ما هي معاني ودلالات الصفات الخبرية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية؟ وفي هذا السياق سنستعرض مجموعة من الصفات مثل الوجه واليد والعين، موضحين كيف تعبّر هذه الصفات عن قدرة الله ورحمته، وكيف أنها تنزّه الله عن الشبهات والقيود المكانية، من خلال هذا البيان نهدف إلى توضيح الفهم الصحيح لهذه الصفات، وإزالة أي لبس قد يحيط بمعانيها، لنستطيع أن نتأمل في عظمة الخالق وتفاصيل قدرته.
1ـ الوجه من الصفات الخبرية
أوّلاً: الوجه، إشارة إلى ذات الشيء[1].
قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [2].
أي: تبقى ذات الله وحقيقته، وكلّ شيء ما سوى الله فان.
ثانياً: وجه الله، إشارة إلى ما يتوجّه به إلى الله تعالى[3].
قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [4].
أي: كلّ شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلاّ ما أريد به الله تعالى، فإنّ ذلك يبقى ثوابه.
قال الإمام الباقر (ع) حول هذه الآية:… كلّ شيء هالك إلاّ دينه والوجه الذي يؤتى منه[5].
وقال الإمام الصادق (ع) حول هذه الآية: كلّ شيء هالك إلاّ من أخذ طريق الحق[6].
قال الإمام الرضا (ع) حول هذه الآية: وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم يتوجّه إلى الله وإلى دينه ومعرفته[7].
تنزيه الله تعالى عن الصورة: إنّ الله تعالى منزّه عن الصورة.
وأمّا في الحديث المروي عن رسول الله (ص): إنّ الله خلق آدم على صورته، فقد بيّن أئمة أهل البيت (ع) حقيقة هذا الحديث من زاويتين مختلفتين:
1ـ قال أحد الأشخاص للإمام الرضا (ع): يابن رسول الله، إنّ الناس يروون أنّ رسول الله (ص) قال: إنّ الله خلق آدم على صورته.
فقال (ع): قاتلهم الله، لقد حذفوا أوّل الحديث، إنّ رسول الله (ص) مرّ برجلين يتسابّان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال (ص): يا عبد الله، لا تقل هذا لأخيك، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته[8].
2ـ سُئل الإمام الباقر (ع) حول حديث: إنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته.
فقال (ع): هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على ساير الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه، فقال: بَيْتِيَ [9]، وقال: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي [10].[11]
تتمة
1ـ سأل نصراني الإمام أمير المؤمنين (ع): أخبرني عن وجه الربّ تبارك وتعالى؟ فدعا علي (ع) بنار وحَطَب فأضرمه، فلمّا اشتعلت، قال علي (ع): أين وجه هذه النار؟
قال النصراني: هي وجه من جميع حدودها.
قال علي (ع): هذه النار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله…[12].
2ـ إنّ وجه الله في قوله تعالى: نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [13]، يعني موجّهاً إلى الله تعالى بإخلاص ومن دون رياء أو شائبة[14].
2ـ العين من الصفات الخبرية
العين كناية عن الرعاية والحفظ والإشراف والحماية.
قال الله تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا [15].
أي: واصنع الفلك في ظلّ إشرافنا ورعايتنا وحمايتنا.
وقال الله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [16].
أي: واصبر لحكم ربّك فإنّك في ظلّ عنايتنا وحفظنا ورعايتنا.
3ـ اليد من الصفات الخبرية
المعنى الأوّل: اليد تعني القوّة والقدرة
قال الإمام الباقر (ع): اليد في كلام العرب القوّة والنعمة، قال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ [17]، أي: ذا القوّة، وقال تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [18]، أي: بقوّة[19].
قال تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [20].
أي: قوّة الله وقدرته أعلى وأقوى من قوّتهم وقدرتهم.
قال تعالى: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [21].
أي: لما خلقت بقوّتي وقدرتي.
المعنى الثاني: اليد تعني النعمة
غل اليد، يعني البخل والتقتير، وبسط اليد، يعني البذل والجود.
قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ… بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [22].
أي: قالت اليهود بأنّ الله تعالى بخيل ويقتّر الأرزاق على العباد.
فردّ الله تعالى عليهم: بل يداه مبسوطتان، أي: إنّه تعالى في غاية الجود والبذل والسخاء.
تنبيه: إنّ أخذ عبارة غل اليد بمعنى البخل، وبسط اليد بمعنى البذل في هذه الآية يشبه قوله تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا[23].
4ـ اليمين من الصفات الخبرية
اليمين تعني القدرة والقوّة
قال تعالى: وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ[24].
أي: السماوات مطويّات بقدرته وقوّته.
قال الإمام الصادق (ع) حول هذه الآية: اليمين: اليد، واليد: القدرة والقوّة، يقول عزّ وجلّ: والسماوات مطويّات بقدرته وقوّته[25].
5ـ القبضة من الصفات الخبرية
القبضة تعني الملك.
قال تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [26].
أي: الأرض جميعاً ملكه يوم القيامة.
قال الإمام الصادق (ع) حول هذه الآية: يعني الأرض جميعاً ملكه لا يملكها معه أحد[27].
6ـ الساق من الصفات الخبرية
المعنى الأوّل: الساق كناية عن شدّة الأمر
قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [28].
أي: يوم القيامة يوم الشدّة والأهوال.
قال الشيخ المفيد حول هذه الآية: يريد به يوم القيامة يكشف فيه عن أمر شديد صعب عظيم وهو الحساب والموافقة على الأعمال، والجزاء على الأفعال، وظهور السرائر وانكشاف البواطن… فعبّر بالساق عن الشدّة[29].
قال الشريف الرضي حول سبب استعمال العرب الساق كناية عن الشدّة: لأنّ من عادة الناس أن يشمّروا عن سوقهم عند الأمور الصعبة[30].
وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) حول هذه الآية: أُفحِم القوم[31] ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة…[32].
المعنى الثاني: الساق إشارة إلى حجاب من نور
قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [33].
قال الإمام علي الرضا (ع) حول هذه الآية: حجاب من نور يكشف[34].
7ـ الجنب من الصفات الخبرية
جنب الله كناية عمّا هو قريب من الله، من قبيل رسوله وأوليائه، وما فيه مرضاته، وبصورة عامّة يمكن القول بأنّ جنب الله يعني طاعته تعالى.
قال تعالى: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ [35].
أي: على ما فرّطت في اتّباع رسول الله واتّباع السبيل الذي أمرني بالتمسّك به من بعده، أو بصورة عامّة على ما فرّطت في طاعة الله عزّ وجلّ.
قال الإمام الباقر (ع): معنى جَنبِ اللَّهِ، أنّه ليس بشيء أقرب إلى الله من رسوله، ولا أقرب إلى رسوله من وصيّه، فهو في القرب كالجنب، وقد بيّن الله تعالى ذلك في كتابه بقوله: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ، يعني في ولاية أوليائه[36].
8ـ النفس من الصفات الخبرية
النفس تعني ذات الشيء.
قال تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [37].
أي: تعلم ما أغيّبه ولا أعلم ما تغيّبه.
أي: يحذّركم الله إيّاه من عقابه.
ويحتمل أن يكون المقصود من ذكره تعالى لنفسه: أن يحذّر العباد من العقاب الذي يأتي من قبله ويصدر عن أمره لا العقاب الذي يصدر من غيره، لأنّ العقاب الذي يصدر مباشرة من الله تعالى يكون أبلغ تأثيراً وأشد ألماً.
9ـ الروح من الصفات الخبرية
الروح عبارة عن مخلوق اصطفاه الله ونسبه إلى نفسه تكريماً له كما نسب إلى نفسه بعض الأشياء المخلوقة، فقال: عبدي، جنّتي، ناري، سمائي وأرضي.
قال تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي[38].
قال الإمام الباقر (ع) حول هذه الآية: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضّله على جميع الأرواح، فأمر فنفخ منه في آدم[39].
وقال (ع) في حديث آخر أيضاً: … وإنّما أضافه إلى نفسه؛ لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفى بيتاً من البيوت، فقال: بيتي، وقال لرسول من الرسل: خليلي، وأشباه ذلك، وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدَث مربوب مدبَّر[40].
10ـ المجيء والإتيان
نسبة المجيء والاتيان إلى الله تكون بعد حذف شيء مضاف إلى الله تعالى، وهذا الحذف أمر متعارف في اللغة العربية.
قال تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [41].
أي: وجاء أمر ربّك، كما قال الله تعالى في آية أخرى: يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ [42].
وقال الإمام الرضا (ع) حول هذه الآية: إنّ الله عزّ وجلّ لا يوصف بالمجيء والذهاب، تعالى عن الانتقال، إنّما يعني بذلك وجاء أمر ربّك …[43].
وقال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [44].
أي: أن يأتيهم عذاب الله، أو يأتيهم وعده ووعيده.
11ـ العرش من الصفات الخبرية
قال تعالى: الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ [45].
ما هو عرش الله؟
قال الإمام علي (ع): ليس العرش كهيئة السرير، ولكنّه شيء محدود، مخلوق، مدبّر، وربّك عزّ وجلّ مالكه… وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه[46].
متى خلق الله العرش؟
قال الإمام الرضا (ع): إنّ الله تبارك وتعالى خلق العرش… قبل خلق السماوات والأرض[47].
لماذا خلق الله العرش؟
قال الإمام علي (ع): إنّ الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته، لا مكاناً لذاته[48].
ويجد المتأمّل في الآيات القرآنية التي ورد فيها نسبة العرش إلى الله أنّه تعالى ذكر مسألة تدبير شؤون الخلق في العديد من هذه الآيات بعد ذكر استوائه على العرش.
قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [49].
وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ… يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [50].
وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ … يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [51].
فنستنتج بأنّ العرش مخلوق جعله الله تعالى المنطلق لتدبير شؤون خلقه.
معنى استواء الله على العرش
الاستواء يعني استقرار شيء على شيء، كما أنّه كناية عن الاستيلاء والهيمنة والسيطرة والسيادة، وبما أنّ الله تعالى منزّه عن الاستقرار المكاني فيلزم الأخذ بالمعنى المجازي.
قال الله تعالى: الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ [52].
أي: الرحمن على العرش استولى وهيمن وسيطر عليه، ليدبّر من خلال ذلك أمور خلقه.
أحاديث أهل البيت حول استواء الله على العرش
1ـ قال الإمام علي (ع):… لا أنّه عليه ككون الشيء على الشيء…[53].
2ـ قال الإمام الرضا (ع):… لا يوصف بالكون على العرش لأنّه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوّاً كبيراً…[54].
3ـ قال الإمام الصادق (ع): من زعم هذا ـ أي: من زعم أنّ الرب فوق العرش ـ فقد صيّر الله محمولاً، ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه…[55].
4ـ قال الإمام الصادق (ع): … هو مستول على العرش، بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له، ولا أنّ العرش محلّ له… ونفينا أن يكون العرش… حاوياً له، وأن يكون عزّ وجلّ محتاجاً إلى مكان أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه[56].
5ـ قال الإمام الصادق (ع) حول قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى: استوى من كلّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء[57].
12ـ الكرسي
المعنى الأوّل: الكرسي المنسوب إلى الله عبارة عن وعاء محيط بالسماوات والأرض.
قال تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [58].
أي: الكرسي مخلوق إلهي محيط بالسماوات والأرض.
قال الإمام الصادق (ع): خلق الله تعالى الكرسي فحشاه السماوات والأرض، والكرسي أكبر من كلّ شيء خلقه الله، ثمّ خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي[59].
وعنه (ع) أيضاً: كلّ شيء خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه، فإنّه أعظم من أن يحيط به الكرسي[60].
المعنى الثاني: الكرسي في اللغة العربية له معنيان
أوّلاً: السرير
قال تعالى في قصّة سليمان: وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا [61].
ثانياً: العلم
ولهذا يقال للصحيفة المتضمّنة للعلم المكتوب: كراسة.
قال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [62].
سئل الإمام الصادق (ع) عن قول الله عزّ وجلّ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، قال (ع): هو علمه[63].
13ـ اللقاء
اللقاء بشخص عظيم يعني الدخول تحت حكمه وقهره.
قال تعالى: أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ [64].
وقال تعالى: يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [65].
فيحتمل في معنى اللقاء في هاتين الآيتين:
أوّلاً: إنّهم سيكونون يوم القيامة تحت حكم الله وقهره.
ثانياً: في الكلام حذف مضاف، أي: إنّهم ملاقوا جزاء ربّهم.
14ـ القرب
القرب بالنسبة إلى الله يعني القرب بالعلم والقدرة، ولا يمكن نسبة القرب المكاني والزماني إلى الله؛ لأنّه تعالى منزّه عن ذلك.
قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [66].
أي: نحن أقرب إليه بالعلم والإحاطة والإشراف والسمع والبصر.
15ـ الرضا والغضب
قال تعالى: رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [67].
وقال تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [68].
سبب تنزيه الله تعالى عن الرضا والغضب الانفعالي
1ـ سُئل الإمام الصادق (ع) عن الله تبارك وتعالى أله رضا وسخط؟ فقال (ع): نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أنّ الرضا والغضب دِخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، مُعتَمَل[69]، مركّب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد، أحدي الذات وأحدي المعنى…[70].
2ـ قال الإمام الصادق (ع):… إنّه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوِّن من المكوَّن، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوّاً كبيراً[71].
3- قال الإمام الباقر (ع) حول غضب الله تعالى: من زعم أنّ الله عزّ وجلّ زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق، إنّ الله عزّ وجلّ لا يستفزّه شيء ولا يغيّره[72].
4- قال الإمام علي (ع): يحبّ ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة[73].
المقصود من الرضا والغضب المنسوب إلى الله
1- قال الإمام الصادق (ع):… فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإنّ ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القويّ العزيز الذي لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه[74].
2- سئل الإمام الصادق (ع): يابن رسول الله أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل له رضا وسخط؟
فقال (ع): نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكنّ غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.
النتيجة: صفة الرضا والغضب تتضمّن معنى التغيير والانفعال، وبما أنّ الله منزّه عن هذه المعاني، فيلزم أن يكون إطلاق هذه الصفات عليه تعالى من باب المجاز، وتكون هذه الصفات كناية عن ثوابه وعقابه.
تنبيه: إذا تعلّق رضا الله وغضبه بالمكلَّف فالمقصود إثابة الله وعقابه. ولكنّ إذا تعلّق رضا الله وغضبه بأفعال العباد فالمقصود يكون الأمر والنهي.
فعندما نقول: إنّ الله يرضى الطاعة، فالمعنى: أنّه تعالى يأمر بها.
وعندما نقول: إنّ الله يغضب من المعصية، فالمعنى: أنّه تعالى ينهى عنها.
16ـ السخرية والاستهزاء والمكر والخداع
قال تعالى: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [75].
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [76].
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[77].
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [78].
قال الإمام الرضا (ع): إنّ الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزىء ولا يمكر ولا يخادع، ولكنّه عزّ وجلّ يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً[79].
17ـ النسيان
نسيان الله لبعض العباد يعني إهماله تعالى لهم، وعدم الاهتمام بهم، وتركهم لشأنهم، فإذا فعل الله بهم ذلك فإنّهم سينسون أنفسهم، ويكون ذلك عقوبة من الله لهم إزاء نسيانهم لله تعالى.
قال تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [80].
قال الإمام الرضا (ع) حول هذه الآية: إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنّما ينسى ويسهو المخلوق المحدَث، ألا تسمعه عزّ وجلّ يقول: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [81].
وإنّما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عزّ وجلّ: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون[82].
وقوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا[83].
أيّ نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.
وقال الإمام علي (ع): أمّا قوله: نسوا الله فنسيهم، إنّما يعني نسوا الله في دار الدنيا، لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة، أي: لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً فصاروا منسيين من الخير[84].
الاستنتاج
أن الصفات الخبرية الواردة في القرآن والسنة تعكس معاني عميقة تتعلق بقدرة الله ورحمته، وتعمل على تنزيهه عن الشبهات والقيود المكانية، والصفات مثل الوجه واليد والعين تشير إلى جوانب من عظمة الله وإشرافه ورعايته، كما تبرز أهمية استيعاب المفاهيم المجازية المرتبطة بها، مثل المجيء والرضا والغضب، مما يساعد على فهم طبيعة العلاقة بين الله وخلقه، بذلك يسهم هذا الفهم في تعزيز الإيمان والتأمل في عظمة الخالق.
الهوامش
[1] انظر: السيد المرتضى، الأمالي، ج1، ص591.
[2] الرحمن، 26 ـ 27.
[3] انظر: السيد المرتضى، الأمالي، ج1، ص591.
[4] القصص، 88.
[5] الصدوق، التوحيد، باب 12، ح1، ص144.
[6] الصدوق، التوحيد، باب 12، ح2، ص144.
[7] الصدوق، التوحيد، باب 8، ح21، ص114.
[8] الصدوق، التوحيد، باب 12، ح11، ص147.
[9] البقرة، 125.
[10] الحجر، 29.
[11] الصدوق، التوحيد، باب 6، ح18، ص100.
[12] الصدوق، التوحيد، باب 28، ح16، ص177.
[13] الإنسان، 9.
[14] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، ج10، ص617.
[15] هود، 37.
[16] طور، 48.
[17] ص، 17.
[18] الذاريات، 47.
[19] الصدوق، التوحيد، باب 13، ح1، ص148.
[20] الفتح، 10.
[21] ص، 75.
[22] المائدة، 64.
[23] الإسراء، 29.
[24] الزمر، 67.
[25] الصدوق، التوحيد، باب 17، ح2، ص157.
[26] الزمر، 67.
[27] الصدوق، التوحيد، باب 17، ح2، ص157.
[28] القلم، 42.
[29] المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية، ص28.
[30] الحلّي، المسلك في أصول الدين، ص62، هامش رقم 50.
[31] الإفحام يعني الإسكات بالحجّة.
[32] الصدوق، التوحيد، باب 14، ح2، ص150.
[33] القلم، 42.
[34] الصدوق، التوحيد، باب 14، ح1، ص149.
[35] الزمر، 56.
[36] المجلسي، بحار الأنوار، ج4، باب 1.
[37] المائدة، 116.
[38] الحجر، 29.
[39] الصدوق، التوحيد، باب 27، ح1، ص166.
[40] الصدوق، التوحيد، باب 27، ح3، ص167.
[41] الفجر، 22.
[42] النحل، 33.
[43] الصدوق، التوحيد، باب 19، ح1، ص158.
[44] البقرة، 210.
[45] طه، 5.
[46] الصدوق، التوحيد، باب 48، ح3، ص309.
[47] الصدوق، التوحيد، باب 49، ح2، ص313.
[48] السبحاني، الإلهيات، ج2، ص118.
[49] يونس، 3.
[50] الرعد، 2.
[51] السجدة، 4 ـ 5.
[52] طه، 5.
[53] الصدوق، التوحيد، باب 48، ح3، ص309.
[54] الصدوق، التوحيد، باب 49، ح2، ص313.
[55] الصدوق، التوحيد، باب 49، ح1، ص312.
[56] المجلسي، بحار الأنوار، ج3، باب 3، ح3، ص29.
[57] الصدوق، التوحيد، باب 48، ح1، ص308.
[58] البقرة، 255.
[59] الطبرسي، الاحتجاج، ج2، رقم 223، ص250.
[60] الطبرسي، الاحتجاج، ج2، رقم 223، ص249.
[61] ص، 34.
[62] البقرة، 255.
[63] الصدوق، التوحيد، باب 52، ح1، ص319.
[64] البقرة، 46.
[65] التوبة، 77.
[66] ق، 16.
[67] المائدة، 119.
[68] الفتح، 6.
[69] معتمل يعني منفعل يتأثّر من الأشياء.
[70] الصدوق، التوحيد، باب 26، ح3، ص165.
[71] الصدوق، التوحيد، باب 26، ح2، ص164.
[72] الصدوق، التوحيد، باب 26، ح1، ص164.
[73] الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة 186، ص367.
[74] الصدوق، التوحيد، باب 26، ح3، ص165.
[75] التوبة، 79.
[76] البقرة، 15.
[77] آل عمران، 54.
[78] النساء، 142.
[79] الصدوق، التوحيد، باب 21، ح1، ص159.
[80] التوبة، 67.
[81] مريم، 64.
[82] الحشر، 19.
[83] الأعراف، 51.
[84] الصدوق، التوحيد، باب 36، ح5، ص253.
مصادر البحث
1ـ القرآن الكريم.
2ـ الحلّي، جعفر، المسلك في أُصول الدين، تحقيق رضا الأُستاذي، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1414ه.
3ـ السبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، بيروت، الدار الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1409ه.
4ـ السيّد المرتضى، علي، الأمالي، القاهرة، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1998م.
5ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه.
6ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.
7ـ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، النجف، دار النعمان، طبعة 1386 ه.
8ـ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1415 ه.
9ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
10ـ المفيد، محمّد، تصحيح اعتقادات الإمامية، تحقيق حسين درگاهي، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه.