- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
لقد غمرت الأفراح والمسرات يزيد بن معاوية بعد قتله للإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، وسُرّ سروراً بالغاً، لمّا وصلت قافلة السبايا من أهل البيت (ع) إلى دمشق، وأمر بترتيب مجلس فخم حاشد من الأشراف والأعيان والشخصيات، ثم أدخلوا سبايا أهل البيت (ع) عليه.
في قصر يزيد بن معاوية
قال ابن الجوزي: «ثم جلس يزيد ودعا أشراف أهل الشام، وأجلسهم حوله، ثمّ أدخلهم ـ أي الأسرى من آل البيت ـ عليه»[1].
إن التاريخ لم يزوّدنا بأسماء كل من حضر ذلك المجلس المشؤوم، لكنا نعلم أنه كان حاشداً بالأشراف والأعيان والشخصيات مثل بعض الصحابة والتابعين!
وكذا رجال السلطة الحاكمة، وبعض نساء بني أمية مثل «ريا» حاضنة يزيد، والتحقت بها زوجة يزيد هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز، ومن أهل الكوفة الذين أتوا مع أسارى آل البيت (ع) إلى الشام.
ومن جانب آخر نرى بعض ممثلي كبار الدولة آنذاك وكبار أهل الكتاب مثل سفير الروم[2] ورأس الجالوت[3].
فتحصل أنه كان مجلساً في غاية الأهمية سياسياً واجتماعياً، داخلياً وخارجياً، ومن هنا أراد يزيد أن يظهر نفسه بأنه هو الغالب على عدوّه! وقد انتهى كل شيء.
مجلس أم مجالس
هل كان مجلس يزيد بن معاوية – الذي أحضر فيه الرأس الشريف وأسارى آل محمد (ص) – مجلساً واحداً أم مجالس متعدّدة؟ يظهر من بعض السير الثاني.
روى الخوارزمي بإسناده عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) أنه قال: «لما أُتي برأس الحسين إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه»[4].
وقال ابن نما وكان يزيد يتخذ مجالس الشرب واللهو والقيان والطرب ويحضر رأس الحسين بين يديه»[5].
وظاهر هذا النقل حصول التكرر، وهو ليس ببعيد ، لأن اللعين كان يُحضر الرأس الشريف ويشرب الشراب كما روي.
فتحصل أن المجالس تكرّرت، سواء قبل ورود أهل البيت أم بعده، ولكن كان ذلك ضمن مجالس خاصة، والظاهر أن المجلس الذي جرت فيه الأمور الآتي ذكرها، الحاشد بالأعيان والأشراف بل الأرجاس من الناس لم يكن إلا مجلساً واحداً، وهو المجلس العام الذي سوف نذكر تفاصيل ما جرى فيه.
كيفية دخول أسارى آل البيت (ع)
قال الطبري وابن الأثير: «فدعا عبيد الله بن زياد محفز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فخرجوا حتى قدموا على يزيد فقام محفز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته: جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم، فقال يزيد: ما ولدت أم محفز الأم وأحمق، ولكنه قاطع ظالم»[6].
وأما كيفية الورود، فلقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «لما أُدخل رأس الحسين بن علي على يزيد لعنه الله وأدخل عليه علي بن الحسين وبنات أمير المؤمنين (ع) كان علي بن الحسين مقيداً مغلولاً»[7].
وعن الإمام الباقر (ع): «قدم بنا على يزيد بن معاوية لعنه الله بعدما قتل الحسين ونحن اثنا عشر غلاماً ليس منا أحد إلا مجموعة يداه إلى عنقه وفينا علي بن الحسين»[8].
وفي مقتل الخوارزمي: «ثمّ أُتي بهم حتى أُدخلوا على يزيد، قيل إن أوّل من دخل شمر بن ذي الجوشن بعلي بن الحسين مغلولة يداه إلى عنقه، فقال له يزيد: من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن الحسين، فأمر برفع الغل عنه»[9].
قال السيد ابن طاووس: «قال الراوي: ثم أُدخل ثقل الحسين ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرنون في الحبال»[10].
وقال سبط ابن الجوزي: «وكان علي بن الحسين والنساء موثقين في الحبال»[11].
رأس الحسين (ع) في مجلس يزيد بن معاوية
روی ابن شهر آشوب عن أبي مخنف قال: «لما دخل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كل طيب»[12].
قال ابن الأثير: «ثمّ أُدخل نساء الحسين عليه (يزيد) فجعلت فاطمة وسكينة ابنتا الحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس« وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس! فلما رأين الرأس صحن، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية»[13].
وقال السيد ابن طاووس: «ثمّ وضع رأس الحسين بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه»[14].
يزيد بن معاوية ينكت ثنايا الحسين (ع)
إن هذا الفعل الفضيع مما تواتر نقله حتى عدّ من مسلّمات التاريخ، وافتضح به فاعله یزید.
قال اليعقوبي: «ووضع الرأس بين يدي يزيد، فجعل يقرع ثناياه بالقصب»[15].
وقال السيد ابن طاوس وابن نما: «ثم دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسين (ع)»[16].
ونقل ذلك كثير من المؤرّخين، كما وثقه الشعراء بقصائدهم؛ أنشد الصاحب بن عباد:
يقرع بالعود ثنايا لها ** كان النبي المصطفى لاثما[17]
ولقد أظهر يزيد بن معاوية بفعله الفضيع ما في قلبه من الكفر والحقد، يفعل ذلك في حق من قال الرسول (ص) في شأنه: «حسين منّي وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»[18].
ولنعم ما قال ابن الجوزي على ما ذكره سبطه في التذكرة، قال: «قال جدي: ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه ولم يضربه بالقضيب وكفّنه ودفنه وأحسن إلى آل رسول الله»[19].
وبذلك يظهر ضلالة من يدعي أن يزيد ما كان راضياً بقتل الحسين (ع) وأنه اغتم لذلك! إذ لو صح ذلك فلماذا ارتكب هذا الفعل الفضيع؟
أـ ما قاله يزيد بن معاوية عند نكته ثنايا الحسين (ع)
روى ابن سعد بإسناده عن يزيد بن أبي زياد قال: «لما أتى يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي جعل ينكت بمخصرة معه سنه، ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبد الله يبلغ هذا السن!
قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود»[20].
وقال محمد بن حبان: «فلما وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينقر ثنيته بقضيب كان في يده ويقول: ما أحسن ثناياه»[21].
ب ـ ما أنشده يزيد بن معاوية
قال الطبري: ثمّ أذن (يزيد) للناس، فدخلوا والرأس بين يديه، ومع يزيد قضيب، فهو ينكت به في ثغره (ع)، ثمّ قال: إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام المري:
يفلقن هاماً من رجال أحبة ** إلينا وهم كانوا أعق وأظلما[22]
ذكر ابن شهر آشوب عن الطبري والبلاذري والكوفي أنه لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد بن معاوية جعل يضرب بقضيبه على ثنيته، ثم قال: يوم بيوم بدر، وجعل يقول: نفلق هاماً إلى آخره[23].
هذا أيضاً مما يدل على كفره وزندقته، وتصريح على أن ما ارتكبه يزيد كان انتقاماً من الرسول الأعظم (ص).
فعل يزيد بن معاوية واستنكار بعض الحاضرين
لقد سخطت كل الضمائر الحرّة أشدّ السخط على يزيد وأفعاله، وأنكرت عليه ما ارتكبه في حق رأس سيّد الشهداء (ع)، وفيما يلي نذكر بعضهم:
1ـ أبو برزة الأسلمي
قال سبط ابن الجوزي: «وأما المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنه لما حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران… قال ابن أبي الدنيا: وكان عنده أبو برزة الأسلمي، فقال له: يا يزيد ارفع قضيبك، فوالله لطالما رأيت رسول الله (ص) يقبّل ثناياه»[24].
وقال البلاذري: «قالوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه، فقال أبو برزة الأسلمي: أتنكت بالقضيب ثغر الحسين؟ لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ربما رأيت رسول الله (ص) يرشفه، أما إنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ويجيء الحسين وشفيعه محمد، ثم قام. ويقال: إن هذا القائل رجل من الأنصار»[25].
وقد بسط السيد ابن طاووس وابن نما أنه أقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: «ويحك يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين (ع) ابن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبي (ص) يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول: أنتما سيدا شباب أهل الجنة، قتل الله قاتلكما ولعنه، وأعد له جهنّم وساءت مصيرا، قال الراوي: فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأُخرج سحباً»[26].
وفي هذا الموقف يستند أبو برزة – بصفته أحد الصحابة ـ إلى فعل الرسول (ص) بالنسبة إلى لزوم حبّ الحسين (ع)، وقوله بالنسبة إلى حبّه والبراءة من أعدائه وقاتله، وهو موقف جليل في أهم زمان وأخطر مكان، ولأجل ذلك لم يتحمل الطاغية هذا الموقف فغضب عليه وأمر بإخراجه، فأخرج سحباً.
2ـ زيد بن أرقم
قال القطب الراوندي: «فدخل عليه (أي على يزيد) زيد بن أرقم، ورأى الرأس في الطشت وهو يضرب بالقضيب على أسنانه، فقال: كف عن ثناياه، فطالما رأيت رسول الله (ص) يقبلها، فقال يزيد: لولا أنك شيخ خرفت لقتلتك»[27].
وإلى ذلك أشار الحميري بقوله:
لم يزل بالقضيب يعلو ثنايا ** في جناها الشفاء من كل داء
قال زید ارفعن قضيبك ارفع ** عن ثنايا غر غذي باتّقاء
طالما قد رأيت أحمد يلثمها ** وكم لي بذاك من شهداء[28]
إن زيد هو الذي روى عن رسول الله (ص) في شأن سبطه سيّد الشهداء (ع) أنه قال: «اللهم إنّي أحبّه فأحبّه»، فلذلك إذا صدر منه هذا الموقف فليس بغريب.
3ـ صحابي لم يُسم
روی ابن الأثير عن عبد الواحد القرشي قال: «لما أُتي يزيد برأس الحسين بن علي رضي الله عنهما تناوله بقضيب فكشف عن ثناياه، فوالله ما أبرد بأبيض منها، وأنشد:
يلقن هاماً من رجال أعزة ** علينا وهم كانوا أعق وأظلما
فقال له رجل عنده: يا هذا ارفع قضيبك، فوالله ربما رأيت شفتي رسول الله فكأنه يقبّله. فرفع متذمراً عليه مغضباً»[29].
4ـ يحيى بن الحكم
وممن اعترض على فعل يزيد يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم، فإنّه لما رأى ما فعل يزيد برأس الحسين وتمثله بالأبيات قال:
لهام بأدنى الطف أدنى قرابة ** من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل
أمية أمسى نسلها عدد الحصى ** وبنت رسول الله ليس لها نسل
فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم وقال: اسكت!
رواه كثير من أرباب السير منهم الشيخ المفيد والطبرسي[30].
5ـ الحسن المثنى
روى ابن نما أن الحسن بن الحسن (ع) لمّا رآه يضرب بالقضيب موضع فم رسول الله قال: واذلاه:
سمية أمسى نسلها عدد الحصى ** وبنت رسول الله ليس لها نسل[31]
يزيد بن معاوية في موضع الانفعال
قال ابن أعثم والخوارزمي: ثم أقبل (يزيد بن معاوية) على أهل مجلسه وقال: هذا يفخر عليّ ويقول: أبي خير من أبي يزيد، وأمي خيرٌ من أُمه، وجدي خيرٌ من جد يزيد، وأنا خير من يزيد، فهذا الذي قتله فأما قوله: (إن أبي خير من أبي يزيد) فقد حاج أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه، وأما قوله: (إنّ أُمّي خير من أمّ يزيد)، فلعمري إنه صادق، إن فاطمة بنت رسول الله (ص) خيرٌ من أُمِّي، وأما قوله: (إنّ جدّي خير من جد يزيد فليس أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يقول إنه خيرٌ من محمّد (ص)، وأما قوله (أنا) خيرٌ منّي، فلعله لم يقرأ هذه الآية (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ … قَدِيرٌ)[32].
ومن المعلوم أن يزيد التجأ إلى هذا القو ل بعد اعتراض كثير من الحاضرين وفيهم بعض الصحابة وأقاربه أيضاً، فصار محرجاً فسعى لتشويه أهداف نهضة الحسين بهذا القياس السخيف، وإلا فأين الثرى من الثريا، أين معاوية الطليق ابن الطليق من علي أمير المؤمنين؟! وأين هند آكلة الأكباد من فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين؟! وأين أبو سفيان الطليق من النبي الأكرم سيد الأولين والآخرين؟! وأين يزيد اللعين من الحسين وهو سيد شباب أهل الجنة أجمعين؟! وبعبارة أخصر: أين الشجرة الملعونة في القرآن من الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء؟
ويختم يزيد كلامه بذكر مشيئة الله وقضائه وقدره، وهو لا يعلم منها شيئاً، وهذا هو سلاح المتجبرين أن ينهوا كلّ شيء إلى هذه النقطة، ويروجوا لمسلك الجبر في المقام، ويسكتوا أصوات مخالفيهم والساذجين من الناس.
نعم التجأ يزيد إلى هذا الموقف المنفعل بعدما رأى فضاعة إساءته إلى رأس سبط الرسول وثمرة البتول، ولذلك ذكروا أنه قال بهذا المقال بعدما اعترضه أبو برزة الأسلمي أو ابن الحكم، وبعد ذلك تمثل بأبيات ابن الزبعرى.
ويزيد نفسه يعلم من هو الحسين (ع) ومكانته في قلوب الناس العارفين.
إن ابن كثير – مع ما فيه – يعترف بعلو مكانة الحسين (ع) في عيون الناس، ويقول: «بل الناس إنّما ميلهم إلى الحسين لأنه السيد الكبير وابن بنت رسول الله، فليس على وجه الأرض يومئذٍ أحد يسايره ولا يساويه»[33].
تمثّل يزيد بن معاوية بأبيات ابن الزبعرى
قال الخوارزمي: «ثمّ كشف (يزيد) عن ثنايا رأس الحسين بقضيبه ينكته به وأنشد … فقال بعض جلسائه: ارفع قضيبك فوالله ما أحصي ما رأيت شفتي محمد في مكان قضيبك يقبّله! فأنشد يزيد:
يا غراب البين ما شئت فقل ** إنّما تندب أمراً قد فعل
كل ملك ونعيم زائل ** وبنات الدهر يلعبن بكل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً ** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم ** من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا ** خبر جاء ولا وحي نزل
قد أخذنا من علي ثارنا ** وقتلنا الفارس الليث البطل
وقتلنا القرم من ساداتهم ** وعدلناه ببدر فاعتدل[34]
عدة ملاحظات
الملاحظة الأولى
إن يزيد بن معاوية تمثل بأبيات ابن الزبعرى في المقام صرح بذلك الكثير منهم: أبو الفرج الاصفهاني، وابن أعثم الكوفي، وسبط ابن الجوزي، وابن شهر آشوب والخوارزمي.
أما ابن الزبعرى فهو عبدالله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعيد، أبو سعد، شاعر قريش من الجاهلية، كان شديداً على المسلمين، قيل إنه أسلم في الفتح سنة ثمان، ومات سنة ١٥ من الهجرة[35].
قال الخوارزمي: «قال الحاكم: الأبيات التي أنشدها يزيد بن معاوية هي لعبد الله بن الزبعرى أنشدها يوم أحد لما استشهد حمزة عم النبي (ص) وجماعة من المسلمين، وهي قصيدة طويلة»[36].
الملاحظة الثانية
إن يزيد قد زاد على أبيات ابن الزبعرى ما يدل على كفره وخبث باطنه وسريرته، ويكشف عما في قلبه من الإلحاد والحقد لرسول الله (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
الملاحظة الثالثة
لقد أوضحنا أن أرباب كتب السير والتاريخ قد ذكروا تمثل يزيد بهذه الأبيات، وإن كان هناك اختلاف يسير في كيفية النقل وعدد الأبيات، فبعضهم لم يذكر إلا بيتاً واحداً، وبعضهم اثنين، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة، وبعضهم خمسة، وبعضهم ستة، وبعضهم سبعة، وبعضهم ثمانية أبيات منها.
الملاحظة الرابعة
لقد استندت العقيلة السيدة زينب الكبرى (س) إلى إنشاد يزيد لهذه الأبيات في المجلس بقولها:
«ألا إنها نتيجة خلال الكفر وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفاً وشناناً وأحناً وأضغاناً يظهر كفره برسول الله ويفصح ذلك بلسانه، وهو يقول فرحاً بقتل ولده وسبي ذرّيته غير متحوّب ولا مستعظم يهتف بأشياخه:
لأهلوا واستهلوا فرحاً ** ولقالوا يا يزيد لا تشل
منتحياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكان مقبّل رسول الله (ص) ـ ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه… فلتردن وشيكاً موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت»[37].
الملاحظة الخامسة
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعرى أنه قالها لوصف يوم أحد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حطت بقباء بركها ** واستحرّ القتل في عبد الأشل
ثم قال: «كثير من الناس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية، وقال من أكره التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد؟ فقلت له: إنّما قاله يزيد متمثلاً لما حمل إليه رأس الحسين وهو لابن الزبعرى، فلم تسكن نفسه إلى ذلك، حتى أوضحته له فقلت: ألا تراه قال: «جزع الخزرج من وقع الأسل» والحسين لم تحارب عنه الخزرج، وكان يليق أن يقول جزع بني هاشم من وقع الأسل، فقال بعض من كان حاضراً: لعله قاله يوم الحرّة، فقلت: المنقول أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين والمنقول أنه شعر ابن الزبعرى، ولا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول»[38].
أقول: لا ريب في صحة ما قاله المعتزلي من أن أصل الأبيات لابن الزبعرى وإن زاد عليها يزيد أبياتاً – كما مر – وكذلك لا خلاف في أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين بالشام.
الاستنتاج
أن يزيد بن معاوية بعد وصول السبايا من أهل البيت (ع) دعا إلى مجلس فخم حضره الأشراف والأعيان والشخصيات، ثم أمر بدخولهم عليه، وأخذ ينكت ثنايا الإمام الحسين (ع) بقضيب خيزران وهو يتمثّل بأبيات ابن الزبعرى، وقد أثار فعله استنكار بعض الحاضرين، كزيد بن أرقم.
الهوامش
[1] ابن الجوزي، المنتظم، ج5، ص341.
[2] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص٢٦٣.
[3] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص90.
[4] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص72.
[5] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص103.
[6] الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص254، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص84.
[7] القمّي، تفسير القمّي، ج2، ص352.
[8] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص267، ح١١٧٢.
[9] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص62.
[10] ابن طاووس، اللهوف، ص213.
[11] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص٢٦٢.
[12] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص61.
[13] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص85.
[14] ابن طاووس، اللهوف، ص213.
[15] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص245.
[16] ابن طاووس، اللهوف، ص٢١٤، ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص100.
[17] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص114.
[18] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج3، ص213.
[19] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص290.
[20] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ص82، ح297.
[21] ابن حبّان، کتاب الثقات، ج2، ص313.
[22] الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص356.
[23] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص114.
[24] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص261.
[25] البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، 416.
[26] ابن طاووس، اللهوف، ص214.
[27] الراوندي، الخرائج والجرائح، ج2، ص58.
[28] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص114.
[29] ابن الأثير، أسد الغابة، ج5، ص381.
[30] المفيد، الإرشاد، ج2، ص119، الطبرسي، إعلام الوری، ص٢٤٨.
[31] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص100.
[32] ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج2، ص181، الخوارزمي، مقتل الخوارزمي، ج2، ص57.
[33] ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص151.
[34] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص58.
[35] ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج2، ص308، رقم ٤٦٧٩.
[36] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص74.
[37] ابن طاووس، اللهوف، ص216.
[38] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج14، ص280.
مصادر البحث
1ـ ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأُولى، 1378 ه.
2ـ ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الأضواء، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
3ـ ابن الأثير، علي، أسد الغابة، بيروت، دار الفكر، طبعة 1409 ه.
4ـ ابن الأثير، علي، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، طبعة 1386 ه.
5ـ ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم في تاريخ الأُمم والملوك، تحقيق محمّد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، 1412 ه.
6ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
7ـ ابن حبّان، محمّد، كتاب الثقات، مؤسّسة الكتب الثقافية، الطبعة الأُولى، 1393 ه.
8ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، 1415 ه.
9ـ ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، 1410 ه.
10ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 ه.
11ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
11ـ ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 1408 ه.
13ـ ابن نما الحلّي، محمّد، مثير الأحزان، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، طبعة 1369 ه.
14ـ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تحقيق محمّد حميد الله، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، طبعة 1959 م.
15ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه.
16ـ الراوندي، سعيد، الخرائج والجرائح، قم، مؤسّسة الإمام المهدي (ع)، الطبعة الأُولى، 1409 ه.
17ـ الطبرسي، الفضل، إعلام الورى أعلام الهدى، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
18ـ الطبري، محمّد، تاريخ الأُمم والملوك، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الرابعة، 1403 ه.
19ـ القاضي المغربي، النعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار (ع)، تحقيق محمّد الجلالي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1414 ه.
20ـ القمّي، علي، تفسير القمّي، قم، مؤسّسة دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1404 ه.
21ـ المفيد، محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
22ـ اليعقوبي، أحمد، تأريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، بلا تاريخ.
مصادر المقالة
الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه.
مع تصرف بسيط.