ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام ونشأتها

2024-12-23

24 بازدید

استقبل النبي (ص) بلهفة وشوق ولادة خديجة لبضعته فاطمة الزهراء (س)، التي لا مثيل لها في بنات حواء طهارة وعفة وإيماناً وسلوكاً، وقد استشف (ص) من وراء الغيب سمو منزلة وليدته، وعظيم مكانتها عند الله تعالى، وأن نسله الطاهر يكون منها، وقد غمرته موجات من السرور والابتهاج بزهرائه التي استوعبت مودتها مشاعره وعواطفه، وأخلص لها في الحب أعظم ما يكون الإخلاص.

ونعرض بإيجاز لبعض شؤون ولادتها ونشأتها، وفيما يلي ذلك:

مراسيم ولادة فاطمة الزهراء (س)

وحينما بشر النبي (ص) بولادة خديجة لفاطمة (س) سارع إلى البيت، فأخذ وليدته المباركة وأوسعها تقبيلاً، وأجرى عليها مراسيم الولادة الشرعية وهي:

الأذان والإقامة

وأذن النبي (ص) في أذن وليدته اليمنى، وكان نشيد ذلك الأذان:

اللهُ أَكْبَرُ.

لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

وكان أول صوت قرع سمع الصديقة صوت أبيها داعية الله الأكبر في الأرض، وقد غذاها بهذه الكلمات التي بعثه الله بها من أجل إشاعتها بين الناس، فكانت جزء من حياتها الفكرية التي لازمتها في جميع فترات حياتها.

ثم تلى (ص) نشيد الإقامة في أذنها اليسرى، وانطبع صوت أبيها في فصول الإقامة بأعماق نفسها ودخائل ذاتها، حتى صارت من مقوماتها، وهبط على النبي (ص) جبرئيل فأبلغه السلام من الله تعالى له ولمولودته المباركة[1].

تكوين فاطمة الزهراء (س)

والشيء المهم في حياة الزهراء أنها تكونت من ثمر الجنة أطعم الله تعالى به نبيه العظيم ليلة المعراج حسبما نص عليه المؤرخون[2]، فمن ثمار الجنة وطيب فاكهتها تكونت سيدة النساء.

يقول الشيخ الفرطوسي:

وَأَتى جبرئيل يوماً لطه ** في حديثٍ عَنْ صادقِ الأُمَناءِ

قال هذي تُفاحة لك تُهدى ** بعد أسنى تَحِيَّةٍ وَثَناء

شقّها المُصْطَفَى فَأَشْرَقَ نُورٌ ** وهي في كَفِّهِ عَظِيمُ الضّياءِ

قال ماذا؟ فَقَالَ كُلها فهذا ** هُوَ نُورُ الزَّكِيَّةِ الزهراء

قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَدْ كان ** وَمِنْ قَبْلِ آدَمٍ في وعاء

وَتُسَمّى فِي الأَرْضِ فَاطِمُ لُطفاً **  وَتُسمّى منصورةٌ في السَّمَاءِ[3]

زمن ولادة الزهراء (س)

اختلف الرواة في زمن ولادة الزهراء (س)، وهذه بعض الأقوال:

1ـ ولدت الزهراء بعد البعثة النبوية بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة[4]، وكانت ولادتها في يوم الجمعة[5]، وهو اليوم المبارك.

2ـ ولدت فاطمة الزهراء (س) بعد البعثة النبوية بسنة[6].

3ـ ولدت فاطمة الزهراء (س) قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا القول شاذ ومتروك[7].

4ـ ونصت بعض المصادر أنها ولدت قبل البعثة النبوية إلا أنها أهملت السنة والشهر الذي ولدت فيه[8].

وهناك أقوال أخرى، ويترتب عليها الاختلاف في عمرها الشريف، والصحيح الذي ذهب إليه الأعلام هو القول الأول، وأنها قد بلغت من العمر ثماني عشرة سنة.

المكان

أما المكان الذي حظي بولادة فاطمة الزهراء (س) فهو مكة، وفي بيت أم المؤمنين خديجة الذي يقع بالقرب من زقاق العطارين، وفي هذا الوقت صار مسجداً.

تسمية فاطمة الزهراء (س)

سمى النبي (ص) وليدته المباركة بفاطمة، ولم يكن هذا الاسم غريباً، فقد كان اسماً لأم الإمام أمير المؤمنين (ع).

وروي عن أهل البيت (ع) أن الإمام أمير المؤمنين (ع) سأل النبي (ص)، فقال له: لِمَ سَمِّيَتْ فَاطِمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

فقال: لِأَنَّهَا فُطِمَتْ هِيَ وَشِيْعَتُهَا مِنَ النَّارِ[9].

يقول الشيخ الفرطوسي:

فَطَمَ اللهُ فاطماً مِنْ لَظَاهَا ** وبنيها سلالة الأزكياء

فَتَسَمَّتْ بِفَاطِمٍ وَهُوَ حَقًّاً ** لِعُلاهَا مِنْ أَفْضَلِ الأَسماءِ

ألقاب فاطمة الزهراء (س)

لقبت سيدة النساء بألقاب تنم عن سمو شخصيتها، وعظيم مكانتها في الإسلام، وهذه بعضها:

1ـ الصديقة

وهي أصدق امرأة في دنيا الإسلام وغيره، وقد صدقت وآمنت بنبوة أبيها وما أخبر به من شؤون الآخرة وغيرها.

2ـ المباركة

بوركت هي وذريتها حماة الإسلام ودعاة الله تعالى في الأرض.

يقول الشيخ الإصفهاني:

يا درة العصمة والولايه ** مِنْ صَدَفِ الحِكمة والعنايه

ما الكَوكَبُ الدُّرِّيُّ في السَّمَاءِ ** مِنْ ضَوء تلك الدُّرَّةِ البيضاء

وَالنَّيْرِ الْأَعْظَمِ مِنها كَالسُّها[10] ** كيف وَلَا حَدَّ لَهَا وَمُنْتَهى

أَشْرَقَتِ العَوالِمُ العُلويه ** بِنُورِ تِلكَ الدُّرَّةِ البَهِيه

يا دوحةً جَازَتْ سَنَامَ الفَلَكِ ** بَلْ جاوَزَ السَّدَرَةَ فَرْعُهَا الزَّكي

يا دَوحَةً أَغْصانُها تَدَلَّتْ ** بِمَوضِع فيهِ العُقولُ ضَلَّتْ

دَنَتْ إِلَى مَقامِ أَو أَدْنى فلا ** تبَعُ مِنْ ذَلِكَ أَعْلَى مَثَلًا[11]

3ـ الطاهرة

وهي أطهر بنات حواء، وأعفهنّ، وقد قلدها الله تعالى هذا الوسام بآية التطهير. قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[12].

وبإجماع المفسرين أنها من أهل البيت الذين منحهم الله هذا الوسام.

4ـ الزكية

وهي أزكى امرأة في الإسلام، فقد زكت من كل رجس وإثم.

5ـ الراضية

فقد رضت بما قسم الله لها من البساطة في العيش والزهد في متع الدنيا، وقد أثر عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ (ص) عَلَى فَاطِمَةَ (س) وَعَلَيْهَا كِسَاءٌ مِنْ ثَلَّةِ الْإِبِلِ وَهِي تَطْحَنُ بِيَدِها وَتُرْضِعُ وَلَدَها، فَدَمِعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ (ص) لَمَا أَبْصَرَها، فَقَالَ: يَا بِنْتَاهُ، تَعَجَّلِي مَرَارَةَ الدُّنْيَا بِحَلَاوَةِ الْآخِرَةِ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى[13].

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَالشَّكْرُ عَلَى آلَائِهِ[14].

6ـ المحدثة

لأن الملائكة كانت تحدثها، كما كانت الملائكة تحدث مريم، قال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ[15].

7ـ البتول

سميت بذلك لأنها بتلت وانقطعت عن النظير، فليس لها ند من النساء يشبهها في فضائلها، وقد سئل أحمد بن يحيى عن سبب تسميتها بالبتول، فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة، عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً. وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عز وجل[16].

8ـ الزهراء

سميت بذلك لأنها كانت تزهر بعظيم إيمانها وسمو أخلاقها، وقد سئل الصادق (ع) عن السبب في تسميتها بهذا الاسم فقال: إِنَّهَا إِذا قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا زَهَرَ نُورُهَا لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تَزْهُو الْكَوَاكِبُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ[17].

وقد سمي الجامع الأزهر بهذا الاسم تبركاً وتشرفاً باسم سيدة نساء العالمين[18].

وقد نظم الشيخ الفرطوسي أسماؤها المباركة بهذه الأبيات:

إِنَّ أَسْمَاءَها الكَرِيمَةَ مِنهُ ** تسْعَةٌ وَهِيَ أَكْرَمُ الأَسْمَاءِ

فهي (مَرْضِيَّةٌ) لِرَبِّ البرايا ** رَضِيَتْ مِنْهُ فِي حَكيم القضاء

وهي «صدّيقةٌ» بِما جَاءَ مِنهُ ** عُصِمَتْ مِنْ مَاثِمِ الأَخْطَاءِ

طَهُرَتْ مِنْ جَمِيعِ رِجْسٍ خَبِيثٍ ** وَتَزَكَّتْ فِي جُمَلَةِ الْأَزْكِيَاءِ

وَهِيَ قَدْ بُورِكَتْ بِمَا قَدْ حَباها ** ربُّهَا مِنْ مَوَاهِبٍ وَعَلَاءِ

وَهيَ قَدْ حُدِّثَتْ بِعِلم غَزِيرٍ ** مِنْ حَدِيثِ المَلائِكِ الْأَصْفِياءِ

فُطِمَتْ بِالعُلُومِ مِنْ كُلِّ شَرٌّ ** وَمِنَ الطَّمْثِ فِي جَمِيعِ الدِّمَاءِ

وهيَ كَانَتْ تَشِعُ أَنْوَارَ قُدْسٍ ** وجَلالٍ لِسَيْدِ الأَوْصِياء[19]

هذه بعض أسمائها وألقابها.

كنية فاطمة الزهراء (س)

کنيت بضعة النبي (ص) ببعض الكنى، منها:

1ـ أم أبيها

كنيت بذلك لعظيم حنوها وشفقتها على أبيها رسول الله (ص)[20].

ومن حنوها على أبيها، وعظيم محبّتها له، أنه قدم من بعض الغزوات إلى المدينة، وكان أول ما يدخل على بيت فاطمة الزهراء قبل أن يدخل إلى بيت زوجاته، واستقبلته فاطمة، وجعلت تقبل وجهه وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله (ص): ما يبكيك؟

فانبرت قائلة: أَراكَ قَدْ شَحُبَ لَوْنُكَ.

فهدّأ النبي (ص) روعتها وقال لها: يا فاطِمَةُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ أَبَاكِ بِأَمْرٍ لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا شَعَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ بِهِ عِزَا أَوْ ذُلَا يَبْلُغُ حَيْثُ بَلَغَ اللَّيْلُ[21].

أما العز فهو لمن آمن به وصدقه، وأما الذل فهو لمن جحده وحاريه وكفر برسالته.

وكانت تعظم أباها وتحنو له إجلالاً، فكانت تخاطبه يا رسول الله خصوصاً لما نزلت الآية الكريمة: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً[22]، وشق ذلك على النبي (ص) فقال لها: يا فاطِمَةُ، إنها – أي الآية – لَمْ تَنْزِلْ فِيكِ، وَلَا فِي أَهْلِكِ، وَلَا فِي نَسْلِكِ، أَنْتِ مِنِّي وَأَنَا مِنْكِ، إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ مِنْ قُرَيْشٍ؛ أَصْحَابِ الْبَذْخِ وَالْكِبَرِ، قُولِي: يَا أَبَة، فَإِنَّهَا أَحْيِي لِلْقَلْبِ، وَأَرْضَى لِلرَّبِّ[23].

وكانت أحب أهل بيته له، وأكثرهم مودة له، ولما انتقل أبوها إلى حظيرة القدس تصدع قلبها وذابت آسى وحزناً حتى التحقت به.

2ـ أم الحسنين

كنيت بأم الحسنين، وهما سبطا رسول الله (ص) وسيدي شباب أهل الجنة.

3ـ أم الحسن

وهو نجلها الأكبر الإمام الحسن (ع).

4ـ أم الحسين

وهو نجلها الثاني محيي الإسلام، وأبي الأحرار الإمام الحسين (ع).

هذه بعض ما كنيت به الصديقة من الأسماء.

نقش خاتم فاطمة (س)

كان نقش خاتم فاطمة «أَمِنَ الْمُتَوَكَّلُونَ».

وقيل: كان نقشه اللهُ وَلِيُّ عِصْمَتِي[24].

وذلك ينم عن مدى تعلقها بالله تعالى واعتصامها به.

نشأة فاطمة الزهراء (س)

نشأت الزهراء (س) في كنف أبيها سيد الكائنات وفي ذرى عطفه، فغذاها بمواهبه، وأفاض عليها مكوّناته النفسية التي أشرقت بها سماء الدنيا، وعلمها القرآن الكريم، وأحاطها علماً بجميع ما يتعلق بآيات الأحكام وأسباب النزول، وغير ذلك مما يرتبط به.

كما درسها أحكام الشريعة من العبادات والمعاملات، كما رسم لها محاسن الأخلاق وأصول الآداب، ورباها على الإيمان الخالص بالله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.

من معالم التربية النبوية للزهراء (س)

من برامج التربية الإسلامية التي قدمها النبي (ص) إلى زهرائه سيدة نساء العالمين (س) أنه أوصاها بما يلي:

لَيْسَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوائِقَهُ.

وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ.

وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ يَسْكُتْ.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْخَيْرَ الْحَلِيمَ الْمُتَعَفِّفَ، وَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الضَّنِينَ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ.

إِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيْمَانِ، وَالْإِيْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْفُحْشَ مِنَ الْبَدَاءِ، وَالْبَدَاءُ فِي النار[25].

إن هذه الوصية الذهبية تحمل قيم الإسلام ومبادئه وآدابه، وقد حفلت بما يلي:

1ـ الوصية بالجار، وذلك بالإحسان إليه والبر به، ومواساته في السراء والضراء، وعدم الإساءة إليه، وقد أكد الإسلام على ذلك في كثير مما أثر عن النبي (ص) وما أثر عن أئمة الهدى (ع) من أجل أن تسود المحبة والمودة بين المسلمين، وتصان الروابط الاجتماعية بينهم.

2ـ أن يتكلم المسلم بالكلام الطيب النافع، ويجتنب في حديثه عن كلمة السوء والفحش التي تؤدي إلى شيوع الرذيلة بين الناس.

3ـ أن يتسلح المسلم بأفضل الصفات وهو الحياء الذي هو من شعب الإيمان، والإيمان في الجنة.

هكذا كان يغذي النبي (ص) بضعته بهذه المثل العليا والقيم الكريمة.

ومن معالم التربية النبوية للزهراء (س) ما روته أسماء بنت عميس قالت: كنت عند فاطمة إذ دخل عليها رسول الله (ص) فرأى في عنقها قلادة ذهب كان الإمام علي (ع) اشتراها من فيء له، فقال لها النبي (ص): لَا يَغُرَّنَّكِ النَّاسُ أَنْ يَقُولُوا بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْكِ لِبَاسُ الْجَبَابِرَةِ.

فبادرت الزهراء (س) فنزعتها، وباعتها واشترت بها رقبة فاعتقتها، وسر النبي (ص) بذلك[26]، وشكر لبضعته هذا الصنيع.

لقد ربى النبي (ص) بضعته على الزهد في الدنيا وعدم الاحتفاء بزينتها.

ومن مناهج تربية النبي (ص) لبضعته أنه دخل عليها فرأى في عنقها قلادة فشاح بوجهه عنها، فنزعتها وقدمتها إلى أبيها، فقال لها: وَأَنْتِ مِنِّي يَا فَاطِمَةُ.

وطرق الباب سائل، فقام النبي (ص) فناوله القلادة ثم قال: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَهْرَقَ دَمِي، وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي[27].

أدعية علمها النبي (ص) للزهراء (س)

ومن معالي تربية النبي (ص) أنه علمها بعض الأدعية التي فيها سلامة للإنسان ونجاة له، ومنها هذا الدعاء:

يا اللَّهُ، يَا أَعَزَّ مَذْ كُورٍ وَأَقْدَمَهُ قِدَماً فِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ.

يا اللهُ، يَا رَحِيمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ، وَمَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوفٍ إِلَيْهِ.

يا الله، يا راحِمَ كُلِّ حَزِينٍ يَشْكُو بَنَّهُ وَحُزْنَهُ إِلَيْهِ.

يا اللهُ، يَا مَنْ تَخَافُ الْمَلَائِكَةُ الْمُتَوَقِّدَةُ بِالنُّورِ مِنْهُ.

أَسْأَلُكَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي يَدْعُوكَ بِها حَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَنْ حَوْلَ عَرْشِكَ، بِنُورِكَ يُسَبِّحُونَ بِها شَفَقَةٌ مِنْ خَوْفِ عَذابِكَ، وَبِالْأَسْمَاءِ الَّتِي يَدْعُوكَ بِها جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ إِلَّا أَجَبْتَنِي، وَكَشَفْتَ يَا إِلهِي كُرْبَتِي، وَسَتَرْتَ ذنُوبِي.

يا مَنْ يَأْمُرُ بِالصَّيْحَةِ فِي خَلْقِهِ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يُحْشَرُونَ، أَسْأَلُكَ بِذَلِكَ الْإِسْمِ الَّذِي تُحْيِي بِهِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ أَنْ تُحْيِيَ قَلْبِي، وَتَشْرَحَ صَدْرِي، وَتُصْلِحَ شَأْنِي.

يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ، وَخَلَقَ لِبَرِيَّتِهِ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ، يَا مَنْ فِعْلُهُ قَوْلٌ، وَقَوْلُهُ أَمْرٌ، وَأَمْرُهُ مَاضٍ عَلَى مَا يَشَاءُ، أَسْأَلُكَ بِالْإِسْمِ الَّذِي دَعَاكَ بِهِ خَلِيلُكَ حِينَ الْقِيَ فِي النَّارِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ، وَقُلْتَ: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ[28].

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي دَعَاكَ بِهِ مُوسَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ دعاءه.

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي كَشَفْتَ بِهِ عَنْ أَيُّوبَ الضُّرَّ، وَتُبْتَ بِهِ عَلَى دَاوُدَ، وَسَخَّرْتَ بِهِ لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ وَالشَّيَاطِينَ، وَعَلَّمْتَهُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ.

وبِالْاِسْمِ الَّذِي وَهَبْتَ بِهِ لِزَكَرِيَا يَحْيَى، وَخَلَقْتَ عِيْسَىٰ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ.

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الْعَرْشَ وَالْكُرْسِيَّ.

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الرَّوْحَانِيِّينَ.

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ.

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ جَمِيعَ الْخَلْقِ وَجَمِيعَ مَا أَرَدْتَ مِنْ شَيْءٍ.

وَبِالْإِسْمِ الَّذِي قَدَرْتَ بِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

أَسْأَلُكَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَمَا أَعْطَيْتَنِي سُؤالِي، وَقَضَيْتَ بِهَا حَوَائِجِي[29].

ومن الأدعية التي علمها النبي (ص) هذا الدعاء عند نزول المصيبة:

يا عَالِمَ الْغَيْبِ وَالسَّرائِرِ، يا مُطَاعُ یا عَلِيمُ، يا الله يا الله يا الله، يا هازم الْأَحْزَابِ لِمُحَمَّدٍ، يا كَائِدَ فِرْعَوْنَ لِمُوسى، يا مُنْجِيَ عِيسَى مِنَ أَيْدِي الظُّلَمَةِ، يَا مُخَلَّصَ قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْغَرَقِ، يا رَاحِمَ عَبْدِهِ يَعْقُوبَ، يَا كَاشِفَ ضُرٍّ أَيُّوبَ، يا مُنْجِيَ ذِي النُّونِ مِنَ الظُّلُماتِ، يا فاعِلَ كُلِّ خَيْرٍ، يَا هَادِياً إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، يا دالاً عَلى كُلِّ خَيْرٍ، يا آمِراً بِكُلِّ خَيْرٍ، يَا خَالِقَ الْخَيْرِ، وَيَا أَهْلَ الْخَيْرِ، أَنْتَ اللهُ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِيمَا قَدْ عَلِمْتُ، وَأَنْتَ عَلَامُ الْغُيُوبِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ[30].

ومن الأدعية التي علمها النبي (ص) هذا الدعاء لدفع الأرق:

عن الإمام علي (ع) أن فاطمة (س) شكت إلى رسول الله (ص) الأرق فقال لها قولي:

يا مُشْبَعَ الْبُطُونِ الْجَائِعَةِ، وَيا كَاسِي الْجُسُومِ الْعَارِيَةِ، وَيَا سَاكِنَ الْعُرُوقِ الضَّارِبَةِ، وَيَا مُنَوَّمَ الْعُيُونِ السَّاهِرَةِ، سَكَّنْ عُرُوقِي الضَّارِبَةِ، وَأَذَنْ لِعَيْنِي نَوْماً عاجلاً[31].

ومن الأدعية التي علمها النبي (ص) هذا الدعاء الخاص بدخول المسجد والخروج منه، وهو:

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوابَ رَحْمَتِكَ.

وأما دعاء الخروج من المسجد: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوابَ فَضْلِكَ[32].

شبه فاطمة (س) بالنبي (ص)

وكانت سيدة النساء أشبه الناس بأبيها (ص)، فقد شابهته في خلقه، وسمو ذاته، وشابهته بجميع خصاله، وحدث جابر بن عبد الله الأنصاري عن مشابهة الزهراء لأبيها قال: ما رأيت فاطمة تمشي إلا ذكرت رسول الله (ص)، تميل على جانبها الأيمن مرة، وعلى جانبها الأيسر مرة[33].

وقالت عائشة: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً وحديثاً برسول الله (ص) في قیامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله (ص)، وكانت إذا دخلت على رسول الله (ص) قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي (ص) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته، وأجلسته في مجلسها[34].

لقد شابهت سيدة النساء (س) أباها لا في ملامحه وصورته، وإنما بجميع ذاتياته ومكوناته التي امتاز بها على سائر النبيين، وقد قيل:

هيَ أَحْمَدُ الثَّانِي وَأَحْمَدُ عَصْرِها ** هي عُنصُرُ التَّوحِيدِ فِي عَرَصَاتِها

مشكاة نُورِ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ ** زَيْتُونَةٌ عَمَّ الوَرَى بَرَكَاتُها

عيادة النبي (ص) لفاطمة (س)

ألمت بعض الأمراض بفاطمة (س)، فبادر النبي (ص) مسرعاً لعيادتها والاطمئنان على سلامتها، وقد انبرى معه عمران بن حصين، فلما انتهيا إلى بابها سلم عليها النبي (ص) وقال لها: أَدْخُلُ أَنَا وَمَنْ مَعِي؟

نَعَمْ، وَمَنْ مَعَكَ… يَا أَبَتاهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلَيَّ إِلَّا عَبَاءَةٌ.

فأمرها النبي (ص) بالتستر بها، وأعطاها ملاءة كانت عليه لتستر رأسها، فصنعت ذلك، ثم دخل عليها فقال لها: كَيْفَ تَجِدِينَكِ يا بُنَيَّةُ؟

فقالت له: إِنِّي لَوَجِعَةٌ، وَإِنَّهُ لَيُزِيدُنِي أَنَّهُ مَا لِي طَعَامٌ أَكُلُهُ.

والتفت إليها النبي (ص) فقلدها وساماً قائلاً: أَما تَرْضَيْنَ أَنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

فقالت: يَا أَبَتِ، فَأَيْنَ مَرْيَمُ؟

تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِها، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ[35].

إنها سيدة نساء العالمين، والقدوة الفذة لكل سيدة كريمة عاشت للفضيلة والكرامة.

ومرضت الزهراء (س) مرة أخرى فسارع النبي (ص) مع جمهرة من أصحابه لعيادتها، ولما انتهوا إلى دارها أمرها النبي (ص) بالستر فقالت له: ما عَلَيَّ إِلَّا عَبَاءَةٌ، فأخذ رداءه فرمى به إليها فتسترت به، ودخل الرسول (ص) مع أصحابه عليها فسألوها فأجابتهم أنها ماثلة للشفاء، ثم انصرفوا وهم مبهورون مما رأوه من بساطة عيش فاطمة، وخلو بيتها من جميع متع الحياة قائلين: تالله، بنت نبينا على هذا الحال؟

وأجابهم النبي (ص) قائلاً: أَمَا إِنَّهَا سَيِّدَةُ النِّسَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[36].

لقد زهدت سيدة نساء العالمين بالدنيا وما فيها، واتجهت صوب الله تعالى، قد عملت كل ما يقربها إليه زلفى.

وبلغ من حب النبي (ص) لبضعته أنه فداها بأبيه وأمه[37].

الاستنتاج

ان النبي (ص) حينما بشر بولادة فاطمة الزهراء (س) أجرى عليها مراسيم الولادة الشرعية، وأنها تكونت من ثمر الجنة، واختلف الرواة في زمن ولادتها، أما مكان ولادتها فهو مكة، وسمّاها (ص) بفاطمة، ولقبت بألقاب عديدة، كما أنها کنيت ببعض الكنى، ونشأت في كنف أبيها (ص)، وأوصاها بعدة وصايا، وعلّمها بعض الأدعية، وأنها كانت أشبه الناس بأبيها في خلقه، وسمو ذاته، وبجميع خصاله، وأنه (ص) أعادها لما ألمت بها بعض الأمراض.

الهوامش

[1] ابن حجر العسقلاني، میزان الاعتدال، ج4، ص72.

[2] الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج1، ص١٥٦.

[3] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص44.

[4] الطبرسي، إعلام الورى، ص ١٤٨.

[5] الموسوي، الكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأطهر، ج۱، ص۳۰۹.

[6] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص45.

[7] العاملي، مأساة الزهراء، ج١، ص٣٦.

[8] ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج٨، ص٥٤.

[9] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص46.

[10] السُها: كوكب خفي من بنات نعش الصغرى.

[11] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص47.

[12] الأحزاب، ۳۳.

[13] الضحى، ٥٩٣.

[14] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص48.

[15] آل عمران، ٤٥.

[16] ابن منظور، لسان العرب، ج١٦، ص٤٣.

[17] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص92.

[18] الجامع الأزهر في القاهرة بناه الفاطميون (الدولة الفاطمية)، وسموه الأزهر تيمناً بفاطمة الزهراء (س).

[19] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص40.

[20] ابن عبد البر، الاستيعاب، ج2، ص752.

[21] الإصفهاني، حلية الأولياء، ج2، ص30.

[22] النور، 63.

[23] المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص33.

[24] الموسوي، الكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأطهر، ج1، ص309.

[25] الطبري، دلائل الإمامة، ص٦٦.

[26] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص53.

[27] الأربلي، كشف الغمة، ج١، ص٤٧١.

[28] الأنبياء، ٦٩.

[29] ابن طاووس، مهج الدعوات، ص١٧٦.

[30] المجلسي، بحار الأنوار، ج۸۸، ص370.

[31] ابن طاووس، فلاح السائل، ص٣٨٤.

[32] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، ج9، ص56.

[33]المجلسي،  بحار الأنوار، ج43، ص7.

[34] الطبري، ذخائر العقبى، ص٤٠.

[35] الطبري، ذخائر العقبي، ص٤٣.

[36] الإصفهاني، حلية الأولياء، ج2، ص42.

[37] الحاكم النيسابوري، مستدرك على الصحيحين، ج٣، ص١٥٦.

مصادر البحث

1ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍.

2ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان الميزان، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1406 ه‍.

3ـ ابن طاووس، علي، فلاح السائل، قم، دفتر تبليغات إسلامي، الطبعة الأُولى، 1406 ه‍.

4ـ ابن طاووس، علي، مهج الدعوات ومنهج العبادات، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الثانية، 1424 ه‍.

5ـ ابن عبد البر، يوسف، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمّد البجاوي، بيروت، دار الجيل، الطبعة الأُولى، 1412 ه‍.

6ـ ابن منظور، محمّد، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، طبعة 1405 ه‍.

7ـ الأربلي، علي، كشف الغمة في معرفة الأئمّة، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1421 ه‍.

8ـ الإصفهاني، أبو نعيم، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، القاهرة، دار أُم القرى، الطبعة الأُولى، بلا تاريخ.

9ـ الحاكم النيسابوري، محمّد، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار التأصيل، طبعة 1435 ه‍.

10ـ الطبرسي، الفضل، إعلام الورى بأعلام الهدى، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.

11ـ الطبري، أحمد، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، القاهرة، مكتبة القدسي، طبعة 1356 ه‍.

12ـ الطبري، محمّد، دلائل الإمامة، قم، مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1413 ه‍.

13ـ العاملي، جعفر مرتضى، مأساة الزهراء (س)، بيروت، دار السيرة، الطبعة الثانية، 1418 ه‍.

14ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.

15ـ الموسوي، محمّد باقر، الكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأطهر، قم، دليل ما، الطبعة الأُولى، 1386 ش.

مصدر المقالة (مع تصرف)

القرشي، باقر، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، تحقيق مهدي باقر القرشي، النجف، دار المعروف، الطبعة الثانية، 1433 ه‍.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *