- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
عن الإمام الصادق عليه السلام: “غنى النفس أغنى من البحر”۱٫
اذا ثبت أن الإنسان صاحب إرادة يستطيع أن يغيِّر سلوكه وخلقه النفسي، يطرح سؤال: ما دام حديثنا عن النفس وغناها ما هو الذي يقوِّي النفس وما الذي يضعفها؟
وبعبارة أخرى: ما هو الذي يقوِّي إرادة النفس، وما الذي يضعفها؟ فإن جهاد النفس والسيطرة عليها هو غناها، فكيف نسيطر عليها؟
ما يقوّي إرادة النفس
۱- إن من أهم الأمور التي تقوّي الإرادة بل هو أساس الإرادة (العقل) وتنميته بالتفكُّر والتدبُّر، فالعلاقة قوية بين العقل والإرادة، فكلَّما كان التعقّل قوياً كانت الإرادة أقرب إلى القوَّة، وإذا هبط عنصر التعقُّل كانت الإرادة أقرب إلى الضعف.
إن من أهم الأمور في تدعيم الإرادة أن لا يعطِّل الإنسان عقله، هذا العقل الذي يتفكَّر ويوازن الأمور فيعرف أن يصل إلى الحقيقة والصواب. يقول الإمام الخميني قدس سره: “اعلم أن أول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق، هو التفكُّر…”۲، والتفكُّر أداته العقل، فمن لا عقل له لا تفكُّر له.
۲- الأمر الآخر الذي هو نتيجة تفكُّر العقل (الإيمان باللَّه تعالى وبالآخرة والثواب والعقاب) فإن الإيمان الحقيقي القوي دعامة قويَّة لتقوية وتثبيت الإرادة، فمن لا إيمان له لا صبر له ولا إرادة، والعكس صحيح.
يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “الصبر (وهو إرادة)من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان”۳٫
۳- من الأمور المساعدة على تقوية إرادة النفس العبادات الواعية لا العبادات الجَّافة، الصلاة والصوم والدعاء وقراءة القران العظيم.
مثلاً يقول تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾(العنكبوت:۴۵) فنلاحظ أن عبادة الصلاة تقوي إرادة الإيمان، فينتهي الإنسان العابد عن الفحشاء والمنكر.
۴- السيطرة على الخيال، هذا الخيال مهم جدّاً السيطرة عليه، لأننا نعرف أن مقدِّمة السقوط في المعاصي هو التفكُّر فيها وتخيُّلها بما تتضمنه من ملذّات وتزيينات.
يقول الإمام الخميني قدس سره: “اعلم أن الشرط الأول للمجاهد في هذا المقام (جهاد النفس) والمقامات الأخرى، والذي يمكن أن يكون أساس التغلُّب على الشيطان وجنوده، هو إمساك طائر الخيال، لأن هذا الخيال طائر متحلِّق يستقر في كلِّ آن على غصن ويجلب الكثير من الشقاء. وإنه من إحدى وسائل الشيطان التي جعل الإنسان بواسطتها مسكيناً عاجزاً ودفع به نحو الشقاء.
وعلى الإنسان المجاهد… أن يمسك بزمام خياله وأن لا يسمح له بأن يطير حيثما يشاء، وعليه أن يمنع من التحليق في الخيالات الفاسدة والباطلة، والمعاصي والشيطنة، وأن يوجه خياله دائماً نحو الأمور الشريفة. وهذا الأمر ولو أنه قد يبدو في البداية صعباً بعض الشيء، ويصوِّره الشيطان وجنوده لنا وكأنه أمر عظيم، ولكنه يصبح يسيراً بعد شيء من المراقبة والحذر…”۴٫
۵- ومن الأمور التي تساعد على السيطرة على الخيال وحديث النفس (ذكر اللَّه تعالى) لأن الخيال والنفس إذا لم يملئا بذكر اللَّه فيخشى أن يملئا بالأهواء النفسية والخيالات المنحرفة.
يقول الإمام الخميني قدس سره: “ومن الأمور التي تعين الإنسان وبصورة كاملة في مجاهدته للنفس والشيطان… هو (التذكُّر)… والذكرى في هذا المقام، هي عبارة عن ذكر اللَّه ونعمائه التي تلطف بها على الإنسان…”۵٫
۶- ومن الأمور الضرورية للمجاهد (المشارطة والمراقبة والمحاسبة)، فالمشارط هو الذي يشارط نفسه في أول يومه على أن لا يرتكب اليوم أي عمل يخالف أوامر اللَّه، ويتخذ قراراً بذلك ويعزم عليه… وبعد هذه المشارطة عليك أن تنتقل إلى “المراقبة”، وكيفيتها أن تنتبه طوال مدّة المشارطة إلى عملك…
وأما “المحاسبة” فهي أن تحاسب نفسك لترى هل أدّيت ما اشترطت على نفسك مع اللَّه… إذا كنت قد وفيت حقاً، فاشكر اللَّه على هذا التوفيق… فواظب على هذا العمل فترة، والمأمول أن يتحوّل إلى ملكة۶٫٫٫
۷- (علُّو الهمّة وبعدُ الهدف) فكلّما كان هدف الإنسان في حياته سامياً كلّما سمت إرادته، وهذا يدخل في باب (نيَّة الإنسان) فإن نيَّة الإنسان مهمَّة في تفعيل إرادته. أما ما يضعف الإرادة تستطيع أن تقابل ما ذكرنا سابقاً بأضدادها…
فالجهل، وعدم الإيمان باللَّه واليوم الآخر، والاستسلام للخيال المنحرف والوساوس الفاسدة وحديث النفس المتسافل، ونسيان اللَّه وعدم ذكره، وعدم مراقبة النفس ومحاسبتها، وتسافل الهمَّة وفقدان الهدف العالي، والنيَّة السيئة، وترك العبادات، كلُّها أسباب تنتج ضعف الإرادة النفسية. بالإضافة إلى كثرة المعاصي، فكلّما ازداد الإنسان في المعاصي كلّما ضعفت إرادته وكلّما ابتعد عن المعاصي كلّما قويت إرادته، ﴿كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾(المطففين:۱۴).
ومن أشد المعاصي تأثيراً على ضعف الإرادة شرب الخمر وتعاطي المخدَّرات وسماع الأغاني المحرّمة التي تثير الشهوات، وتنسي اللَّه تعالى، وتربط الإنسان بالدنيا وتنسيه الآخرة. يقول الإمام الخميني قدس سره: “وإنّ التجرؤ على المعاصي يفقد الإنسان تدريجياً العزم ويختطف منه هذا الجوهر الشريف. يقول الأستاذ المعظم ويقصد المرحوم الشاه آبادي (رض): (إن أكثر ما يسبب فقد الإنسان العزم والإرادة هو الاستماع للغناء…)”۷٫ ومما يضعف العزم والإرادة أيضاً، البيئة الفاسدة والمجتمع المنحرف والصداقات غير الصابرة والإعلام الفاسد.
نماذج قويَّة الإرادة
قوّة الإرادة النفسية تتصوّر على أنحاء ثلاثة
۱- الصبر على الطاعة، كالصلاة والصوم وما أشبه.
۲- الصبر عن المعصية، كأن يصبِّر نفسه عن اقتراف الحرام.
۳- الصبر على المصائب، كالصبر على البلاء والشدّة.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “الصبر ثلاثة، صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية…”۸
وهنا نعطي بعض النماذج التي تمثل الصبر والإرادة والعزيمة، عسى أن تكون لنا قدوة نقتدي بها في حياتنا.
أ- الصبر على المصيبة: هذا النوع من الصبر يمثله صبر أيوب وصبر يعقوب على فراق ولديه (يوسف وأخيه)، وصبر أيوب عليه السلام أصبح مضرب مثل عند الناس، حيث يقولون: “يا صبر أيوب”.
ب- الصبر عن المعصية: لقد خلَّد لنا القران تجربة مهمَّة في هذا المجال، مرَّ بها النبي يوسف عليه السلام حيث صبر صبراً مهمّاً عن معصية اللَّه المشرّعة أمامه حيث دعته إليها امرأة العزيز مع ملاحظة الأسباب التي تقوي معها دواعي الموافقة:
۱- فإنه كان شاباً وداعية الشباب إليها قوية.
۲- وعزباً، ليس معه ما يعوِّضه ويرد شهوته.
۳- وغريباً، والغريب لا يستحي في بلد غربته كما يستحي في بلده.
۴- والمرأة جميلة وذات منصب، وقد غاب الرقيب (إلا اللَّه وملائكته) وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص.
۵- ومع ذلك توعدّته إن لم يفعل بالسجن والصغار. ومع هذه الدواعي كلها، صبر طاعة للَّه تعالى وبعداً عن الفجور. إن الشباب المؤمن بحاجة وخاصة في هذه الأيام التي تنتشر فيها دواعي الفساد، بحاجة إلى الإقتداء بالنبي يوسف العظيم، بإرادته وجهاده لنفسه، فإنه نعم القدوة والأسوة.
ج- الصبر على الطاعة: مثاله صبر إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام وهذا نموذج رفيع من نماذج الصبر، أن يقدِّم الإنسان ابنه للَّه هذا يحتاج إلى صبر وإرادة عظيمين.
وأبرز مثال على ذلك: صبر الإمام الحسين عليه السلام، هذا الإمام العظيم الذي صبر صبراً عظيماً لتنفيذ أمر اللَّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقدَّم نفسه وأولاده وأرحامه وأصحابه، قرباناً للَّه وطاعة لأمره، إن تاريخ الإسلام عامر بالنماذج الصابرة، ولو أردنا أن نفصِّل لطال بنا المقام، ولكن أحببنا أن نشير إلى هذه النماذج لتكون قدوة لنا ونبراساً نهتدي به، فإن في العيش مع هكذا نماذج قوَّة للإنسان وتسلية لقلبه، ولن ننسى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان قمَّة الصبر في الأقسام الثلاثة، وهو أسوتنا وقدوتنا ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًاً﴾(الاحزاب:۲۱).
نماذج ضعيفة الإرادة
في التاريخ نماذج عديدة لضعف الإرادة، وأبرز مصداق لمجتمع ضعيف الإرادة، هو المجتمع الروماني، وقد مرَّ عليكم بعض الكلام عن مفاسدهم، وكتب التاريخ لا تنسى ذكر مفاسدهم.
وإنكم لتجدون في عصرنا هذا أمثلة كثيرة على شخصيات ضعيفة الإرادة، غير صابرة في المجالات الثلاثة للصبر، وأكبر مثال على ذلك الشخصية الغربية، فهي شخصية لا إرادة لها، ولا صبر، فإذا أردتم معرفة حقيقة المجتمع الغربي، فما عليكم إلا أن تطالعوا الصحف، فإنه لا تخلو الصحف يومياً من خبرٍ عن مفاسد هذا المجتمع التعيس.
إن من أسباب ضعف الشخصية الغربية فضلاً عن السبب الرئيسي وهو بعدها عن الدين الفطري الصحيح أنها لا تقوم بتقوية إرادتها، بجهاد النفس وبترويضها. إن النفس إذا تُركت بلا ترويض ولا جهاد ولا مراقبة، تتفكّك وتنحل وتضعف وهذه مقولة مؤيدة بالوجدان والتجربة. وهذا ما حصل مع الإنسان الغربي الذي استسلم لهواه، ولم يكبح جماح شهواته، فسقط في الهاوية، وسيأتي اليوم الذي تسمعون فيه بسقوط الحضارة الغربية بيديها.
خاتمة
أيها الشباب المسلم تمسَّكوا جيداً بدينكم، الذي يغنيكم ويقويكم، وإياكم أن تنهزموا أمام الثقافة والعادات الغربية، التي هي أشبه بالجاهلية الأولى، فإنّكم إن مشيتم كما مشوا فستسقطون في الهاوية كما سقطوا.
جاهدوا أنفسكم، وقووا إرادتكم، ولا تتركو للأهواء والشهوات أن تتحكَّم بكم، فإن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر وهو الذي يساعد على الجهاد الأصغر، فإذا سقطت أنفسكم ولم تعرفوا أن تصلحوها، فإنه ستضعف إرادة جهاد الأعداء، وسنسقط في قبضتهم.
عن الإمام الصادق عليه السلام: “أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية، فلما رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول اللَّه، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس”۹٫
موعظة للعبرة
اعلم أيها العزيز أنه مثلما يكون لهذا الجسد صحة ومرض، وعلاجاً ومعالجاً، فإن للنفس الإنسانية أيضاً صحة ومرضاً، وسقماً وسلامة، وعلاجاً ومعالجاً.
إن صحة النفس وسلامتها هي الاعتدال في طريق الإنسانية، ومرضها وسقمها هو الإعوجاج والانحراف عن طريق الإنسانية، وإن الأمراض النفسية أشد فتكاً بالاف المرات من الأمراض الجسمية، وذلك لأن هذه الأمراض إنما تصل إلى غايتها بحلول الموت.
فما أن يحل الموت، وتفارق الروح البدن، حتى تزول جميع الأمراض الجسمية…، ولا يبقى أثر للالام أو الأسقام في الجسد، ولكنه إذا كان ذا أمراض روحية وأسقام نفسية لا سمح اللَّه فإنه ما أن تفارق الروح البدن… حتى تظهر الامها وأسقامها.
إن مثل التوجه إلى الدنيا والتعلق بها، كمثل المنحدر الذي يسلب الإنسان شعوره بنفسه. فعندما يزول ارتباط الروح بدنيا البدن، يرجع إليها الشعور بذاتها، ومن ثم الإحساس بالالام والأسقام التي كانت في باطنها… وتلك الالام إما أن تكون ملازمة لها (للروح) ولا تزول عنها أبداً، وإما أن تكون قابلة للزوال. وفي هذه الحال يقتضيها أن تبقى الاف السنين تحت الضغط والعناء والنار والإحتراق قبل أن تزول، إذ أن اخر الدواء الكي… إن منزلة الأنبياء هي منزلة الأطباء المشفقين، الذين جاؤوا بكل لطف ومحبة لمعالجة المرضى، بأنواع العلاج المناسب لحالهم، وقاموا بهدايتهم إلى طريق الرشاد…
إن الأعمال الروحية القلبية والظاهرية والبدنية هي بمثابة الدواء للمرض، كما أن التقوى… بمثابة الوقاية من الأمور المضرة… ومن دون الحمية لا يمكن أن ينفع العلاج، ولا أن يتبدل المرض إلى الصحة۱۰٫
_________
۱- بحار الأنوار، المجلسي، ج۷۲، ص۱۰۵٫
۲- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص۲۴٫
۳- أصول الكافي، الكليني، ج۲، ص۸۷٫
۴- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص۴۵٫
۵- ن.م، ص۲۷٫
۶- انظر: ن.م، ص۲۶٫
۷- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص۲۵٫
۸- أصول الكافي، الكليني، ج۲، ص۹۱٫
۹- فروع الكافي، الكليني، ج۵، كتاب الجهاد، باب وجود الجهاد، ص۳٫
۱۰- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص۲۰۱، ط ۱۹۹۱، دار التعارف.
المصدر: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)