- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- توسط : المشرف
- 0 نظر
لا شك ولا ريب أن النهضة الحسينية هي نهضة الإمام الحسين (ع) بوجه طاغي زمانه الا وهو يزيد بن معاوية، كما أنه لا شك ولا ريب أن هناك اسباب دعت الإمام الحسين (ع) أن ينهض بنهضته الحسينية العظيمة، وللدخول في الكلام عن النهضة الحسينية يقع من وجهين:
الوجه الأول
الحقائق التي لأجلها نهض الإمام الحسين (ع)، والأسرار الخفية الجلية التي قادت الإمام الحسين (ع) إلى تلك النهضة العظيمة، وبكل أبعادها ومكوناتها ولوازمها، مما جعل وجوده الشريف وجميع العيال بل الأرحام جلهم تضحية وفداء لهذه النهضة الجهادية الإستشهادية المباركة، لدرجة قد تفوق التصور البدائي:
أنَّ سيد الشهداء (ع) عازم على الخروج ضد الفجور والطغيان، وأنه اختار طريق الشهادة لا حول ولا يحول عنها أبدا، ولا محالة أيضا عن تحققها ووقوعها بل وهي من المسلمات الحتمية والقطعية التي لابد منها، ونيل السعادة فيها، ليجعل نفسه الأبية ووجوده الشريف صيانة وحفاظاً لدين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ودين جده المصطفى (ص)، وهذا الموقف الصارم والمبدأ السامي، والهمة الرفيعة العالية، والفناء في ذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لسيد شباب أهل الجنة ، على رغم علمه وإدراكه التام (بأنَّ المسير الذي اختاره له هو مسير ذات الشوكة!).
وهو يعني: أنه محاط ومحفوف بالمخاطر الجسام والصعاب العظيمة، وسوف تكون حتمية آخر المطاف المواجهة الميدانية القتالية مع الطاغية الحاكم، ويكون خاتمته مزينا ومعطرا بالشهادة، فداء لدين الله تعالى الحنيف، وصيانة لشريعة جده المصطفى (ص)، وحفاظا لأمة جده رسول الله (ص).
هذا المبدأ السامي الرفيع لسيد الشهداء (ع) في اختياره طريق النهضة والفداء حتى الشهادة، يستفاد من موارد كثيرة وعديدة من كتبه الشريفة، ومن بياناته المباركة، وكذا يستفاد أيضا من كيفية حواراته (ع) الفذة والعظيمة والتي لا مجال فيها للتباطئ أو التريث أو المهادنة أو المحاورة، أو ـ العياذ بالله – الخضوع للسلطان الجائر، ومن كل هذه الموارد المذكورة يستفاد أنه لابد لسيد الشهداء (ع)، من النهوض والقيام والوقوف الصارم القاطع، وبكل حزم وثبات، وبكامل وجوده الرسالي والاجتماعي، أمام التردي الفاحش والسقوط الحتمي التدريجي لدين الله سبحانه.
وأيضا كانت نهضته المباركة هي: أمام الفساد الكبير الذي فشي في الأمة الإسلامية، وعم جميع أرجائها وتسرب إلى كل وجودها، وبمضمون تعبير الإمام الحسين (ع): إن الفساد تسرب ونفذ في كل أركان أمة جده المصطفى (ص)، فكان لابد من النهوض والوقوف، واختيار العمل الجهادي لمحاربة الكفر والفساد والقضاء عليه أو صده، الذي يؤدي إن بقي إلى حتمية الفناء أو الاضمحلال لدين الله تعالى الحنيف.
فكان لابد من خروجه (ع) وشهادته حماية وتأييدا للحق ودعماً للإسلام ولرسول السلام الحبيب المصطفى (ص)، وإرساء لدعائم الصلاح والإصلاح، بدلا من تفشي الفساد والإفساد، وهذا الاختيار الجبار، وسلوك هذا الطريق الذي يشوبه الأخطار ! أمره معلوم لكل الأحرار المشعين بالأنوار، وهو: لقاء الواحد الجبار سُبْحَانَهُ البار، فهذا المسير الجهادي ينحصر تقدمه – للأمام ـ إلى دائرة البلاء العظيم والعسر الشديد، وبكل أبعاده الوجودية.
ولأجل ذلك اللقاء المصيري والنصر الحاسم، فقد شرع سيد الشهداء (ع) بالخطوات العملية في طريق المواجهة مع الظالمين، من جهة ترك الوطن والنزوح عنه، وترك الجوار لقبر جده المصطفى (ص)، وكذا الابتعاد عن مرقد أمه، وأم أبيها السيدة المظلومة، سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (س).
وأيضا تحمل صعاب السفر ومشقة الطريق، وعناء الرحيل، والتواصل الجدي في المسير دون توقف أو تراجع، من حيث طي المسافات الشاسعة، والتنقل إلى البلدان.
وأيضا يستلزم هذا الهدف الإصلاحي السامي أثناء الرحيل والإرتحال: (تهيئة الأرضية الكافية وتوفير المستلزمات الأصولية الثابتة، لأجل النهوض بالأمة من جهة بث الوعي الصحيح فيها وتعريفها بمبادئها الربانية الرفيعة)، وتذكيرها بماضيها اللامع المشرق، لأجل إيقاظها وتحريكها وتفاعلها مع النهضة الحسينية الإسلامية المحمدية، ولعلها أن تفيق من سباتها، بتعريفها الضوابط الصحيحة وإفهامها الثوابت الشرعية الواحدة المعلومة.
وتوضيح المعايير السليمة، والأصول الإسلامية الحقة، والتي مؤداها: المعرفة الصحيحة، في حقيقة ومصداق صفات الوالي العادل، والحاكم الإسلامي الشرعي الذي أراده الله تعالى وارتضاه لعباده ضمن إبداء الصلابة التامة، والشجاعة العالية، دون أي تراجع أو تساهل، في الموقف الجهادي الإستشهادي أمام الجور والعدوان، وعدم إبداء أي مداهنة لطواغيت الزمان، حتى الوصول إلى الأهداف النبيلة السامية، وتحقق المقاصد العالية المرسومة وعدم الرضى بدونها، أو حصول تباطؤ بما يعيق ذلك.
المورد الأول: مبدأ الإمام الحسين (ع) مقارعة جميع الظالمين
طريق الشهادة الذي اختاره سيد الشهداء (ع)، لم يكن وليد زمن معين، كما قد يتصور البعض، فنهضة الإمام الحسين (ع) العملية إنما وقعت بشكل تام وكامل بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان، وبعد تنصيب يزيد خلفا لوالده ـ في تسلسل الخلفاء الطبيعي – لأن ذلك يعود إلى توفر الأرضية اللازمة للنهوض والإصلاح حينذاك استوجب القيام الكامل لسيد الشهداء (ع)، ولأنَّ ـ وهي بعض العلة – الطاغية يزيد، كما ثبت ويثبت في محله، كان قد تجاهر بالفسق واستخف بحرمات الله تعالى، ودون أي حياء أو غطاء! أو حفظ أقل مراتب الحرمة الظاهرية! وفسقه وفجوره لم يكن خافيا، أو مستوراً عن أحد، وإنما كان علانية وجهارا! ووفق برنامج ثابت ومعين قد اعد مسبقا، قد توارثه من الأسلاف.
وعلى هذا: فليس وصول وتصدي يزيد الحكومة بعنوان السلطان الجائر: العلة التامة لنهضة سيد الشهداء (ع)، بل إن هذا التصدي المبارك، كان قبل وصول معاوية لحكومة الشام – سواء التي كان فيها واليا للخليفة وما بعد ذلك – فهو موجود بالقوة والفعل، لكن طبقا لمقتضيات الزمان والمكان، وتزامنها مع موت معاوية وتنصيب ولده يزيد مكانه كان لتهيأة الأرضية الازمة للنهوض والقيام.
ولأن الإمام الحسين (ع)، كان ملزما بمعاهدة الهدنة ـ أو الصلح، ولا صلح – مع معاوية بن أبي سفيان، والتي قد ابرمت مع أخيه الحسن السبط الشهيد (ع)، ولو أن معاوية لم يكن قط يلتزم بها.
وبما أنَّ هذه المواقف الجبارة لم تكن مقتصرة على زمان يزيد، لكننا ولمناسبة البحث نتطرق لها منذ زمن معاوية وما بعده.
نلاحظ الظاهرة الجهادية الفريدة كيف أن الإمام الحسين (ع)، كان يتعرض في التصدي بقوة لأعداء الله عز وجل في خطبه وبياناته الشريفة، وإلى المعايير الإسلامية الحقة التي تبين من هم أئمة العدل وأهل الحق؟ وتوجه الناس للإمام الحسين (ع)، باعتباره الشخصية الأوحدية التي تقارع الظالمين، كان قبل تنصيب يزيد وجلوسه على كرسي الحكومة.
قبل موت معاوية، الإمام الحسين بمنى: معاوية طاغية
نلاحظ سيد الشهداء (ع)، أنه في المناسبات الإسلامية والتي هي تعتبر أرضية صالحة وخصبة، وتعتبر أيضا مهرجانا واحتفالا دينيا وسياسيا واسعا، كان سيد الشهداء (ع) يجد ضالته المنشودة في مثل هذه المناسبات العظيمة، فيستفيد الاستفادة الشرعية اللازمة والمناسبة، لهذا المكان والزمان، فيدلي بدلوه لتهيئة الأرضية الصالحة لنهضته المباركة ولو بعد حين.
تقول الرواية: «خطبة الإمام الحسين (ع) بمنى: أما بعد فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم. وإني أريد أن أسألكم عن شي، فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ، فمن أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر، ويذهب الحق ويغلب والله متم نوره ولو كره الكافرون».
فبهذه المناسبات المباركة، وإلقاء البيانات الربانية الحقة فيها، كان لها تأثيرات وأبعاد وسيعة وفوائد جمة منها إفهام وتفهيم المسلمين بها، ومن ثم إيصالها للعالم الإسلامي بأن الطواغيت لا ينتمون للإسلام بشيء أبدا، ولتكون هذه الخطب الحجة الكاملة والمفيدة للسامعين أنفسهم ولمن يستمع النداء من قبلهم.
ومن فوائدها أيضا كون هذه البيانات الإصلاحية في تلك المناسبات هي بمثابة بذور أودعت الأرض الخصبة وفي أماكن عديدة، لجني واقتطاف ثمارها، حين تتوفر أسباب الخير أو تكون فيما بعد أرضية مساعدة لنمو النهضة المباركة لسيد الشهداء (ع)، على أن بذورها تكون قد توزعت في آفاق، ووصلت إلى بلاد أخرى واستقرت في مناطق جغرافية أوسع وليكون الحاصل أكثر والنتاج أعظم، وهكذا كان.
الإمام الحسين (ع) لمعاوية: إستأثرت حتى أجحفت
نلاحظ فيما يلي قوة الوقوف وشدة الخصومة العقائدية أيضا بین الإمام الحسين (ع) ومعاوية بن أبي سفيان في لقاء جرى لهما في المدينة المنورة، والذي بان وترشح منه الموقف الشجاع البطولي الثابت لسيد الشهداء (ع) ضد حكام الجور والطغيان وتمسكه بالثوابت الشرعية الواحدة، كما تقول الرواية:
«فقام الإمام الحسين (ع)، فحمد الله، وصلى على الرسول ثم قال: أما بعد يا معاوية، فلن يؤدي القائل، وإن أطنب في صفة الرسول من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ النعت وهيهات هيهات يا معاوية: فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتى أفطرت واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى محلت، وجزت حتى جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرت عن يزيد من اكتماله وسیاسته لأمة محمد…» [1].
الإمام الحسين لمعاوية: أنا الأولى بالخلافة
الإمام الحسين (ع) هو الأول والأولى بمن يعمل بقول جده رسول الله (ص) في مواجهة الطواغيت، والذي ورد عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر[2].
في لقاء آخر لمعاوية مع الإمام الحسين (ع) طلب منه البيعة ليزيد! ولكن السبط الشهيد استعمل الجدية في ردّ طلب البيعة، قائلا: كلمة حق وعدل عند السلطان الجائر والتي هي أفضل الجهاد.
وعلى هذا فإنه (ع) رد طلب معاوية في تنصيب يزيد خليفة على الأمة، قائلا له ما مضمونه: أتترك من هو الأولى بها – ويقصد نفسه الشريفة – وتريد تنصب من ليس أهل لها ؟! ويقصد بذلك يزيد شارب الخمر! وهذا قول الحق لقي إعتراض شديد من معاوية، فأذن له بالإنصراف والخروج من مجلسه، كما نلاحظ الروايتين:
أ ـ ابن أعثم: روى هذه الواقعة في مكة وقال: وأقام معاوية بمكة لا يذكر شيئا من أمر يزيد، ثم أرسل إلى الحسين (ع) فدعاه، فلما جاءه ودخل إليه قرب مجلسه ثم قال: يا أبا عبد الله ! إعلم أني ما تركت بلدا إلا وقد بعثت إلى أهله فأخذت عليهم البيعة ليزيد، وإنما أخرت المدينة لأني قلت هم أصله وقومه وعشيرته ومن لا أخافهم عليه، ثم إني بعثت إلى المدينة بعد ذلك فأبى بيعته من لا أعلم أحدا هو أشد بها منهم؛ ولو علمت أن لأمة محمد (ص) خير من ولدي يزيد لما بعثت له.
فقال له الإمام الحسين (ع): مهلا يا معاوية لا تقل هكذا فإنك قد تركت من هو خير منه أما وأبا ونفسا. فقال معاوية: كأنك تريد بذلك نفسك، أبا عبد الله. فقال الحسين (ع): فإن أردت نفسي فكان ماذا؟ فقال معاوية: إذا أخبرك أبا عبد الله! أما أمك فخير من أم يزيد، وأما أبوك فله سابقة وفضل، وقرابته من الرسول (ص) وليست لغيره من الناس، غير أنه قد حاكم أبوه أباك، فقضى الله لأبيه على أبيك، وأما أنت وهو فهو والله! خير لأمة محمد (ص) منك!
فقال الإمام الحسين (ع): من خير لأمة محمد؟! يزيد الخمور الفجور! فقال معاوية: مهلا أبا عبد الله فإنك لو ذكرت عنده لما ذكر منك إلا حسنا! فقال الإمام الحسين (ع): إن علم مني ما أعلمه منه أنا فليقل في ما أقول فيه؟ فقال له معاوية: أبا عبد الله! انصرف إلى أهلك راشدا، واتق الله في نفسك، واحذر أهل الشام أن يسمعوا منك ما قد سمعته فإنهم أعداؤك وأعداء أبيك. قال: فانصرف الإمام الحسين (ع) إلى منزله[3].
ب – «فقام الإمام الحسين (ع) فقال: والله لقد تركت من هو خير منه منه أبا وأما ونفسا، فقال معاوية: كأنك تريد نفسك؟ فقال الحسين: نعم أصلحك الله. فقال معاوية: إذا أخبرك أما قولك خير منه أما، فلعمري أمك خير من أمه، ولو لم تكن إلا أنها امرأة من قريش لكان لنساء قريش فضلهن، فكيف وهي ابنة رسول الله (ص) ثم فاطمة في دينها وسابقتها، فأمك لعمر الله خير من أمه، وأما أبوك فقد حاكم أباه إلى الله، فقضى لأبيه على أبيك.
فقال الإمام الحسين (ع): حسبك جهلك آثرت العاجل على الأجل. فقال معاوية وأما ما ذكرت من أنك خير من يزيد نفسا، فيزيد والله خير لأمة محمد منك. فقال الحسين: هذا هو الإفك والزور، يزيد شارب الخمر، و مشتري اللهو خير مني؟»[4].
الإمام الحسين (ع) للطاغية معاوية: أنت قاتل الصالحين
كتب معاوية كتابا للحسين (ع)، يذكره الهدنة التي تم توقيعها مع أخيه الإمام الحسن السبط (ع).
والإمام الحسين (ع) لا يجيب الطاغية جوابا يبرئ ساحته المقدسة من كل السيئات لكن السبط الشهيد يستفيد من هذه المناسبة ويذكر الطاغية البعض من عظيم ذنوبه وكثرة ،آثامه ويسرد عليه بالأرقام والشواهد: توغله في دماء الأبرياء.
فاتخذ سيد الشهداء (ع) موقفا صارما بمناسبة هذه الرسالة في جوابه لمعاوية، وقال له بصريح البيان وأفاد فيه: أنَّ الذي يسمي نفسه خليفة للمسلمين، هو القاتل الأول، والظالم الأكبر لهم وللصالحين والمستضعفين.
المورد الثاني: رؤية المسلمين نجاتهم في الإمام الحسين (ع)
وهذه الرسالة الجوابية إطلع عليها الحاضرون لمجلس معاوية بن أبي سفيان، فكانت رسالة جواب وإنذار للطاغية ولأعوانه أهل النار، وهذا يدلل: إن الحسين السبط الشهيد (ع)، قد وضع وجوده الشريف في خط المواجهة الجهادية العلنية، بما يتلائم ومقتضيات الزمان والمكان والشروط الإجتماعية الحاكمة والأرضية المساعدة لإعلان ساعة الصفر – إن صح التعبير – أو نقول:
كان (ع) يترقب فرص النجاح، ويسعى لتوفير المناخ المناسب والأجواء المساعدة للإستفادة اللازمة من الفرص الإيجابية التي تحصل في ظروف خاصة مساعدة، وهذا لا ينحصر بوقت دون وقت، أو في مناسبة دون غيرها، فالأوقات والأزمان كلها أرضية ممهدة للعمل الإيجابي، لكن لكل عمل مقدمات ونتائج، وقد تستغرق المقدمات زمنا طويلا وقد تأخذ أبعادا وسيعة وفي مناسبات مختلفة، ومن هنا فقوة السياسة العقلانية لسيد الشهداء (ع) والحنكة الجبارة له، في تهيئة المناخ المناسب وتوفير الأجواء المساعدة والأرضية الصالحة الممهدة لنهضته المباركة.
فإنه (ع) كان يستقبل المسلمين من مختلف البلدان والمدن الإسلامية مستفيدا من هذه الفرصة الحسنة المواتية في حضور المسلمين الوافدين الذين هم لديه وفي محضره الشريف، وهؤلاء الجماعات التي توفقت الزيارته (ع) يعتبرون سفراء بلادهم، وبعد عودتهم سوف يتعرضون لمسائلة المسلمين عما رأوه وشاهدوه؟ وعليه فهؤلاء متعلمون ومبلغون أيضا.
ولذا كان (ع) يتحدث إليهم بإسهاب ويذكرهم اصول الدين الحنيف ووجوب صيانته والحفاظ عليه من كيد الكائدين ومكر الماكرين وحقد الحاقدين بالخصوص من جور الغاصبين وهذا الحديث كان يتحدد من بعد خاص ومن جهة واحدة.
تواصل المسلمين مع الإمام الحسين (ع)
إنَّ المسلمين – من مختلف الطبقات والبلدان والعواصم – كانوا يرون في الإمام الحسين (ع) أنه الملاذ الأكمل والمرجع الأعلى والمصلح الفاضل والأفضل والعالم العامل والأعلم والعارف الوحيد والأوحد، في معرفة كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص)، بل وهو الشخصية المتكاملة والمحور الصحيح – وهو مورد قبول المسلمين – لتصدي الخلافة، ونجاتهم من الظالمين ولهذه العلل والأسباب والموجبات التكاملية، كانوا يترددون إليه، وهم يقطعون أنَّ الإسلام الذي فيه نجاتهم ينحصر وجوده وإمامته وحياته في وجود وحياة وقيادة وإمامة الإمام الحسين (ع)، وأن معارفه وأحكامه الحقة المتكاملة هي عند الحسين ، لا غيره.
وإن الإمام الحسين (ع) ، هو أيضا بدوره كان يستقبل الوفود ويتحدث إليهم، مما قد أحدثت هذه الصحوة الفكرية الإسلامية عند المسلمين، والنهضة التحررية لسيد الشهداء (ع) مخاوف الأمويين وأثارت حفيظتهم، والتي تعتبر هذه الصحوة تحد واضح وتعبير جلي ومقصود وموجه ضد الملك المتجبر معاوية، فكانت التقارير تترا وتتعاقب أيضا ضد الحسين السبط الشهيد (ع) عند معاوية.
فمعاوية كان يلاحظ تواتر التقارير، وهي كلها تؤيد أن الوجهاء وكبار شخصيات المسلمين في ذلك الزمان يتوافدون ويترددون باستمرار متواصل الزيارة السيد الهاشمي القرشي من العترة الطاهرة ومن آل البيت الحسين بن علي (ع).
وهذا التردد المتواصل كان على رغم وجود الخطر والحظر السياسي الشديد؟! ومع علمهم بوجود العيون والجواسيس، تعتبر حالة فريدة عارضة! وهي مما لا يرضى بها السلطان ومع ذلك كله فالوجهاء يترددون ويتواصلون ويزورون ويجلسون لاستماع بيانات الإمام الحسين (ع) المباركة، فكانت هذه الظاهرة هي غريبة وفريدة من نوعها، لأنَّ هذا التجمع الذي يحصل عند سيد الشهداء (ع) لم يشم منه رائحة التحدي والتحرر الإسلامي الصحيح.
ولذا فقد يكون التقرب إليه أو التحرش به أو منعه ـ في ذلك الوقت ـ قد يسبب أزمات وماسي للحكومة، والسلطان عنه في غنا، لأن الإمام الحسين (ع)، لم يشهر سيفا ولم يجعل نفسه في المواجهه المسلحة، ولو أنه (ع) كان يمهد ويسعى جاهدا ودون توقف، أو ركود أو تباطؤ أو إهمال بل وهو في تواصل مستمر لتهيئة الأرضية الصالحة لنهضته وللإطاحة بعروش الظالمين.
وعلى الأخص أن للحسين (ع) الثروة الطائلة والرصيد الكبير المقبول في الوسط العربي والإسلامي فهو أيضا بقية السيف، ومن آل الرسول (ع) وهو الإمام المظلوم وهو ريحانة رسول الله (ص).
إضطراب الحكومة الأموية
وبناء على ما حظي به سيد الشهداء (ع) من عطاءات وفيوضات وسيعة جدا، وأنه بقية السيف لآل البيت (ع) فالقتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة، لذالك فمعاوية غض الطرف ولو أنه يقول في بيانه أنه لا يأمن الحسين (ع)، لكن ماذا يصنع مع بقية السيف؟ أيهدده بالموت والقتل؟ وهما له طريق خلاص – وكما يقال يهدد البط بالشط – لذلك لم يجد مخرجا، فصبر عليه ريثما تظهر منه حركة علنية.
فقد نقل المؤرخون هذه الرواية:
أ ـ قال الكشي: «روي أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة: أما بعد، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجلاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وذكر أنه لا يأمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده، فاكتب إلي برأيك في هذا، والسلام.
فكتب إليه معاوية أما بعد، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين، فإياك أن تعرض للحسين في شئ واترك حسينا ما تركك، فانا لا نريد أن تعرض له في شئ ما وفي ببيعتنا ولم ينز على سلطاننا، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته، والسلام»[5].
ب ـ «لما توفي أخوه الحسن في العام الخمسين من الهجرة أوصى إليه بالإمامة فاجتمعت الشيعة حوله، يرجعون إليه في حلهم وترحالهم وكان لمعاوية عيون يكتبون إليه ما يكون من الاحداث المهمة التي لا توافق هوى السلطة الأموية المنحرفة، والتي قد تشكل خطرا جديا على وجودها غير المشروع، ولقد كان هم هذه السلطة هو الإمام الحسين (ع) لما يعرفونه عنه من موقف لا يلين ولا يهادن في الحق.
ومن هنا فقد كتب مروان بن الحكم – وكان عامل معاوية على المدينة – إن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي (ع) وأنه لا يأمن وثوبه، ولقد بحثت عن ذلك فبلغني انه لا يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن ان يكون هذا أيضا لما بعده»[6].
«وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية: أني لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة، وأظن أن يومكم من حسين طويلا.
فكتب معاوية إلى الإمام الحسين (ع): إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبنت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق فإنك متى تكدني أكدك.
فكتب إليه الإمام الحسين (ع): أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لا يهدي لها إلا الله، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا، وما أظن أن لي عند الله عذرا في ترك جهادك! وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة!
فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسداً»[7].
الوجه الثاني
طلب الإصلاح في أمة جده المصطفى (ص)، حيث قال الإمام الحسين (ع): «وَأَنّي لَمْ أَخْرُجْ أشِراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاِْصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي (ص)، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأبي عَليِّ بْنِ أَبي طالِب (ع)، فَمَنْ قَبِلَني بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللهُ أَوْلى بِالْحَقِّ»[8].
الاستنتاج
هناك وجهان للكلام عن النهضة الحسينية، الأول: الحقائق التي لأجلها نهض الإمام الحسين (ع)، والثاني: طلب الإصلاح في أمة جده المصطفى (ص)، كما أن هناك موردان في النهضة الحسينية، الأول: مبدأ الإمام الحسين (ع) هو مقارعة جميع الظالمين، والثاني: رؤية المسلمين أن نجاتهم في الإمام الحسين (ع).
الهوامش
[1] ابن قتيبة، الامامة والسياسة، ج١، ص١٥٩.
[2] ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج۲، ص۱۳۲۹.
[3] معهد باقر العلوم (ع)، موسوعة كلمات الإمام الحسين، ص٣٢٣.
[4] ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج١، ص١٦٢.
[5] الكشي، اختيار معرفة الرجال، ج١، ص٢٥٠.
[6] السبحاني، الأئمة الإثني عشر، ص٧٠.
[7] معهد باقر العلوم (ع)، موسوعة كلمات الإمام الحسين، ص293، رقم266.
[8] معهد باقر العلوم (ع)، موسوعة كلمات الإمام الحسين، ص354، رقم294.
مصادر البحث
1ـ ابن قتيبة، عبد الله، الامامة والسياسة، تحقيق طه محمد الزيني، بيروت، دار المعرفة، بلا تاريخ.
2ـ ابن ماجة، محمد، سنن ابن ماجة، بيروت، دار الجيل، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
3ـ السبحاني، جعفر، الأئمة الإثني عشر، قم، مشعر، الطبعة الثانية، 1375 ش.
4ـ الكشي، محمد، اختيار معرفة الرجال، مشهد، جامعة مشهد، الطبعة الأولى، 1348 ش.
5ـ معهد باقر العلوم (ع)، موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع)، قم، دار المعروف، الطبعة الثالثة، 1416 هـ.
مصدر المقالة
ذو الرياستين، عبد الصاحب، لماذا نهض الإمام الحسين (ع)، مؤسّسة السيّدة المعصومة، الطبعة الأولى، 1429 هـ