- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الأوّل: معنى الغرض والغاية
معنى الغرض والغاية (في اللغة) : “الغرض” هو الهدف والقصد(1).
“الغاية” هي أقصى الشيء ومنتهاه(2).
معنى الغرض والغاية (في الاصطلاح العقائدي) : يطلق “الغرض والغاية” اصطلاحاً على الشيء الذي يقصده الفاعل المختار من وراء عمله ، وهي الفائدة التي ينظر إليها الفاعل قبل قيامه بالفعل ، ثمّ يجعل الفعل وسيلة للظفر بتلك الفائدة.
وهذه الفائدة التي يطلق عليها “الغرض” و”الغاية” تصبح الهدف للقيام بالفعل، وهي التي يؤدّي الفاعل فعله من أجل الوصول إليها(3).
تنبيه : إنّ المراد من “الغرض” و”الغاية” ليس “الهدف” و”المقصود” فحسب ، بل المراد “الهدف” و”المقصود” النافع الذي يستحق عقلا القيام بالفعل من أجل تحقّقه .
ومن هذا المنطلق، إذا قام شخص بفعل له “هدف” ، ولكن لم يكن لهذا الفعل هدف “عقلائي” ، فسيقول العقلاء حول هذا الفعل: إنّه عبث . ويتسامحون أحياناً في التعبير فيقولون: إنّه من دون هدف، أي: أ نّه ليس له هدف ذو قيمة(4).
المبحث الثاني: وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى
إنّ اللّه تعالى لا يفعل شيئاً إلاّ لغرض وغاية وحكمة مقصودة(5).
تنبيهات :
1- إنّ غرض الفعل الإلهي قد يكون واضحاً لعباده وقد يكون خفيّاً ، ولكنّه تعالى في جميع الأحوال لا يفعل إلاّ لغرض وغاية وحكمة مقصودة.
2- إنّ غرض الفعل الإلهي يقتصر على نفع الغير لا إضراره، لأنّ الإضرار قبيح ، واللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح(6) .
3- إنّ غرض الفعل الإلهي لا يعود على اللّه تعالى بالمنفعة ، لأ نّه تعالى غني بالذات وكامل من جميع الجهات، وهو غير محتاج لشيء ، وإنّما تعود منفعة الغرض والغاية للمخلوقات(7).
المبحث الثالث: أدلة وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى
الأدلة العقلية :
1- إنّ نفي الغرض والغاية عن أفعاله تعالى يتنافى مع حكمته تعالى ، لأنّ فعل الشيء من دون غرض أو غاية عبث ، والحكيم لا يصدر منه العبث(8).
2 ـ يلزم نفي الغرض والغاية عن الفعل الإلهي: عدم قصده تعالى جميع المنافع التي جعلها اللّه تعالى منوطة بالأشياء .
فلا يكون خلق العين للإبصار .
ولا خلق الأُذن للسماع .
ولا اليد للعمل .
ولا الرجل للمشي .
بل يكون خلق جميع هذه الجوارح والأعضاء عبثاً ، وهذا خلاف الواقع(9).
3 ـ يلزم نفي الغرض والغاية عن الفعل الإلهي :
عدم الجزم بصدق دعوى الأنبياء .
لأنّ من أدلة إثبات صدق النبوّة: إظهار اللّه “المعجزة” على يدّ مدّعي النبوّة .
فلو أنكرنا وجود الغرض والغاية في الفعل الإلهي .
فسيكون إظهار اللّه المعجزة على يدّ النبي لغير غرض وغاية .
ولا يكون غرض وغاية اللّه من هذه المعجزة إثبات صدق ادّعاء النبوّة .
فيكون النبي ـ في هذه الحالة ـ كاذباً في ادّعائه بأنّ اللّه تعالى أظهر على يده المعجزة لغرض التصديق به .
لأنّ لقائل أن يقول له: بأنّ أفعال اللّه ليس لها غرض وغاية .
والمعجزة من فعل اللّه .
فكيف أصبح لها غرض وغاية لتدّعي أنّ الغرض والغاية منها إثبات نبوّتك ؟
فلا يكون ـ بعد هذا ـ سبيل لتصديق دعوى الأنبياء.
وهذا باطل(10).
4 ـ يلزم نفي الغرض والغاية عن فعله تعالى أن لا تكون:
إثابة اللّه المطيع لطاعته .
ولا معاقبة اللّه العاصي لعصيانه .
بل يكون ثواب اللّه تعالى وعقابه من دون غرض .
فلهذا لا يكون عند اللّه فرقٌ بين “المؤمن” وبين “الكافر” في الثواب والعقاب .
وهذا ما ينافي العدل الإلهي(11).
5 ـ يلزم نفي الغرض والغاية عن الفعل الإلهي:
أن يكون تكليفه تعالى للعباد لغير إفادتهم في الدنيا أو الآخرة .
فيكون اللّه عزّ وجلّ ظالماً للعباد.
وهو تعالى منزّه عن ذلك(12).
6- يلزم نفي الغرض والغاية في الفعل الإلهي مخالفة الكتاب العزيز وتكذيب القرآن الكريم ، لأنّ اللّه تعالى بيّن في محكم كتابه العديد من الآيات الدالة على وجود الغرض والغاية في أفعاله تعالى(13).
الآيات القرآنية الدالة على وجود الغرض والغاية في أفعال الله تعالى :
القسم الأوّل: الآيات العامة
1 ـ { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ(14) } [ الأنعام: 73 ]
2- { وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ(15) * ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ } [ الدخان: 38 ـ 39 ]
3- { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً(16) }[ آل عمران: 191 ]
4 ـ { أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً(17) } [ المؤمنون: 115 ]
القسم الثاني : الآيات الخاصة
إنّ هذه الآيات تضمّنت تعيين غرض وغاية لبعض أفعال اللّه تعالى ، ومن هذه الآيات :
1 ـ { وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات: 56 ]
2 ـ { إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ } [ هود: 119 ]
3 ـ { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ … لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }
[هود: 7 ]
4 ـ { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها } [ الأنعام: 97 ]
5- { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ } [ يونس: 5 ]
6 ـ { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة: 29 ]
7 ـ { مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ } [ المائدة: 32 ]
8- { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ … ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ } [ المائدة: 78 ]
9- { فَبِظُلْم مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّبات أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً }[ النساء: 160 ]
10- { كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ } [ إبراهيم: 1 ]
11 ـ { لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً } [ الحاقة: 12 ]
12 ـ { لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً } [ الفرقان: 49 ]
13 ـ { لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً } [ النبأ: 15 ]
14 ـ { وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ } [ محمّد: 31 ]
15 ـ { لِتُجْزى كُلُّ نَفْس بِما تَسْعى } [ طه: 15 ]
16 ـ { لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا } [ الإسراء: 1 ]
17 ـ { لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى } [ طه: 23 ]
المبحث الرابع: غرض وغاية اللّه تعالى من خلق الإنسان
1 ـ الرحمة : قال تعالى: { إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ } [ هود: 119 ]
وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) حول تفسير هذه الآية: “خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمته، فيرحمهم”(18).
2 ـ العبادة : قال تعالى: { وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات: 56 ]
3 ـ المعرفة : ورد في الحديث القدسي المشهور: “كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف”(19).
وورد عن الإمام الحسين(عليه السلام): “إنّ اللّه جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه”(20).
4 ـ إظهار قدرته وحكمته : سُئل الإمام الصادق(عليه السلام): لِمَ خلق اللّه الخلق؟ فقال: “إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ، ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلّفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرّة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد”(21).
وفي حديث آخر: سُئل الإمام الصادق(عليه السلام): لأيّ علّة خلق [ اللّه عزّ وجلّ ]الخلق وهو غير محتاج إليهم ولا مضطر إلى خلقهم ولا يليق به العبث بنا ؟
قال(عليه السلام): “خلقهم لإظهار حكمته …”(22).
النتيجة : إنّ اللّه تعالى خلق العباد إظهاراً لقدرته وحكمته ، وخلقهم ليرحمهم ، فكلّفهم بمعرفته والإقرار بوجوده والامتثال لأوامره ونواهيه ، ليكون التزامهم الاختياري بهذا التكليف سبباً لمعيشتهم في ظل الرحمة الإلهية المتمثّلة بجنة النعيم التي أعدّها للمتقين والرضوان الإلهي الذي أعدّه لأصحاب الدرجات العليا .
تنبيهان :
1 ـ خلق اللّه تعالى الأرض والسماء لأجل الإنسان، وذلك لقوله تعالى:
أوّلا: { خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة: 29 ]
ثانياً: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ } [ البقرة: 22 ]
2- إنّ الغرض والغاية من خلقه تعالى للبشر ـ كما ذكرنا ـ هو التكليف بالعبادة من أجل التكامل ونيل الرحمة الإلهية، ولكن البعض من الناس لا تتوفّر لهم الأجواء المناسبة في هذه الدنيا لاجتياز مرحلة الاختبار الإلهي، وهؤلاء من قبيل الأطفال الذين يموتون قبل البلوغ، أو المجانين، أو غيرهم ممن لم تتوفّر فيهم شروط التكليف في هذه الدنيا .
ولهذا يؤخّر اللّه تعالى اختبار هؤلاء ، ويجعله في يوم القيامة، ليحدّد هؤلاء مصيرهم في ذلك الموقف، ويعيّنوا اتّجاههم إلى الجنة أو النار(23).
____________
1 و 2ـ انظر: لسان العرب ، ابن منظور : مادة (غرض) و(غيا) .
3- انظر: معارف القرآن، (معرفة اللّه) ، محمّد تقي المصباح: هدف الأفعال الإلهية، ص 225 ـ 226 .
4- انظر: معارف القرآن، (معرفة اللّه) ، محمّد تقي المصباح، تعريب: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: هدف الأفعال الإلهية: ص226 .
5- انظر: قواعد المرام ، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل ، البحث الرابع، ص110 .
نهج الحقّ ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، ص74 .
6- انظر: النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص71 .
7- انظر: تجريد الاعتقاد ، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث، ص198 .
كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث ، الفصل الأوّل ، ص257 .
8- انظر: تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، ص198.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي :المقصدالثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الرابعة، ص422.
النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل ، ص70 .
9- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ، ص90 ـ 91 .
10- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة: ص91 ـ 92 .
11- انظر: المصدر السابق: ص94 .
12- انظر: الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل ، المسألة السادسة، البحث الرابع ، ص62 .
13- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث: أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ، ص93 .
14- كلمة “الحقّ” في هذه الآية تعني: الفعل ذو الهدف القيّم اللائق بالفاعل.
انظر: معارف القرآن ، (معرفة اللّه) ، محمّد تقي المصباح: هدف الأفعال الإلهية، ص238 .
15- “اللعب” عبارة عن مجموعة حركات منظّمة تودّى من أجل هدف يرضي خيال الإنسان فقط ، ولا تكون للنتيجة حقيقة واقعية .
انظر: المصدر السابق: ص240 .
16- كملة “الباطل” في هذه الآية تعني: الفعل الفاقد للهدف القيّم اللائق بالفاعل .
انظر: المصدر السابق: ص239 .
17- “العبث” هو الفعل الفاقد للهدف الصحيح .
انظر: المصدر السابق .
18- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 12: باب أنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم، ح10 ، ص392 .
19- هذا الحديث مجهول السند، ولكن معناه صحيح، وهو مستفاد من قوله تعالى: ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) أي: ليعرفوني كما فسّره ابن عباس .
راجع: إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، نور اللّه الحسيني المرعشي التستري، تعليق، السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي: في أ نّه تعالى يفعل لغرض وحكمة، ص431 .
20- علل الشرائع ، الشيخ الصدوق: باب9: علّة خلق الخلق واختلاف أحوالهم ، ح1، ص9 .
21- علل الشرائع، الشيخ الصدوق: باب 9: علّة خلق الخلق واختلاف أحوالهم، ح2 ص9 .
22- الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي: احتجاجات الإمام الصادق(عليه السلام) ، احتجاج رقم 223، ص217 .
23- راجع: بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، ب13، ص288 ـ 297 .
وانظر في هذا الكتاب: الفصل الثامن: التكليف، المبحث السابع: تكليف من لم تتم عليهم الحجّة في الدنيا.
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون