- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
إن علاقتنا وارتباطنا بالإمام الحسين عليه السلام علاقة وطيدة وارتباط وثيق، كيف ونحن نرتبط به بعدة إرتباطات –إن صح التعبير- وليس بارتباط واحد أو برابطة واحدة، فنحن نرتبط به عقدياً، وروحياً (دينياً)، وتاريخياً، وفكرياً، وثقافياً، و… بالإضافة إلى أننا نرتبط به عاطفياً، فارتباطنا بالحسين (ع) ليس مقتصراً فقط على بعد واحد، هذا وإن كان ارتباطنا به عاطفياً هو السمة الأبرز، إلا أن ذلك لا يعني أنه إرتباط عاطفي فارغ من أي عنوان أو محتوى آخر، فهو إرتباط عاطفي عقدي، وعاطفي روحي، وعاطفي فكري، وعاطفي تاريخي، بل لا نبالغ لو قلنا بأنه يمكن أن يكون إرتباط عاطفي عقلاني، وذلك إذا كان مبنياً على أسس عقلانية أو عقلائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإننا لو تبحثنا وفتشنا جيداً عن أسباب هذا الإرتباط العاطفي لرأيناه أيضاً يعود لأسباب دينية (عقدية وروحية)، وأخرى فكرية وتاريخية وغيرها، فالأمور متداخلة ومتشابكة فيما بينها إلى حد كبير، ولعلي لا أبالغ لو قلت بأن لكل منا علاقته العاطفية الخاصة بالإمام الحسين (ع)، والتي قد لا يشاركه فيها أحد سواه، وإن كانت هذه العلاقة منضوية تحت عنوان من العناوين الأخرى، إلا أن البعد العاطفي تراه واضحاً فيها.
ولهذا من الصعوبة أن يشكك أحداً في صدق حبنا للحسين (ع) أو في صدق حزننا عليه وتأثرنا بمصابه، وذلك لأن هذا العنوان هو العنوان الأبرز الذي يعرفه المُآلف والمخالف عن تاريخ علاقتنا به عليه السلام، ولكن حتى وإن كانت هذه العاطفة الصادقة (الحب له والحزن عليه) من السمات البارزة في علاقتنا به، إلا أن ذلك لا يعني بأنها –أي هذه العاطفة- صحيحة بكاملها (بتفاصيلها الدقيقة وبكل جزئياتها)، إذ قد يشوبها في بعض الأحيان خلل كبير وواضح يشوهها ويظهرها بخلاف واقعها المفترض.
وإننا إذ ننقد هذا الخلل، فإن هذا لا يعني بالضرورة بأننا نشك أو نشكك في صدق عاطفة من يقع فيه ويمارسه أو يمارس بعض أشكاله، ولا نشكك كذلك في صدق عاطفة من يدعمه ويروج له، فالصدق وحسن النية لا يعصم الإنسان من الخطأ، وإثبات وقوعه لا يتنافى كذلك مع إحسان الظن بمن يقع فيه.
الحسين: (ليس هكذا)
إن شخصية الإمام الحسين عليه السلام هي شخصية عظيمة بكل ما للكلمة من معنى، فهو القائد المصلح القوي، البطل، المقدام، الفذ، المتفرد، الجلد، الصامد، الذي أعلن عن أهدافه بكل وضوح، ورسم خطوطها التنفيذية بدقة متناهية، وسار عليها بعزيمة وإصرار وثبات، وصمد بكل قوة ولم يتراجع أو يتوانى عنها، وعلى الرغم من كل ما لا قاه من المآسي والمحن، إلا أنه بقي ثابتاً وصامداً في مواقفه على أهدافه التي أعلنها قبل وصوله إلى أرض كربلاء، ألم يقل عليه السلام في المدينة المنورة للوليد عندما طلب منه البيعة ليزيد ابن معاوية: ((مثلي لا يبايع مثله))! وهو هنا كما أعتقد لا يتكلم عن المثلية في النسب، وإنما يتحدث عن المثلية من ناحية العمل والسلوك، أي مثلي كمصلح لا يبايع مفسداً كيزيد ابن معاوية.
وكذلك نراه قد أوضح أهدافه، وأعلن عنها بكل وضوح عندما عزم على الخروج بقوله: ((إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)). وكان عليه السلام يعلم بأن خروجه هذا لن ينتهي إلا باستشهاده،
ومع ذلك أصر على ذلك ولم يتراجع قيد أنمله، ألم يقل في إحدى خطبه: ((خـُطَّ الموتُ عَلى وُلد آدمَ مَخَطَّ القِلادة عَلى جِيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوب إلى يوسف !. وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه . كأني بأوصالي تقطـّعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأنَ مني أكراشاً جـُوَفاً وأجربةً سُغباً)).
وعلى الرغم من قلة العدد وخذلان الناصر، وعلى الرغم من كل المصائب والمآسي والمحن والظلم الذي لحق به وبأهل بيته عليهم السلام، إلا أنه وقف صامداً أمام كل هذه العواصف، ولم يهتز أو يتردد أو يتراجع، بل لم يفكر بالتراجع أصلاً، لا عن أهدافه ولا عن مواقفه الثابتة، لأنه الواثق والمصمم على المضي فيما كان يهدف إليه، ألم يقل في إحدى خطبه: ((ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة)).
وحتى بعد مقتل جميع أصحابه وبعض أبناءه وأهله، نراه ذلك البطل الجلد الذي لا ينكسر، ولا يخضع أو يخنع، إذ قاتل بكل تفاني وإخلاص من أجل قضيته التي يؤمن بها حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، حتى أن بعضهم ممن كان حاضراً في واقعة الطف تعجب منه بقوله: ((فوالله ما رأيت مثكولا قد قُتِلَ وِلْده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مَقْدماً منه والله ما رأيت قبله ولا بعده، ولقد كانت الرجال تشدُّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزة إذا شدَّ فيها الذئب)). وهذا كله يدل على عظمة هذه الشخصية العظيمة الثابتة الصامدة التي لا تضعف ولا توهن عزيمتها مهما تعرضت له من نكبات.
أجل، هذا هو الحسين (ع) في واقعه وحقيقته، في قوته وشدته، وفي تفانيه وصبره، وفي صموده وإصراره، وليس هو كما يصوره البعض من المحبين له –من حيث لا يشعرون- بأنه ذلك الضعيف، المسكين، الذليل، المهان، المهزوم، المنكسر، المغلوب على أمره، الذي قتلوا جميع أصحابه، وحرموه من الماء حتى أخذ يستجدي القوم لكي يسقوه ماءً أو قطرةً من الماء، والذي ارتبك وضعف نفسياً بعد ما قتل جميع أصحابه، وأخذ ينادي ويطلب العون والنجدة، قائلاً: ((ألا من ناصر ينصرنا))، وذلك لكي ينقذوه ويخلصوه من هذا المأزق الخطير الذي وقع فيه، وغيرها من الأمور التي لا تفيد إلا لإطلاق العبرات واستجرار الدموع.
الحسين ليس هكذا أبداً، صحيح أنه كان عطشاناً، وصحيح أنه قتل أصحابه وأخوه وأبنه وبعض قرابته، وصحيح أنه بقي وحيداً فريداً لا ناصر له ولا معين، وصحيح أيضاً أنه قد قال: “ألا من ناصر ينصرنا”، إلا أن ذلك كان منه ليس من أجل ضعفه وتهالكه النفسي، فروحه المعنوية كانت في أعلى درجاتها، فهي لم تنهزم لأنها لا تعرف الانهزام، ولكنه قد قال ذلك باعتقادي من أجل إقامة الحجة على هؤلاء القوم،
ومن أجل أن ينضم إليه من يشاركه ويعاونه على تحقيق أهدافه النبيلة المتمثلة في الإصلاح وفي الوقوف في وجه الباطل المتمثل حينذاك في يزيد ابن معاوية وأتباعه، وليس لأنه خائف وذاعر من الموت، ويطلب المساعدة لهذا السبب كما يصوره أو يتصوره البعض منا (من غير قصد). أليس أصحابه الذين كانوا معه كانوا كما وصفهم بقوله: ((يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه))، فإذا كان هذا هو حال أصحابه، فكيف إذاً بحاله هو عليه السلام؟!
أقول قولي هذا ليس فقط من أجل العاطفة التي تربطني بالإمام الحسين (ع)، لأنه قد يقول قائل: بأن كلامك هذا منشأه العاطفة وليس العقل، ولأجل ذلك أنت لا تقبل أن يكون الحسين (ع) بهذا الصورة، وإلا ما هي المشكلة أن يكون كذلك إذا كان الأمر يعرض كصورة مستوحاة فقط للتفاعل والبكاء.
ولهؤلاء أقول: قد يكون ما قلته يعبر عن عاطفتي الحسينية -إن صح التعبير- بوجه من الوجوه، إلا أن ذلك لا يعني بأنه خطأ وغير صحيح، فالعاطفة ليست بالضرورة مختلفة ومتناقضة مع العقل، ولهذا أنا أرفض تصوير أو تصور الإمام الحسين (ع) بهذه الشاكلة أو حتى الإيحاء بها، سواءً في الخطب والكلمات أو في الأبيات الشعرية أو حتى في التصور الذهني، خصوصاً إذا كان ذلك يعرض وكأنه حقيقة وواقع، لأنني أرى ذلك مسيء للإمام الحسين (ع)، كما أنه كذلك لا يتفق مع عقيدتنا واعتقادنا فيه، ولا ينسجم أيضاً مع أقواله وسيرته عليه السلام.
فنحن نعتقد بأن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم مفترض الطاعة، ونعتقد كذلك بأن عنده جميع كمالات ومقامات الأئمة المعصومين عليهم السلام، وهذه الصورة التي تحدثنا عنها سابقاً، لا تتوافق مع هذا الاعتقاد، بل على العكس تماماً إذ نراها تقف في مساحة بعيدة عنه، ولعلها في الجهة المقابلة له.. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، وبغض النظر عن الجانب العقدي في الموضوع، فإن أقواله وسيرته (ع) تتنافى مع هذا الأمر، ألم يقل: ((لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل))، و((هيهات منا الذلة)) وغيرها من الأقوال المأثورة عنه؟! ألم يثبت ويصمد على أهدافه ومواقفه حتى استشهاده؟! ولهذا نقول: إننا إذا قارنا ما يعرضه البعض منا عن سيرة الإمام الحسين (ع) مع اعتقادنا فيه ومع أقواله وأفعاله التي ننقلها عنه، فإننا سنجدها لا تنسجم أبداً معها، إذ نبدو وكأننا نتحدث عن شخصيتين مختلفتين وليس عن شخصية واحدة.
وكذلك نجد البعض منا أيضاً يصور أو يتصور السيدة الجليلة زينب عليها السلام، بأنها شخصية ضعيفة، منزعجة، مذلولة، مهزوزة، منكسرة، … التي لم تتمالك أعصابها وفقدت اتزانها بسبب فقد أخوتها وأحبائها، وهذا لا ينسجم أبداً مع تاريخها وجهادها وأقوالها ومواقفها، ألم تكن المسئولة عن إدارة العائلة الحسينية بعد استشهاد الإمام (ع)؟! ألم تقف في مجلس يزيد ابن معاوية الذي قتل أخاها وتتحداه بكل قوة وصمود وشجاعة بقولها له: ((فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، والله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد)). بالله عليكم هل هذا المنطق يمكن أن يصدر عن المرأة الضعيفة، الذليلة، المهانة، المهزومة، المنكسرة؟! فإذا كان يمكن ذلك، فلا أدري كيف سيكون منطلق المرأة القوية الصامدة؟!
والغريب في الأمر، أن أصحاب التفكير التقليدي (التقليديين) الذين دائماً ما يقولون بأنهم حريصين على العقيدة، وحريصين على الحفاظ على كرامات ومقامات المعصومين عليهم السلام، ويعلنون أنهم يقفون ضد الإساءة أو الانتقاص من مقاماتهم عليهم السلام، ويعدون أنفسهم (حماة الدين وحراس العقيدة)، هم من أكثر الناس تصويراً وترويجاً لهذه الصور المسيئة للإمام الحسين (ع)، وذلك لأنهم يركزون على الجانب المأساوي فقط حتى يُبكون الناس ويبكون، ويغفلون ولا يفكرون في ما تحمله هذه الصور والعبارات من دلالات فيها ما فيها من الإساءة البالغة التي لا تليق بمقام سيد شباب أهل الجنة.
إنني أعتقد بأن لهذا التصور أثره السلبي حتى على حياتنا وواقعنا، فنحن وإن كنا ندعي أننا نقتدي بالحسين (ع)، إلا أننا نبتعد عنه في الكثير من المواقف، فعلى الرغم من أننا نلهج بشعارات الحسين (ع) ونصرخ ونصيح بأعلى أصواتنا قائلين كما قال: “هيهات منا الذلة” و”لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل” ولكننا وللأسف نعيش الذل والهوان في أنفسنا، وربما يفضل البعض منا حياة الذل والمسكنة والمهانة، ويقبلها ويتقبلها، بحجة أننا مظلومين كإمامنا الحسين المظلوم، غير أن هذه المقارنة غير صحيحة بأساسها أصلاً، فصحيح أن الإمام الحسين (ع) مظلوم، ولكنه مظلوم عزيز وحر، وليس بمظلوم ذليل ومستعبد، وصحيح أن الإمام الحسين (ع) مظلوم، ولكنه مظلوم لم يقبل بالظلم، أما نحن فمظلومين ولكننا قابلون بالظلم وغير رافضين له، وشتان بين من يُظلم وهو قابل ومتقبل، وبين من يظُلم وهو معترض وغير متقبل، وهناك فرق أيضاً بين من يُظلم ولا يعين ظالمه على ظلمه، وبين من يُظلم وهو يعين ظالمه على ظلمه !
وهذا الأمر بإعتقادي ليس موجوداً فقط عندنا كأفراد، ولكنه أيضاً موجود عندنا كجماعات وكمجتمعات وكدول، فمثلاً هل دولنا في مواقفها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الكيان الصهيوني أو الدول العظمى تقول: “لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الأذلاء” وتتعامل معهم بمنطق “هيهات منا الذلة”، أم أنها تتعامل معهم بكل ذل ومهانة ومسكنة؟!
ولعلي لا أبالغ لو قلت بأن دولنا ليس مذلولة ومهانة من هذه الدول فقط، ولكنها مذلولة في نفسها، لأنها أيضاً مستعدة لإذلال نفسها حتى دون أن تطلب أو تقوم هذه الدول بإذلالها؟! وذلك لأننا مذلولين ومنكسرين في نفوسنا، وتعودنا على أن نكون كذلك، ومن يكون هذا شأنه أمام نفسه، لا يمكن أن يعرف العزة والكرامة أمام غيره.
نحو قراءة أخرى لشخصية الإمام الحسين (ع):
نحن بحاجة لقراءة أخرى لشخصية الإمام الحسين عليه السلام، قراءة أخرى معاصرة تناسب هذا العصر الذي نعيش فيه وتتفاعل معه، ولا نقتصر فقط على القراءة التقليدية التي تتعامل مع الإمام الحسين (ع) على أنه للتعبد وللبركة فقط دون أن يكون لهذا التعبد أثره الواضح على السلوك.. فنحن نحتاج لقراءة تجعلنا نتفاعل معه بدلاً من القراءة التي تجعلنا فقط ننفعل عليه، ونحن نحتاج لئن نفهم الحسين (ع) بأنه ذلك المصلح الذي وقف في وجه يزيد المفسد بدلاً من أن نفهمه على أنه فقط إمام صالح وقف في وجهه وقتله يزيد الفاسد، إذ نحن نحتاج لهذه القراءة حتى يتحول الصالحون (الجامدون) إلى مصلحون (متحركون) ويقفون في وجه الطغاة والمفسدين..
وهذا لا يكون إلا إذا فهمنا الحسين (ع) بأنه ذلك الشجاع الحر الأبي، صاحب الإرادة والعزيمة القوية، الثابتة، الصلبة، الذي لم تهتز نفسيته ولم تضعف إرادته وروحه المعنوية رغم كل ما ألم به، لأن هذه القراءة هي القراءة الوحيدة التي تكفل لنا القوة والثبات في حركتنا التي نريد منها الإقتداء به عليه السلام.
وباختصار نقول: إننا نحتاج لقراءةً أخرى للإمام الحسين (ع)، قراءً تمزج العقل بالعاطفة، وتعقلن العاطفة –إن صح التعبير- فالعلاقة بين العقل والعاطفة ليست بالضرورة علاقة صراع وعراك وتضاد، بل يمكن أن تكون علاقة تكامل وانسجام وتناغم، وبغض النظر عن كل العناوين الأخرى للحسين (ع)، يكفينا أن نعرضه على أنه شخصية إسلامية كبرى قاومت وصمدت وتحدت وضحت من أجل مبادئها وقيمها بكل إصرار وعزيمة وثبات.