أنجب الإمام الكاظم (ع) الذرية الطاهرة والنسل الطيب فكانوا من خيرة المسلمين ـ في ذلك العصر ـ تقوى وصلاحا وهديا وورعا وابتعادا عن مآثم الحياة وأباطيلها، وقد نشأ الكثيرون منهم نشأة دينية كاملة، لأن الإمام الكاظم (ع) قد وجههم الوجهة الصالحة فسكب في نفوسهم المثل العليا، والإيمان بالله والتفاني في سبيل العقيدة، والعمل على خدمة الحق.

وقال الشيخ الطبرسي: إن لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى له فضلاً ومنقبة مشهورة[1].

لقد ورثوا الفضل والشرف والمجد عن آبائهم، فكانوا في سلوكهم وهديهم أمثلة رائعة للفضيلة والكمال.

واندفع بعضهم إلى إعلان الثورة على حكومة بني العباس لأجل إسعاد المسلمين، وإنقاذهم من جور العباسيين واستبدادهم.

ونقدم عرضاً موجزاً لتراجم من عثرنا على ترجمته من أبنائه:

1ـ الإمام الرضا (ع)

هو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وقد أحيى الله به الإسلام، وأعزّ به المسلمين، فكان (ع) من المجددين لهذا الدين، والمجاهدين في سبيله.

وكان الإمام الرضا (ع) على غرار آبائه في عبقرياته ومواهبه العلمية، وقد أجمع الرواة على أنه كان أعلم أهل عصره، وقد أفتى الناس بمسجد جده رسول الله (ص) وهو ابن نيف وعشرين سنة.

وقال عبد السلام بن صالح الهروي: «ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلا أقرّ له بالفضل، وأقر له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا عين الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم، وبعثوا إلى المسألة فأجيب عنها[2].

وقد عني محمد بن عيسى بتدوين المسائل التي سئل عنها الإمام الرضا، فكانت ثمانية عشر ألف مسألة[3].

2ـ إبراهيم الأكبر

والشيء الذي يدعو إلى البحث والاستقصاء هو أن طائفة من المؤرخين ذهبوا إلى أن المسمى بإبراهيم من أبناء الإمام إنما هو شخص واحد، وليس له ابن آخر يسمى بهذا الاسم، وذهب آخرون إلى التعدد، ونصوا على أنهما اثنان يلقب أحدهما بالأكبر، والآخر بالأصغر.

وكان إبراهيم الأكبر سيداً جليلاً، عظيم الشأن… ومن علماء عصره البارزين، وروى الحديث عن آبائه.

ونقل ابن شدقم عن جده أن إبراهيم كان عالماً، فاضلاً، كاملاً، من أئمة الزيدية، وكان شيخاً جليلاً كبيراً كريماً[4].

وقال الشيخ المفيد: «كان إبراهيم شيخاً كريماً»[5].

ومما يدل على نباهة شأنه أن الإمام الكاظم (ع) جعله من جملة أوصيائه في الظاهر لأجل التنويه باسمه والتشريف له، وإعلاء مكانته.

وانتقل السيد الزكي إبراهيم إلى جوار ربه في بغداد سنة ٢١٣ ه‍.

وقد أجمع المترجمون له أنه مات مسموماً، وأن المأمون هو الذي دس إليه السم، وقد شيع جثمانه المقدس بتشييع حافل، وأنزله في ملحودة قبره الفقيه ابن السماك.

دفن جثمانه الطاهر بالقرب من قبر أبيه الإمام الكاظم (ع).

3ـ إبراهيم الأصغر

يلقب بالمرتضى، وهو أصغر ولد أبيه، وأمه نوبية اسمها نجية.

وذكر العبيدلي النسابة أن إبراهيم الصغير ابن الكاظم كان عالماً عابداً، وليس هو صاحب أبي السرايا، وإنما ذاك أخوه إبراهيم الأكبر[6].

ونصت بعض المصادر أنه ظهر في اليمن أيام أبي السرايا.

وهو المعقب المكثر جد المرتضى والرضي، وجد الأشراف الموسوية.

دفن في كربلاء خلف قبر جده الحسين بستة أذرع.

وقيل: توفي في بغداد في الجانب الشرقي، ودفن في مقبرة باب راز.

4ـ أحمد

أمه أم ولد، وهي أم أخويه محمد وحمزة.

