- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
مقدّمة
حاول الإمام علي (عليه السلام) أن يُقيم الحجّة على معاوية ـ والي الشام ـ وأصحابه بأُسلوب الحوار والموعظة الحسنة، حقناً لدماء المسلمين ووأد الفتنة، ولكن تلك المحاولات لم تجد آذاناً صاغية عند معاوية.
لذا بعد انتصاره (عليه السلام) على الناكثين في حرب الجمل بالبصرة، بدأ (عليه السلام) بتعزيز جيشه للتوجّه إلى الشام لتصفية الفئة الباغية التي يرأسها معاوية بن أبي سفيان.
زمان ومكان المعركة
بدأت معركة صفّين في الأوّل من صفر 37هـ، وصفّين منطقة بين الشام والعراق.
عدد الجيش
جهّز معاوية جيشاً عدده (130) ألف مقاتل من أهل الشام، وجهّز الإمام علي (عليه السلام) جيشاً عدده (135) ألف مقاتل من أهل الكوفة، منهم (100) مقاتل ممّن قاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معركة بدر الكبرى، كعمّار بن ياسر، وحزيمة بن ثابت، وسعد بن قيس، وعبد الله بن عباس وغيرهم.
مساعي الإمام علي (عليه السلام)
سعى الإمام علي (عليه السلام) لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فبعث أوّلاً بوفد ثلاثي إلى معاوية يُذكّره الله، ويدعوه إلى التقوى والورع، فكان جواب معاوية: ليس عندي إلّا السيف.
ثمّ دعا الإمام علي (عليه السلام) معاوية إلى المبارزة، حقناً لدماء الآخرين، ولكن معاوية رفض خشية على نفسه من بطشة الإمام (عليه السلام).
خُلق الإمام علي (عليه السلام)
نزل معاوية بمَن معه عند نهر الفرات في وادي صفّين الوسيع، واستولى على الماء، ونزل الإمام علي (عليه السلام) في ذلك الوادي أيضاً، وقد منع معاوية أهل العراق أن يشربوا من ماء الفرات ولو قطرة واحدة، فأضرّ بهم وبدوابّهم العطش، ولمّا لم تنفع محاولات أمير المؤمنين (عليه السلام) لبلوغ الماء بالحسنى، اضطرّه الأمر إلى استعمال القوّة لإنقاذ عشرات الأُلوف ممّن كانوا معه من الموت عطشاً.
ولمّا تمّت له السيطرة على الماء حاول بعض الأصحاب إقناع الإمام علي (عليه السلام) أن يُقابلهم بالمثل، فأبى ذلك أشدّ الإباء، وأتاح لمعاوية وجيشه، الذين هددّوه قبل ساعات قليلة بالموت عطشاً، أن يردوا الماء ويشربوا أُسوة بأصحابه.
رغم هذه الأخلاق الرفيعة والمعاملة الحسنة، فقد استمرّ جيش معاوية في استفزاز جيش الإمام (عليه السلام) الذي لم يجد بُدّاً من السماح لأصحابه بالقتال بعد أن أوقع بهم الأعداء عدداً من القتلى والجرحى نتيجة اعتداءاتهم.
عمار تقتله الفئة الباغية
لقد كان لاستشهاد عمّار بن ياسر في معركة صفّين الأثر الكبير في تضعضع جيش معاوية، بعد أن علموا بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائل لعمّار بن ياسر: (يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية)(1)، ومعنى ذلك أنّهم هم الفئة الباغية لا الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه.
قال الإمام علي (عليه السلام): قال النبي (صلى الله عليه وآله): (تقتل عمّاراً الفئة الباغية)(2).
وقال عبد الله بن سلمة: رأيت عمّاراً يوم صفّين شيخاً كبيراً آدم طوالا، أخذ الحربة بيده ويده ترعد، فقال: والذي نفسي بيده، لقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث مرّات، وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا شعفات هجر، لعرفت أنّ مصلحينا على الحقّ وأنّهم على الضلالة)(3).
وقال محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: (ما زال جدّي ـ يعني خزيمة ـ كافاً سلاحه يوم الجمل حتّى قُتل عمّار بصفّين، فسلّ سيفه فقاتل حتّى قُتل)(4).
ليلة الهرير
هي الليلة التي كان البرد فيها قارصاً إلى الحدّ الذي كان يسمع للجنود هرير كهرير الكلب، وبالإضافة إلى البرد في هذه الليلة، فقد اشتدّ القتال بين الجيشين، بحيث قتل الإمام علي (عليه السلام) في يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرون رجلاً، وكان (عليه السلام) إذا قتل رجلاً كبّر.
وكان لمالك الأشتر فيه نصيب كبير، فكان يقول: (إنّ هؤلاء القوم لا يقاتلونكم إلّا عن دينكم ليُميتوا السُنّة، ويُحيوا البدعة، ويُعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عزّ وجل منها بحُسن البصيرة، فطيبوا عباد الله أنفساً بدمائكم دون دينكم، فإنّ ثوابكم على الله، والله عنده جنّات النعيم، وإنّ الفرار من الزحف فيه السلب للعزّ والغلبة على الفيء، وذل المحيا والممات، وعار الدنيا والآخرة)(5).
وفي ليلة الهرير كان الأشتر يضرب ضرباته بكلّ قوّة حتّى اخترق صفوف أهل الشام، وأجرى حولهم عمليات الالتفاف والتطويق، فانكشفت غالب صفوفهم، وكادوا ينهزمون، حتّى وصل الأشتر إلى قرب خيمة معاوية بن أبي سفيان، فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح.
خدعة رفع المصاحف
لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش الإمام علي (عليه السلام) على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات.
فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكماً بيننا، أراد من ذلك أن يخدع أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ليقفون عن القتال، ويدعون الإمام علي (عليه السلام) إلى حكم القرآن.
وفعلاً جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش الإمام (عليه السلام) حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: (يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت إليه، وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فو الله لنفعلنّها إن لم تجبهم)(6).
فقال (عليه السلام) لهم: (عباد الله، إنّي أحقّ مَن أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب ابن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي اعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً، وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، إنّها كلمة حقّ يُراد بها باطل، إنّهم والله ما رفعوها أنّهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة، أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، ولم يبق إلّا أن يُقطع دابر الذين ظلموا)(7).
ثمّ قال (عليه السلام) لهم: (ويحكم أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه…).
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الموقف أمام خيارين لا ثالث لهما:
1ـ المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيُقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل الشام.
2ـ القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً.
وهكذا كان القبول بالتحكيم نتيجة حتمية لظروف قاهرة لا خيار لأمير المؤمنين (عليه السلام).
قبول التحكيم
اتّفق الجيشان ـ جيش أهل الشام وجيش أهل العراق ـ على مبدأ التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل أهل الشام، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل أهل العراق.
وقد اختلف الناس في أبي موسى الأشعري أشدّ الاختلاف، فالذين استجابوا لفكرة التحكيم أراده مفاوضاً عنهم، والذين رفضوا فكرة التحكيم ـ وهم الإمام علي (عليه السلام)وأصحابه ـ رفضوا أن يكون الأشعري مفاوضاً عنهم، ولكن لم يكن أمام الإمام (عليه السلام) بدّ من الاستجابة لأهل العراق والقبول بأبي موسى الأشعري.
وقد تعرّض الأشعري لخداع ابن العاص الذي أقنعه بخلع أمير المؤمنين (عليه السلام)، بينما قام عمرو بن العاص بتثبيت معاوية وخلع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وانتهت تلك المهزلة على هذا النحو.
نتائج المعركة
قُتل من الطرفين خلال المعركة (70) ألف رجل، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام (45) ألف رجل، ومن أصحاب الإمام علي (عليه السلام) من أهل العراق (25) ألف شهيد.
ـــــــــــــــــ
1ـ دعائم الإسلام 1 /392.
2ـ من لا يحضره الفقيه 2 /68 ح269.
3ـ مسند أحمد 4 /319.
4ـ المصدر السابق 5 /214.
5ـ تاريخ الطبري 4 /15.
6ـ وقعة صفّين: 489.
7ـ المصدر السابق.
بقلم: محمد أمين نجف