- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
وعندما نأتي إلى عَلَم آخر من الأعلام المعاصرين وهو الشهيد مرتضى مطهري فإنّه أيضاً يرى أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الدِّين الإسلامي والعرفان بكلا قسميه « لأنّ الإسلام يسعى – كسائر الأديان الأخرى بل أشدُّ منها – لبيان روابط الإنسان مع خالقه والكون ونفسه ودراسة الوجود » (1).
وإذا كان للعرفان مطالب وآراء ونظريات فهل هي تتنافى مع الإسلام أم أنّهم يعتبرون ما عندهم هو من صلب هذا الدِّين ؟
« إنّ عرفاْء الإسلام ينكرون أن يكون لهم شيء وراء الإسلام ، ويتبرّؤون من هذه النسبة ، بل يدّعون أنّهم اكتشفوا الحقائق الإسلاميّة أفضل من غيرهم ، وأنّهم المسلمون الحقيقيّون ، فإنّهم سواءٌ من الناحية العمليّة أو النظريّة يستندون إلى الكتاب والسنّة وسيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار عليهم السلام وكبار الصحابة » ( 2 ) .
ولكن العرفاء وإن اعتبروا أنفسهم قد استقوا علومهم ومعارفهم من الدِّين لكن ذلك لم يمنع من وجود مواقف اتّخذت ضدّهم حيناً ومعهم حيناً آخر أو محايداً.
ولذا يستعرض الشهيد مطهري جملة هذه المواقف من العرفان وأهله وهي :
أوّلاً : رأي جماعة من المحدِّثين والفقهاء :
ترى هذه الجماعة أنّ العرفاء غير متمسّكين بالإسلام من الناحية العمليّة ، وأنّ استنادهم إلى الكتاب والسنّة ليس سوى تمويه على العامّة وجلب لأنظار المسلمين نحوهم ; لأنّه لا علاقة للعرفان بالإسلام من الأساس .
ثانياً : رأي جماعة من المتجدّدين المعاصرين :
إنّ هذه الجماعة – التي لا تؤمن بالإسلام وتدافع عن كلّ رأي فيه شائبة التمرّد على القوانين الإسلاميّة – كالجماعة السابقة ترى أنّ العرفاء لا يؤمنون بالإسلام من الناحية العمليّة ، وأنّ العرفان والتصوّف ما هو إلاّ ثورة قام بها العجم ضدّ الإسلام والعرب ، ولكن تحت غطاء المجرّدات والمقدّسات .
إنّ هذه الجماعة تتّفق مع الجماعة المتقدِّمة في مناهضة العرفان للإسلام ، سوى أنّ الجماعة الأولى تقدّس الإسلام وتنطلق من تسفيه العرفان استناداً إلى مشاعر الجماهير المسلمة وبغية إبعادهم عن الساحة الإسلاميّة ، بينما تنطلق الجماعة الثانية في رأيها المتقدّم متّخذة من الشخصيّات العرفانيّة – التي يحظى بعضها بشهرة عالميّة – مادّة للهجوم على الإسلام ، وإثبات أنّ الأفكار العرفانيّة السامية غريبة عن الإسلام وقد دخلت عليه من الخارج وأنّ مستوى الأفكار الإسلاميّة لا يرقى إلى هذه الأفكار العرفانيّة ، كما تدّعي هذه الجماعة إنّ استناد العرفاء إلى الكتاب والسنّة كان مجرّد تقيّة للحفاظ على أرواحهم من همجيّة العوامّ وقسوتهم .
ثالثاً : رأي الجماعة المحايدة :
ترى هذه الجماعة أنّ هناك كثيراً من الانحرافات والبدع في العرفان والتصوّف على الخصوص في العرفان العملي ، خاصّةً حينما يبرز العرفان كفرقة ، إذ يمكن العثور على كثير من البدع التي لا تنسجم مع كتاب الله والسنّة المعتبرة ، إلاّ أنّ العرفاء كسائر الفِرق والطبقات الثقافيّة في الإسلام كانوا مخلصين للإسلام ، ولم يتفوّهوا بما من شأنه أن يتناقض والمبادئ الإسلاميّة . نعم ، من الممكن أن تكون لهم اشتباهاتهم في بعض الموارد ، كما أنّ لسائر الطبقات الثقافيّة مثل تلك الاشتباهات إلاّ أنّها لم تكن ناشئة عن سوء نيّة أبداً ( 3 ).
وبالمقارنة بين ما عرضه الطباطبائي من مواقف تحليليّة للدِّين من العرفان وما ذكره الشهيد مطهّري يظهر لنا بوضوح أنّه لم يشر إلى مواقف الإسلاميّين المؤيّدة بشدّة للمسلك العرفاني واعتباره من جوهر الدِّين ، نعم اعتبر مطهّري أنّ التضادّ بين العرفان والإسلام إنّما أثاره المغرضون ، وعلّل ذلك « إذ من الممكن لمن يقرأ كتب العرفاء قراءة حياديّة مع استيعاب مصطلحاتهم أن يعثر على أخطاء كثيرة ، إلاّ أنّه سوف لا يشكّ في مدى إخلاصهم للإسلام » ( 4 ).
وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة التفريق بين أصالة العرفان وقراءته الخاطئة أو إلى التطبيق العملي الذي جعل منه البعض نافذة لإنكار ما أتى به بعض أهل العرفان ، ومن هنا اتّجه مطهّري إلى تأييد الرأي القائل بأنّ « العرفاء لم يكن لديهم نوايا سيّئة وفي الوقت نفسه من اللازم للمختصّين في العرفان والمعارف الإسلاميّة العميقة أن يدرسوا المسائل العرفانيّة بشكل حيادي ليثبتوا مدى تطابقها مع الإسلام » ( 5 ).
ولعلّ كلام مطهري يشكّل بعمقه ووضوحه دعوة إلى التصالح بين العرفانيّين الذين يطلب منهم توضيح مطالبهم ومصطلحاتهم وكلّ من عارضهم معتبراً أنّهم لا علاقة لهم بالدِّين الإسلامي .
ومن الشواهد التي يذكرها مطهّري كمؤيّد وشاهد على ما يتبنّاه من وجهة نظر تجاه العرفاء وعدم تناقض مبادئهم مع الدِّين والشريعة أنّ العرفاء أنفسهم يعتبرون أنّ مصدر معتقداتهم وموادّهم العلميّة مأخوذة من صميم الإسلام مثلها مثل سائر العلوم كالفقه والأصول والتفسير والحديث ، وعلى هذا الأساس أرسوا قواعدهم وأسسهم النظريّة والعمليّة .
والعرفاء وإن اختاروا أو صرّحوا بهذا الأمر إلاّ أنّ جملة من المستشرقين – كما يقول مطهّري – أصرّت على تبنّي موقف مخالف لرأي العرفاء وقالت بأنّ العرفان وأفكاره قد دخلت بأجمعها إلى الإسلام من خارجه ، فنسبوه حيناً إلى المسيحيّة وقالوا : إنّ الآراء العرفانيّة قد تبلورت بفعل احتكاك المسلمين بالرهبان من النصارى ، وحيناً آخر قالوا : إنّه نتاج ردود فعل إيرانيّة ضدّ الإسلام والعرب ، وزعموا أحياناً أنّه ناتج عن فلسفة الأفلاطونيّين المحدثين التي هي مزيج من أفكار أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس والغنوصيّين من الإسكندرية وآراء اليهود والنصارى ، وتارةً يرونه ناشئاً من الأفكار البوذيّة ، كما أنّ الذين يخالفون العرفان من المسلمين حاولوا أن يثبتوا أنّ العرفان والتصوّف غريب عن الإسلام ويبحثوا له عن جذور خارج الإسلام ( 6 ).
وعلى رأي من قال بأنّ العرفان قد أخذ موادّه الأوّلية – سواء في العرفان العملي أو النظري – من الإسلام ، ثمّ أسّس لتلك المواد بعض القواعد والأصول يطرح عليه مطهّري تساؤلاً مفاده : « ما هو مدى النجاح الذي حقّقه العرفاء في إرساء القواعد والأصول الصحيحة لتلك المواد الأوّلية ؟ وهل كان نجاحهم في هذه الناحية بمقدار نجاح الفقهاء ؟ وما هو مقدار التأثير الذي تركته التيّارات الخارجيّة على العرفان الإسلامي ؟ فهل اجتذبها العرفان الإسلامي وصبغها بصبغته ووظّفها لصالحه ، أو أنّ الأمر بعكس ذلك وأنّ تلك التيّارات هي التي جرفت العرفان الإسلامي وجعلته يسير في اتّجاهها ؟ . . » ( 7 ).
يُجيب مطهّري بأنّ « المتسالم عليه هو أنّ العرفان الإسلامي أخذ مادّته الأساسيّة من الإسلام لا غير » ( 8 ) .
لكن هناك فئة أصرّت على خلاف ذلك ومستندها في ذلك « أنّ الدِّين الإسلامي خال من التعقيد والتكلّف يفهمه عامّة الناس » ( 9 ).
وكذلك فإنّ « ما يقوله العرفاء بشأن التوحيد شيء مغاير للتوحيد الإسلامي ، وذلك لأنّ التوحيد العرفاني عبارة عن وحدة الوجود ، وأن لا وجود سوى الله وأسمائه وصفاته وتجلّياته ، كما أنّ السير والسلوك العرفاني أمرٌ مغاير للزهد الإسلامي أيضاً . . . وأنّ الطريقة العرفانيّة أمرٌ مغاير للشريعة الإسلاميّة وذلك لاحتوائها على مسائل لا تمتّ إلى الفقه بصلة » (10).
وفي مناقشته لهذا الرأي يعتبر الشهيد مطهّري أنّه لا يمكن القبول برأي هذه الجماعة لأنّ « مواد الإسلام الأوّلية أغنى وأعمق بكثير ممّا فرضته هذه الجماعة جهلاً أو عمداً ، فلا التوحيد الإسلامي بتلك البساطة والخواء الذي فرضوه ، ولا فناء الإنسان في الإسلام منحصر بالزهد السطحي ، ولا خيار الصحابة بالشكل الذي وصفوه ، ولا الآداب الإسلاميّة محدودة بأعمال الجوارح والأعضاء ».
وينتهي في نقاشه إلى عرض التوحيد العرفاني في ضوء التوحيد القرآني وما ورد في القرآن الكريم من آيات تثبت توحيد العرفاء وسيرهم وسلوكهم وخصوصاً ما يتعلّق ب ( لقاء الله ) ، مضافاً إلى ما ذكره من الشواهد المؤيّدة من الروايات والخطب والأدعية والمحاججات الإسلاميّة وتراجم الشخصيّات الكبيرة التي ترعرعت في مهد الإسلام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مطهري ، مرتضى ، الكلام – العرفان – الحكمة العملية ، ترجمة : حسن علي الهاشمي ، دار الكتاب الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1241 ه – 2001 م : ص 64 .
(2) المصدر نفسه : ص 64 – 65 .
(3) الكلام – العرفان – الحكمة العملية ، مصدر سابق : ص 65 – 66 .
(4) الكلام – العرفان – الحكمة العملية ، مصدر سابق : ص 65 – 66 .
(5) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(6) الكلام – العرفان – الحكمة العملية ، مصدر سابق : ص 69 – 70
(7) المصدر نفسه : ص 70 .
(8) الكلام – العرفان – الحكمة العملية ، مصدر سابق : ص 69 – 70
(9) الكلام – العرفان – الحكمة المتعالية ، مصدر سابق : ص 70 – 71 .
(10) الكلام – العرفان – الحكمة المتعالية ، مصدر سابق : ص 70 – 71 .
المصدر: العرفان الشيعي