مكانته عند أبيه: كان الإمام الكاظم (ع) يعتني كثيرا بولده أحمد، وكانت له المنزلة السامية عنده، فكان يقدمه على بعض أولاده، ووهب له بعض ضياعه، وجعله من جملة أوصيائه في الظاهر.

تقواه وعبادته: كان أحمد من عيون المتقين والصالحين، وقد أعتق ألف مملوك، متقرباً بها إلى الله تعالى[7].

ومما يدل على صلاحه وورعه أنه لما شاع خبر وفاة الإمام الكاظم في المدينة اجتمع أهلها على باب أم أحمد، وخرج الناس ومعهم أحمد وقد ظنوا أنه الإمام من بعد أبيه وذلك لما عليه من الجلالة ووفور العبادة، وإظهار تعاليم الإسلام، فظنوا أنه هو الخليفة والإمام بعد أبيه، فبايعوه بالإمامة فأخذ منهم البيعة، وصعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة كانت في منتهى البلاغة والفصاحة.

ثم قال: أيها الناس، كما أنكم جميعاً في بيعتي، فإنّي في بيعة أخي علي بن موسى الرضا، واعلموا أنه الإمام والخليفة من بعد أبي وهو ولي الله، والفرض علي وعليكم من الله والرسول طاعته بكل ما يأمرنا. فكل من كان حاضراً خضع لكلامه، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد، وحضروا عند الإمام الرضا (ع)، فأقروا بإمامته[8].

وفي هذا الخبر دلالة على إيمانه وتقواه.

مع أبي السرايا: ونصت بعض المصادر أن أحمد كان من جملة الخارجين مع أبي السرايا، فقد حدث إبراهيم وإسماعيل ابنا أبي سمال، قالا: «لما كان من أمر أبي الحسن ما كان كنا نأتي إلى أحمد ابنه زماناً، فلما خرج أبو السرايا خرج أحمد معه، فقصد محمد بن أحمد بن أسيد، إبراهيم وإسماعيل، فقال لهما: إن هذا الرجل قد خرج مع أبي السرايا فما تقولان؟

فأنكرا ذلك منه ورجعا عنه، وقالا: أبو الحسن حتى نثبت على الوقف.

وذهب بعضهم أن خروجه مع أبي السرايا قادح في عدالته[9].

ولكنا نشجب ذلك نظراً لتوثيق الشيخ المفيد وغيره من العلماء الأعلام له.

وفاته: والمشهور أنه توفي وفاة طبيعية، والمعروف أنه توفي في شيراز ودفن هناك. ويُعرف قبره قبل بسيد السادات، ويُعرف الآن بـ «شاه چراغ».

5- إسحاق

يلقب بالأمين، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الرضا (ع)[10].

توفي في المدينة سنة ٢٤٠ ه‍ ودفن بها، وذكر حمد الله المستوفي أنه توفي في ساوة ودفن بها.

6ـ إسماعيل

من عيون علماء عصره، وفي طليعة المتقين والصالحين، كان أميراً على فارس من قبل أبي السرايا، وبعد فشل الحركة سكن مصر، وسكنها من بعده أولاده وأحفاده.

ومما يدل على سمو مكانته وتقواه أنه لما توفى صفوان بن يحيى أمره الإمام أبو جعفر بالصلاة عليه، والنيابة عنه في ذلك[11]. ألف عدة من الكتب رواها عن آبائه.

ومن أجل كتبه التي يعوّل عليها «الجعفريات»، وذكر النوري: أن الجعفريات من الكتب القديمة المعروفة المعوّل عليها[12].

وقد استدل علماؤنا الأعلام على مدحه، وغزارة علمه وفضله بكثرة تأليفه.

توفي في مصر ودفن بها.

7ـ جعفر

يكنى أبا الحسن، أمه أم ولد، ويُعرف بالخواري، نسبة إلى خوار، وهي إحدى قرى مكة المعظمة، كان ينزلها في أكثر أوقاته، فنسب إليها هو وبنوه، فقيل لهم: الخواريون، ويقال لهم: الشجريون أيضاً، لأنهم ينزلون في المواضع الكثيرة الشجر.

وقد أعقب ١٤ ولداً الذكور ستة، والإناث ثمان[13].

8ـ الحسن

أمه أم ولد، عقبه قليل جداً. قال أبو نصر البخاري: والحسن بن موسى له ولد يسمى جعفراً من أم ولد، يقال: إنّه أعقب، ويقال غير ذلك، وقال ابن طباطبا وأبو الحسن العمري: أعقب الحسن بن موسى بن جعفر وحده، وأعقب جعفر من ثلاث: محمد، والحسن، وموسى[14].

٩- الحسين

يلقب بالسيد علاء الدين، وكان سيداً جليل القدر، رفيع الشأن، ومما يدل على سمو مكانته رواية البزنطي، فقد جاء فيها أنه سئل الإمام الجواد: أي عمومتك أبر بك؟

فقال: الْحُسَيْنُ.

قال الإمام علي الرضا (ع): صَدَقَ وَاللهِ، هُوَ وَاللَّهِ أَبَرُّهُمْ بِهِ وَأَخْبَرُهُمْ[15].

قال البراقي: توفي بالكوفة ودفن بالعباسية، ويقع قبره بالقرب من أم البعرور، ويعرف عند المجاورين له بقبر الحسن[16].

10ـ حمزة

يكنى أبا القاسم، أمه أم ولد، كان عالماً فاضلاً، كاملاً، مهيباً، جليلاً، رفيع المنزلة، عالي المرتبة، مقدراً عند الخاصة والعامة، سافر مع أخيه الإمام علي الرضا (ع) إلى خراسان، وكان واقفاً في خدمته، ساعياً في مآربه، طالباً لرضائه، ممتثلاً لأمره، فلما وصل إلى (سو سعد) إحدى قرى (ترشز) خرج عليهم قوم من أتباع المأمون فقتلوه، وقبره في (بستان)، وقد أعقب ولدين: أحدهما علي، والآخر أبا محمد القاسم. وإليه تنتمي السادة الصفوية[17].

وصرحت بعض المصادر أن قبره في الري بالقرب من قبر السيد الجليل شاه عبد العظيم، وقيل: إنه مدفون في قم.

11ـ زید

أمه أم ولد، ويُعرف بزيد النار، وكان زيدياً في رأيه، أي أنه يذهب مذهب الزيدية في الخروج على السلطة، لا أنه يعتقد بإمامة الخارج كما هو مذهبهم، وكان مزاحاً.

وأجمع المترجمون لزيد أنه ممن خرج مع أبي السرايا، وأنه كان والياً من قبله على البصرة.

قيل: إنّه توفي في أيام المأمون، وأنه هو الذي سقاه السم، فمات منه[18].

وقيل: إنه عاش إلى آخر خلافة المتوكل، ومات بسر من رأى.

12ـ العباس

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم (ع)، وقال: إنه ثقة، وشجب بعضهم وثاقته وعدالته نظراً لمخاصمته للإمام الرضا (ع) ومنازعته له بغير حق.

فقد روى الكليني في الكافي، في باب النص على إمامة الإمام الرضا وصية أبيه الإمام الكاظم (ع) له، وقد الزم الإمام أبناءه فيها بعدم فضها.

13ـ عبد الله

أمه أم ولد، ويُعرف بالعوكلاني، ويقال لولده العوكلانية، وحدث عنه علي بن إبراهيم، قال: لما توفي الإمام الرضا (ع) حججنا فدخلنا على أبي جعفر، وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر، فدخل عمه عبد الله بن موسى، وكان شيخاً كبيراً نبيلاً، عليه ثياب خشنة، وبين عينيه أثر السجود، فجلس، وخرج أبو جعفر وعليه قميص قصب، ورداء قصب، وفي رجليه نعل أبيض.

فقام إليه عبد الله فاستقبله، وقبل ما بين عينيه، وقامت إليه الشيعة تكريماً وإجلالاً له، فجلس أبو جعفر على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض نظراً لحداثة سن الإمام، فقد كان عمره آنذاك تسع سنين.

وانبرى رجل من القوم فتقدم إلى عبد الله فقال له: ما تقول أصلحك الله في رجل أتي بهيمة؟

فأجابه عبد الله: تقطع يمينه، ويضرب الحد.

ولما سمع الإمام الجواد (ع) بهذه الفتوى التي لا تتفق مع الشريعة الإسلامية غضب، وقال له: يا عَمِّ، اتَّقِ اللَّهَ، إِنَّهُ لَعَظيمٌ أَنْ تَقِفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولَ لَكَ: لِمَ أَفْتَيْتَ النَّاسَ بِمَا لَا تَعْلَمُ.

فقال له عبد الله: أليس قال هذا أبوك؟

فقال أبو جعفر: إِنَّمَا سُئِلَ أَبِي عَنْ رَجُلٍ نَبَشَ قَبْرَ امْرَأَةٍ فَنَكَحَهَا، فَقَالَ أَبِي: تُقْطَعْ يَمِينُهُ لِلنَّبْشِ، وَيُضْرَبْ حَدَّ الزِّنَا، فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمَيْتَةِ كَالْحَيَّةِ.

فقال عبد الله: صدقت يا سيدي، استغفر الله، وتعجب الناس، وأقبلوا على الإمام يسألونه وهو يجيبهم[19].

وهذه الرواية وإن دلت على تسرع عبد الله وخطئه في المسألة الفقهية، ولكن إظهاره الندم وتصاغره أمام الإمام يرفع عنه ذلك القدح، ويرفعه إلى مدارج الأولياء والمتقين، هذا ولم تعين لنا المصادر التي بأيدينا الزمان الذي توفي فيه، والمحل الذي دفن فيه.

14ـ عبيد الله

أمه أم ولد، وقد أعقب ثلاث بنات، وثمانية رجال[20].

وإليه ينتمي كثير من البيوتات العلوية الرفيعة الشأن، الجليلة القدر، وقد توفي بالكوفة ودفن بها.

15ـ القاسم

فرع زاك من فروع الإمامة، ونفحة قدسية من نفحات النبوة، وحيد عصره في تقواه وصلاحه، ومحنته وبلائه، ونعرض فيما يلي إلى بعض شؤونه:

حب الإمام (ع) له: كان الإمام الكاظم (ع) يكن في نفسه أعظم الحب والود لولده القاسم لما يراه منه من الهدي والصلاح، وما يتمتع به من الفضل والقابليات الفذة، فكان (ع) يثني عليه ویشید به، ويقدمه على سائر أبنائه، ما عدا ولده الإمام الرضا (ع)، فقد روى يزيد بن سليط، قال: طلبت من الإمام الكاظم (ع) أن يعين لي الإمام من بعده.

فقال: أخْبِرُكَ يا أَبَا عِمارَةَ إِنِّي خَرَجْتُ فَأَوْصَيْتُ إِلَى ابْنِي عَلِيَّ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لي لَجَعَلْتُهُ فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي وَرَأْفَتِي عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى[21].

ولم يمنح الإمام الكاظم (ع) هذا الحب للقاسم إلا لأنه رآه من خيرة أبنائه ورعاً وتقوى وتحرجاً في الدين.

هربه من السلطة: ولما أمعن هارون في تتبع العلويين وقتلهم وإرهاقهم نزح القاسم من يثرب مختفياً كاتماً لاسمه حتى لا يُعرف، فانتهى إلى (سورى) فأقام فيها غريباً مشرداً عن أهله ووطنه، خائفاً على نفسه، وقد كتم أمره لئلا يعرفه أحد، ولم تعطنا المصادر الموثوق بها شيئاً عن سيرته، وما جرى عليه في غربته.

وفاته: وأقام القاسم في (سورى) طيلة حياته القصيرة الأمد، وهو يعاني ألم الغربة والخوف من السلطة، وقد أحاطت به الهواجس، وراودته الآلام القاسية التي جرت على أهله وأسرته، وكان أعظم ما يحز في نفسه ما حلّ بأبيه موسى من الرزء القاصم، واعتقاله في ظلمات السجون، وتشريد إخوانه، وغير ذلك من النكبات والأرزاء، وقد نخر الحزن قلبه، وأضناه السقام، حتى دنا إليه الموت وهو في فجر الصبا وريعان العمر.

ولما شعر بدنو الأجل المحتوم والقدوم على الله، عرف نفسه، فقد فات ما كان يحذر منه، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة، فوالهفتاه على ما عاناه أبناء النبي (ص) من المحن والخطوب التي لم يعهد لها نظير في فظاعتها ومرارتها.

وقام المسلمون في تلك المنطقة وهم يذرفون الدموع على تقصيرهم تجاه حفيد نبيهم الذي لم يوفوه حقه لجهلهم به، وواروا جثمانه الطاهر في مقره الأخير، وقد واروا معه العلم والتقوى والصلاح.

مرقده: أما مرقده فيقع في (سورى) وتُعرف البقعة الطيبة في هذا الوقت بناحية القاسم، فقد نسبت إلى اسمه الشريف، وهي إحدى نواحي قضاء الهاشمية التابع إلى محافظة بابل – الحلة سابقاً.

استحباب زيارته: ونص السيد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة المرقد الطاهر، وقرنه بزيارة قبر العباس بن أمير المؤمنين (ع)، وبزيارة علي الأكبر نجل الإمام الحسين (ع)، وذكر له زيارة خاصة.

16ـ محمد

يكنى أبا إبراهيم، كان كريماً جليلاً، موقراً، يُعرف بالعابد لكثرة وضوئه وصلاته، فكان في كل ليلة يتوضأ ويصلي، ويرقد قليلاً ثم يقوم لعبادة الله تعالى حتى ينبلج نور الصبح، قال بعض شيعة أبيه: ما رأيته قط إلا وذكرت قول الله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[22].

وقال الرواة: إنه دخل شيراز واختفى بها، وأخذ يستنسخ القرآن الكريم، ومن أجرته أعتق ألف مملوك.

أعقب سبعة أولاد، منهم أربع بنات، والرجال: جعفر، ومحمد، وإبراهيم الذي يُعرف بالمجاب، وسبب تلقيبه بذلك – فيما يقول المؤرخون – إنه سلّم على قبر جده الإمام الحسين (ع)، فسمع صوت من القبر الشريف: وعليك السلام يا ولدي[23].

وقد ظهر على العباسيين واستولى على الجزيرة، وقد دفن بجوار جده الإمام الحسين (ع).

17ـ هارون

قيل: إن الحكومة العباسية ضغطت عليه، ووقعت بينه وبين الشرطة مصادمة أدت إلى إصابته ببعض الجراحات، ففر هارباً إلى شهرستان، فلجأ إلى قرية هناك فيها مزارع، وقد أصابه الضعف، فقام صاحب المزرعة بمعالجته حتى برئ، وأقام هناك مدة من الزمن حتى شاع أمره.

فبينما هو يتناول الطعام إذ هجمت عليه شرطة المأمون فقتلوه، ودفن هناك.

والمشهور أنه توفي في إحدى قرى طالقان، ودفن هناك، وله مرقد يزار.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن تراجم السادة من أولاد الإمام الكاظم (ع)، وبقي علينا أن نشير إلى تراجم بعض السيدات من بناته:

1ـ آمنة

توفيت في مصر، وقبرها هناك يزار.

2ـ حكيمة

أمرها أخوها الإمام الرضا (ع) بأن تحضر عند الخيزران أم الإمام الجواد عند ولادتها به، وقد روت كيفية ولادته، وما جرى له من المعجز آنذاك[24].

3ـ فاطمة

وهي الشهيرة بالسيدة معصومة، وقد روت هي وأختاها زينب وأم كلثوم حديثاً في فضل جدهن أمير المؤمنين، وفي فضل شيعته.

وكانت تحب أخاها الرضا حباً شديداً، ولما حمله المأمون إلى مرو ليعهد له بولاية العهد خرجت فاطمة في أثره، وذلك في سنة ٢٠١هـ، فلما وصلت إلى (ساوة) مرضت، فسألت عن المسافة التي بينها وبين قم، فقالوا لها عشرة فراسخ، فأمرت بحملها إلى قم، فحملت إليها، ونزلت في بيت موسى بن خزرج الأشعري.

وقيل: إن أهالي قم استقبلوها، فلما وصلت أخذ موسى بن خزرج بزمام ناقتها وأقدمها إلى داره، وكانت عنده سبعة عشر يوماً ثم توفيت، فأمر بتغسيلها وتكفينها، وصلى عليها ودفنها في أرض كانت له، وبنى على مرقدها سقيفة من البواري إلى أن بنت عليها زينب بنت محمد بن علي الجواد عليها قبة[25].

وحدث الحسن بن محمد القمي عن فضل زيارتها، قال: «كنت عند الإمام جعفر الصادق (ع)، فقال: إِنَّ لِلَّهِ حَرَماً وَهُوَ مَكَّةَ، وَلِرَسُولِهِ حَرَماً وَهُوَ الْمَدِينَةُ، وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَماً وَهُوَ الْكُوفَةُ، وَلَنا حَرَماً وَهُوَ قُم، وَسَتُدْفَنُ فِيهِ امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي تُسَمّى فَاطِمَةُ، مَنْ زَارَها وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.

قال ذلك قبل ولادة الإمام الكاظم[26].

وفي بعض كتب التاريخ: أن القبة التي على ضريحها المقدس قد بنيت سنة ٥٢٩ ه‍ بأمر المرحومة السيدة شاه بيكم بنت عماد بيك، وأما تذهيب القبة مع بعض الجواهر الموضوعة على القبر فهي من آثار السلطان فتح علي شاه القاجاري.

4ـ فاطمة الصغرى

قبرها في (بادكوبه) يقع في وسط مسجد بناؤه قديم.

هذا مجموع ما عثرنا عليه من تراجم السادة والسيدات من أبناء الإمام الكاظم (ع).

الاستنتاج

أن الإمام الكاظم (ع) أنجب ذرية طاهرة، تميزت بالتقوى والصلاح، حيث نشأ العديد منهم في بيئة دينية، وكان الإمام الرضا (ع) أبرز أبنائه، كما أنجب (ع) أبناءً آخرين مثل إبراهيم الأكبر والأصغر، وأحمد، وإسحاق، وجعفر، والحسن، والحسين، وزيد، وعباس، وعبد الله، والقاسم، ومحمد، وتميز أبناؤه بالعلم والورع، وشارك بعضهم في ثورات ضد ظلم العباسيين، رغم عدم نجاحهم، كما أن بناته تركن أثرًا عظيما مثل السيدة فاطمة المعصومة (س).

الهوامش

[1]  الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص37.
[2]  الأربلي، كشف الغمة، ج3، ص111.
[3]  ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص461.
[4]  انظر: الأمين، أعيان الشيعة، ج8، ص50.
[5]  المفيد، الإرشاد، ج2، ص245.
[6]  الأمين، أعيان الشيعة، ج٢، ص٢٢٧.
[7]  المفيد، الإرشاد، ج٢، ص٢٤٥.
[8]  المجلسي، بحار الأنوار، ج48، ص308.
[9]  الأمين، أعيان الشيعة، ج3، ص192.
[10]  الطوسي، رجال الطوسي، ص352، رقم 5219.
[11]  بحر العلوم، الفوائد الرجالية، ج2، ص120.
[12]  النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص15.
[13]  ابن عنبة، عمدة الطالب، ص218.
[14]  ابن عنبة، عمدة الطالب، ص197.
[15]  المجلسي، بحار الأنوار، ج49، ص219.
[16]  البراقي، تاريخ الكوفة، ص٥٦.
[17]  ابن شدقم، تحفة الأزهار، ج2، ص323.
[18]  ابن عنبة، عمدة الطالب، ص221.
[19]  المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص85.
[20]  المجلسي، بحار الأنوار، ج48، ص285.
[21]  الكليني، الكافي، ج1، ص314، ح14.
[22]  الذاريات، 17.
[23]  الأمين، أعيان الشيعة، ج2، ص٢٢٤.
[24]  ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص499.
[25]  المجلسي، بحار الأنوار، ج48، ص290.
[26]  المجلسي، بحار الأنوار، ج48، ص37.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.
2ـ ابن شدقم، ضامن، تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار علیهم ‌صلوات ‌الملك ‌الغفار، تحقيق كامل سلمان الجبوري، طهران، دفتر نشر ميراث مكتوب، طبعة 1420 ه‍.
3ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 ه‍.
4ـ ابن عنبة، أحمد، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، الطبعة الثانية، 1380 ه‍.
5ـ الأربلي، علي، كشف الغمة في معرفة الأئمّة، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1421 ه‍.
6ـ الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، بيروت، دار التعارف، بلا تاريخ.
7ـ بحر العلوم، محمّد مهدي، الفوائد الرجالية، تحقيق محمّد صادق بحر العلوم، طهران، مكتبة الصادق، الطبعة الأُولى، 1363 ش.
8ـ البراقي، حسين، تاريخ الكوفة، تحقيق ماجد بن أحمد العطية، النجف، انتشارات المكتبة الحيدرية، الطبعة الأُولى، 1424 ه‍.
9ـ الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا (ع)، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، طبعة 1404 ه‍.
10ـ الطبرسي، الفضل، إعلام الورى بأعلام الهدى، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.
11ـ الطوسي، محمّد، الأبواب، المعروف برجال الطوسي، قم، تحقيق جواد القيّومي الإصفهاني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍.
12ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
13ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.
14ـ المفيد، محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأُولى، 1413 ه‍.
15ـ النوري، حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، بيروت، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1408 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

القرشي، باقر، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، تحقيق مهدي باقر القرشي، النجف، دار المعروف، الطبعة الثانية، 1433 ه‍، ج29، ص373 ـ ص436.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *