- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 12 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المولد والنشأة
ولد بقرية ” سوكو ” التابعة لمدينة ” بوندوكو ” في ساحل العاج(۱) عام ۱۹۸۰م، من عائلة تعتنق المذهب المالكي.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام ۱۹۹۳م في بلاده، بعد أن تجلت له الحقائق من خلال البحث والتتبع.
بداية الالتفات إلى الحقيقة:
يقول ابراهيم: ” لازلت أتذكر ذلك اليوم الذي طرق سمعي فيه كلمة الشيعة، إذ كنت أنذاك طالباً في مدرسة التربية والتعليم الإسلامي، وكنت أحبّ مادة التاريخ، وفي أحد الأيام كان الدرس يرتبط بالعهد الأُموي، فتطرّق الأستاذ في الدرس حول أهم الأحداث التي وقعت خلال فترة حكم الأمويين، ومنها واقعة الطفّ! فأشار الأستاذ بشكل عابر إلى مجريات واقعة الطفّ، وذكر أنّ الخليفة يزيد بن معاوية قتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بصورة فجيعة وبادر إلى إبادة الشيعة في هذه الواقعة، ثم أشار الأستاذ إلى بعض الأفعال المروّعة التي ارتكبها معسكر يزيد ضدّ الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه.
التعرف على الشيعة:
فتأثرت من أعماق كياني بواقعة الطفّ الدامية التي كان ضحيتها ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته، وتداعى في ذهني كيف تجرأ يزيد بارتكاب هذه الأفعال الشنيعة وهو الخليفة يوم ذاك!
ثم وقع تساؤل في نفسي: ياترى من هم الشيعة الذين ذكرهم الأستاذ وقال: إنّ يزيد أبادهم؟ وماهي صلتهم بالحسين (عليه السلام) ؟
فلما أنتهى الدرس توجهت إلى الأستاذ لأستفسر منه حول الشيعة الذين ذكرهم، فقلت له: من هم هؤلاء وماهي صلتهم بالحسين (عليه السلام) ، ولماذا أمر الخليفة يزيد بقتلهم وقتل ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فأجابني الأستاذ: إنّ الشيعة طائفة إسلامية تعتقد بإمامة عليّ بن أبي طالب وولده، وتقول بأنّه الأحق بالخلافة بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنّ لهؤلاء معتقدات تغاير ما عليه المسلمون وهي عقائد ضالة ومنحرفة، وهم أناس خرافيون لا يستندون إلى دليل منطقي أو برهان عقلي فيما يذهبون إليه.
ثم أضاف الأستاذ قائلاً: ويمكن تمييز هؤلاء عن غيرهم بكيفية أدائهم للصلاة، فهم يسجدون على التربة، ثم قال لي: ويمكنك للمزيد من التعرف عليهم أن تذهب إلى (آدم وترى) لأنّه أصبح منهم وانتمى إلى التشيع، فأحبذ أن تلتقي به لتجد الانحراف الفكري عنده بصورة مباشرة وتلمس أفكاره الضالة بوضوح.
المفاجأة باستبصار أحد أقربائي:
استغربت من كلام الأستاذ عندما أنبأني بأنّ آدم قد انتمى إلى التشيع!، فقلت في نفسي: إنّه خير من أستفسر منه حقيقة هؤلاء الناس الذين لا قوا ما لاقوا يوم عاشوراء.
فقصدته وأخبرته بما جرى بيني وبين أستاذي حول واقعة الطفّ، وطلبت منه أن يبيّن لي ما عنده ويذكر لي أسباب انتمائه لهؤلاء الناس؟، فقبل مني ذلك واتفقنا معاً على موعد معيّن لنتحدث في هذا الموضوع.
وفي الموعد المقرّر، بدأ الأخ آدم الحديث قائلا: إنّ الأحداث التي تلت وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرة، ويحتار الباحث في تعيين الانطلاقة في البحث.
فقلت له: الأفضل أن نشرع من البداية كي تتضح الأمور، فبدأ آدم بالحديث عن مرض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتجرؤ بعض الصحابة عليه واتهامهم له (صلى الله عليه وآله وسلم)بالهجر والهذيان، وما جرى بعد وفاة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) من أحداث في السقيفة، وانتهاك القوم لحرمة بيت فاطمة(عليها السلام) و…، ثم تدرّج في الأحداث التي وقعت بعد تولي يزيد لأمر الخلافة “.
شخصية يزيد بن معاوية:
إنّ شخصية يزيد معروفة وواضحة لمن له أدنى مراجعة لكتب التاريخ، لأنّ الإنسان مخبوء تحت لسانه، والأقوال المنقولة عن لسان يزيد تكشف بوضوح حقيقة أمره، كما أنّ يزيد لم يكن من أمثال المنافقين ليخفي سريرته، بل كان يجهر بالفسق والفجور قولاً وعملاً منذ نشأته حتى تنصيبه للخلافة، وورد أنّه قال بعد موت أبيه معاوية وافضاء الأمر إليه: ” قد وليت الأمر بعده، ولست أعتذر عن جهل، ولا أشتغل بطلب علم “(۲).
فهو يقرّ بعنجهيته ولهوه وجهله، ويفرض على أُمة الإسلام وجوده ويهدّد من يخالفه بالإرهاب والقتل، ولم يكن ما صدر من يزيد إلاّ لأنّ الترف باعد بيّنه وبين الدين، فجعله شخصية دكتاتورية لا يهمها سوى اشباع غرائزها وتحقيق نزواتها مهما كلف الأمر.
كما أنّ معاوية كان قد مهّد له الأجواء والأرضية ليعبث بها كيف ما شاء، فاستغل يزيد هذا الأمر وارتكب ما تهواه نفسه، فكان يزيد يفتقد الحدّ الأدنى من المقومات التي تجعله مؤهلاً لمنصب الخلافة، بحيث أقرّ بذلك الدعي زياد بن أبيه ـ وهو من عُرف ببغيه وسوء سريرته ـ وكتب إلى معاوية بشأن البيعة ليزيد: ” ويزيد صاحب رَسْلَة وتهاون، مع ما قد أولع به من الصيد “(۳)، ويزيد معروفاً بالتهوّر وعدم الاتزان، حيث قال عنه البلاذري: ” لا يهم بشيء إلاّ ركبه “.
وبمراجعة ما ذكره المؤرخون عن مقاطع حياته تنكشف بوضوح شخصية يزيد المستهترة، ويعود السبب الكبير في ضعف صلة يزيد بالدين هو ترعّرعه ـ كما يسأتي في الأجواء المسيحية التي نشأ فيها ـ وهذه الأجواء هي التي جعلته عاجزاً عن النفاق والتظاهر بالورع والتقوى، والتلبس بلباس الدين، وجعلته مجاهراً بارتكاب المحرمات واقتراف الآثام(۴).
وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم أنّ تولي يزيد للخلافة سوف يؤدي إلى اضمحلال الدين، وتفشي الضلال في أوساط الأمة، فلهذا كتب إلى معاوية جواباً على رسالته ووصف فيها يزيد بدقة وبصراحة: “… وفهمت ما ذكرت عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأمة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، تريد أن توهم الناس في يزيد! كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موضع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السّبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي تجده باصراً “(۵).
ولكن معاوية كان يريد أن يحول الخلافة إلى ملكيّة فلم يبالي بما قيل له، بل حاول تمهيد أرضية الحكم لإبنه وبذل قصارى جهده لتحقيق ذلك، حتى وصل به الحدّ أن أمر بوضع أحاديث تروّض الناس على الخضوع والذل، وترسّخ عقيدة الجبر في أوساط الأمة، ليؤهل بذلك الأرضية لرضوخها في قبول إبنه كخليفة لله يجب السكوت على تصرفاته مهما كانت، كما في حديث: ” من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنّه من فارق الجماعة شبراً، فمات إلاّ مات ميتة جاهلية “(۶).
وكان هذا الاسلوب إحدى طرق التضليل الديني الذي ابتدعه معاوية لتثبيت ملكه وملك بني أُمية! حيث قال له يزيد بعد أن تمّت له البيعة بولاية العهد: ” والله ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا؟! فقال له معاوية: كل من أردت خديعته فتخادع لك حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته “(۷).
جرائم يزيد بن معاوية:
عند تولي يزيد الخلافة لم يجد الإمام الحسين (عليه السلام) بدّاً من رفض بيعته وتوعيت الناس وتنبيههم بالخطر الذي كان يهدّد جذور الإسلام، فقال (عليه السلام) لمّا بلغه ذلك: ” وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأُمة براع مثل يزيد “(۸).
فقابله يزيد بعنف حتى حدثت مجزرة كربلاء الرهيبة، فذبح الحسين (عليه السلام) وقتل آل رسول الله (عليهم السلام) ومن شايعهم، ومثّل بهم أبشع تمثيل، وسبيت نساءهم وذراريهم، ونهب رحلهم، ثم لم يكتف يزيد بهذه الجريمة، بل أمر بالهجوم على مدينة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لمعارضتهم لحكمه، فاستباحها وقتل أهلها وهتك الأعراض فيها، فافتض عساكره في هذه الواقعة ألف بكر! وقتل الآلاف من المسلمين فيهم جمع من الصحابة!، وجريمته المنكرة هدمه للكعبة المشرفة وحرقها وترويع أهل الحرم المكي!!، وكل هذا ذكره المؤرخون وأصحاب السير وغيرهم.
وقد ذكر المؤرخ الأُموي ابن عبد ربه الأَندلسي أخبار عجيبة، ومثالب كثيرة، من شربه الخمر، وقتل ابن الرسول، ولعن الوصي، وهدم البيت وإحراقه، وسفك الدماء، والفسق والفجور، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله(۹).
كما أنّ يزيد بن معاوية اعتمد في ارتكابه لهذه الجرائم على أعوان لايؤمنون بشيء من القيم الإنسانية، بل كانوا مزيجاً من المسوخ البشرية وذوي العاهات النفسية الغريبة التركيب، فكانوا يمتلكون نفوساً مليئة بالحقد والتدمير للأمة الإسلامية ورموزها المقدسة.
فكان من هؤلاء: مستشاره ونديمه المرافق له كظله (سرجون النصراني) الذي لعب دوراً هدّاماً في الكيان الإسلامي، فقرّبه يزيد ومنحه المكانة العالية وبسط يده في الدولة، لأنّ يزيد عاش فترة طفولته وشبابه المبكر مع أُمه ميسون وأخواله بني كلب النصارى; وكان من شعراء يزيد (الأخطل) وهو نصراني لئيم أيضاً، تمادى في هجوه للأنصار! ولم يكتف يزيد بذلك، بل عهد بتربية أحد أبنائه إلى مرّب نصراني!.
واعتمد أيضاً على الأدعياء وأبناء الأدعياء، كـ (عبيد الله بن زياد) المعروف ببغضه لآل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، والمشهور بفتكه وقسوته، كما اعتمد على (عمر بن سعد بن أبي وقاص) المعروف بطمعه وحبّه للمناصب، وهو الذي وجّه لحرب الحسين (عليه السلام) ، وكان أوّل من شنّ الحرب في أرض كربلاء ضدّ الإمام الحسين (عليه السلام) ليرضي بذلك ابن زياد فيوليه بلاد الري وجرجان، فرمى بسهم نحو معسكر أبي عبد الله (عليه السلام) وقال: ” اشهدوا لي عند الأمير أني أوّل من رمى، ثم رمى الناس “(۱۰)!
واعتمد يزيد على الخارجي (شمر بن ذي الجوشن) الذي عرف عنه النَصب والعداوة لآل عليّ (عليه السلام) ، تلك العداوة التي جسدها بكل خسة عند توليه لذبح سيد الشهداء (عليه السلام) !
وغير هؤلاء كثير، فكانت تصرفاتهم مطابقة لتصرفات يزيد بحيث غلب على أصحابه وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب!.
وإنّ التاريخ بالرغم من كتابة أكثر فصوله بأقلام كانت تداري حكام الجور الذين كانوا يبغضون علياً وبنيه (عليهم السلام) قد ذكر أفعال يزيد وشخصيته، ولكن مع ذلك نجد هناك بعض ممن في قلبه مرض حاول الدفاع عن يزيد ولم يجوّز لعنه!!.
فقد قال ابن كثير بعد ما نقل عن أبي الفرج الحنبلي تجويز لعنه: ” ومنع من ذلك آخرون، وصنفوا في ذلك أيضاً لئلاً يجعل لعنه وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ماصدر منه من سوء التصرفات على أنّه تأوّل ذلك وأخطأ، وقالوا: إنّه مع ذلك كان إماماً فاسقاً، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدم الحرام… وأمّا ما ذكره بعض الناس من أنّ يزيد لمّا بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرّة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحاً شديداً، فإنّه يرى أنّه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمرّوا عليه غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة “(۱۱).
” وإن عشت أراك الدهر عجباً ” فالخروج على السلطان الجائر المستحل لحرام الله المؤدي إلى وقوع الهرج وسفك الدم الحرام غير جائز!! وبقاء الحاكم الذي عمّ بظله الهرج والمرج، وسفك بأمره دم آل رسول الله (عليهم السلام) وهدم بأمره بيت الله و… كل هذا جائز (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)!(الصافات: ۱۵۴).
وقال الذّهبي عن لعنه: ” ويزيد ممن لا نسبّه ولا نحبّه، وله نظراء من خلفاء الدولتين، وكذلك ملوك النواحي، بل فيهم من هو شرّ منه، وإنّما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بتسع وأربعين سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجدّه “(۱۲).
فالذّهبي لا يسبّه لوجود نظراء سوء مثله، ولا يحبّه لأنّ ابن عمر أولى بالأمر منه!، ولهذا عظم الخطب عنده، لا لقتله سيد شباب الجنّة وريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا لقتله المسلمين وهتكه للأعراض في المدينة المنورة، ولا لهدمه الكعبة المشرفة!!.
وزعم أبو بكر ابن العربي المالكي (عليه لعنة الله) أنّ الحسين قتل بسيف جدّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يجوز لعن يزيد لذلك(۱۳)!!.
واستحسن ابن حجر الهيثمي ما ذهب إليه الغزالي والمتولي بعد أن نقل قولهما في كتابه الصواعق: ” لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره، فإنّه من جملة المؤمنين، وأمره إلى مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه “(۱۴)!.
وياترى من أين جاء له الإيمان؟! وهو الذي وضع رأس الحسين (عليه السلام) ورؤوس آل عبد المطلب بين يديه وتمثّل بأبيات المشرك ابن الزبعري ـ التي افتخر فيها بانتصار قريش على المسلمين يوم أحد ـ فجعل يزيد ينشد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ***** جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً ***** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم ***** وعدلنا ميل بدر فاعتدل
كما أنّه نكث رأس الحسين (عليه السلام) بخيزرانته وأنشد يقول بمرأى ومسمع من المسلمين:
لست من خندف إن لم أنتقم ***** من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا ***** خبر جاء ولا وحي نزل(۱۵)
وأقواله هذه توحي أنّه كان من الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعدواناً (فَإِنَّها لا تَعْمَى اْلأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج: ۴۶).
العلماء المصرحين بكفر يزيد وجواز لعنه:
ومما يستنتج من أفعال يزيد بن معاوية، أنّه كان لا يؤمن بالله عزّوجلّ في قرارة نفسه، وكان جانحاً ميّالاً للعبث في تصرفاته، وحاقداً على النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وآله، ولهذا جزم بعض علماء العامة بكفره وجواز لعنه، كابن الجوزي، والقاضي أبي يعلى، والتفتازاني، وجلال الدين السيوطي، وأحمد بن حنبل(۱۶)، وغيرهم.
وقد ألّف ابن الجوزي كتاباً أسماه ” الرد على المتعصب العنيد، المانع من ذم يزيد “، وقال فيه: ” سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد بن معاوية وما فعل في حقّ الحسين (عليه السلام) ، فقلت: يكفيه ما فيه!… قال: تجوّز لعنه؟ فقلت: قد أجازها العلماء الورعون، منهم الإمام أحمد بن حنبل [ فإنّه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ]”(۱۷).
وروى عن القاضي أبي يعلى بن الفراء، أنّه روى في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل، قال: ” قلت لأبي: إنّ قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد؟! فقال: يا بني، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟ [فقلت: فلم لا تلعنه؟! فقال: ومتى رأيتني لعنت شيئاً يا بني ]، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال: في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اْلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (محمّد: ۲۲، ۲۳) فهل يكون فساداً أعظم من القتل؟ “(۱۸).
وقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحق اللعن، ومنهم يزيد، وقال: ” الممتنع من ذلك إمّا أن يكون غير عالم بجواز ذلك، أو منافقاً…”(۱۹).
وقال سعد الدين التفتازاني: ” وبعضهم أطلق اللعن عليه، لما أنّه كفر حين أمر بقتل الحسين (رضي الله عنه)، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به.
والحق: إنّ رضى يزيد ـ لعنه الله ـ بقتل الحسين (عليه السلام) واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه “(۲۰).
وقال الآلوسي في تفسيره بعد أن ذكر كلام ابن الجوزي في يزيد: ” وأنا أقول: الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدّقاً برسالة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)… ولو سلم أن الخبيث كان مسلماً فهو مسلمٌ جمع من الكبائر مالا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه “(۲۱).
وواقعة الحرّة تشهد على فعل يزيد بالمدينة وأهلها، وخصوصاً بعد ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ” من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين… “(۲۲).
فيزيد بن معاوية ملعون آيس من رحمة الله، وقد دعى عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو لم يولد بعد، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ” يزيد لا بارك الله بيزيد، نُعي إلي الحسين، وأُوتيت بتربته، وأُخبرت بقاتله… واهاً لفراخ آل محمّد من خليفة مستخلف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف “(۲۳).
كما لعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) بالوصف أيضاً، فقال: ” سبعة [ستة] لعنتهم وكل نبيّ مجاب الدعوة… والمستحل من عترتي ما حرّم الله “(۲۴).
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبي يعلى، والروياني، والحافظ السلمي والنيسابوري، والبيهقي، وابن عساكر، والضياء، عن أبي ذر رضي الله عنه: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ” أوّل من يبدّل سنتي رجل من بني أمية ـ وزاد الروياني ـ يقال له يزيد “(۲۵).
وقد تبرء بعض بني أُمية من سوء فعاله، وأدانوا سيرته، حتى أنّ إبنه معاوية قال عنه عندما هلك يزيد: ” إنّ من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وبئيس منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الخمر، وخرّب الكعبة… “(۲۶).
ومن كلام إبنه هذا يحكم بكفره لا محال، لأنّه غيّر حكم الله وبدّل شريعة الإسلام بإباحته للخمر ـ وتحليل الخمر يعني الحكم بأنّها حلال ومباح ـ وفاعل ذلك كافرٌ شرعاً لا خلاف فيه، وإذا قيل: أنّه ولد من مسلم، يكون مرتدّاً مليّاً يجب قتله!
كما أكد عمر بن عبد العزيز إدانته لأفعال يزيد، عندما ذكره رجل في بلاطه فقال: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: ” تقول أمير المؤمنين؟! فأمر به فضرب عشرين سوطاً “(۲۷).
وقد ارتكب يزيد من الجرائم حتى خشي الناس غضب الله عليهم!، فعن عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ قال: ” والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح أُمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة “(۲۸).
نقطة التحول والاستبصار:
يقول إبراهيم وترى: ” جعلني كلام قريبي آدم مذهولاً مندهشاً بعدما كشف لي الستار عن هذه الحقائق التاريخية! فتجلى لي بوضوح أنّ من يحمل هذه الصفات المذمومة والرذائل الموبقة لا يجوز له أن يقود أمة ترعرعت في أوساطها أقدس رسالات الله تعالى، ولا يستحق أن يلقّب خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّه يفقد جميع مقومات الخلافة.
فمن ذلك الحين وجدت يزيد رجلاً على حدّ تعبير الذهبي: ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس(۲۹).
فاتفقت مع الأخ آدم على عقد لقاءات أُخرى لأتعرف على الشيعة أكثر فأكثر، وتكررت اللقاءات وتعدّدت البحوث حول مواضيع الإمامة والخلافة، وكان آدم يدعم أقواله بالأدلّة والبراهين، ويرشدني إلى الكتب، لا سيما كتب أبناء العامة لأحقق في الأمر بنفسي، وهكذا بقيت أستفسر واطالع و….
ومن جانب آخر كنت اناقش أستاذي ـ الذي أرشدنى لآدم ـ في هذه المسائل، فبدأ الأستاذ يمتعض مني، وخشي أن أتحوّل إلى مذهب الشيعة، فزودنى بعناوين بعض المؤسسات الثقافية لترفدني بالكتب والاصدارات التي قد توقف وتحدّ من تأملاتي في سلوك خلفاء الإسلام الذين كنت أجهل عنهم كل شئ تقريباً.
ولكنني بمرور الزمان تعرّفت على حقائق واجهت في الأذعان بها صعوبة بالغة، نتيجة الترسبات الفكرية السابقة، وكنت أقول في نفسي: كيف أترك مذهبي؟! كيف أهجر معتقداتي؟! كيف كيف…؟، ودارت الأيام حتى إلتقيت بأحد أصدقائي السابقين ـ وكان أحد طلاب مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في غانا ـ فتحاورت معه في هذا المجال، فأعطاني كتاب (ثم اهتديت) و(لأكون مع الصادقين) و(مؤتمر علماء بغداد)، فوجدت فيها حقائق أُخرى تؤيد ما ذكر لي آدم من قبل.
وشيئاً فشيئاً بدأت سحب الظلام تنقشع من أمامي ونور الهداية يجذبني، فقرّرت الالتحاق بسفينة النجاة والاهتداء بنجوم الأمان والانتماء إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فأعلنت استبصاري عام ۱۹۹۳م في ساحل العاج “.
(۱) ساحل العاج: تقع في الجزء الغربي من أفريقيا وتطل على المحيط الأطلسي، يبلغ عدد سكانها قرابة (۱۸) مليون نسمة، تتجاوز نسبة المسلمين ۵۰%، أغلبهم من أتباع المذهب المالكي، أمّا الشيعة فيوجد عدّة آلاف من أهل البلد إضافة إلى عشرات الآلاف من المهاجرين.
(۲) أنظر: مروج الذهب للمسعودي: ۳ / ۶۵، العقد الفريد لابن عبد ربه: ۵ / ۱۲۴، البداية والنهاية لابن كثير: ۸ / ۹۹٫
(۳) أنظر: تاريخ الطبري: ۵ / ۳۰۲، تاريخ ابن عساكر: ۳۸ / ۲۱۲٫ ۳) أنساب الأشراف: ۵ / ۲۹۹٫
(۴) أنظر: تاريخ العرب لفيليب حتي: ۲ / ۲۵۸، سمو المعنى في سمو الذات لعبد الله العلايلي: ۵۹ ـ ۶۱، الدولة العربية وسقوطها لولهاوزن: ۱۳۷ ـ ۱۳۸، تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان: ۱۲۹، رسائل الجاحظ: ۳ / ۷۲٫
(۵) أنظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ۱ / ۲۰۸٫
(۶) أنظر: صحيح البخاري: ۶ / ۲۵۸۸ (۶۶۴۶)، صحيح مسلم: ۳ / ۱۴۷۷ (۱۸۴۹).
(۷) أنظر: الكامل للمبرد: ۲ / ۶۳۶٫
(۸) أنظر: الملهوف لابن طاووس: ۹۹٫
(۹) أنظر: العقد الفريد: ۵ / ۱۲۴ ـ ۱۴۰٫
(۱۰) أنظر: الخطط للمقريزي: ۲ / ۲۸۷٫
(۱۱) البداية والنهاية: ۸ / ۱۵۷٫
(۱۲) أنظر: سير أعلام النبلاء: ۴ / ۳۶٫
(۱۳) أنظر: روح المعاني للآلوسي: ۱۳ / ۲۲۸، ويظهر هذه المعنى من كتاب ابن العربي العواصم والقواصم.
(۱۴) الصواعق المحرقة: ۲ / ۶۳۹٫
(۱۵) أنظر: الفتوح لابن أعثم: ۵ / ۱۵۰، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: ۸۰، تذكرة الخواص لابن الجوزي: ۲۳۵، البداية والنهاية لابن كثير: ۸ / ۱۳۴٫
(۱۶) أنظر: روح المعاني للآلوسي: ۱۳ / ۲۲۸، الرد على المتعصب لابن الجوزي: ۶ ـ ۱۷٫
(۱۷) الرد على المتعصب العنيد: ۶٫
(۱۸) الردّ على المتعصّب العنيد: ۱۶ ـ ۱۷٫
(۱۹) المصدر نفسه: ۱۸٫
(۲۰) أنظر شرح ا لعقائد النسفية: ۱۰۳٫
(۲۱) أنظر روح المعاني: ۱۳ / ۲۲۸٫
(۲۲) أنظر: مسند أحمد: ۴ / ۵۵، مسند الحارث (زوائد الهيثمي): ۱ / ۴۶۷ (۳۹۵)، تاريخ الذهبي أحداث (۶۳): ۵ / ۲۶٫
(۲۳) أنظر: كنز العمال: ۱۲ / ۱۲۸ (۳۴۳۲۴)، الجامع الكبير للطبراني: ۳ / ۱۲۰، مجمع الزوائد للهيثمي: ۹ / ۱۹۰٫
(۲۴) أنظر: صحيح ابن حبّان: ۱۳ / ۶۰ (۵۷۴۹)، الصواعق المحرقة لابن حجر: ۲ / ۵۰۶، كنز العمال: ۱۶ / ۸۵ (۴۴۰۲۴)، المستدرك للحاكم: ۲ / ۵۷۱ (۳۹۴۰)، المعجم الكبير للطبراني: ۱۷ / ۴۳٫
(۲۵) أنظر: مصنف ابن أبي شيبة: ۷ / ۲۶۰ (۳۵۸۷۷)، فيض القدير للمناوي: ۳ / ۹۴، مسند أبي يعلى: ۲ / ۱۷۶ (۷۸۱)، البداية والنهاية لابن كثير: ۸ / ۱۶۳، جمع الجوامع للسيوطي: ۳ / ۲۷۱ (۸۷۸۰).
(۲۶) أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: ۲ / ۶۴۱٫
(۲۷) أنظر: شذرات الذهب للعكبري: ۱ / ۶۹، أخبار الدول للقرماني: ۲ / ۱۴، سير أعلام النبلاء للذهبي: ۴ / ۴۰، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ۲۰۹٫
(۲۸) أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: ۲ / ۶۳۴، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ۲۰۹٫
(۲۹) أنظر: سير أعلام النبلاء: ۴ / ۳۶ ـ ۳۸٫
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية