- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 17 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المولد والنشأة
ولد الاستاذ مروان خليفات عام ۱۹۷۳م في كفر جايز التابعة لمدينة أربد في الأردن، ترعرع في أسرة تعتنق المذهب الشافعي، واصل دراسته حتى تخرّج من جامعة اليرموك، حائزاً شهادة البكالوريوس في الشريعة الاسلامية عام ۱۹۹۵م.
التأثّر بالتيار السلفي:
تأثّر الاستاذ مروان في دراسته الجامعية بالتيار السلفي نتيجة تتلمذه على أيدي مجموعة من الاساتذة السلفية الذين كانوا يمارسون مهمة التدريس في الجامعة.
فكان يستمع اليهم بآذان صاغية ويتلّقى منهم ـ دون أي تمحيص ـ كل ما يبدونه له حول القضايا الدينية والأمور العقائدية.
مع صديقه الشيعي:
كان للاستاذ مروان صديق شيعي، كان قد تعرف عليه منذ أيام الطفولة، وكان لانسجامهما في الطباع وارتياح كل منهما للآخر عند الصحبة سبباً في استدامة صداقتهما رغم اختلافهما في الفكر والعقيدة.
وكان مع ذلك يندفعان بين حين وآخر إلى النقاش والجدال حول الأمور العقائدية وكان هذا الأمر يزداد يوماً بعد يوم نتيجة ارتقاء مستوى كل منهما في جانب الفكر واتساع معلومات كل منهما فيما يخص دعم مبادئه العقائدية.
واشتد هذا الأمر وبلغ ذروته بعد التحاق الاستاذ مروان بالجامعة، فكان لا يأتي عليهما يوم إلاّ ويحتد النقاش بينهما.
وكان الاستاذ مروان يبذل قصارى جهده لتجميع الأدلة التي يطرحها اساتذته السلفية، ليستدل بها في اطاحته للفكر الشيعي وليتمكّن ـ وعسى ـ من هداية صديقه على حسب زعمه.
لكنه كان يجد نفسه ضعيفاً أمام البراهين المتينة والأدلة المحكمة التي يطرحها صديقه بكل هدوء واتزان.
أهم المواضيع التي تأثر بها:
كان من جملة المواضيع التي كان لها الدور الكبير في اندفاع الاستاذ مروان إلى الاستبصار هو موضوع رزية الخميس التي كان غافلا عنها فيما سبق.
وكان هذا حينما وجد صديقه تحمسه في تمجيد عمر بن الخطاب. فذكر له رزية الخميس وتبنيه له موقف عمر من الرسول حينما قال النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأصحابه بأيام قبل وفاته: “ائتوني بكتف ودواة اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ابداً” فقال عمر: إن النبيّ غلبه الوجع، أو يهجر، حسبنا كتاب الله!!
فلم يطق الاستاذ مروان استيعاب هذا الأمر! فبادر مسرعاً إلى إنكار وتكذيب هذا الأمر، وثارت ثائرته قائلا لصديقه: “هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبي قط؟!”.
فارشده صديقه إلى مصدر هذا الحديث من كتابي صحيح مسلم والبخاري.
فلم يتحمل الاستاذ مروان قبول هذه الحقيقة والتجأ إلى التبرير بقوله: وإن قال ذلك يبقى صحابياً!! اسأل الله الغفران له.
واردف قائلا لصديقه: كيف تأتّى لك معرفة هذه الحادثة المروية في الصحيحين؟
فقال: وجدتها في كتاب “ثم اهتديت” لأحد علماء أهل السنة الذين تشيعوا.
فقال مستغرباً: وهل هناك عالم من علمائنا تشيع؟!
فقال: نعم هو ذاك التيجاني صاحب هذا الكتاب، يذكر اسباب وكيفية تشيعه في كتابه.
فطلب الاستاذ مروان منه الكتاب ليبادر إلى مطالعته بسرعة.
مع كتاب “ثم اهتديت”:
يقول الاستاذ في وصف الحالة التي عاشها مع كتاب “ثم اهتديت”: “اخذتني قصة الكاتب الممتعة واسلوبه الجذّاب، قرأت نصوص إمامة آل البيت، ومخالفات الصحابة للرسول، ورزية الخميس… والمؤلف يوثق كل قضية من صحاحنا المعتبرة، فدهشت لما أقرأ وشعرت أن كل طموحاتي انهارت وسقطت أرضاً، وحاولت اقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجود في كتبنا.
وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة، وبدأت برزية الخميس، فوجدتها مثبتة في صحيحي مسلم والبخاري بعدة طرق”.
الشك والحيرة ثم الاستبصار:
يقول الاستاذ مروان:
“كان أمامي احتملان: إمّا أن أوافق عمر على قوله، فيكون النبيّ يهجر ـ والعياذ بالله ـ وبهذا أدفع التهمة عن عمر. وإمّا أن اُدافع عن النبيّ وأقرّ بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحق النبي(صلى الله عليه وآله) حتى طردهم. وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما ردّدتها وافتخرت بها أمامه.
وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحة ما في الكتاب فقلت وقلبي يتعصّر ألماً: نعم، صحيح.
بقيت فترة حائراً تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً، وعرض عليّ صديقي كتاب “لأكون مع الصادقين” لمؤلفه التيجاني، وكتابه “فسئلوا أهل الذكر” وغيرها، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة وزادت حيرتي وشكي.
وحاولت إيقاف حيرتي، بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق، لكنّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة بأحقيّة مذهب أهل البيت. وقرأت كتباً كثيرة، لا يسعني ذكرها، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة، التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها.
