- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
من الأبحاث الهامّة التي تبحث عادة في علوم القرآن قضية جمع القرآن، والعصر الذي تمّ فيه ذلك.
ونشير هنا إلى أن الجمع قد يطلق ويراد منه أحد أربعة معان
أولاً: الحفظ (في الصدور)
وقد فسّر البعض الأحاديث الواردة في أنّ بعض الصحابة جمع القرآن في عهد رسول الله بأنّهم قد حفظوه، مثل ما أخرجه النسائي عن عبد الله بن عمر انّه قال: جمعتُ القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي (ص) فقال: اقرأه في شهر….
وكذلك ما أخرجه ابن أبي داوود عن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله خمسة من الأنصار معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري.
ويبدو أنّ هناك عدداً من الصحابة كانوا يحفظون القرآن الكريم، وفي مقدّمتهم الإمام علي (عليه السلام) كما اشارت إليه مجموعة من النصوص.
الثاني: جمع القرآن بمعنى كتابته
وقد دلّت النصوص والشواهد التاريخية على كتابة القرآن الكريم بمجموعه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يكلّف بعض الصحابة بكتابة القرآن حتى عُرفوا بكتّاب الوحي، ولا تميّز لبعض الآيات دون غيرها لتختص بالكتابة، كما أشارت مجموعة من النصوص الى ذلك، مثل ما رواه الحاكم عن زيد بن ثابت، قال: كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نؤلف القرآن من الرقاع “قال الحاكم”: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين “وفيه الدليل الواضح انّ القرآن انّما جُمع على عهد رسول الله” قال البيهقي: يشبه أن يكون انّ المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرّقة وجمعها فيه بإشارة النبي( (صلى الله عليه وآله وسلّم) ).
الثالث: الجمع بمعنى حفظه (مكتوباً) من الضياع
وقد اختلف الباحثون في ذلك، فبينما يرى أغلب علماء الجمهور انّ هذا الجمع قد تمّ في عهد الخلفاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) – على اختلاف بينهم في تحديد الخليفة الذي تمّ هذا الجمع في عهده – اعتماداً على عدد من النصوص التي رووها في مصادرهم..
منها ما رواه البخاري عن عبيد بن السبّاق “انّ زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ارسل إليّ أبو بكر الصديق مقتَل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: انّ عمر أتاني فقال: انّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وانّي أخشى إنّ استحرّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنّي أرى أنّ تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد قال أبو بكر: “إنّك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فتتبّع القرآن فاجمعه” فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن.
قلتُ: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: هو – والله – خير. لم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
فتتبّعت القرآن أجمعه من العُسُب واللِّخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه”.
وفي مقابل ذلك يرى شيعة آل البيت أنّ هذا الجمع قد تمّ في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كما تشهد به مجموعة من النصوص التي سنشير إليها، وكذلك الشواهد الأخرى، إذ لم يعهد اختلاف المسلمين في القرآن في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) – إلاّ في إطار ضيّق كاللهجة ونحوها – ممّا يؤكد كونه مكتوباً ومحفوظاً، لأنّ فرضية الاقتصار على حفظه في النفوس تستدعي اختلافهم في آياته بسبب النسيان واضطراب الحافظة لدى الإنسان العادي. كما ان كتابته على العسب و اللخاف ونحوهما – من القراطيس البدائية – من دون حفظه يعرّضه للضياع، والاختلاف فيه، و ذلك لا ينسجم مع موقعية القرآن الكريم ومكانته لدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) واُمته.
الرابع: الجمع ضمن مصحف واحد
وقد اختلف الباحثون في ذلك فيرى بعضهم أنّه قد تمّ في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) مستشهدين بمجموعة من الشواهد، منها ان القرآن كان له حفظة ومدرّسون ممّا يكشف عن جمعه ضمن المصحف، وكذلك حديث الثقلين الدال على كونه مجموعاً ضمن كتاب جامع.
ويرى الفريق الآخر أن هذا الجمع قد تحقق بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلّم) مستشهدين بمجموعة من النصوص المروية من الفريقين.
منها: النصوص الدالة على أنّ أول من جمع القرآن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مثل ما رواه علي بن إبراهيم بسنده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي: يا علي، القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة، فانطلق علي فجمعه في ثوب أصفر، ثمّ ختم عليه في بيته، وقال: لا ارتدي حتى أجمعه، وإن كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه..”.
وروى المتقي الهندي عن محمد بن سيرين قال: “لمّا توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلاّ الجمعة، حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل”، وقال ابن النديم: ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه الله مصحفاً قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب، يتوارثه بنو حسن.
وقال ابن شهرآشوب: “وفي أخبار أبي رافع انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: يا علي هذا كتاب الله خذه إليك، فجمعه علي في ثوب ومضى الى منزله فلمّا قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) جلس علي فألّفه كما أنزل الله وكان به عالماً.
وليس هناك اثر عملي مهم يترتب على العصر الذي تمّ فيه هذا الجمع بعد أن اثبتنا انّ الجمع بالمعنى الثالث قد تمّ في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم).
الخامس: جمع القرآن بمعنى توحيد المصاحف
ويبدو من مجموعة من النصوص انّ توحيد المصاحف قد تحقّق في عهد عثمان بن عفان بعد أن تعدّدت مصاحف الصحابة وتمايزت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فقد روى البخاري بسنده عن ابن شهاب انّ انس بن مالك حدّثه “انّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربايجان مع أهل العراق، فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان الى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك. فأرسلت بها حفصة الى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانّما نزل بلسانهم، ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف الى حفصة، فأرسل الى كل أفق بمصحف ممّا نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
والمقصود بهذه الآفاق كبريات الحواضر الإسلامية. قال ابن أبي داوود: كانت ستة حسب الأمصار المهمة ذوات المركزية الخاصة، مكة والكوفة والبصرة والشام والبحرين واليمن، وحبس السابعة – وكانت تسمى الأم أو الإمام – بالمدينة، وزاد اليعقوبي مصر والجزيرة.