مفهوم الأجل معناه وأقسامه وما يزيده وينقصه

مفهوم الأجل معناه وأقسامه وما يزيده وينقصه

کپی کردن لینک

الكلام يقع عن مفهوم الأجل وأبعاده المختلفة، من معناه اللغوي والاصطلاحي، وأنقسامه إلى نوعين: أجل محتوم، وأجل غير محتوم، ثم ذكر عدة آيات قرآنية تشير إلى الأجل المحتوم، بالإضافة الى تسليط الضوء على ما يزيد وينقص الأجل عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي أشارت إليها أحاديث أئمة أهل البيت (ع)، ثم البحث حول مسألة الأجل في سياق القتل والحوادث، مستعرضين آراءً مختلفة حول تأثير هذه العوامل على الأجل، والكلام هنا يقع في أربعة مباحث:

المبحث الأوّل: معنى الأجل

مفهوم الأجل في اللغة: الأجل مدّة الشيء، وغاية الوقت في الموت[1].

مفهوم الأجل اصطلاحاً: أجل كلّ كائن حي هو الوقت الذي تنتهي فيه حياته الدنيوية[2].

المبحث الثاني: أقسام الأجل[3]

1ـ أجل محتوم: وهو الأجل الذي يعلمه اللّه تعالى بالنسبة إلى كلّ كائن حي.

ولا يخفى بأنّ العلم الإلهي كاشف عن الواقع الخارجي، وليس لهذا العلم أي أثر في الخارج، وإنّما هو مجرّد انكشاف للأُمور والأحداث التي ستقع بأسبابها. وبما أنّ للإنسان ـ في بعض الأحيان ـ دوراً في تحديد أجله أو أجل الآخرين، فإنّ الأجل المحتوم سيكون في هذه الحالة عبارة عن علمه تعالى بالأجل الذي يحدّده الإنسان لنفسه أو لغيره.

آيات قرآنية مشيرة إلى مفهوم الأجل المحتوم

1ـ قال الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ[4].

2ـ قال الله تعالى: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَها وَما يَسْتَأخِرُونَ[5].

3ـ قال الله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها[6].

4ـ قال الله تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ[7].

2ـ أجل غير محتوم (أجل موقوف)

وهو الأجل الذي يكون متوقّفاً على شرط أو فقدان مانع، فإذا تحقّق الشرط وفُقد المانع، تمّت العلة، فيتحقّق الأجل، وإذا لم يتحقق الشرط ولم يفقد المانع، لم تتمّ العلّة، فلا يتحقّق الأجل.

تنبيه: إنّ للأجل غير المحتوم قابلية للتقدّم والتأخّر، والزيادة والنقصان، ويستطيع الإنسان أن يغيّر أجله عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي سنشير إليها لاحقاً.

آية قرآنية مشيرة إلى مفهوم الأجل غير المحتوم: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضى أَجَلاً[8].

المبحث الثالث: ما يزيد وينقص الأجل

يستطيع الإنسان ـ إلى حد ما ـ أن يزيد أو ينقص في عمره عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي أشارت إليها أحاديث أئمة أهل البيت (ع) منها:

1- قال رسول اللّه (ص): «أكثر من الطهور يزيد اللّه في عمرك»[9].

2ـ قال الإمام جعفر الصادق (ع): «من حسنت نيّته زيد في عمره»[10].

3- قال الإمام جعفر الصادق (ع): «يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم، ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم»[11].

4- قال الإمام جعفر الصادق (ع): «إن أحببت أن يزيد اللّه في عمرك فسرّ أبويك»[12].

5- قال الإمام موسى الكاظم (ع): «من حسن برّه بإخوانه وأهله مُدّ في عمره»[13].

6ـ قال الإمام علي (ع): «صلْ رحمك يزيد اللّه في عمرك»[14].

7- قال رسول اللّه (ص): «إنّ المرء ليصل رحمه ومابقي من عمره إلاّ ثلاث سنين، فيمدها اللّه إلى ثلاث وثلاثين سنة، وإنّ المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة، فيقصرها اللّه إلى ثلاث سنين أو أدنى»[15].

8- قال الإمام أمير المؤمنين (ع): «من أراد البقاء ولا بقاء، فليخفّف الرداء، وليباكر الغذاء، وليقلّ مجامعة النساء»[16].

المبحث الرابع: أجل المقتول لو لم يقتل

المسألة: إنّ الذي يُقتل هل كان يعيش لو لم يقتل؟ كما أنّ الذي يموت بسبب كزلزال أو حادث اصطدام أو… هل كان يعيش لو لم يمت بذلك السبب؟

الرأي الأوّل: إنّ المقتول أو الميت بسبب كالزلزال أو الغرق أو … تخرج روحه من جسده بأجله، ولو لا القتل أو ذلك السبب لمات هذا الشخص لا محالة في نفس ذلك الوقت بصورة أُخرى أو بشكل طبيعي، لأنّ أجله كان في ذلك الوقت فحسب[17]، ويرد عليه:

1- أننا نجد بعض الظلمة يقتلون جمعاً كثيراً من الناس في فترة زمنية قصيرة، ونجد سفينة تغرق فيموت من كان فيها في عدّة دقائق، ولكننا لم نجد بأنّه تعالى أمات مثل هذا الجمع دفعة واحدة، ومن هنا نستيقن بأنّ هؤلاء الذي قُتلوا أو ماتوا بسبب من الأسباب ليس من الضرورة أن يفارقوا الحياة لولا القتل أو ذلك السبب[18].

2- لو كان المقتول يموت ـ لا محالة ـ لولا القتل في نفس وقت قتله، لم يكن القاتل مسيئاً إلى المقتول، ولتمكّن القاتل من الاحتجاج بأنّ الشخص المقتول إنّما مات بأجله، وأنّه لو لم يقتله لمات هذا الشخص في نفس ذلك الوقت، وهذا ما ينكره العقل بالبداهة، ويحكم العقل بوضوح بأنّه ليس من الضرورة أن يموت المقتول لو لم يقتله القاتل[19].

3- لو كان المقتول يموت ـ لا محالة ـ لولا القتل في نفس وقت قتله، لكان الشخص الذي يذبح شاة غيره من دون إذنه محسناً إليه، لأنّه لو لم يذبحها لماتت، ولفات الانتفاع بلحمها، ولكن العقل يحكم بأنّ هذا الذابح غير محسن، وأنّه يستحق اللوم والتوبيخ والعقوبة، ومن هنا نستيقن بأنّنا لا يمكننا أن نقطع بموت الشاة لولا الذبح[20].

4- لو كان المقتول يموت ـ لا محالة ـ لو لا القتل في نفس وقت قتله، لكان القصاص عبثاً، ولم يكن للقصاص أي دور في خروج روح المقتص منه، بل كان موت هذا الشخص حين القصاص بأجله، فلا يكون في القصاص أي فائدة وهذا بخلاف قوله سبحانه وتعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ[21]، ومن هنا نستيقن بأنّ الذي لم يقتل عن طريق القصاص، فإنّه ليس من الضرورة أن يموت لولا القصاص[22].

الرأي الثاني: إنّ المقتول أو الميت بسبب كالزلزال أو الغرق أو… تخرج روحه من جسده نتيجة القتل أو ذلك السبب، ولولا القتل أو ذلك السبب لبقي هذا الشخص حيّاً لا محالة[23].

يرد عليه: لا يوجد أي دليل معتبر على لزوم بقاء هذا الشخص حيّاً لولا القتل أو الموت بسبب من الأسباب، لأنّ خروج الروح من الجسد بيد اللّه تعالى، ولا يمكن الحتم ببقاء حياة أي شخص في أي وقت، ولهذا يحتمل لمن لم يقتل أو يمت بذلك السبب أن يقبض اللّه روحه في نفس ذلك الوقت[24].

الرأي الثالث: إنّ المقتول يحتمل أن يكون وقت قتله هو انتهاء أجله المقرّر أن يموت فيه، ويحتمل أن لا يكون ذلك فيعيش لو لم يقتل، وكذلك الحكم بالنسبة إلى من يموت بسبب من الأسباب، وهذا الرأي هو الرأي الصحيح[25].

الدليل: إنّ هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة آراء، وحيث ثبت بطلان الرأي الأوّل والثاني، ثبت صحّة هذا الرأي.

الاستنتاج

تتناول المقالة مفهوم الأجل من حيث معناه وأقسامه، حيث يُعرَّف الأجل بأنه الفترة الزمنية المحددة لحياة كل كائن حي، وينقسم الأجل إلى نوعين: أجل محتوم يعلمه الله، وأجل غير محتوم يتوقف على شروط محددة، كما تشير المقالة إلى أن الأفعال الإنسانية، مثل الإحسان وصلة الرحم، يمكن أن تؤثر على طول العمر، وتناقش المقالة أيضًا مسألة الأجل في سياق القتل والأسباب المؤدية للموت، حيث تطرح آراء متعددة حول ما إذا كان المقتول كان سيعيش لو لم يُقتل.

الهوامش

[1] انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص79، مادة أجل.

[2] انظر: الصدوق، التوحيد، ص368، العلاّمة الحلّي، مناهج اليقين، ص259.

[3] ورد هذا التقسيم في أحاديث أئمة أهل البيت (ع)، وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) أنّه قال حول أقسام الآجال: «… هما أجلان: أجل موقوف يصنع اللّه ما يشاء وأجل محتوم». المجلسي، بحار الأنوار، ج5، كتاب العدل والمعاد، باب 4، الآجال، ح9، ص140.

[4] الأعراف، 34.

[5] الحجر، 5.

[6] المنافقون، 11.

[7] نوح، 4.

[8] الأنعام، 2.

[9] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، كتاب الطهارة، باب 11، باب استحباب الوضوء، ح3، ص383.

[10] المجلسي، بحار الأنوار، ج69، كتاب الإيمان والكفر، باب 38، ح117، ص408.

[11] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، كتاب العدل والمعاد، باب 4، الآجال، ح7، ص140.

[12] الكوفي، الزهد، باب 5، باب بر الوالدين، ح87، ص33.

[13] النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج12، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف، باب 32، ح2، ص421.

[14] الصدوق، الأمالي، مجلس 37، ح308، ص278.

[15] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، كتاب العدل والمعاد، باب 4، الآجال، ح12، ص141.

[16] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج24، كتاب الأطعمة والأشربة، باب 112، ح5، ص433.

[17] نسب هذا الرأي إلى أبي الهذيل العلاف والمجبرة وقوم من الحشوية. انظر: الشريف المرتضى، شرح جمل العلم والعمل، ص244، الحمصي، المنقذ من التقليد، ج1، ص356.

[18] انظر: الطوسي، الاقتصاد، ص172، الحمصي، المنقذ من التقليد، ج1، ص357.

[19] انظر: الحمصي، المنقذ من التقليد، ج1، ص358.

[20] انظر: الشريف المرتضى، الذخيرة، ص264، الحمصي، المنقذ من التقليد، ج1، ص358.

[21] البقرة، 179.

[22] انظر: العلاّمة الحلّي، مناهج اليقين، ص260.

[23] نسب هذا الرأي إلى جماعة المعتزلة البغداديين. انظر: الحمصي، المنقذ من التقليد، ج1، ص356.

[24] انظر: الطوسي، الاقتصاد، ص172.

[25] انظر: الصدوق، التوحيد، ص368، الشريف المرتضى، الذخيرة، ص263.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ ابن منظور، محمّد، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، طبعة 1405 ه‍.

3ـ الحر العاملي، محمّد، وسائل الشيعة، تصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1403 ه‍.

4ـ الحلّي، الحسن، مناهج اليقين في أُصول الدين، طهران، دار الأُسوة، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍.

5ـ الحمصي، محمود، المنقذ من التقليد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1412 ه‍.

6ـ السيّد المرتضى، علي، الذخيرة في علم الكلام، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1411 ه‍.

7ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.

8ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.

9ـ الطوسي، محمّد، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، طهران، مكتبة جامع جهلستون، طبعة 1400 ه‍.

10ـ الكوفي، الحسين بن سعيد، الزهد، تحقيق ميرزا غلام رضا عرفانيان، قم، المطبعة العلمية، الطبعة الأُولى، 1399 ه‍.

11ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.

12ـ النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، بيروت، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1408 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، العدل عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، طبعة 1432 ه‍.