إلى أن اكتملت صورة الحقيقة في ذهني كالشمس في رابعة النهار، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار أبناء الرسول، وأشقّاء القرآن، وأولياء الرحمن، سفن النجاة، وأعلام الورى، ورحمة الله للملأ، بكل قناعة واطمئنان قلب.
وها أنا الآن ـ وبعد تخرجي من كلية الشريعة ـ على يقين تام بصحة ما أنا عليه. أقول هذه الكلمات ويمر بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله، وإذا بالصورة قد أنعكست، فكان هو سبب هدايتي، وفّقه الله.
ولا أنسى تلك اليد ـ يد الرحمة الإلهية ـ التي كانت تعطف عليّ باستمرار أيّما عطف. فلك الحمد ربّاه حمداً يليق بجلالك العظيم ومنِّك الجسيم”.
مؤلفاته:
(۱) “وركبت السفينة”:
صدر عن مركز الغدير سنة ۱۹۹۷م ـ ۱۴۱۸هـ.
جاء في مقدمة الناشر: “إن كتاب (وركبت السفينة) للاستاذ مروان خلفيات نموذج لوقفة التأمل مع الذات، والنظر في الموروث، والانطلاق ببحث علمي مقارن، وتحقيق موضوعي رصين يكشف عن وعي الكاتب للتاريخ، كما يسجل مساهمة في إعادة كتاب فصل من فصوله ووقائعه.
وهي رحلة علمية ومذهبية رائعة تجلّت فيها حرية الفكر، والبحث المحايد عبر السفينة التي أبحر فيها من شاطئه الذي كان يستقرّ في مآويه إلى الشاطيء الآخر آمناً من مخاطر الأمواج وقصف الريح الكواسح، مستهدياً بالكتاب والسنّة وأدلّة العقل وشواهد التاريخ، وهذا العمل الثقافي الرصين يشكّل مساهمة فعّالة في التقريب بين المسلمين واسقاط الحواجز النفسية، وتعريف بعضهم بالبعض الآخر”.
وجاء في تقديم الدكتور عبدالهادي الفضلي: “الكتاب… هو من تلكم الكتب التي كتبت انتصاراً لمذهب أهل البيت من مؤلف تخصص جاميعاً بدراسة المذاهب الإسلامية، وحملته روح المقارنة والموازنة الى تأليف كتابه هذا ليتوصل إلى معرفة الفرقة الناجية التي أشارت إليها رواية “ستفترق امتي…” كما ذكر هذا في مدخل كتابه.
فتناول في بحثه نشوء المذاهب السنية في العقيدة والتشريع، واضعاً اصبعه على ابرز المعالم الفكرية فيها وأهم الاشكالات في اسس هذه المذاهب، من واقع حياة الصحابة في اجتهادهم وعدالتهم وشؤونهم الاخرى التي ترتبط بموضوع البحث.
ثم انتقل إلى مدرسة أهل البيت موثقاً مشروعيتها، ومبرهناً على النجاة في إتباع أهل البيت(عليهم السلام)، معقباً ذلك وخاتماً بذكر شيء من سيرة الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام).
وقد كان المؤلف الكريم ملتزم الى حد كبير باصوليات البحث العلمي فخرج موفقاً إلى حد غير قليل في بحثه ونتائجه.
وهو بهذا الكتاب يضم سفراً آخر من أسفار الدراسات المقارنة، التي نرجو ان تكثر وتلتزم بالمقارنة دائماً لنلتقي كمسلمين مؤمنين بالاعتصام بحبل الله الذي هو عصام التوحيد والتوحد على جادة سواء وكلمة سواء”.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب:
الباب الأول: الأشعري والمذاهب الأربعة، ويتضمّن فصلين وهما: تقليد الأئمة الأربعة، وعدّة عقبات أمامنا.
الباب الثاني: مدرسة السلفية، ويتضمّن فصول، وهي: إشكالات في الطريق، ضياع السنة، إشكالات على مرجعية الصحابة، عدالة الصحابة، مخالفات الصحابة للرسول، صور من حياة الصحابة، أربعة نماذج من الصحابة، أدلة أهل السنة على عدالة الصحابة، بحث حول قيمة الصحبة، اجتهاد الصحابة أمام المحكمات.
الباب الثالث: مدرسة أهل البيت، ويتضمّن عدة فصول، وهي: شهادات، القول المختصر فيمن تشيع وشعر، المرجعية السياسية، الأئمة الاثنا عشر، شبهات ليست بشبهات.
(۲) “أكرمتني السماء، العودة المباركة الى النعمة الالهية”:
صدرت الطبعة الاولى سنة ۱۴۱۹هـ ـ ۱۹۹۹م، وصدرت الطبعة الثانية سنة ۱۴۲۱هـ ـ ۲۰۰۰م عن مؤسسة السيدة زينب ـ بيروت.
جاء في مقدمة الطبعة الأولى: “بعد طبع كتابنا “وركبت السفينة” تلقاه الناس بقبول حسن وأثنوا عليه الثناء الجميل، فلله الحمد أولا وآخراً، وقد عرض عليّ بعض الاخوان تلخيص الكتاب، وقد تكون هذه الفكرة صائبة، فالكتاب تتجاوز صفحاته الستمائة صفحة، وليس باستطاعة كل انسان ان يقرأه أو يشتريه، لهذا قمت بتلخيصه…
أما الكتاب الأصلي فهو يحكي قصة انتقالي من مذهب إلى آخر، طلباً للإسلام الصحيح، وهو محاولة للوصول إلى المنظومة الالهية التي تعبر عن الإسلام من خلال طرح ثلاث مدارس فكرية موجودة بشكل ملحوظ على الساحة، وهي:
۱ ـ اتباع الأئمة الأربعة والاشعري.
۲ ـ اتباع السلف “السلفية”.
۳ ـ اتباع آل البيت “الشيعة الامامية”.
ولأنّ البحث مختصر، فقد اضطررت الى أن احصره بين المدرستين الأولى والثالثة، ومن يرد أن يطلع على المدرسة السلفية فعليه بمراجعة كتابنا المذكور، وأسال الله أن يوفّقنا لكتابة بحث مستقل عن السلفية في القريب العاجل”.
(۳) “النبي ومستقبل الدعوة”:
صدر عن مركز الأبحاث العقائدية وهو باكورة سلسلة الرحلة الى الثقلين صدر سنة ۱۴۲۰هـ.
جاء في توطئة بحثه في الكتاب: “ما هي حقيقة المشروع الالهي الذي اعد لهداية الانسان بعد ختم النبوة؟ ما هو موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله) من مستقبل الاسلام؟ فهل اتخذ(صلى الله عليه وآله)الترتيبات اللازمة لحفظ رسالته وضمان انتشارها ما موقفه(صلى الله عليه وآله) من الكتاب والسنة وهما عهد الله إلى خلقه؟
إن الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها قد يكون لها تأثير كبير على حياة الإنسان.
ولو عرضت هذه الأسئلة على المدارس والفرق الاسلامية، لكانت أجوبتنا متوافقة مع انتماءاتها المذهبية وهذه احدى مشاكلنا، فنحن ننتمي ثم نجيب وهو على حساب الحقيقة”.
وقد قام المؤلف في هذا الكتاب بتبيين النظريتين حول موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله) من مستقبل دعوته، فذكر ابتداءاً نظرية أهل السنة فيما تخص موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله) من القرآن والسنة، ثم قام بمناقشة هذه النظرية وتبين مواطن ضعفها.
ثم ذكر المؤلف النظرية الثانية فبيّن موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله) الايجابي حول جمع القرآن وتدوين السنة واعلان مرجعية آل البيت(عليهم السلام).
وفي نهاية الكتاب قام المؤلف بمقارنة موجزة بين هذين النظريتين، ثم استنتج قائلا: “لا نرى على المدرسة الشيعية أي مؤاخذة في حق النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فهو ذلك القائد البصير الذي نظر للأمد البعيد فلم يترك الأمر بعده مهملا فارغاً بل رتبه أروع ترتيب، فالكتاب والسنة مدوّنان، ولحسم الخلاف في فهمهما جعل ناطقاً عنهما لا يخلو من زمن”.
ثم يضيف المؤلف: “إنّ الفكر الذي يقدم هذه الاطروحات لصيانة الإسلام من التحريف وإدامته لهو فكر عظيم، فلا يمتلك المرء إلاّ أن ينحني أمامه”.
(۴) “قراءة في المسار الأموي”:
صدر عن مركز الغدير للدراسات الاسلامية سنة ۱۴۱۹هـ ـ ۱۹۹۸م في ۱۷۰ صفحة في القطع الرقعي.
وهي اقتباسات أعدها المؤلف من كتاب الغدير للعلامة الشيخ الأميني، وذكر فيها أربعة من رموز البيت الأموي الذين عادوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهم: أبو سفيان، والحكم بن أبي العاص، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، فذكر المؤلف نماذج عديدة من مواقفهم المخزية ازاء الإسلام وعدائهم للرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام).
(۵) “مزامير الانتظار المقدس”:
صدر سنة ۲۰۰۱م ـ ۱۴۲۲هـ عن مركز الفردوس للثقافة والاعلام. (۷۲ صفحة من القطع الرقعي) تأليف مشترك مع السيد غياث الموسوي.
قصائد شعرية حول الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) تتبعها اضاءات متضمنة لروايات أهل البيت(عليهم السلام)، وذكر بعض الآيات القرآنية المناسبة للموضوع وجملة من أحاديث وأقوال أهل السنة فيما تخص ولادة الإمام المهدي وغيبته وصفاته واحاديث انتظاره وانه ابن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).
وقفة مع كتابه: “وركبت السفينة”
في البحر عندما تعصف الرياح وتتلاطم الأمواج يتوجّه المرء إلى ربه، يدعوه لينجيه من الغرق ويكون دعاؤه حاراً خارجاً من أعماق الروح، يتعهد لربّه بالسير على الصراط المستقيم إذا نجا فيما تبقى له من العمر، وهذا هو نداء الفطرة الذي اودعه الله في الانسان عندما خلقه يُسمع واضحاً عندما تختفي موجات الأصوات الاخرى…
وعندما تلوح في الافق سفينة النجاة يهرع إليها كل من له فطرة سليمة، أما إذا أغمض الانسان عينيه فلم يرد رؤية أشرعة السفينة، وصمّ اذنيه فلم يرد أن يسمع أبواقها التي تتلهف لها روحه ونفسه التي بين جنبيه، فماذا يكون المصير غير الغرق ولا ينفع حينئذ التشبّث بالقشاش والاخشاب إلاّ إذا كانت وسيلة توصل المرء إلى السفينة.
وهكذا حال الانسان إذا أراد النجاة من الغرق في الأمواج المتلاطمة في دنيا الفكر والعقيدة، فعليه الركوب في سفينة يقودها ربّان يحميه الله تعالى كما فعل بنوح(عليه السلام).
وترك هكذا سفينة والتشبث بأمور اخرى لا يؤديّ إلاّ إلى الغرق والهلاك في أمر الدين الذي هو الطريق إلى السعادة الأبدية ولا غير.
ونحن إذا تركنا الأديان الاخرى ونظرنا في رسالة النبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله)وجدناها واضحة المعالم عميقة المحتوى في زمانه(صلى الله عليه وآله)، فهو المحور الذي يدور حوله الناس ويرتشفون منه رحيق الهداية.
أما بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقد تلبدت الأجواء بالغيوم، وتتابعت قطع الليل المظلم، فضاعت المحجة وتنكر السبيل إلاّ على الذين اصطفاهم الله ومن اهتدى بهم وهم قليل يومئذ.
والمسلم اليوم ـ إذا أراد أن لا يقلد الآباء في أمر دينه كما أمره القرآن، وأراد النجاة في هذا الأمر الذي قد يقود الى النار الأبدية إذا لم يحسن النظر فيه، ولم يستخدم ما اعطاه الله من نعمة العقل في تمييز الحق من الباطل المتراكم حوله، يجد ثلاث فرق كبيرة في الساحة تتفرع منها الفرق الاخرى، وكلّها تدعي أنها هي الاسلام الحق. فمن أين يأخذ الانسان دينه وأين هي سفينة النجاة ومن يقودها.
قسم المؤلف بحثه في هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام، يبحث في الأول عن مدرسة أهل السنة التقليديين من مقلدي الأشعري في العقائد والأئمة الأربعة في الفقه، ويبحث في الثاني عن المدرسة السلفية الذي يتمسّكون بفهم السلف (الصحابة) للدين، ويبحث في الثالث عن مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).
فيناقش أدلة هذه الفرق وتاريخها ويبيّن مالها وما عليها، ويوضّح أنّ سفينة النجاة هي مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) التي يقودها أئمة الهيون تحميهم السماء كما كانت تحمي نوح(عليه السلام) وسفينته.
الأشعري والمذاهب الأربعة:
لا دليل من قرآن أو سنة يوجب على المسلم اتباع الأشعري أو أحد أئمة المذاهب الأربعة، فهم لم يروا النبيّ(صلى الله عليه وآله) ولم يسمعوا منه وبينهم وبينه أكثر من مئة سنة، وهم مختلفون فيما بينهم، بل الاختلاف قائم بين فقهاء المذهب الواحد، ونحن نعلم بديهة أنّ حكم الله في أي موضوع واحد لا ثاني له، ولا مرجّح لأحد هذه المذاهب على غيره والترجيح بلا مرجّح فاسد عقلا، وهم الآن أموات والميت لا قول ولا رأي له فكيف يؤخذ عنهم الدين. اضف إلى ذلك أن المسائل المستحدثة لا جواب لهم فيها فكيف حصر أخذ الدين منهم فقط دون غيرهم؟! وهم انفسهم قبل اجتهادهم هل كانوا في ضلال وهكذا المسلمون هل كانوا على ضلال قبل قيام هذه المذاهب؟!
هذا وقد نهى أئمة المذاهب الأربعة الناس عن تقليدهم.
قال أبو حنيفة:
۱ ـ (لا يحلّ لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعرف من أين أخذنا)(۱).
وقال الشوكاني معلّقاً على هذا القول: (وهذا هو تصريح بمنع التقليد، لأن من علم بالدليل فهو مجتهد مطالب بالحجة، لا مقلد فإنّه الذي يقبل القول ولا يطالب بحجة)(۲).
۲ ـ (قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا)(۳). وقد أورد ابن حزم هذا القول ضمن أقوال أبي حنيفة في النهي عن التقليد.
قال مالك بن أنس:
۱ ـ (إنما أنا بشر أخطيء واصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنّة فاتركوه)(۴).
وقال ابن حزم معلّقاً على كلام مالك: “فهذا مالك ينهى عن تقليده، وكذلك أبو حنيفة، وكذلك الشافعي…”(۵).
وقال الشوكاني: “ولا يخفى عليك ان هذا تصريح منه ـ أي مالك ـ بالمنع من تقليده”(۶).
۲ ـ قال مالك: “إن نظن إلاّ ظنّاً وما نحن بمستيقنين”(۷).
قال الشافعي:
۱ ـ “ما قلت وكان النبي(صلى الله عليه وآله) قد قال بخلاف قولي، فما صحّ من حديث النبي أولى ولا تقلدوني”(۸).
وقد استدلّ السبكي بقول الشافعي هذا في نهيه عن التقليد.
۲ ـ “لا يقلد أحد دون رسول الله(صلى الله عليه وآله)”(۹).
قال أحمد بن حنبل:
۱ ـ “لا تقلدوني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الاوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا”(۱۰).
۲ ـ “من قلة فقه الرجل ان يقلد دينه الرجال”(۱۱).
الأئمة الأربعة والسنة:
إنّ المتتبّع لآراء الأئمة الاربعة يجد أن فيها ما يخالف السنة ومن ذلك رأيهم في الطلاق، فمن المعلوم أن طلاق الثلاث بلفظ واحد اوقعه النبيّ(صلى الله عليه وآله) طلقة واحدة، أما الأئمة الأربعة فقد عدّوه ثلاث طلقات.
وقد جمع المحقق ابن دقيق العيد المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها انفراداً واجتماعاً في مجلد ضخم(۱۲).
وقال الليث بن سعد: “أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنة النبي(صلى الله عليه وآله) قال فيها برأيه”(۱۳). فكيف يجوز للمسلم ترك ما صحّ عن النبي(صلى الله عليه وآله)والأخذ بخلافه.
الأئمة الأربعة والفقه:
قال أبو حنيفة: “لو أن رجلا في مصر وكَّل آخر بالاندلس بأن يزوجه فلانه فيعقد له عليها، ولا يلتقيان أصلا فيما يرى الناس ثم تجيء المرأة بولد يكون نسبه ثابتاً للرجل الذي في مصر”(۱۴).
وفي فقه المالكية: لو نوى الرجل أن يطلق زوجته ولم يتلفظ فانها تطلق!!
وأجاز الشافعي نكاح الرجل بنته من الزنا!
أما الأشاعرة:
يقول النووي الأشعري: “مذهب أهل السنة أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلا، ولو أنعم على الكافرين وادخلهم الجنة كان له ذلك”(۱۵).
أجل إنّ العالم كلّه ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه، لكن الله وعد المؤمنين بالجنة والكافرين بالنار والله لا يخلف وعده (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) (لقمان: ۳۳) وهذا الكلام هو عين الظلم (وَلاَ يَظْـلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: ۴۹).
إن الله يجب عليه ما أوجبه على نفسه كالرحمة، قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الانعام: ۵۴) وإذا كان الله لا يجب عليه شيء فلماذا أوجد الثواب والعقاب وبعث الانبياء والرسل؟!!
وقال القاضي الإيجي في المواقف: “المقصد السابع: تكليف ما لا يطاق جائز عندنا”(۱۶).
وهذه العقيدة الأشعرية مخالفة لصريح القرآن، قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: ۲۸۶)، وقال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ ءَاتَاهَا) (الطلاق: ۷) فأين هذه العقيدة من القرآن؟!
وقال الأشاعرة: إنّ الله يأمر بما يكره وينهى عما يحب!! وإن الله يفعل بدون غرض، وانّ افعال العباد مخلوقة لله، وأن أفعالهم خيرها وشرّها من الله!!(۱۷)
السياسة أوجدت المذاهب:
إنّ السياسة وأوامر السلاطين هي التي منحت الحياة للمذاهب الأربعة وأماتت المذاهب الاخرى، ولولا ذلك لكانت المذاهب الاخرى موجودة أيضاً يتعبد بها الناس ولا يرضون عنها بدلا. فالناس وجدوا هذه المذاهب مرضياً عنها فقلدوها والناس على دين ملوكهم كما قيل، وليس في هذا دليل على وجوب اتّباعها.
يقول المقريزي: “استمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة ۵۶۶ هـ. حتى لم يبقَ في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة، وعُودِيَ من تمذهب بغيرها، وافتى فقهاؤهم في هذه الأمصار بوجوب إتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها، والعمل على هذا إلى اليوم، وأعلن الظاهر بيبرس سد باب الاجتهاد، وما زال أمر بيبرس نافذاً بالرغم من زوال ملكه”(۱۸).
ومن هنا، نخلص إلى القول بأنّ هذا المنهج ليس هو المنظومة الإلهية التي يريد الله لنا أن نتبعها، لكثرة الثغرات والجوانب السلبية فيها.
يقول الزمخشري المفسّر المعروف:
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به ***** وأكتمه كتمانه لي أسلمُ
فان حنفياً قلتُ قالوا بأنّه ***** يبيحُ الطلا وهو الشرابُ المحرّمُ
وإن مالكياً قلتُ قالوا بأنَّني ***** ابيح لهم أكل الكلاب وهم هُم
وإن شافعياً قلتُ قالوا بأنَّني ***** ابيح نكاح البنت والبنت تحرمُ
وإن حنبلياً قلت قالوا بأنّني ***** ثقيل حلولي بغيض مجسِّمُ(۱۹)
السلفية:
يدّعي أتباع هذا المذهب بأنّهم يأخذون الأحكام والدين من النص أي ـ القرآن والسنة ـ ولا يقبلون باتباع أئمة المذاهب الأربعة في الفروع الفقهية فضلا عن الاصول العقائدية، والنص يأخذونه عن الصحابة الذين رووا عن النبي(صلى الله عليه وآله)ونقلوا الشريعة إلى الأجيال التالية، ويرون أن الصحابة أحسن فهماً للدين لقربهم من النبيّ(صلى الله عليه وآله) وصحبتهم له، ولأنّ الله والرسول رضوا عنهم فهم عدول جميعاً ولا يجوز الخدش في عدالة أي واحد منهم ولو ارتكب المنكر لانه مجتهد متأول فله أجر واحد، ويرون أنّ الطعن بمن يطعن بالصحابة أهون من الطعن بالصحابة.
قال ابن حجر: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب الرسول فاعلم إنه زنديق”(۲۰).
إشكالات في مرجعية الصحابة:
لم يترك الصحابة شيئاً لم يختلفوا فيه، فقد اختلفوا في التفسير والفقه والعقيدة والحديث، وقد اختلفوا فيما بينهم حتى قامت بينهم الحروب وقتل بعضهم بعضاً، فادّى ذلك الى ضياع معظم السنة وتنكُر معالم الدين.
والاسلام المتمثّل بالكتاب والسنة، كيان وبناء واحد متكامل، بحيث إذا فقد شيء منه أثر على الباقي، ولا يفهم الإسلام عقيدة وشريعة إلاّ بجمع جميع مواده من السنة والقرآن وخلطها مع بعض، ثم من خلال إستقراء النصوص ينتج الحكم الاسلامي الصحيح.
ونحن نرى أنّ مرجعية الصحابة بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) لا يمكن أن تستقيم إلاّ إذا أراد سبحانه إن يضيع دينه تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومن أهم الاشكالات على مرجعيتهم:
۱ ـ إنّ الصحابة كانوا يقلون السؤال من النبيّ(صلى الله عليه وآله) وينتظرون أن يجيء الأعرابي فيسأله ليستفيدوا(۲۱) وهذا الأمر أدى إلى ضآلة النصوص التشريعية، فاحتاج علماء السنة الى مصادر اخرى غير الكتاب والسنة كالاستحسان والقياس.
۲ ـ صدرت الأوامر بالنهي عن كتابة السنة ومحوها من الصحف، بل وتحريفها، الأمر الذي أدّى إلى منع الاستفادة من هذه السنن، وهذه ليست من صفاة الدعاة إلى الله الذين يريدهم لنشر دينه في كل مكان، فقد كانوا إذا رأوا تجارة تركوا النبيّ(صلى الله عليه وآله) قائماً وذهبوا يطلبون المعاش وهذا لا يتناسب مع المهمة الملقاة على عاتقهم.
وقد اعترف عمر بذلك فقال مرة: “خفي عليّ هذا من أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله) ألهاني الصفق بالأسواق”(۲۲).
۳ ـ والصحابة لم يكونوا يتقنون نقل الحديث، فقد يسمع الصحابي طرفاً من حديث النبي(صلى الله عليه وآله) ولم يكن حضر أوله، فيظن انه سمع حديثاً تاماً، فيحدث بما سمع(۲۳). وهذه واحدة من أخطر علل الحديث أو ان النبي(صلى الله عليه وآله) كان يتكلم عن أهل الكتاب أو أهل الجاهلية مثلا فينقل الصحابي الحديث على انه تعبير عن الإسلام(۲۴).
۴ ـ إن هناك من الصحابة من كان يسمع الحديث من مخبر وينسبه للنبي كأبي هريرة مثلا، يقول ابن قتيبة: “وكان أبو هريرة يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) كذا، وانما سمعه من الثقة عنده فحكاه”(۲۵)، وربما يأخذ الصحابي من أحد المنافقين أو يهودي دخل الاسلام ليكيد له.
۵ ـ كان الصحابة يخطئون بالرواية عن النبي(صلى الله عليه وآله) كما اعترف بذلك بعض الصحابة انفسهم(۲۶).
۶ ـ لقد نسي بعض الصحابة ما أخذ عن النبي(صلى الله عليه وآله)، ومن هؤلاء زيد بن أرقم، فعن يزيد بن حبان قال: “انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا قال له حصين:… لقد لقيت يا زيدُ خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وآله). قال: يا ابن أخي، والله لقد كبر سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله(صلى الله عليه وآله)…”(۲۷).
۷ ـ لقد عاش عدد كبير من الصحابة أكثر حياتهم في المجتمع الجاهلي وشاركوا أهل الجاهلية في جميع أعمالهم من وأد البنات وشرب الخمر وأكل الربا و… وهذه الملاحظة لوحدها تكفي لان يجعلنا نقول: إن الله لم يخترهم لبيان دينه.
فالله سبحانه منذ أن أوجد الانسان لم يبعث نبياً ولا سفيراً قد شارك قومه عاداتهم المنحرفة وهذه سنة الله في خلقه (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) (الاحزاب: ۶۲).
۸ ـ كان الصحابة يفتون بارائهم في الوقائع الشرعية إذا لم يجدوا نصاً من كتاب أو سنة، وهذا يدلّ أن الصحابة لم يحرزوا جميع النصوص الصادرة عن النبي(صلى الله عليه وآله)الذي اتى بالدين الكامل بنص القرآن من هنا نعلم أن الصحابة غير مخولين بنقل وبيان الدين للناس.
۹ ـ إن الصحابة لم يكونوا يرون لانفسهم منزلة القيمومة على الدعوة التي جعلها أهل السنة لهم فيما بعد قال ابن عمر: “لو علمت أني أبقى حتى يفتقد لي لتعلمت لكم!”(۲۸).
ومن هنا يظهر ان منهج السلفية القائلين بعدالة كل الصحابة ليس هو المنظومة الالهية التي وضعها الله بعد نبيه فكثرة الثغرات التي فيها والاشكالات التي تعرض لها تخرجها عن كونها أطروحة الاسلام الصحيحة.
الامامية:
وهم أتباع أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وعندما يسألون عن أدلة تمسكهم بأهل البيت تجد لديهم الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة ومن كتب أهل السنة فضلا عن كتبهم، فهناك الكثير من الآيات التي تشير إلى أهل البيت وأنهم أولياء الأمر التي تجب طاعتهم(۲۹)، وهم خير البرية(۳۰)، وهم حبل الله(۳۱)، وهم أهل الذكر(۳۲)، وهم الصادقين(۳۳)، وهم الذين اذهب عنهم الرجس(۳۴)، وهم الذين باهل بهم الرسول(۳۵)، وهم القربى التي أوجبت مودّتهم(۳۶)، وهم الذين أوجب الله الصلاة عليهم مع النبي(۳۷)، وقد اشير إلى ذلك كلّه في كتب وتفاسير أهل السنة.
وأما الأدلّة من السنة فهذا حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث مدينة العلم و… و… كلّها تشير إلى احقّية أهل البيت بالاتباع حتى لا تضل الاُمة وحتى تنجو وحتى تتعلم و… و…
ولو جعلنا أدلّة الامامية على كفة ميزان وجعلنا ادلة الاشاعرة والسلفية (المفقودة) على الكفة الاخرى منه لثقلت كفة الميزان لدى الامامية بحديث الثقلين وحده.
وبهذا يكون الواجب إتباع آل البيت(عليهم السلام) والأخذ عنهم دون سواهم لانهم سبب النجاة الوحيد يوم القيامة.
وهذا قد أدّى انتشار الكتب في العصور الحديثة وتوفر بدايات الحوار العلمي بين المسلمين أدّى ذلك إلى تجلّي حقيقة أحقية أهل البيت بالاتباع لدى كثير من علماء أهل السنة ومثقّفيهم لذلك قام ثلة من هؤلاء العلماء باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وكتبوا كتباً مملوءة بالادلة الناصعة، وكتابنا هذا يعرف ببعضهم وبعضكتبهم.
شبهات ـ في عقائد الامامية ـ ليست بشبهات:
إن أغلب من كتبوا عن الامامية ـ من كتّاب أهل السنة ـ حادوا عن الصواب حين رجعوا الى كتب خصوم الشيعة ونقلوا عنهم دون تحقيق ولا نظر، يقول حامد داود حفني: “يخطىء كثيراً من يدّعي أنه يستطيع ان يقف على عقائد الشيعة الامامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم، مهما بلغ هؤلاء الخصوم من العلم والاحاطة، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها باسلوب نزيه بعيد عن التعصب الاعمى، أقول ذلك جازماً بصحة ما أدّعي”(۳۸).
واليوم نجد في المكتبة الإسلامية ما يقرب من خمسة آلاف كتاب ورسالة تهاجم اتباع أهل البيت(عليهم السلام)، وتنفّر الناس منهم، وقد عرضوا صورة سيئة عن عقائدهم إذ طرحوا التشيع كما يريدون لا كما هو.
ونتناول هنا بعض هذه الشبهات والردّ عليها.
۱ ـ تحريف القرآن الكريم:
زعم بعض الكتاب أن الامامية يقولون بتحريف القرآن، وهذه تهمة باطلة ردّها العلماء وكذبوا الروايات الواردة في هذا الشأن، حتى أنّ علماء السنة دافعوا عن الامامية قال الشيخ محمد الغزالي: “سمعت من هؤلاء من يقول في مجلس علم: ان للشيعة قرآناً آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف، فقلت له: أين هذا القرآن؟ ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق هذا الافتراء؟.. ولماذا هذا الكذب على الناس وعلى الوحي”(۳۹).
قال الشيخ الصدوق ـ شيخ محدثي الشيعة ـ: “اعتقادنا في القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيه محمد(صلى الله عليه وآله) هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنا نقول انه أكثر من ذلك فهو كاذب”(۴۰).
وقد ألّف أحد علماء أهل السنة كتاباً ليثبت تحريف القرآن أسماه “الفرقان” وردّ عليه علماء مصر في وقته(۴۱).
ويوجد في كتب أهل السنة روايات كثيرة تشير إلى تحريف القرآن وخاصة في صحيحي البخاري ومسلم(۴۲). فعن عائشة انها قالت: “كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرمن ثم نسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن”(۴۳).
والخلاصة ان هذه الروايات سواء التي عند الامامية أو التي عند أهل السنة، روايات مردودة، والقرآن محفوظ بحفظ الله له: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ۹) هذا هو رأي الامامية، أما مصحف فاطمة(عليها السلام) فهو ليس قرآناً آخر وانما فيه روايات تتصل بمستقبل الامة الإسلامية.
۲ ـ التقيّة:
قد يكون الفهم الخاطىء للتقية هو الذي يدعو البعض لمهاجمة الإمامية، إن الشيعة ليسوا باطنيين، فأمهات كتبهم التي منها أخذوا عقائدهم منتشرة، وهم يقومون بطباعتها ونشرها أمام الناس بمختلف مذاهبهم، فالتقية ليست خداع ومراوغة ونفاق كما يسميها البعض، ولكنها اخفاء الاعتقاد في بعض الظروف دفعاً لاذى الآخرين.
والتقية التي يشنع بها على الامامية، مشروعة في الاسلام، يقول مصطفى الرافعي: “والتقية عمل مشروع في الاسلام كما كان مشروعاً من قديم الزمان لدى جميع الشعوب والامم والاديان، ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة والعقل، فدليلها في القرآن قول الله تعالى: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْء إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً)(آل عمران: ۲۳).
وهذا يعني أنه يجوز مداراتهم من قبيل التقية دفعاً لأذاهم(۴۴).
وقد مارس الصحابة التقية التي يمارسها الشيعة، فهذا عمار بن ياسر(رحمه الله)أظهر بلسانه الكفر وقلبه مطمئن بالايمان فنزل قول الله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُو مُطْمَئِنٌّ بِالاِْيمَانِ)(النحل: ۱۰۶). وقال له رسول الله: “إن عادوا فعد، فقد انزل الله فيك قرآناً، وأمرك ان تعود إن عادوا إليك”.
إن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ونتيجة الظروف الصعبة التي مرت بهم كانوا يمارسون التقية كما مارسها عمار(رحمه الله) وهذا التشريع الذي نزل من أجل عمار هو تشريع لجميع المسلمين، إذا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
۳ ـ التربة الحسينية:
يتخذ الشيعة أقراصاً من التراب يسجدون عليها، وقد وجد بعض الكتاب هذا الأمر فرصة لمهاجمتهم، ولتوضيح هذه القضية نقول: إنّ القاعدة في المدرسة الإمامية أنّه لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتت ما عدا المأكول والملبوس، وبعد استشهاد الامام الحسين(عليه السلام) دأب الشيعة ـ وبتوجيه من أئمتهم(عليهم السلام) بالسجود على تربة كربلاء فهم يسجدون على التراب لا له كما يزعم بعض المغرضين، مثلما أهل السنة حين يسجدون على السجّاد يسجدون عليه لا له!
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يسجد على التراب حتّى الطين كما في صحيح البخاري(۴۵).
وقال(صلى الله عليه وآله): “جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً”(۴۶).
فالسجود على التراب جائز لانه جزء من الأرض، ولا فرق بين أن يسجد الانسان على التراب أو يعمل منه قرصاً يسجد عليه فهذا تراب وهذا تراب ولا عبرة بالشكل!
وتبقى مسألة السجود على التربة مسألة فقهية انفرد بها الشيعة عن المذاهب الاخرى كما أنّ لكل مذهب من المذاهب الأربعة مسائل خاصة به، انفرد بها عن سائر المذاهب، وقد اتّبع الشيعة في هذه المسألة وغيرها ما صحّ عن النبي(صلى الله عليه وآله).
(۱) الانتقاء، ابن عبد البر: ۱۴۵، مجموعة الرسائل المنيرية، الصنعاني: ۱ / ۲۸، حجة الله البالغة، الشاه دهلوي: ۱ / ۱۵۸٫
(۲) القول المفيد، الشوكاني: ۴۹٫
(۳) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ۳ / ۴۲، حجة الله البالغة: ۱ / ۱۵۷، “ملخّص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد” ابن حزم: ۶۶٫
(۴) (جامع بيان العلم وفضله)، ابن عبد البر: ۱ / ۷۷۵، تحقيق ابي الاشبال الزهيري، “معنى قول الامام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي” تقي الدين السبكي: ۱۲۵، تحقيق علي نايف بقاعي.
(۵) الإحكام في اصول الأحكام: ۶ / ۲۹۴٫
(۶) القول المفيد، الشوكاني: ۵۰٫
(۷) جامع بيان العلم وفضله: ۲ / ۳۳٫
(۸) آداب الشافعي ومناقبه، ابن ابي حاتم الرازي: ۹۳، “معنى قول الامام المطلبي…” السبكي: ۷۱٫
(۹) “الرد على من أخلد الى الأرض وانكر ان الاجتهاد وفي كل عصر فرض”، السيوطي: ۱۳۸٫
(۱۰) “مختصر المؤمل” ابو شامة الشافعي: ۶۱، مجموعة الرسائل المنيرية: ۱ / ۲۷٫
(۱۱) مجموعة الرسائل المنيرية: ۱ / ۲۷، إعلام الموقعين: ۲ / ۲۰۱٫
(۱۲) راجع “صفة صلاة النبي” الألباني: ۳۷٫
(۱۳) جامع بيان العلم وفضله: ۲ / ۱۰۸٫
(۱۴) “الاحوال الشخصية، محيى الدين عبدالحميد، بحث النسب، وراجع كتب الحنفية.
(۱۵) صحيح مسلم بشرح النووي: ۱۷ / ۱۶۰٫
(۱۶) المواقف: ۳۳٫
(۱۷) راجع المواقف في علم الكلام، والفروق للقرافي، والمذاهب الاسلامية لأبي زهرة: ۱ / ۱۶۳٫
(۱۸) الخطط المقريزية: ۲ / ۳۳۳٫
(۱۹) ترجمة الزمخشري، المطبوعة بالجزء الأخير من الكشاف: ۲ / ۴۹۸٫
((۲۰) الاصابة: ۱۷ ـ ۱۸٫
(۲۱) انظر سنن الدارمي: ۱ / ۵۱، مجمع الزوائد: ۱ / ۱۵۸، الطبراني في الكبير، الاتقان للسيوطي.
(۲۲) صحيح البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة): ۸ / ۱۵۷٫
(۲۳) شبهة التشبيه: ۳۸٫
(۲۴) شبهة التشبيه: ۳۸٫
(۲۵) تأويل مختلف الحديث: ۵۰٫
(۲۶) انظر مسند أحمد: ۵ / ۵۹۹، ومجمع الزوائد: ۱ / ۱۴۱، وجامع بيان العلم: ۱ / ۶۵٫
(۲۷) صحيح مسلم (كتاب فضائل الصحابة) باب من فضائل علي بن أبي طالب.
(۲۸) تذكرة الحفاظ: ۱ / ۳۶٫
(۲۹) النساء: ۵۹٫
(۳۰) البينة: ۷٫
(۳۱) آل عمران: ۱۰۳٫
(۳۲) النحل: ۴۳٫
(۳۳) التوبة: ۱۱۹٫
(۳۴) الاحزاب: ۳۳٫
(۳۵) آل عمران: ۶۱٫
(۳۶) الشورى: ۲۳٫
(۳۷) الاحزاب: ۵۶٫
(۳۸) من مقدمة حامد داود حفني على “عقائد الإمامية” للمظفر.
(۳۹) “دفاع عن العقيدة والشريعة”، وممن دفع هذه التهمة عن الامامية الشيخ محمد ابو زهرة، الشيخ رحمة الله الهندي، الاستاذ محمد المديني، الدكتور مصطفى الرافعي، الدكتور محمد عبدالله دراز…
(۴۰) رسالة الاعتقادات.
(۴۱) مجلة “رسالة الاسلام” العدد الرابع، مقال الاستاذ محمد المديني: ۳۸۲ ـ ۳۸۳٫
(۴۲) راجع صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا، وصحيح مسلم: ۴ / ۱۶۷، ومسند أحمد: ۵ / ۱۳۲٫
(۴۳) صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات.
(۴۴) “إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة”: ۱۳۵٫
(۴۵) الجزء الثاني، باب الاعتكاف في العشر الأواخر.
(۴۶) “صحيح البخاري” كتاب التيمم.
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية