهذا لا يمكن تصوّر فعل القبيح في أفعال الله تعالى.

قال أبو الحسن الأشعري: الدليل على أنّ كلّ ما فعله [ تعالى ] فله فعله أ نّه… لا فوقه مبيح، ولا آمر، ولا زاجر، ولا حاظر، ولا من رسم له الرسوم، وحدّ له الحدود، فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء، إذ كان الشيء إنّما يقبح منّا لأ نّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا، وأتينا ما لم نملك إتيانه، فلمّا لم يكن الباري… تحت أمر لم يقبح منه شيء[16]، يرد عليه:

1ـ إنَّ بعض الأفعال قبيحة بذاتها، ولا يعود منشأ قُبحها إلى حكم الشرع.

2ـ لو كان القبيح إنّما يقبح للنهي، لوجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف شيئاً من القبائح.

وبعبارة اُخرى: لو كان نهي الشرع هو المنشأ الوحيد لقبح جميع الأفعال، فينبغي أن لا يعتقد منكر الشرع بقبح شيء، لأ نّه لا يؤمن بالشرع فلا يكون عنده شيءٌ قبيحٌ، ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين ـ على اختلاف فصائلهم ـ: يصفون بعض الأفعال بالقبح ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها، ويسند هؤلاء تقبيحهم إلى العقل من غير أن يكون لحكم الشرع أيّ أثر في هذا التقبيح.

3ـ لو كان القبيح يقبح للنهي، لوجب أن يكون الحسن يحسن للأمر، فيلزم عليه أن لا توصف أفعاله تعالى بالحسن أيضاً، لأ نّه تعالى كما لم ينه عن شيء، فإنّه تعالى لم يُؤمر بشيء.

الدليل الثاني للأشاعرة: الدليل على أنّ كلّ ما فعله تعالى، فله فعله: أ نّه المالك القاهر الذي ليس بمملوك… فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء.

وقال الشهرستاني: أمّا العدل فعلى مذهب أهل السنة: أنّ الله عدل في أفعاله، بمعنى أ نّه متصرّف في مُلكه ومِلكه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد[17].

بعبارة أُخرى: لا يمكن تصوّر فعل القبيح بالنسبة إلى الله تعالى، لأ نّه تعالى هو المالك لكلّ شيء على الإطلاق، ويعتبر أي تصرّف له تعالى في العالم، إنّما هو تصرّف في شيء يملكه، وله أن يفعل به كيفما يشاء.

يرد عليه: إنّ ملكية الشيء لا تعني امتلاك المالك حقّ التصرّف بها على خلاف موازين الحكمة والعدل، ولهذا نجد العقلاء يذمّون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب، ويحكمون بسفاهته مع علمهم بمالكيته لتلك الأموال.

بعبارة أُخرى: إنّ الملكية لا تبيح فعل القبائح العقلية أصلا، ولهذا يستنكر العقلاء على المالك الذي يعذّب عبده بلا جهة، ويعتبرونه سفيهاً يستحق اللوم إزاء فعله القبيح هذا، والله تعالى على رغم كونه مالكاً لكلّ شيء وقادراً على كلّ شيء، ولكنه مع ذلك حكيم، وحكمته تنزّهه عن فعل القبيح، ولهذا قال تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْم وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ[18].

المبحث الرابع: قدرة الله تعالى على فعل القبيح

قال الشيخ المفيد (ره): إنّ الله جلّ جلاله قادر على خلاف العدل، كما أ نّه قادر على العدل، إلاّ أ نّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً، وعلى هذا جماعة الإمامية[19].

أدلة قدرته تعالى على فعل القبيح

1ـ إنّ الله تعالى قادر على كلّ مقدور، والقبيح مقدور، فيثبت أ نّه تعالى قادر على فعل القبيح.

2ـ إنّ الفعل الحسن من جنس الفعل القبيح، والقادر على أحد الجنسين يكون قادراً على الآخر، مثال:

ألف ـ إنّ قعود الإنسان في دار غيره غصباً من جنس قعوده فيها باذن مالكها، ولكن أحدهما قبيح والآخر حسن.

ب ـ إنّ الله تعالى قادر ـ بلا خلاف ـ على معاقبة العاصي، ولا يخفى بأنّ هذه القدرة لم تتحقّق عند وقوع المعصية من المكلّف، بل كان الله تعالى قادراً على المعاقبة قبل ذلك، وعقوبته تعالى قبل ذلك من جملة الأفعال القبيحة، فثبت أ نّه تعالى قادر على فعل القبيح.

3- إنّنا قادرون على فعل القبيح، والله تعالى أقدر منّا في جميع الأحوال، فيثبت بذلك أ نّه تعالى قادر على فعل القبيح.

مناقشة رأي القائلين بعدم قدرة الله على فعل القبيح

ذهب البعض إلى أنّ الله تعالى غير قادر على فعل القبيح، لأ نّه تعالى لو كان قادراً على فعل القبيح لصح منه فعله، وصحة فعل القبيح منه تعالى دليل على اتّصافه تعالى بالجهل والاحتياج، وهو منزّه عن ذلك[20]،

يرد عليه:

1- إنّ امتلاك القدرة على فعل معيّن لا يدل على أنّ صاحب تلك القدرة سيستخدم قدرته في القيام بذلك الفعل، وإنّما الفعل يتبع الإرادة والاختيار ووجود الداعي و…، والله تعالى حكيم، وتمنعه حكمته من فعل القبيح على الرغم من امتلاكه القدرة عليه.

2- إنّ الاتّصاف بالجهل والاحتياج يكون مع فعل القبيح لا مع امتلاك القدرة على فعله، وإنّ عدم فعله تعالى للقبيح ليس لأ نّه غير قادر على فعله، بل لأ نّه تعالى حكيم وعالم وغني، فلا يريد فعل القبيح.

المبحث الخامس: عدم فعله تعالى للظلم

معنى الظلم: وضع الشيء في غير موضعه… وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحدّ[21].

أدلة عدم فعله تعالى للظلم

1- إنّ الظلم ينبثق عن الجهل والحاجة والحقد والعجز والضعف والخوف والعبث وغيرها من الرذائل التي يكون الله تعالى منزّهاً عنها، فلهذا يستحيل عليه تعالى الظلم.

2- إنّ الله تعالى ذمّ الظالمين وندّد بهم ونهى الناس عن الظلم، فكيف يكون سبحانه ظالماً للعباد؟!

3 ـ إنّ الظلم قبيح، والله تعالى ـ كما بيّنا فيما سبق ـ منزّه عن فعل القبيح.

نفي الظلم عن الله في القرآن

1- شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ[22].

2- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً[23].

3- إِنَّ الله لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[24].

4 ـ فَما كانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[25].

5 ـ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[26].

6 ـ إِنَّ الله لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة[27].

7 ـ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً[28].

وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ[29].

وَما رَبُّكَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ[30].

10ـ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ[31].

11ـ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ[32].

12ـ وَما ظَلَمَهُمُ الله وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[33].

الاستنتاج

أن العدل الإلهي هو مفهوم أساسي في العقيدة الإسلامية، يعكس طبيعة الله الحكيمة والعادلة، ويُعرّف العدل بأنه تنزيه الله عن فعل القبيح، ويُظهر أهمية هذه الصفة في تعزيز ثقة المؤمنين في وعود الله وعدالته، وتناقش المقالة آراء الأشاعرة وتبيّن أن الله قادر على فعل القبيح، لكنه لا يفعل ذلك بسبب حكمته، كما تؤكد على أن الظلم مستحيل في أفعال الله، مما يجعل العدل الإلهي جزءا لا يتجزأ من فهم العلاقة بين الله وخلقه.

الهوامش

[1] انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة عدل.

[2] انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة نزه.

[3] ينبغي تقييد المدح والذم في هذا المجال بمرتبة خاصة لئلاّ يشمل المستحب.

[4] الأنعام، 54.

[5] انظر: الطباطبائي، الميزان، ج7، ص 27 و 105، تفسير آية 12 و 54 من سورة الأنعام.

[6] النحل، 9.

[7] انظر: شبر، تفسير القرآن الكريم، تفسير آية 9 من سورة النحل.

[8] الليل، 12.

[9] انظر: شبر، تفسير القرآن الكريم، تفسير آية 12 من سورة الليل.

[10] النجم، 47.

[11] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، ج9، ص276، تفسير آية 47 من سورة النجم.

[12] الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص755، حكمة 470.

[13] الصدوق، التوحيد، باب 5، ح1، ص93.

[14] الحلّي، نهج الحقّ، مسألة 3، مبحث 11، ص72.

[15] اشتهر الخلاف حول مسألة العدل الإلهي بين المسلمين من بداية القرن الثاني للهجرة، واستمر هذا الخلاف بحيث أصبحت هذه المسألة علامة بارزة على أنّ المعتقد بها: شيعي إذا كان من أتباع مذهب أهل البيت (ع).

[16] الأشعري، اللمع، باب 7، ص116.

[17] الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، باب 1، ص42.

[18] هود، 117.

[19] المفيد، أوائل المقالات، قول 24، ص56.

[20] أشار بعض علمائنا إلى هذا الرأي الذي ذهب إليه بعض أعلام المعتزلة.

[21] ابن منظور، لسان العرب، مادة ظلم.

[22] آل عمران، 18.

[23] الأنبياء، 47.

[24] يونس، 44.

[25] التوبة، 70.

[26] النحل، 118.

[27] النساء، 40.

[28] الكهف، 49.

[29] الأنفال، 51.

[30] فصّلت، 46.

[31] آل عمران، 108.

[32] الزخرف، 76.

[33] النحل، 33.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ ابن منظور، محمّد، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، طبعة 1405 ه‍.

3ـ الأشعري، علي، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، القاهرة، المكتبة الأزهرية للتراث، بلا تاريخ.

4ـ الحلّي، الحسن، نهج الحق وكشف الصدق، بيروت، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأُولى، 1982م.

5ـ شبر، عبد الله، تفسير القرآن الكريم، قم، مؤسّسة دار الهجرة، بلا تاريخ.

6ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه‍.

7ـ الشهرستاني، محمّد، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الرابعة، 1415 ه‍.

8ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.

8ـ الطباطبائي، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.

9ـ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍.

10ـ المفيد، محمّد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، العدل عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، طبعة 1432ه‍.