من المبادئ الرفيعة التي تبناها النبي محمد (ص) هي الإخوة الإسلامية، ولم تكن شعاراً زائفاً، وإنما هي حقيقة بارزة من أحكام الإسلام، فهي لم تقم على أساس قبلي أو جنسي أو إقليمي، وإنما أقيمت على أنها جزء من العقيدة الإسلامية يسأل عنها المسلم، ويحاسب عليها، تمد المجتمع بالوحدة والتفاهم، والايثار والتعاون، وتخلق له نموذجاً فريداً من التكامل الاجتماعي، وتسد الطريق أمام أعدائه من أفاعي الجشع والاستعمار.

أما حقيقة الإخوة الإسلامية فقد تحدث عنها الرسول الأكرم (ص) بقوله: لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبُّ لأخيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه.

ووصف النبي محمد (ص) المجتمع الإسلامي في اخوته وتقارب عواطفه، ووحدة مشاعره بأنهم كالجسم الواحد. قال له: مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَى.

لقد أضفى الإسلام على الإخوة الإسلامية المنزلة الرفيعة، فجعلها أقوى من رابطة النسب والدم، فقال رسول الله (ص): المُسْلِمُ أَخو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُحَقِّرُهُ… .

إن الإخوة الإسلامية ليست عاطفة مجردة، وإنما هي علاقة وثيقة تمتد إلى أعماق القلوب ودخائل النفوس، وتوجب اشتراك الجميع في البأساء والضراء، وقد أعلن النبي محمد المصطفى (ص) ذلك، فقد بعث رجلاً في حاجة له فأبطأ عليه، فلما مثل عنده قال له: ما أَبْطَأَكَ؟

العري.

أَما كَانَ لَكَ جَارٌ لَهُ ثَوْبَانِ يُعِيرُكَ أَحَدَهُما؟

بلى يا رسول الله.

فتألم النبي محمد (ص)، وقال: ما هذا لك بأخ.

ويقول الإمام جعفر الصادق (ع) عملاق هذه الأمة، ورائد نهضتها الفكرية والحضارية: المُسْلِمُ أَخو المُسْلِم، هُوَ عَيْنُهُ، وَمِرْآتُهُ، وَدَليلُهُ: لا يَخونُهُ، وَلَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْدَعُهُ، ولا يُكَذِّبُهُ، وَلا يَغْتَابُهُ…[1].

إن هذه المثل الكريمة تشدّ روابط الإخوة الإسلامية، وتقيمها على أساس من الوعي والتطور.

وتحدث الإمام محمد الباقر (ع)، وهو من ألمع أبناء الرسول (ص) عن حقيقة الإخوة الإسلامية، قال: والمُؤْمِنُ أَخو المُؤْمِنِ، لَا يَشْتِمُهُ، وَلَا يُحْزِنُهُ، وَلَا يُسِيئُ بِهِ الظَّنَّ[2].

لقد أقام الإسلام دعائم الإخوة الإسلامية على أسس عميقة تؤلّف ما بين العواطف والقلوب، وتصهر المجتمع بقوة وتضامن وتألف.

عوامل التضامن

وندب الإسلام إلى بعض الأمور التي تجمع المسلمين على صعيد المحبة والاخاء، ومن بينها:

١- التراحم والعاطف

من برامج الإخوة الإسلامية: التراحم والتعاطف، يقول الإمام جعفر الصادق (ع) باني الإسلام ومجدده لأصحابه:

اتَّقُوا اللَّهَ، وَكُونُوا إِخْوَةٌ مُتَحابين في اللهِ، مُتَواصِلِينَ، مُتَرَاحِمِينَ، تَزَاوَرُوا وَتَلاقُوا وَتَذَاكَرُوا أَمْرَنَا وَأَحَيُوهُ[3].

وقال الإمام الصادق (ع): يَحِقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الاجْتِهَادُ فِي التَّواصُلِ وَالتَّعاونُ عَلَى التَّعَاطُفِ وَالمُواساة لِأَهْلِ الحَاجَةِ، حَتَّى تَكُونُوا كما أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، مُتراحِمِينَ، مُغْتَمِّينَ لِما غَابَ عَنْكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ مَعْشَرُ الْأَنْصَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص) [4].

إن هذه النصائح تجعل المسلمين يداً واحدة على من سواهم، ولو تحلى بها المسلمون لما طمعت فيهم إسرائيل وعبيدها الأمريكان.

2ـ إفشاء السلام

إفشاء السلام أيضا من برامج الإخوة الإسلامية، وقد أمر النبي محمد (ص) – حينما وصل إلى يثرب – المسلمين وأوصى به قائلاً: افْشُوا السَّلَامَ، وَأَطِيبُوا الكَلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوْا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ[5].

وهذه التعاليم الرفيعة جزء من رسالة الإسلام الهادفة إلى إقامة مجتمع فاضل تسوده المحبة والألفة.

3ـ التزاور

التزاور فيما بين المسلمين، دليل على الإخوة الإسلامية، فقد حث الإسلام العظيم المسلمين على التزاور فيما بينهم؛ لأنه يعقد أواصر المحبة والمودة بينهم. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): لقاء الإِخْوَانِ مَغْنَمْ جَسِيمٌ وَإِنْ قلوا[6].

ويقول الإمام محمد الباقر (ع) لبعض أصحابه: أَبْلِغْ مَنْ تَرَى مِنْ مَوالِينَا السَّلَامَ، وَأَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ العَظِيمِ، وَأَنْ يَعُودَ غَنِيْهُم عَلَى فَقِيرِهِمْ، وَقَوِتُهُم عَلَى ضَعِيفَهِمْ، وَأَنْ يَشْهَدَ حَيُّهُمْ جَنازَةَ مَيِّتِهِمْ، وَأَنْ يَتَلاقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّ لُفَيا بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَيَاةٌ لِأَمْرِنَا، رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا[7].

وأثرت عن أئمة الهدى كوكبة من الأحاديث، وهي تدعو المسلمين إلى التمسك بزيارة الاخوان:

4ـ قضاء حوائج الناس

ومن برامج الإخوة الإسلامية الأخرى: قضاء حوائج الناس، فقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى (ع) بناة الإسلام بالحث على قضاء حوائج الناس؛ لأنه يجلب إلى المسلمين التالف والترابط، وقد حث النبي محمد (ص) على ذلك.

يقول رسول الله (ص): مَن مَشَى فِي قَضَاءِ حَاجَةِ أَخِيهِ سَاعَةً فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَضَاهَا أَوْ لَمْ يَقْضِها كانَ خَيْراً مِنِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ[8].

وروى صفوان الجمال، قال: كنت مع الإمام أبي عبد الله الصادق (ع)، إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له مَيْمُونٌ، فشكا إليه تعذر الكراء عليه، فقال لي: قُمْ فَأَعِنْ أَخَاكَ.

وقام صفوان فقضى حاجة المكي، ولما قفل راجعاً إلى الإمام الصادق (ع) قال له: مَا صَنَعْتَ فِي حَاجَةِ أَخِيكَ؟

قضاها الله بأبي أنت وأمي.

وسر الإمام بذلك وأخذ يحدثه عن الثواب الجزيل الذي أعده الله لمن قضى

حاجة أخيه المسلم قائلاً: أَمَا إِنَّكَ إِنْ تُعِينَ أَخَاكَ المُسْلِمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَوافِ أَسْبُوعِ بِالْبَيْتِ مُبْتَدِئَا[9].

إن السعي والمبادرة في قضاء حوائج الناس تبعث على إشاعة الحب والمودة بين المسلمين، وهي من أوثق الأسباب في ربط المسلمين بعضهم ببعض.

5ـ إغاثة المسلم

إغاثة المسلم ورد لهفته هو عين الإخوة الإسلامية، قال النبي محمد (ص): مَنْ نَفْسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةٌ مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفْسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةٌ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ[10].

قال الإمام محمد الباقر (ع): لا يَرَى أَحَدُكُمْ إِذا أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوراً أَنَّهُ عَلَيْهِ أَدْخَلَهُ فَقَط، بَلْ وَاللَّهِ عَلَيْنَا، بَلْ وَاللَّهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ (ص)[11].

وتواترت الأخبار عن أئمة الهدى (ع) في فضل قضاء حوائج الناس؛ لأنه من أوثق الأسباب في دعم الإخوة الإسلامية، ومن الطبيعي أن الحب من الأسباب التي تنشأ من الإحسان وصنع المعروف.

هذه بعض الأسباب التي تدعو إلى وحدة المسلمين وتضامنهم، وشيوع الإخوة والمودة بينهم.

عوامل التفرقة

وسد الإسلام جميع النوافذ التي تتسرب منها عوامل التفرقة للإخوة الإسلامية، وتسبب تصدع وحدة المسلمين وتضامنهم، والتي منها:

1ـ السخرية والتنابز

حرم الإسلام السخرية والتنابز بالألقاب. قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[12].

حكت الآية الكريمة النهي عن أمور ثلاثة تؤدي إلى تفكك وحدة المسلمين، وتؤثر العداوة والبغضاء فيما بينهم وهي:

أما السخرية فبواعثها احتقار الغير، والاستهانة بكرامته، وإظهار مساوئه وعيوبه، وهي تنشر البغضاء والكراهية، وتقطع روابط الإخوة الإسلامية، فلذا نهي عنها.

وحرّم الإسلام اللمز، وهو أن يذكر شخص عيوب شخص آخر بحضوره لا بغيابه، ويطعن في شخصيته، وقد نسبت الآية الكريمة اللمز إلى نفس المعتدين لبيان أن الشخص إذا عاب أخاه المسلم فقد عاب نفسه واحتقر ذاته لأنه بمنزلة نفسه.

والمراد بالتنابز أن يدعو أحد أخاه المسلم بلقب يكرهه، سواء أكان ذلك اللقب مما يخص نفس الشخص أم من يمت إليه بصلة، كالأبوين والأقارب وغيرهما، فإن ذلك موجب لقطع روابط المودة بين المسلمين.. هذه الموارد التي نهى عنها الإسلام من عوامل الشر والتفرقة.

2ـ الغيبة

حرم الإسلام الغيبة، وهي أن يذكر المسلم أخاه المسلم في غيبته وعدم حضوره بما يسوؤه ويكرهه، سواء أكان ذلك الانتقاص صراحة أم كناية أم إشارة، وسواء أكان الانتقاص بخلقه أم بخلقته، ففي جميع ذلك إثارة للعداوة والبغضاء، وتفريق لكلمة المسلمين، وتصديع لوحدتهم.

قال الله سبحانه وتعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ[13].

لقد شبه القرآن الكريم المغتاب بالأكل لحم أخيه المسلم في حال موته، وقد شدد النبي الله في حرمة الغيبة، فقد خطب حتى أسمع العوائق في بيوتها، وكان من جملة خطابه: يا مَعْشَرَ مَن آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَتَبَّعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ[14].

وأكد النبي محمد (ص) الحرمة الهائلة في الغيبة، فقال: الغِيْبَةُ أَسْرَعُ فِي دِينِ الرَّجُلِ المُسْلِمِ مِنَ الْآكِلَةِ فِي جَوْفِهِ[15].

وقال النبي (ص) أيضاً: ما عُمَّرَ مَجْلِسٌ بِالغَيبَةِ إِلَّا خُرَّبَ بالدِّينِ، فَنَزِّهُوا أَسْمَاعَكُم اسْتِمَاعَ الغيبَةِ، فَإِنَّ القَائِلَ وَالمُسْتَمِعَ لها شريكان في الإِثْم[16].

لقد بنى النبي محمد (ص) المجتمع الإسلامي على النظافة وسمو الآداب ومحاسن الأعمال.

٣- النميمة

وحرم النبي محمد (ص) النميمة، وهي أن يقول شخص لآخر أن فلاناً تكلم فيك بكذا، أي مما يسوؤه ويزعجه، وهي تؤدّي إلى إشعال نار الفتن وإشاعة البغضاء والعداء بين المسلمين، وهذه بعض الأحاديث النبوية في تحريمها:

1ـ قال رسول الله (ص): إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَى اللَّهِ الْمَشَاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المُفَرَّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الباغُونَ لِلْبُرَاءِ المَعايبَ[17].

2ـ قال (ص) لأصحابه: أَلا أُنَبِّئُكُم بِشِرارِكُم؟، فقالوا: بلى يا رسول الله، فقال (ص): المَشَاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الباغُونَ لِلبُرَاءِ المَعايبَ[18].

وقد أثرت عن أئمة الهدى ومصابيح الإسلام (ع) كوكبة من الأحاديث في التحذير من جريمة النميمة، فقد قال محمد بن فضيل عن الإمام الكاظم (ع): جعلت فداك، الرجل من اخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فاسأله عنه، فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قوم ثقات؟.

فقال له الإمام الكاظم (ع): يا مُحَمَّد، كَذَّبْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ، فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قُسَامَةً فَقَالَ لَكَ قَوْلاً فَصَدَّقْهُ وَكَذَّبْهُمْ، وَلا تُذِيعَنَّ عَلَيْهِ شَيْئاً يُشِينَهُ، وَتَهْدِمْ مروءَتَهُ، فَتَكُونَ مِنَ الَّذِينَ. قَالَ اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [19]،[20].

وهناك كوكبة من الأحاديث تحرّم النميمة، وتهيب بالمسلم أن لا يتصف بها لأنها تؤدي إلى شر عظيم.

4ـ التقاطع

وبنى النبي محمد (ص) المجتمع الإسلامي على التواصل والمودة ونهى عن التقاطع.

قال (ع): أَيُّمَا مُسْلِمَيْنِ تَهاجَرا، فَمَكَنَّا ثَلاثاً لا يَصْطَلِحانِ إِلَّا كَانَا خَارِجَيْنِ مِنَ الإِسْلامِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُما وَلايَةٌ، فَأَيُّهُما سَبَقَ إِلَى كَلامَ أَخِيهِ كَانَ السَّابِقُ إِلَى الْجَنَّةِ يَوْمَ الحساب[21].

وقال رسول الله (ص): لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ[22].

إن التقاطع يفل الروابط الإسلامية، ويفصم عرى الوحدة الدينية التي حرص الإسلام على إقامتها، وقد أثرت كوكبة من الأخبار عن أئمة الهدى:، وهي تحت المسلمين على التواصل والتعاون فيما بينهم.

5ـ عدم التعاون

أقام الإسلام المجتمع على التعاون بين المسلمين، ونهى عن الاخلال به، وقد تظافرت الأخبار بذلك، فقد روي عن الإمام الباقر (ع)، أَنَّه قال: مَنْ بَخِلَ بِمَعُونَةِ أخيه المُسْلِمِ والقِيامِ لَهُ فِي حَاجَتِهِ إِلَّا ابْتُلِيَ بِمَعُونَةِ مَنْ يَأْثَمُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤْجَرُ[23].

وقد أكد الإمام جعفر الصادق (ع) على ضرورة التعاون بين المسلمين، فقد قال لأصحابه: مَا لَكُم تَسْتَخِفُونَ بِنا؟

فانبرى إليه رجل من خراسان، فقال له: معاذ الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك.

فأجابه الإمام وهو مغيظ: إِنَّكَ أَحَدُ مَنِ اسْتَخَفَّ بِنا.

معاذ الله أن أستخف بك.

وَيْحَكَ أَلَمْ تَسْمَعْ فُلاناً – وَنَحْنُ بقرن الجحفة – وَهُوَ يَقُولُ لَكَ: احْمِلْنِي قَدْرَ ميل، فَقَدْ وَاللَّهِ أَعْيَيَتُ، وَاللَّهِ ! ما رَفَعْتَ لَهُ رَأْساً، لَقَدِ اسْتَخْفَفْتَ بِنَا، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِمُؤْمِنٍ فِينَا اسْتَخَفَّ وَضَيَّعَ حُرْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٌ[24].

إن ترك التعاون بين المسلمين له مضاعفاته السيئة التي منها انقطاع المودة والألفة بينهم.

6ـ الإيذاء والتحقير

حرم الإسلام إيذاء المسلم وتحقيره وإهانته، وقد أثرت عن النبي محمد (ص) كوكبة من الأحاديث تحرم ذلك، منها:

1ـ قال رسول الله (ص): المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه.

2ـ قال رسول الله (ص): لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَخِيهِ بِنَظْرَةٍ تُؤْذِيهِ.

3ـ قال رسول الله (ص): قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ نَابَذَنِي مَنْ أَذَلَّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ[25].

إنه ليس من الإسلام في شيء إيذاء أي إنسان مسلم أو احتقاره.

قال الإمام جعفر الصادق (ع): مَنِ اسْتَذَلَّ مُؤْمِناً وَاسْتَحْقَرَهُ لِقِلَّةِ ذاتِ يَدِهِ وَلَفَقْرِهِ شَهَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ[26].

وقال الصادق (ع): مَنْ حَقَّرَ مُؤْمِناً مِسْكِيناً أَوْ غَيْرَ مِسْكِينٍ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَافِراً لَهُ ماقتاً حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ مَحْفَرَتِهِ إِيَّاهُ[27].

إن إيذاء الناس واحتقارهم إنما يصدر عن شخص قد أفلس من الإيمان واستخف بحرمة الله تعالى، وصد عن السبيل القويم.

7ـ التخويف والارهاب

وحرّم الإسلام تخويف أي إنسان مسلم أو إرهابه. قال رسول الله (ص): مَنْ نَظَرَ إِلَى مُؤْمِنٍ نَظْرَةٌ لِيُخْيفَهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ[28].

وقال الإمام جعفر الصادق (ع): مَنْ رَوَّعَ مُؤْمِناً بِسُلْطَانٍ لِيُصِيبَهُ مِنْهُ مَكْرُوهُ فَلَمْ يُصِبْهُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَمَنْ رَوْعَ مُؤْمِناً بِسُلْطَانٍ لِيصِيبَهُ مِنْهُ مَكْرُوهُ فَأَصابَهُ فَهُو مَعَ فِرْعَوْنَ وَآلِ فِرْعَوْنَ في النار[29].

إن الإسلام حرم الارهاب، وتوعد الارهابيين بالخلود في نار جهنم وبئس المصير.

8- السباب

ومن معالي التربية الإسلامية تحريم السباب حتى مع الأعداء في الدين.

قال الله سبحانه وتعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ[30].

وأثرت عن النبي محمد (ص) بعض الأحاديث في النهي عن السباب.

قال رسول الله (ص): سباب المُؤْمِنِ فُسُوقٌ، وَأَكْلُ لَحْمِهِ مَعْصِيَةٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ، وَحُرْمَةٌ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ[31]، ووفد رجل من تميم على النبي محمد (ص) وطلب منه أن يوصيه، فكان مما أوصاه به: لا تَسُبُّوا النَّاسَ فَتَكْتَسِبُوا العَداوَةَ بَيْنَهُمْ[32]، إلى غير ذلك من الأخبار التي حذرت من السباب؛ لأنه يؤدي إلى نشر العداوة والبغضاء بين الناس.

9ـ تتبع العثرات والعيوب

وأحاط الإسلام المجتمع الإسلامي بسياج واقي من التصدع والتشتت، فكان مما نهى عنه تتبع عثرات الناس، ونشر مساوئهم، وقد حذر القرآن عن ذلك أشد الحذر.

قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [33].

وقال رسول الله (ص): يا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ بِقَلْبِهِ، لَا تَتَبَّعُوا عَثَراتِ المُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَثَراتِ المُسْلِمِينَ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَثَرَاتِهِ يَفْضَحْهُ[34].

قال الإمام محمد الباقر (ع): إِنَّ أَسْرَعَ الخَيْرِ ثَواباً البِرُّ، وَأَسْرَعَ الشَّرِّ عُقوبةٌ الْبَغْيُّ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ عَيْباً أَنْ يُبْصِرَ مِنَ النَّاسِ مَا يَعْمَى عَنْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ يُعَيَّرَ النَّاسَ بِمَا لا يَسْتَطِيعُ تَرْكَهُ، وَأَنْ يُؤْذِي جَلِيسَهُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ[35].

وقال الإمام محمد الباقر (ع) عملاق هذه الأمة: مَن أَقْرَبِ مَا يَكُونُ العَبْدُ إِلَى الْكُفْرِ أَنْ يُؤَاخِيَ الرَّجُلُ عَلَى الدِّينِ فَيُحْصِي عَلَيْهِ زَلَاتِهِ لِيُعَيِّرَهُ بِها يَوْماً مَا[36].

10- انتقاص المسلم

إنه ليس من الإسلام في شيء أن ينتقص المسلم أخاه المسلم ويحتقره، وقد حذر النبي محمد (ص) المسلمين من ذلك، قال: مَنْ أَذاعَ فَاحِشَةً كَانَ كَمُبْتَدِئِهَا وَمَنْ عَيَّرَ مُؤْمِناً بِشَيْءٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرْكَبَهُ[37].

لقد حرّم الإسلام ذلك حفظاً على وحدة المسلمين وتضامنهم وترابطهم الاجتماعي، وإبعادهم عن المستوى السحيق.

11- التفاخر بالأنساب

نهى الإسلام عن التفاخر بالأنساب؛ لأنه موجب لتصدع الإخوة الإسلامية، فالناس في شريعة الإسلام سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وعمل الخير.

ومن أمثلة ما ورد في هذا الموضوع أن عقبة بن بشير الأسدي تشرف بمقابلة الإمام أبي جعفر الباقر (ع)، وأخذ يطري على نفسه وحسبه قائلاً: أنا عُقْبَةُ بن بشير الأسدي، وأنا في الحَسَبِ الخَضْمِ مِن قَوْمِي.

فرد الإمام الباقر (ع) هذا التفاخر بقوله: ما تَمُنُّ عَلَيْنَا بِحَسَبِكَ، إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ بِالإِيمَانِ مَنْ كَانَ النَّاسُ يُسَمُّونَهُ وَضِيعاً، إِذَا كَانَ مُؤْمِناً وَوَضَعَ بِالكُفْرِ مَنْ كَانَ النَّاسُ يُسَمُّونَهُ شَرِيفاً إِذا كَانَ كَافِراً فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوى[38].

إن التفاخر بالأنساب ليس من الإسلام، وإنما التفاخر بأعمال الخير والعمل الصالح… وبهذا ينتهي الحديث عن عوامل التفرقة التي تؤدي الى إضعاف المسلمين، وفلّ وحدتهم.

الاستنتاج

أن النبي محمد (ص) تبنى مفهوم الإخوة الإسلامية كأحد المبادئ الأساسية في الإسلام، حيث أسسها على قيم الوحدة والتعاون بدلاً من الروابط القبلية أو الإقليمية، وأكد (ص) على أهمية حب المسلم لأخيه كما يحب لنفسه، مشبهاً المجتمع الإسلامي بالجسد الواحد، والإخوة ليست مجرد شعور، بل هي علاقة وثيقة تتطلب التعاطف والمساعدة، ودعا الإسلام إلى قضاء حوائج الناس، وإفشاء السلام، والتزاور، بينما حرّم السخرية، والغيبة، والنميمة، والتقاطع وعدم التعاون والسباب وتتبع العثرات مما يعزز من تماسك المجتمع الإسلامي.

الهوامش

[1]  الكليني، الكافي، ج٢، ص١٧٤.
[2]  الكليني، الكافي، ج٢، ص167.
[3]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٤٧٥.
[4]  الكليني، الكافي، ج٢، ص140.
[5]  الزمخشري، ربيع الأبرار، ج2، ص313.
[6]  الكليني، الكافي، ج٢، ص١٤٠.
[7]  الكليني، الكافي، ج٢، ص١٧٦.
[8]  الكليني، الكافي، ج٢، ص١٩٥.
[9]  الكليني، الكافي، ج٢، ص١٥٨.
[10]  الترمذي، سنن الترمذي، ج2، ص189.
[11]  الكليني، الكافي، ج٢، ص١٥١.
[12]  الحجرات، 11.
[13]  الحجرات، 12.
[14]  النراقي، جامع السعادات، ج2، ص298.
[15]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٣٥٧.
[16]  المجلسي، بحار الأنوار، 72، ص259.
[17]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٧٤.
[18]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٧٤.
[19]  النور، 19.
[20]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٣٥٨.
[21]  الكيني، الكافي، ج٢، ص2٥٨.
[22]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج٢، ص٣٤٤.
[23]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٣٦٦.
[24]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الحج، ج٨، ص٥٩٢.
[25]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٢.
[26]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٣.
[27]  الكليني، الكافي، ج٢، ص262.
[28]  الكليني، الكافي، ج٢، ص273.
[29]  الكليني، الكافي، ج٢، ص275.
[30]  الأنعام، ١٠٨.
[31]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٨.
[32]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٨.
[33]  النور، 19.
[34]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٤.
[35]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٣٣٢.
[36]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٤.
[37]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٦٥.
[38]  الكليني، الكافي، ج٢، ص٢٤٧.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.
2ـ الترمذي، محمّد، الجامع الصحيح، المعروف بسنن الترمذي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثانية، طبعة 1403 ه‍.
3ـ الحر العاملي، محمّد، وسائل الشيعة، تصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1403 ه‍.
4ـ الزمخشري، محمود، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1412ه‍.
5ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
6ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.
7ـ النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات، تحقيق محمّد كلانتر، النجف، دار النعمان، بلا تاريخ.

مصدر المقالة (مع تصرف)

القرشي، باقر، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، تحقيق مهدي باقر القرشي، النجف، دار المعروف، الطبعة الثانية، 1433 ه‍، ج1، ص281 ـ ص294.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *