- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- توسط : المشرف
- 0 نظر
لقد أطبق المسلمون كافة على أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو كتاب الله الذي لم يأته ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وأنه مصون من التحريف بشكل لا يقبل الترديد كما صرح كبار علماء الطائفة الشيعية بذلك، وأن تحريف القرآن لا وجود له.
وصف أمير المؤمنين علي (ع) للقرآن
«واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يُضِلّ، والمحدّث الذي لا يكذب.. وإن الله سبحانه لم يَعِظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين، إذ فيه ربيع القلب وينابيع العلم، وما للقلب جلاءٌ غيره»[1].
إنّ مثل هذا الكتاب الذي ربّى الأجيال وصنع العظماء، وحضّر الاُمم، لم يتوان الحاقدون والحاسدون في عزل الاُمّة الإسلامية عنه وإن كان ذلك بالتشكيك في سلامة نصوصه ومحاولة النبز فيه بتسرّب التحريف إليه، وإلقاء الفتنة والعداوة والبغضاء بين المؤمنين به.. إنها الخطّة الشيطانية الماكرة لإحلال الزيغ محلّ الهدى وحرمان الأجيال الصاعدة من هذا المعين الإلهي الزاخر.
ولكن الله أبى إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
ولدراسة شبهة تحريف القرآن على أساس موضوعي بمقتضى ما تفرضه طبيعة الأشياء من نتائج، وذلك ضمن مبحثين:
المبحث الأول: مناقشة الفروض المحتملة لوقوع تحريف القرآن
لاشك أن القرآن أصبح معروفاً ومتداولاً بشكل واسع، ومدوناً بشكل مضبوط بعد عهد الخليفة عثمان، حيث تمت كتابة مجموعة من نسخ المصحف الشريف، وأرسل إلى الآفاق الإسلامية بشكل رسمي من أجل العمل بها وتداولها، حيث اُصدرت الأوامر الواضحة والمشددة بالمنع من تداول أي نسخة اُخرى غير هذه النسخ.
ولابد لنا من أجل إيضاح سلامة النص القرآني من التحريف، أن نذكر الحالات والأزمنة التي يمكن أن نفترض وقوع تحريف القرآن فيها، مع مناقشة كل واحدة منها. وهي كما يلي:
الحالة الاُولى: وهي وقوع تحريف القرآن في عهد الشيخين بصورة عفوية
فيمكن أن تُناقش من ناحيتين:
أ ـ إنّ أصل عملية الجمع والتدوين تمّت في زمن النبي (ص)، وحينئذ فإنّ القرآن الذي تمّ جمعه في عهد الرسول الأعظم (ص)، لا يمكن أن يكون إلاّ دقيقاً ومتقناً، لرعاية الرسول (ص) لجمعه، ومع وجود هذا القرآن، لا مجال لأن نتصور وقوع الغفلة أو الاشتباه من الشيخين، أو من غيرهما، كما لا يمكن أن نحتمل عدم وصول بعض الآيات إليهم.
ب ـ إنّ توفر عوامل عديدة لوجود القرآن الكريم بأكمله لدى جماعة كبيرة من المسلمين، يشكّل ضمانة حقيقية لوصول القرآن الكريم بكامله إلى الدولة في عهد الشيخين دون نقيصة، وهذه العوامل يمكن أن نلخّصها بالأسباب الآتية:
1ـ إنّ القرآن الكريم يعتبر من أروع النصوص الأدبية وأبلغها تعبيراً ومضموناً، وقد كان العرب ذوي اهتمام بالغ بهذه النصوص، لأنها تكوّن ثقافتهم الخاصة سواء من الناحية التعبيرية أو من الناحية الفكرية والاجتماعية، ونجد آثار هذا الاهتمام ينعكس على حياتهم الخاصة والعامة، فيحفظون الشعر العربي والنصوص الأدبية الاُخرى ويستظهرونها، ويعقدون الندوات والأسواق للمباراة والتنافس في هذه المجالات، وقد يصل بهم الاهتمام إلى درجة الاحتفاظ ببعض النصوص في أماكن مقدسة تعبيراً عن التقدير والإعجاب بهذا النص، كما يذكر ذلك بالنسبة إلى المعلقات السبع أو العشر في الكعبة الشريفة.
وقد دفعت هذه العادة الشائعة بين العرب المسلمين ـ حينذاك ـ كثيراً منهم الى حفظ القرآن الكريم واستظهاره.
2ـ إنّ القرآن الكريم كان يشكّل بالنسبة إلى المسلمين حجر الزاوية الرئيسة في ثقافتهم وأفكارهم وعقيدتهم. من هنا نعرف السرّ في اهتمام المسلمين بالقرآن اهتماماً متميّزاً عن سائر النصوص .
وكما أنّ هذا الأمر دفع النبي (ص) لتدوين القرآن الكريم لحفظه من الضياع، كذلك دفع المسلمين إلى استظهار القرآن الكريم وحفظه بدافع الاحتفاظ بأفكاره وثقافته ومفاهيمه والتعرف على السنن والتشريعات الإسلامية التي تضمنها.
3ـ إنّ القرآن الكريم ـ على أساس ما يحتويه من ثقافة ـ كان يعطي الجامع له تقديراً اجتماعياً بين الناس، يشبه التقدير الذي يحصل عليه العلماء من الناس في عصرنا الحاضر.
وتعتبر هذه الميزة الاجتماعية إحدى العوامل المهمة لتدارس العلوم وتحصيلها في جميع العصور الإنسانية، فمن الطبيعي أن تكون إحدى العناصر المؤثرة في استظهار القرآن الكريم وحفظه.
وقد حدّثنا التأريخ عن الدور الذي كان يتمتع به القرّاء في المجتمع الاسلامي بشكل عام، وعن القداسة التي خَلَعها المسلمون عليهم.
4ـ لقد كان النبي (ص) رائداً للاُمة الإسلامية وموجهاً لها، يحرّض المسلمين ويحثّهم على حفظ القرآن واستظهاره.
ونحن نعرف ما كان يتمتع به النبي (ص) من حب عظيم في نفوس كثير من المسلمين، وما كان يملكه من قدرة على التأثير في حياتهم وسلوكهم، الأمر الذي كان يدفع المسلمين إلى الاستجابة له في كثير من التوجيهات، دون الإلتفات إلى مدى لزومها الشرعي.
5ـ الثواب الجزيل الذي وضعه الله سبحانه لقرّاء القرآن وحفظته، ورغبة كثير من المسلمين حينذاك في الاستزادة من هذا الثواب، خصوصاً أنّهم كانوا جديدي عهد بالإسلام، فهم يحاولون أن ينعكس الإسلام على جميع تصرفاتهم.
وقد كان لبعض هذه العوامل أو جميعها تأثير بالغ الأهمية في حياة المسلمين، حيث حدثنا التأريخ الإسلامي عن وجود جماعات كثيرة من المسلمين، عرفوا بالقرّاء من ذوي العقيدة الصلدة، كان لهم دورهم في الحياة الاجتماعية، وميزتهم في ترجيح جانب آخر عند الخلافات السياسية التي عاشها المسلمون.
6ـ إضافة إلى ذلك تفرض طبيعة الأشياء أن يكون قد دَوَّن القرآن الكريم وكتبه كل مسلم عنده القدرة على التدوين والكتابة، لأن أيّ جماعة أو اُمة تهتم بشيء وترى فيه معبّراً عن جانب كبير من جوانب حياتها، فهي تعمل على حفظه بوسائل شتى، ولاشك أن الكتابة ـ عند من يتقنها ـ من الممكن التوفّر عليها.
ولذلك نجد بعض النصوص تُشير إلى وجود عدد من المصاحف، أو قطعات مختلفة منه عند كثير من الصحابة.
ولابد لنا أن ننتهي إلى أنّ القرآن الكريم بسبب هذه العوامل، كان موجوداً في متناول الصحابة، ولم يكن من المعقول فرض تحريف القرآن نتيجة الغفلة أو الاشتباه، أو عدم وصول بعض الآيات القرآنية.
الحالة الثانية: وهي وقوع تحريف القرآن في عهد الشّيخين بشكل مدروس
فإنّها فرضية غير صادقة إطلاقاً، لأن دراسة عهد الشيخين والظروف المحيطة بهما تجعلنا ننتهي إلى هذا الحكم وتكذيب هذه الفرضية، ذلك لأن تحريف القرآن المتعمد يمكن أن يكون لأحد السببين الآتيين:
أولاً: أن يكون بسبب رغبة شخصية في تحريف القرآن.
ثانياً: أن يكون بدافع تحقيق أهداف سياسية، كأن يفرض وجود آيات قرآنية تنص على موضوعات ومفهومات خاصة، تتنافى مع وجودهما أو متبنياتهما السياسية، مثل النص على علي (ع)، أو الطعن بهما.
أمّا بالنسبة إلى السبب الأوّل، فنلاحظ عدة اُمور:
1ـ إنّ قيام الشيخين بذلك يعني في الحقيقة نسف القاعدة التي يقوم عليها الحكم حينذاك، حيث إنّه يقوم على أساس الخلافة لرسول الله (ص)، والقيمومة على الاُمة الإسلامية، وليس من المعقول أن يقدما على تحريف القرآن، ويعملا على معاداة الإسلام، دون تحقيق أيّ مكسب دينيّ أو دنيوي، وهل يعني ذلك إلا فتح الطريق أمام المعارضة التي كانت موجودة، لتشنّ هجوماً مركّزاً يملك أقوى الأسلحة التي يمكن استخدامها حينذاك؟!
2ـ إنّ الاُمة الإسلامية كانت تشكّل حينذاك ضمانة اجتماعية وسياسية قوية، تمنع قيام أحد من الناس مهما يمتلك من قدرة وقوة بمثل هذا العمل المضاد للإسلام، دون أن يكون لهذا العمل رد فعل قوي في صفوفها، لأن المسلمين كانوا ينظرون إلى القرآن الكريم على أنّه شيء مقدس غاية التقديس، وأنّه كلام الله سبحانه الذي لا يقبل أيّ تغيير أو تبديل، حتّى من قبل الرسول نفسه (ص) كما أكّد ذلك القرآن الكريم[2].
كما أنّهم ناضلوا وجاهدوا في سبيل مفاهيم القرآن وآياته وأحكامه، التي كانت تعايش حركتهم لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، وضحوا بأنفسهم من أجل هذا الدين الجديد، الذي كان يشكّل التصرّف في القرآن ـ في نظرهم ـ خروجاً عنه وارتداداً عن الإلتزام به.
3ـ إنّ الحكم في عهد الشيخين، لم يسلم من وجود المعارضة التي كانت ترفع أصواتها أحياناً من أجل خطأ يقع فيه الخليفة في تطبيق بعض الأحكام، ومع هذا لا نجد في التأريخ أيّة إشارة إلى الاحتجاج أو ما يشبه الاحتجاج، على ما يشير إلى وقوع هذه الفرضية، فكيف يمكن أن تسكت المعارضة في كلامها وأقوالها زمن الشيخين أو بعدهم عن كل ذلك لو انّه كان قد حصل؟!
ومن هنا يتضح موقفنا من السبب الثاني:
فأوّلاً: إنّ وعي الاُمة ونظرتها المقدسة للكتاب ـ وصلته بالله بشكل لا يقبل التغيير ـ لا يسمح بوقوع مثل هذا العمل مطلقاً.
ثانياً: إنّ المعارضة لا يمكن أن تترك هذه الفرصة تمر دون أن تستغلها في صراعها مع الخليفة، مع انّنا لا نجد إشارة إلى ذلك في كلامهم.
ثالثاً: إنّ هناك نصوصاً سياسية واسعة تضمّنت ملاحظات حول تصرفات الخليفة أبي بكر وعمر ـ مثل المناقشة السياسية التي شنّتها الزهراء (س)، ومن بعدها أمير المؤمنين (ع) وجماعته المؤمنون بإمامته ـ لم تتناول أيّ نص قرآني غير مدوّن في القرآن الكريم الموجود بين أيدينا، ولو كان مثل هذا النص موجوداً في القرآن، لكان من الطبيعي أن يستعملوه أداة لكسب المعركة إلى جانبهم، وإظهار الحق الذي ناضلوا من أجله.
الحالة الثالثة: وهي وقوع تحريف القرآن في عهد عثمان
فهي تبدو أكثر استحالة وبعداً عن الحقيقة التأريخية من سابقتيها، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: إنّ الإسلام ـ وإلى جنبه القرآن الكريم ـ كان قد أصبح منتشراً بشكل كبير بين الناس وفي آفاق مختلفة، وقد مرَّ على المسلمين زمن كبير يتداولونه أو يتدارسونه، فلم يكن في ميسور عثمان ـ لو أراد أن يفعل ذلك ـ أن ينقص منه شيئاً، بل ولم يكن ذلك في ميسور من هو أعظم شأناً من عثمان، وقد اعترض المسلمون بالفعل على عثمان وقتلوه لأسباب مختلفة.
ثانياً: إنّ النقص إمّا أن يكون في آيات لا مساس فيها بخلافة عثمان، وحينئذ فلا يوجد أيّ داع لعثمان أن يفتح ثغرة كبيرة في كيانه السياسي، وإمّا أن يكون في آيات تمسّ خلافة عثمان وإمامته السياسية، فقد كان من المفروض أن تؤثّر مثل هذه الآيات في خلافة عثمان نفسه، فتقطع الطريق عليه في الوصول إلى الخلافة.
ثالثاً: إنّ الخليفة عثمان لو كان قد حرّف القرآن الكريم، لاتّخذ المسلمون ذلك أفضل وسيلة لتسويغ الثورة عليه وإقصائه عن الحكم أو قتله، مع أ نّنا لا نجد في مسوغات الثورة على عثمان شيئاً من هذا القبيل، وما كانوا في حاجة للتذرع في سبيل ذلك بوسائل وحجج اُخرى ليست من الوضوح بهذا القدر.
رابعاً: إنّ الخليفة عثمان لو كان قد ارتكب مثل هذا العمل لكان موقف الإمام علي (ع) تجاهه واضحاً، ولأصرّ على إرجاع الحق إلى نصابه في هذا الشأن، فنحن حين نجد الإمام علياً (ع) يأبى إلاّ أن تُرجع الأموال التي أعطاها عثمان إلى بعض أقربائه وخاصته ويقول بشأن ذلك: «والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق»[3]. وكذلك نجد منه نفس الموقف الحازم مع ولاة عثمان المنحرفين، فلابد أن نجزم باستحالة سكوته عن مثل هذا الأمر العظيم على فرض وقوعه.
الحالة الرّابعة: وهي وقوع تحريف القرآن في عهد الاُمويين
ومن المناقشة التفصيلية للحالات الثلاث السابقة، يتضح موقفنا من الحالة الرابعة، فإن الحجّاج بن يوسف الثقفي، أو غيره من الولاة لا يمكن أن نتصوّر فيهم القدرة على تحريف القرآن الكريم، بعد أن عمَّ شرق الأرض وغربها.
كما لا نجد المسوّغ الذي يدعو الحجّاج أو الاُمويين إلى مثل هذا العمل، الذي يحمل في طيّاته الخطر العظيم على مصالحهم ويقضي على آمالهم[4].
ومن هذا أن يتّضح أن الروايات الموجودة التي يتشبّث بها البعض لإثارة الشبهة هي روايات ليست ذات قدرة علمية على الإثبات ما دمنا قد عرفنا عدم إمكان تحقّقه.
ومن هنا أعرض علماء الفريقين عن هذه الروايات وصرّحوا بآرائهم القاطعة بسلامة القرآن من أيّ نقصان وزيادة.
المبحث الثاني: تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التّحريف
صرّح علماء المسلمين بشكل عام وعلماء الشيعة بشكل خاص عبر القرون كلّها بسلامة النصّ القرآني من التحريف، لكن مَن يتّهم الشيعة بالقول بتحريف القرآن يهمل هذه التصريحات المهمّة التي تكشف عن الموقف الموضوعي للمذهب الإمامي بشكل واضح.
وإليك نماذج من هذه التصريحات عبر القرون التالية حتى عصرنا هذا:
1ـ الشيخ الصدوق ـ المتوفّى سنة 381 ه ـ قال في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة الإمامية:
«اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه (ص) هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك وعدد سوره على المعروف (114) سورة.
ثمّ قال: ومن نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كذّاب»[5].
2ـ الشيخ المفيد ـ المتوفّى سنة 413 ه ـ قال:
«وقد قال جماعة من أهل الإمامة، إنه لم ينقص من كلمة، ولا من آية، ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز.
وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله اسأل توفيقه للصواب»[6].
3ـ الشريف المرتضى، الملقّب بعلم الهدى ـ المتوفّى سنة 436 ه ـ قال:
«إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه، لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيِّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!».
وقال: «إنّ القرآن كان على عهد رسول الله (ص)مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن…».
«واستدلّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنّه كان يعرض على النبي (ص) ويُتلا عليه، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (ص) عدّة ختمات».
«كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث»[7].
4ـ الشيخ الطوسي، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة 460 ه ـ قال في مقدمة تفسيره:
«والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى (ره) وهو الظاهر من الروايات.
غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأ نّه يمكن تأويلها، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الاُمّة ولا يدفعه»[8].
5ـ الشيخ أبو علي الطبرسي، الملقّب بأمين الإسلام ـ المتوفّى سنة 548 ه ـ قال ما نصّه:
«… ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة: إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً…
والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى (قده) واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات»[9] .
6ـ السيد علي بن طاووس الحلّي ـ المتوفى سنة 664 ه ـ فقد نصّ على أن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، كما يقتضيه العقل والشرع[10].
واستنكر ما روى العامة عن عثمان وعائشة، من أن في القرآن لحناً وخطأً، قائلاً: «ألا تعجب من قوم يتركون مثل علي بن أبي طالب، أفصح العرب بعد صاحب النبوّة وأعلمهم بالقرآن والسنّة ويسألون عائشة؟ أما يفهم أهل البصائر أنّ هذا لمجرد الحسد، أو لغرض يبعد من صواب الموارد والمصادر… ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحناً جعلوه حجة»[11].
7ـ العلاّمة الحلّي ـ المتوفى سنة 726 ه ـ وممّا قاله في بعض أجوبته حيث سئل:
«ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟
«الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأ نّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول (ص) المنقولة بالتواتر»[12].
8 ـ الشيخ زين الدين البياضي العاملي ـ المتوفى سنة 877 ه ـ
قال: «علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله، وكان التشديد في حفظه أتمّ، حتّى نازعوا في أسماء السور والتفسيرات. وانّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكّر في معانيه وأحكامه، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه، لمخالفة فصاحته واُسلوبه»[13].
9ـ وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني ـ المتوفّى سنة 988 ه ـ في مقدمة تفسيره منهج الصادقين، وفي تفسير الآية المباركة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[14].
الخلاصة
لقد ثبت من خلال استقصاء الأدلّة الروائية والتاريخية، بالإضافة الى ما تفرضه طبيعة الأشياء: أن القرآن قد حظي باهتمام بالغ من قبل المسلمين، يمنع دخول يد التحريف إليه، وهو يمثل دستور الاُمّة والمصدر الأساسي لكيانها، ثقافةً وسياسةً وعقيدةً.
كما ثبت أن القرآن قد أثبت وكتب في حياة الرسول الأعظم (ص) انطلاقاً من اطلاع الرسول ومعرفته بتاريخ الرسالات، وما لعبه المحرفون بالكتب من قبله، وكان (ص) واعياً للظروف المحيطة بالاُمّة الإسلامية، والأخطار التي سوف تهددها من بعده، لذا بذل جهداً كبيراً ولم يترك دنياه حتى عارض ما في صدره صدور الحفظة، الذين كانوا كثرة.
الاستنتاج
يتّضح لدينا عدم إمكان تسرّب التحريف إلى النص القرآني، في أيّ واحد من الأزمنة الغابرة منذ صدور النصّ القرآني، وحتى العصر الحاضر، فلا حاجة إلى لزوم إثبات عدم تحريف القرآن، بعد إتّضاح عدم إمكان تحقّق التحريف في الواقع التاريخي والاجتماعي بين المسلمين، بالإضافة إلى تصريح علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف.
الهوامش
[1] راجع: الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة 176.
[2] (… قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ …) يونس، 15.
[3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص269، فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان.
[4] راجع: الحكيم، علوم القرآن، ص99.
[5] الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، ص84.
[6] المفيد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، ص55.
[7] الطبرسي، مجمع البيان، ج1، ص15، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى.
[8] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج1، ص3.
[9] الطبرسي، مجمع البيان، ج1، ص15.
[10] ابن طاووس، سعد السعود، ص192.
[11] ابن طاووس، سعد السعود، ص266.
[12] الحلّي، أجوبة المسائل المهناوية، ص121.
[13] البياضي، الصراط المستقيم، ج1، ص45.
[14] الحجر، 9.
مصادر البحث
1ـ ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأُولى، 1378 ه.
2ـ ابن طاووس، علي، سعد السعود، قم، منشورات الرضي، طبعة 1363 ش.
3ـ البياضي، علي، الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم، تحقيق محمّد الباقر البهبودي، نشر المكتبة المرتضوية، الطبعة الأُولى، 1384 ه.
4ـ الحكيم، محمّد باقر، علوم القرآن، قم، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1417 ه.
5ـ الحلّي، الحسن، أجوبة المسائل المهناوية، قم، مطبعة الخيّام، الطبعة الأُولى، 1401 ه.
6ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه.
7ـ الصدوق، محمّد، الاعتقادات في دين الإمامية، تحقيق عصام عبد سيّد، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
8ـ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1415 ه.
9ـ الطوسي، محمّد، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 1409 ه.
10ـ المفيد، محمّد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الموسوي، عبد الرحيم الموسوي، صيانة القرآن الكريم من التحريف، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، الطبعة الثانية، 1426 ه.