- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 3 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
زوّد الإمام الباقر ( عليه السلام ) تلميذه العالم جابر بن يزيد الجعفي ، بهذه الوصية الخالدة الحافلة بجميع القيم الكريمة ، والمثل العليا التي يسمو بها الإنسان فيما لو طبّقها على واقع حياته ، وهذا بعض ما جاء فيها :
( أوصيك بخمس : إن ظلمت فلا تظلم ، وإن خانوك فلا تخن ، وإن كذبت فلا تغضب ، وإن مدحت فلا تفرح ، وإن ذممت فلا تجزع ، وفكّر فيما قيل فيك ، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله جلّ وعزّ عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة ممّا خفت من سقوطك من أعين الناس ، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك ، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك .
واعلم بأنّك لا تكون لنا ولياً حتّى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا : إنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنّك رجل صالح لم يسرّك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فإن كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه ، فاثبت وأبشر ، فإنّه لا يضرّك ما قيل فيك ، وإن كنت مبائناً للقرآن ، فماذا الذي يغرّك من نفسك .
إنّ المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرّة يقيم أودها ويخالف هواها في محبّة الله ، ومرّة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش ، ويقيل الله عثرته فيتذكر ، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ، وذلك بأنّ الله يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) .
يا جابر ، استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلّصاً إلى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراءً على النفس وتعرّضاً للعفو .
وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرّز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدّة التيقّظ ، واستجلب شدّة التيقّظ بصدق الخوف ، وأحذر خفي التزين بحاضر الحياة ، وتوقّ مجازفة الهوى بدلالة العقل ، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء .
وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص ، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل ، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلّص إلى راحة النفس بصحّة التفويض ، واطلب راحة البدن باجمام القلب ، وتخلّص إلى اجمام القلب بقلّة الخطأ .
وتعرّض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن ، وتحرّز من إبليس بالخوف الصادق ، وإيّاك والرجاء الكاذب ، فإنّه يوقعك في الخوف الصادق .
وتزيّن لله عزّ وجلّ بالصدق في الأعمال ، وتحبّب إليه بتعجيل الانتقال ، وإيّاك والتسويف ، فإنّه بحر يغرق فيه الهلكى ، وإياّك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، وإيّاك والتواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون .
واسترجع سالف الذنوب بشدّة الندم ، وكثرة الاستغفار ، وتعرّض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء ، والمناجاة في الظلم .
وتخلّص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق ، واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، والتوسّل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العزّ بإماتة الطمع ، وادفع ذل الطمع بعز اليأس ، واستجلب عزّ اليأس ببعد الهمّة .
وتزوّد من الدنيا بقصر الأمل ، وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة ، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحّة الأبدان ، وإيّاك والثقة بغير المأمون ، فإنّ للشر ضراوة كضراوة الغذاء .
واعلم أنّه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوّة كغلبة الهوى .
ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستصغارك للدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمّة ، ولا زهد كقصر الأمل ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات .
ولا عدل كالإنصاف ، ولا تعدّي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كأداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا مصيبة كعدم العقل ، ولا عدم عقل كقلّة اليقين ، ولا قلّة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلّة الحزن على فقد الخوف ، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ، ورضاك بالحالة التي أنت عليها .
ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوّة كردّ الغضب ، ولا معصية كحب البقاء ، ولا ذلّ كذلّ الطمع ، وإيّاك والتفريط عند إمكان الفرصة ، فإنّه ميدان يجري لأهله بالخسران … ) .