- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
لقد ادَّعى أحمد الكاتب في بعض المحطات الفضائية أنه لم يجد دليلاً واحداً تاريخياً يدل على ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام، ومراده بالدليل التاريخي هو ثبوت الولادة بروايات صحيحة، وأعرض عن الأدلة العقلية التي تحتم ولادته ووجوده عليه السلام، وزعم أنه تحدَّى علماء الشيعة في ذلك، ولم يحصل منهم على جواب.
وبغض النظر عن المزاعم التي لا شأن لنا بها، فإنا نجيب على كلامه بأمور:
أولاً: أنه يجب الأخذ في إثبات ولادة الإمام المهدي عليه السلام بكل دليل تام صحيح، ولا معنى للاقتصار على الدليل التاريخي فقط، لأن كل دليل يجب التسليم به، ولا ميزة للدليل التاريخي على غيره من الأدلة، وصاحب الزمان قد ثبتت ولادته بالأدلة التاريخية والأدلة العقلية معاً كما سيتضح.
ثانياً: أن الأدلة الأخرى إما أدلة عقلية قطعية، أو أدلة ثبتت بالأحاديث الصحيحة، فهي في الحقيقة أهم من الدليل التاريخي الذي قد يناقَش فيه، لأنه مع ثبوت الدليل العقلي القطعي لا يُحتاج إلى الدليل التاريخي الظني، ومع ثبوت الروايات الصحيحة لا يعوَّل على أقوال المؤرِّخين.
ثالثاً: أن ثبوت ولادة أي شخص لا يُحتاج فيه إلى دليل تاريخي قطعي، وإلا لانتفى ثبوت كثير من الشخصيات المعروفة في التاريخ، فإن ولادتهم لم تثبت بدليل تاريخي قطعي متواتر.
رابعاً: أن ثبوت الولادات في عموم الأشخاص يُرجَع فيه إلى والد الشخص نفسه، فإذا ثبت عنه برواية واحدة صحيحة أنه قد اعترف بأنه قد وُلد له مولود، فحينئذ لا بد من تصديقه والإقرار له به، وسيأتي أن الإمام العسكري أقرَّ بأنه قد وُلد له الخلَف من بعده.
خامساً: أنا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي عليه السلام فإنه تلزم محاذير كثيرة لا يمكن التفصِّي منها، مثل خلو هذا العصر وما قبله من الأعصار من إمام صالح للإمامة، وخلو هذا العصر من إمام من العترة الطاهرة، ووقوع كل المسلمين في الإثم لعدم بيعتهم لإمام في هذا العصر… وغير ذلك من المحاذير الكثيرة التي لا يمكن التسليم بها.
سادساً: أنا إذا لم نقل بولادة المهدي عليه السلام وبقائه، فلا يكون أي مصداق في هذا العصر لحديث الثقلين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
فإذا لم يكن الإمام المهدي عليه السلام موجوداً فلا إمام من العترة الطاهرة يصلح للتمسك به، فلا يكون لهذا الحديث أي معنى في عصرنا، فيكون باطلاً، وهذا لا يمكن القول به، فإن جمعاً من علماء أهل السنة استفادوا من الحديث ـ كما هو الصحيح ـ وجود متأهِّل من أهل البيت يصلح للإمامة إلى أن تقوم الساعة، وإلا لافترق الكتاب عن العترة، وهذا ما نفاه الحديث.
سابعاً: أنَّا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي ووجوده فلا بد من القول بأن كل المسلمين في عصرنا وفي العصور السابقة لعصرنا ميتتهم ميتة جاهلية، لقوله صلى الله عليه وآله: مَنْ مات وليس في عنقه بيعة فميتته ميتة جاهلية.
ثامناً: أن الأدلة التاريخية (الروائية) تدل على ولادته عليه السلام، وهذه الأدلة نقسمها إلى طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات الدالة على أن المهدي هو التاسع من ولد الإمام الحسين عليه السلام:
فقد روى الصدوق في كتاب الخصال ۲/۴۷۵، وكمال الدين ۱/۲۶۲ بسند في غاية الصحة، عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا الحسين على فخذيه وهو يقبِّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيِّد ابن سيِّد، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حُجَج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم.
وروى الكليني قدس سره في كتاب الكافي ۱/۵۳۳ بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم.
ورواه الصدوق في الخصال ۲/۴۸۰ عن أبيه، عن علي بن إبراهيم كما في الكافي سنداً ومتناً.
والنتيجة أن هذه الرواية صحيحة السند، وهي دالة بوضوح على أن المهدي هو التاسع من ولد الحسين عليه السلام، ولا تاسع من ولد الحسين عليه السلام صالح الإمامة إلا الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.
الطائفة الثانية : التي دلَّت على ولادة الإمام المهدي عليه السلام.
فقد روى الكليني رحمه الله في الكافي ۱/۳۲۹ عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال: خرج عن أبي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري لعنه الله: هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه، وولد له ولد سماه (م ح م د) في سنة ست وخمسين ومائتين.
وقد روى هذا الحديث أيضاً الصدوق في إكمال الدين ص ۳۹۵، وكل الرواة وثَّقهم السيد الخوئي في معجم رجال الحديث، فراجع.
كما روى الشيخ الكليني قدس سره في الكافي أيضاً ۱/۳۲۸ عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلى من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده.
وروى أيضاً في الكافي ۱/۳۲۸ عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل. قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم. فقلت: فإن بك حدث فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة.
وهذا الحديث أيضاً سنده صحيح.
الطائفة الثالثة : التي دلت على أن بعض الناس رأوه:
وهي روايات كثيرة صحيحة السند، منها ما رواه الكليني في الكافي ۱/۳۲۹ عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأُغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل، وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكني أحببت أن أزداد يقيناً، وإن إبراهيم عليه السلام سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي.
وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته وقلت: مَن أعامل أو عمَّن آخذ، وقول مَن أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدَّى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعمها، فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً، وبكى ثم قال: سل حاجتك.
فقلت له: أنت رأيت الخلَف من بعد أبي محمد عليه السلام؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا – وأومأ بيده -. فقلت له: فبقيت واحدة. فقال لي: هات. قلت: فالاسم؟ قال: محرَّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلِّل ولا أحرِّم، ولكن عنه عليه السلام، فإن الأمر عند السلطان، أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً، وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه وهو ذا، عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك.
وروى الشيخ الكليني أيضاً في الكافي ۱/۳۳۱ عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح أنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول : ما بهذا أُمروا.
الطائفة الرابعة:ما دلت على أنه عليه السلام رآه جملة كبيرة من العلماء والصلحاء والمؤمنين في وقائع كثيرة وحوادث عديدة، حتى جمع بعض علمائنا، وهو الشيخ الطبرسي في كتابه (جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة) أكثر من ۱۶۰ حادثة فيمن رأوا الإمام المهدي عليه السلام .
وهذا الكتاب مطبوع في ذيل المجلد الثالث والخمسين من كتاب بحار الأنوار.
وقد اعترف برؤيته بعض علماء أهل السنة، منهم الشيخ حسن العراقي، فقد قال عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر): إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ… فهناك يُترقَّب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين هجرية، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام… هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي… عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص. (عن إسعاف الراغبين للشيخ محمد علي الصبان، ص ۱۵۴ ) ط البابي الحلبي بمصر، وذكر النبهاني في كتابه جامع كرامات الأولياء ۱/۴۰۰ قصة لقاء الشيخ حسن العراقي بالإمام المهدي عليه السلام.
ذكر من اعترف بولادة الإمام المهدي من علماء أهل السنة وأقر به:
۱ـ محمد بن طلحة الشافعي (۵۸۲-۶۵۲هـ): ذكر ذلك في كتابه (مطالب السَّؤول) في الباب الثاني عشر.
۲ـ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي (ت ۶۵۸هـ) : ذكر ذلك في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) في الباب الأخير منه، في الدلالة على جواز بقاء المهدي عليه السلام منذ غيبته.
۳ـ علي بن محمد المشهور بابن الصباغ المالكي (۷۸۴-۸۵۵هـ) : ذكر ذلك في كتابه (الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر منه، ص ۲۸۶ ، ۲۸۷٫
۴ـ سبط ابن الجوزي (۵۸۱-۶۵۴ هـ) : ذكر ذلك في كتابه (تذكرة الخواص) في الفصل المعقود للإمام المهدي عليه السلام، ص ۳۲۵٫
۵ـ عبد الوهاب الشعراني (۸۹۸-۹۷۳هـ): ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر) ، وقد ذكرنا عبارته فيما مرَّ.
۶ـ محي الدين بن عربي (۵۶۰-۶۳۸هـ): ذكر ذلك في الباب السادس والستين وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات المكية) .
۷ـ صلاح الدين الصفدي (۶۹۶-۷۶۴ هـ) : ذكر ذلك في كتابه شرح الدائرة (عن ينابيع المودة ، ص ۴۷۱).
وقد ذكر الميرزا حسين النوري قدس الله نفسه في كتابه (كشف الأستار)، ص ۸۹ أسماء أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر على بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام هو المهدي المنتظر، مع اعترافه قدس سره بقلة المصادر التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها في البلدان، ولعل من وقف على أكثرها يجد أضعاف هذا العدد.
الطائفة الخامسة: ما دل على أنه يغيب ويُشك في ولادته:
فقد روي في أصول الكافي ۱ ۳۳۷ /بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عبد الله بن موسى، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم. قال: قلت: ولم؟ قال: يخاف – وأومأ بيده إلى بطنه -. ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر الذي يُشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حَمْل [ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أمه ]، ومنهم من يقول: إنه وُلد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر، غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة . . الخ.
وفي أصول الكافي ۱/۳۴۰ بسند صحيح عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، والغيبة الأولى لا يَعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه.
الطائفة السادسة: ما دل على أن المهدي هو الحجة بن الحسن العسكري.
فقد روى الصدوق رحمه الله في كمال الدين ۲/۳۸۱ بسند صحيح، عن محمد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه. قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن كل ما تقدم نرى أنه لا مناص من الحكم بولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام بحسب دلالة الروايات الصحيحة التي ذكرنا بعضاً منها، وأن إنكاره مكابرة واضحة ممن يعتقد بروايات أهل البيت عليهم السلام المروية في كتب الحديث الشيعية كالكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه وغيره، ويسلك الطريقة المعروفة في تصحيح الأحاديث كما زعم أحمد الكاتب في كلامه.