معنى الإضلال ونسبة إضلال العباد إلى الله

معنى الإضلال ونسبة إضلال العباد إلى الله

کپی کردن لینک

تعتبر مسألة الإضلال من الموضوعات المهمة في الفكر الإسلامي، حيث تتعلق بفهم العلاقة بين الإنسان وخالقه، ومدى تأثير مشيئة الله تعالى في توجيه العباد نحو الهداية أو الضلال، في هذه المقالة سنستعرض معاني الإضلال، بدءا من مفهومه اللغوي والاصطلاحي، ومرورا بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول هذا الموضوع، وانتهاءً بتوضيح كيفية نسب الإضلال إلى الله عز وجل، مع التأكيد على أن هذه النسبة لا تعني الإغواء أو التوجيه نحو الباطل، وسنستند في تحليلنا إلى النصوص الدينية، لتقديم رؤية شاملة حول هذا المفهوم العميق في العقيدة الإسلامية.

المبحث الأول: معنى الإضلال

1ـ التغييب: يقال: أضللت الشيء إذا غيّبته، وجاء في القرآن الكريم: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى[1]، أي: لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.

2ـ التضييع: يقال: أضللته إذا ضيّعته، ويقال: ضلّت ناقتي، أي: ضاعت ناقتي وتاهت، ويقال: ضللت الطريق، أي: ضعت عن الطريق.

3- الهلاك: كقوله سبحانه وتعالى: ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا[2]، أي: حبط سعيهم. وكقوله تعالى حكاية عن الدهريين: وَقالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْق جَدِيد بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ[3]، أي: أَإِذا هلكنا في الأرض ومتنا وتفتّتت أجزاؤنا أ نُخلق خلقاً جديداً.

4- النسيان: كقوله سبحانه وتعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الأُخْرى[4]، أي: إذا نسيت إحداهما ذكّرتها الأخرى.

5- وجده ضالاً: يقال: أضللت الشيء إذا وجدته ضالا، ومنه الحديث: أنّ النبي محمد المصطفى (ص) أتى قومه فأضلّهم، أي: وجدهم ضلالا غير مهتدين إلى الحقّ.

6ـ السبب للضلال والدخول فيه: كما جاء في القرآن الكريم حول الأصنام: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ[5]، أي: ربّ إنّ الأصنام أصبحن سبباً لإضلال الكثير، مع العلم بأنّ الأصنام لا تعقل ولا تفعل شيئاً.

7-  إبطال العمل: كقوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ[6]، أي: فلن يبطل اللّه تعالى أعمالهم، وكقوله عز وجل: وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ[7]، أي: أبطل أعمالهم لسوء نواياهم وتلبّسها بالرياء والنفاق.

المبحث الثاني: نسبة إضلال العباد إلى الله

إنّ إضلال اللّه عز وجل لبعض العباد عبارة عن خذلانهم وتركهم لشأنهم وإيكالهم إلى أنفسهم وسلب التوفيق والعناية والتسديد منهم، وحرمانهم من الهداية الخاصة.

مستحقي هذا النوع من الإضلال: إنّ إضلال اللّه تعالى لبعض العباد يكون وفق مشيئته تعالى، وإنّ اللّه تعالى يضل من يشاء، ولهذا ورد في القرآن الكريم: 1ـ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ[8]، 2ـ فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ[9].

ولكن لا يخفى بأنّ اللّه سبحانه وتعالى حكيم، وهو لا يشاء جزافاً أو عبثاً، وإنّما تكون مشيئته وفق حكمته وعدله، وقد بيّن اللّه عزّ وجل في القرآن الكريم موازين مشيئته تعالى في إضلال بعض العباد وحرمانهم من الهداية الخاصة.

موازين مشيئته تعالى في إضلال العباد وحرمانهم من الهداية الخاصة

أوّلاً: الكفر: قال الله سبحانه وتعالى: 1ـ كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ الْكافِرِينَ[10]،  2ـ وَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ[11]، 3ـ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ[12]، 4ـ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ[13].

ثانياً: الظلم: قال الله عز وجل: 1ـ وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ[14]، 2ـ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ[15]، 3ـ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ[16].

ثالثاً: الفسق: قال سبحانه وتعالى: 1ـ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ[17]، 2ـ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ[18].

رابعاً: الإسراف والارتياب: قال الله تعالى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ[19].

خامساً: الانحراف عن الحقّ: قال عز وجل: فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ[20].

سادساً: الاستكبار: قال سبحانه وتعالى: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّر جَبّار[21].

معاني الإضلال التي لا يصح نسبتها إلى اللّه تعالى

المعنى الأوّل: الإغواء والتوجيه نحو الباطل

الآيات القرآنية المشيرة إلى هذا المعنى من الإضلال:

وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى[22]

وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ[23]

وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ[24]

رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ[25]

5- وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ[26]

وَاللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً[27]

7 ـ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً[28]

وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً[29].

9- كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى[30]

10ـ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطان مَرِيد * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ[31]، أي: إنّ من يتّبع الشيطان فإنّه يضلّه، أي: يغويه ويصوّر الشيطان له الباطل بصورة الحقّ، ويزيّن الشيطان له الانحراف عن المنهج المستقيم، ويزيّنه له ويوصله إلى عذاب السعير عن طريق ما يوسوس له.

أدلة عدم صحة نسبة هذا المعنى من الإضلال إلى اللّه تعالى

الأول ـ إنّ هذا المعنى من الإضلال قبيح، واللّه عز وجل منزّه عن فعل القبيح.

الثاني ـ إنّ اللّه تعالى ـ كما جاء في الآيات القرآنية التي ذكرت آنفاً ـ ذم إبليس وفرعون والسامري والمجرمين والطغاة على إضلالهم الناس، فكيف يصح أن يكون مضلاًّ للعباد بهذا المعنى الذي ذمّ به هؤلاء؟

3- إنّ من يتصف تارة بالإضلال ويتصف تارة أُخرى بالهدى لا يمكن الوثوق بأمره ونهيه، فتبطل بذلك الشرائع الإلهية، ولهذا ينبغي تنزيه اللّه تعالى عن الإضلال بمعنى الإغواء والتوجيه نحو الباطل.

4- إنّ هذا المعنى من الإضلال يتنافى مع هداية اللّه التكوينية والتشريعية للعباد، لأنّ اللّه سبحانه وتعالى منح العباد العقول وأرسل إليهم الأنبياء وأنزل لهم الكتب السماوية، وكان غرضه تعالى من ذلك هداية العباد إلى الحقّ، فكيف يصح أن يكون مغوياً لهم بعد ذلك وهو الذي أراد هدايتهم بإرادته التشريعية؟ قال الله تعالى: وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ[32].

5- إنّ اللّه سبحانه وتعالى نسب الضلال إلى العبد في العديد من آيات كتابه العزيز، وبيّن عز وجل بأنّ العبد لا يضل ـ أي: لا يتّجه نحو الباطل ـ إلاّ نتيجة تمسّكه بأسباب الضلال وفعله الاختياري لما يوجب وقوعه في الضلال.

ومن هذه الآيات القرآنية

1- مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها[33]

قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي[34]

وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً[35]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً[36]

وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً[37]

وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ[38]، أي: ومن يتّخذ عدو اللّه ولياً فقد ضلَّ سواء السبيل.

النتيجة: يجد المتأمّل في آيات القرآن الكريم الواردة حول الهداية والإضلال بأنّ هذه الآيات القرآنية تنقسم إلى قسمين:

1- آيات تبيّن بأنّ المشيئة الإلهية مطلقة في الهداية والإضلال، وأنّه سبحانه وتعالى لا سلطان ولا نفوذ لأحد عليه، وأنّه تعالى يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، كقول الله سبحانه وتعالى: فَإِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ[39].

2- آيات تبيّن بأنّ المشيئة الإلهية ـ التي لا سلطان لأحد عليها ـ مشيئة عادلة وأنّ هدايته تعالى وإضلاله لا تتمّ إلاّ حسب موازين تنسجم مع صفاته الكمالية، وأنّه سبحانه وتعالى لا يضلّ إلاّ من استحق الضلال، ولا يهدي أحداً بهدايته الخاصة إلاّ من استحق هذه الهداية.

وجه الجمع بين هذه الآيات القرآنية: لا يوجد أي تعارض بين هذين القسمين من الآيات، ومنتهى القول: تبيّن آيات القسم الأوّل بأنّ مشيئة اللّه عز وجل مطلقة ولا سلطان لأحد عليها، وتبيّن آيات القسم الثاني بأنّ مشيئة اللّه تعالى المطلقة مشيئة عادلة وحكيمة.

المنهج الصحيح لتفسير هذه الآيات القرآنية: إنّ المنهج الصحيح لتفسير الآيات القرآنية الواردة حول الهداية والإضلال هو التفسير الموضوعي الذي يتم عن طريقه النظر إلى مجموع النصوص القرآنية الواردة في هذا المجال، وربط الآيات بعضها ببعض، وجعل بعضها قرينة للاُخرى، والتنسيق بين معانيها من أجل التعرّف على مقصود القرآن الكريم، وأما الاقتصار على بعض الآيات وإهمال البعض الآخر، فإنّه لا ينتج سوى الفهم الخاطئ والابتعاد عن العقيدة التوحيدية النقية.

الاستنتاج

تتناول المقالة مفهوم الإضلال ومعانيه المختلفة وفقا للنصوص القرآنية، حيث يتم تعريف الإضلال بأنه تغييب أو تضييع أو هلاك، وتشير المقالة إلى أن الإضلال من الله يتعلق بترك العباد لشأنهم، مما يؤدي إلى عدم توفيقهم وحرمانهم من الهداية، كما توضح المقالة أن إضلال الله لبعض العباد يتماشى مع مشيئته وحكمته، حيث يُضِلُّ الله تعالى من يستحق ذلك بسبب الكفر والظلم والفسق، وتؤكد أن الله سبحانه وتعالى لا يُعزى إليه الإغواء نحو الباطل، مما يجعل مفهوم الإضلال مرتبطًا بمسؤولية الإنسان عن خياراته واختياراته.

للاطلاع على المزيد مما كتبه نفس الكاتب حول هذا الموضوع، يُرجى الضغط على الرابط التالي: الهداية الإلهية: معانيها، خصائصها، وأثرها في الإنسان

الهوامش

[1] طه، 52.

[2] الكهف، 104.

[3] السجدة، 100.

[4] البقرة،  282.

[5] إبراهيم، 36.

[6] محمّد، 4.

[7] محمّد، 88.

[8] الرعد، 27.

[9] إبراهيم، 4.

[10] غافر، 74.

[11] النحل، 107.

[12] البقرة، 264.

[13] الزمر، 3.

[14] إبراهيم، 27.

[15] المائدة، 51.

[16] البقرة، 258.

[17] البقرة، 26.

[18] المائدة، 108.

[19] غافر، 34.

[20] الصف، 5.

[21] غافر، 35.

[22] طه، 79.

[23] طه، 85.

[24] الشعراء، 99.

[25] الأحزاب، 67.

[26] آل عمران، 69.

[27] النساء، 27.

[28] النساء، 60.

[29] يس، 62.

[30] الأنعام، 71.

[31] الحجّ، 3 ـ 4.

[32] التوبة، 115.

[33] الإسراء، 15.

[34] سبأ، 50.

[35] النساء، 136.

[36] النساء، 167.

[37] النساء، 116.

[38] الممتحنة، 1.

[39] فاطر، 8.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، العدل عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، طبعة 1432ه‍.