- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 3 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
البقيع
بقعة شريفة طاهرة في المدينة المنوّرة قرب المسجد النبوي الشريف ومرقد الرسول الأعظم (ص)، فيها مراقد الأئمّة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)، وهم: الإمام الحسن المجتبى، والإمام علي زين العابدين، والإمام محمّد الباقر، والإمام جعفر الصادق (عليهم السلام).
جريمة آل سعود
بعدما استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344ﻫ، بدؤوا يُفكّرون بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع، ومحو آثار أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة.
وخوفاً من غضب المسلمين في الحجاز وفي عامّة البلاد الإسلامية، وتبريراً لعملهم الإجرامي المضمر في بواطنهم الفاسدة، استفتوا علماء المدينة المنوّرة حول حرمة البناء على القبور.
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهّابيين سليمان بن بليهد مستفتياً علماء المدينة، فاجتمع مع العلماء أوّلاً وتباحث معهم، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحرمة البناء على القبور؛ تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء.
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين، وهي في الحقيقة إهانة لهم ولآل الرسول (عليهم السلام)، فتسارعت قوى الشرك والوهّابية إلى هدم قبور آل الرسول (عليهم السلام) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أي عام 1344ﻫ ـ فهدّموا قبور الأئمّة الأطهار والصحابة في البقيع، وسوّوها بالأرض وشوّهوا محاسنها، وتركوها عرضةً لوطئ الأقدام ودوس الهوام.
ونهبت كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدّس، من فرش وهدايا وآثار قيّمة وغيرها، وحَوّلت ذلك المزار المقدّس إلى أرضٍ موحشة مقفرة.
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله ويحطّ من قدرهم، كما يحطّ من قدر آل الرسول (ص) وأصحابه.
نشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17 شوّال 1344ﻫ نصّ الاستفتاء وجوابه، وكأنّ الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور، وحدّدت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 رمضان 1344ﻫ، امتصاصاً لنقمة المسلمين، إلّا أنّ الرأي العام لم يهدأ، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة الإسلامية.
وليت شعري أين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور ووجوب هدمه قبل هذا التاريخ؟! ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه القرون من صدر الإسلام وما قبل الإسلام وإلى يومنا هذا؟!
ألم تكن قبور الشهداء والصحابة مبنيّ عليها؟ ألم تكن هذه الأماكن مزارات تاريخية موثّقة لأصحابها؟ مثل مكان: مولد النبي (ص)، ومولد فاطمة (عليها السلام)، وقبر حوّاء أُمّ البشر والقبّة التي عليه، أين قبر حوّاء اليوم؟ ألم يكن وجوده تحفة نادرة يدلّ على موضع موت أوّل امرأة في البشرية؟ أين مسجد حمزة في المدينة ومزاره الذي كان؟ أين وأين… .
القرآن وبناء القبور
لو تتبعنا القرآن الكريم ـ كمسلمين ـ لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتُشف أمرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد وتغلّبه على الكفر.
ومع ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين: قسم يقول: ﴿ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً﴾(1) تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء مسجد على الكهف، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله؛ كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى.
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم دون نقد أو ردّ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز، ﴿قَالَ الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتّخِذَنّ عَلَيْهِم مّسْجِداً﴾(2).
فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية.
إنّ هذا يدلّ على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على البناء على القبور، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب القبر، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله، ولذلك بُني المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والاحترام.
ولا زالت هذه الحالة موجودة حتّى في وقتنا الحاضر لقبور العظماء والملوك والخالدين، فهل تُوجد أخلد وأطهر من ذرّية رسول الله (ص) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً؟
البقيع في الشعر
نظم الكثير من الشعراء هذه الجريمة النكراء، منهم العلّامة السيّد صدر الدين الصدر (قدس سره):
لعمري إنَّ فاجعةَ البقيعِ ** يُشيبُ لهولِها فؤادُ الرضيعِ
وسوف تكونُ فاتحة الرزايا ** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما من مسلمٍ لله يرعى ** حقوقَ نبيِّهِ الهادي الشفيع(3).
وقال شاعر آخر:
تبّاً لأحفادِ اليهودِ بما جَنوا ** لم يكسبُوا من ذاكَ إلّا العارا
هتكُوا حريمَ محمّدٍ في آلِهِ ** يا ويلهُم قد خالفُوا الجبّارا
هَدَمُوا قبورَ الصالحينَ بحقدِهِم ** بُعداً لهُم قد أغضبُوا المختارا(4).
وقال شاعر آخر:
لمَن القبورُ الدارسات بطيبةَ ** عفت لها أهل الشقا آثارا
قُل للّذي أفتى بهدمِ قبورِهِم ** أن سوف تُصلى في القيامةِ نارا
أعَلِمتَ أيّ مراقدٍ هدمتَها ** هي للملائِكِ لا تزال مزارا(5).
وقال الشيخ عبد الكريم الممتن مؤرّخاً هدم قبور أئمّة البقيع:
لعمركَ ما شاقني ربرب ** طفقت لتذكارِهِ أنحبُ
ولا سحّ من مقلتي العقيق ** على جيرةٍ فيهِ قد طنبُوا
ولكن شجاني وفتّ الحشا ** أعاجيب دهر بنا يلعبُ
وحسبُكَ من ذاكَ هدم القباب ** فذلك عن جورِهِ يعربُ
قبابٌ برغمِ العُلى هُدمت ** وهيهات ثاراتها تذهبُ
إلى مَ معاشر أهل الإبا ** يصولُ على الأسدِ الثعلبُ
لئن صعب الأمرُ في دركِها ** فترك الطلّاب بها أصعبُ
أليس كما قالَ تاريخه ** بتهديمِها انهدمَ المذهبُ(6).
الهوامش
1و 2: الكهف: 21.
3ـ بحوث في الملل والنحل 1 /339.
4ـ المذاهب الإسلامية ـ الوهّابية.
5ـ ليالي بيشاور ـ المجلس الثالث.
6ـ مستدركات أعيان الشيعة 2 /161.
بقلم: محمد أمين نجف