حضور القلب: الحالة المعنوية اللازمة في الصلاة اليومية

حضور القلب: الحالة المعنوية اللازمة في الصلاة اليومية

2025-02-18

114 بازدید

ربما كان الكثير من الآداب القلبية مقدمة لأدب حضور القلب، فبدونه تفقد العبادة روحها ومعناها. وحضور القلب مفتاح الكمالات والباب الرئيس لأنواع السعادات، وقلّما ورد في الأحاديث الشريفة ذكر لأمر كثرة ما ذكر هذا الأمر، وقلّما نال سواه من الآداب ما ناله من الاهتمام.

حضور القلب

ونحن وإن كنا قد أسهبنا في إشباع جوانب هذا الموضوع -حضور القلب- بحثا في رسالة «سرّ الصلاة» [1] وفي كتاب «الأربعين» [2] وأوضحنا هناك درجاته ومراتبه، إلاّ إنّنا سنتطرق هنا إلى ذكره إتماما للفائدة وتجنيبا للقارئ من تكرار الرجوع إلى ذينك الكتابين.

تقدم القول بأن العبادات والمناسك والأذكار تعطي نتائجها كاملة عند ما تصبح صورة باطنية للقلب ويعجن بها باطن ذات الإنسان، وعند ما يكتسب القلب صورة العبودية، ويخرج من حالة الإعتداد والتمرد.

وذكرنا سابقا أن أحد أهداف العبادات وفوائدها هو تقوية إرادة النفس وبسط سلطتها على الطبيعة وتسخير قوى تلك الطبيعة لقدرة النفس وسلطانها، وإلى الحدّ الذي تصبح إرادة النفس الملكوتية نافذة في ملك البدن بحيث تصبح قوى مملكة النفس كالملائكة حيال الباري تعالى فهم {لاٰ يعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ ويفْعَلُونَ مٰا يؤْمَرُونَ}[3].

والآن نضيف إلى ذلك القول: أن أحد أسرار العبادات وفوائدها المهمة والذي يعدّ كلّ شيء مقدمة له هو جعل مملكة الباطن والظاهر بأسرها مسخرة لإرادة اللّه، متحركة بأمره تعالى، وجعل قوى النفس الملكوتية والملكية جنودا للّه تتصف جميعها بالنسبة إلى الحق تعالى بصفات الملائكة إزاء اللّه تعالى، وهذه الحالة بحدّ ذاتها إحدي المراتب الدنيا من فناء القوى والإرادات في إرادة الحق، التي تترتب عليها نتائج عظيمة تدريجيا.

فيصبح الإنسان العادي ربّانيا وترتاض نفسه بعبادة اللّه، ويتعرض جنود إبليس إلى هزيمة فادحة ولا يبقى لهم من أثر في مملكة وجود الإنسان، فيسلّم القلب وقواه المختلفة للحق تعالى ويتجلى فيه الإسلام ببعض مراتبه الباطنية.

وأما ثمرة هذا التسليم لإرادة الحق تعالى في الدار الآخرة فتكون بجعل الحق تعالى إرادة هذا العبد المسلم نافذة في عوالم الغيب وبجعله مثلا نموذجيا له تعالى، ومثلما -أنه تقدست آلاؤه- إذا أراد شيئا يوجده بمجرد إرادة الإيجاد، كذلك فإنه تعالى يجعل إرادة العبد قادرة على نفس الكيفية.

وقد روي بعض أهل المعرفة عن الرسول الأكرم (ص) رواية حول أهل الجنة مؤداها أن ملكا يأتي إليهم ويستأذن في الدخول، ثم يعطيهم رسالة من حضرة الربوبية يقرؤهم فيها سلامه ويخاطبهم بالقول: «من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت. أما بعد، فأني أقول للشيء كن فيكون، وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون. قال (ص): فلا يقول أحد من أهل الجنة للشيء كن إلاّ ويكون» [4].

والسلطنة الإلهية هذه إنما تمنح للعبد بعد تركه إرادته وتخلصه من سلطنة الأهواء النفسانية وسلطة إبليس وجنوده. ولا تتحقق واحدة من هذه النتائج إلاّ بـ«حضور القلب الكامل»، وإلاّ فإن القلب إذا كان غافلا ساهيا حين العبادة، فإن عبادته لا تصبح حقيقة، ولا تكون سوى أمر شبيه باللهو واللعب.

ولا شك أن مثل هذه العبادة -كما أشارت إلى ذلك بعض الروايات- لا تؤثر في النّفس إطلاقا، لغياب حضور القلب فيها، ولن ترقي من الشكل والظاهر إلى الباطن والملكوت. ولن تسلّم قوى النفس قيادها إلى النفس بمثل هذه العبادة، ولن تظهر سلطنة النفس عليها. وبالنتيجة فإن القوى الظاهرة والباطنة لا تستسلم لإرادة اللّه ولن تخضع مملكة وجود الإنسان لكبرياء الحق تعالى. وهذا أمر في غاية الوضوح.

آثار العبادة بلا حضور القلب

ولهذا نرى عدم تحقق أثر من الآثار فينا بعد أربعين أوخمسين سنة من العبادة المتواصلة، إن لم تزدد قلوبنا -على العكس- ظلمة يوما بعد آخر ويشتدّ تمرد قوى النفس ويتضاعف حبنا للدنيا، وتترسخ طاعتنا للأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية.

وما كان كلّ ذلك ليحصل لولا خواء عباداتنا ولولا تركنا للشروط الباطنية والآداب القلبية لتلك العبادات كـ(حضور القلب)، وإلاّ فإن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر بنصّ الآية المباركة: {إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ والْمُنْكرِ}[5].

ويقينا فإن النّهي ليس نهيا عن المنكرات الشكلية الظاهرية، فلا بدّ أن يتّقد في القلب نبراس ويتوهّج في الباطن نور يهدي الإنسان إلى عالم الغيب، ويكون في الإنسان رادع إلهي يردعه عن التمرد والعصيان.

والحال أننا وفي الوقت الذي نحسب أنفسنا في زمرة المصلين، ونشتغل بهذه العبادة العظيمة سنين طوال، إلاّ أننا لم نر في أنفسنا مثل ذلك النور، ولم نلمس فيها مثل ذلك الرادع، فويل لنا من ذلك اليوم الذي تتجسد فيه أفعالنا ونعطي صحائف أعمالنا بأيدينا -في ذلك العالم- ثم يقال {كفيٰ بِنَفْسِك اليوْمَ عَلَيك حَسِيباً}[6].

1. قيمة الصلاة وأثرها في القرب الإلهي

خذ وتأمل! هل مثل هذه الأعمال مقبولة لدى الباري تقدست أسماؤه؟ وهل صلاة بهذه الصورة الظلمانية الممسوخة يمكن أن تقربك إلى محضر حضرة الكبرياء؟ وهل كان مناسبا التكامل بهذه الكيفية مع هذه الأمانة الإلهية الكبرى ووصية الأنبياء والأوصياء، وفسح المجال أمام يد خيانة الشيطان الرجيم عدواللّه لتعبث بها هكذا؟ لمإذا أبعدتك هذه الصلاة وهي «معراج المؤمن» [7] و«قربان المتقين» [8] عن ساحة القرب الإلهي؟

وفي ذلك اليوم هل سيكون نصيبنا سوى الحسرة والندامة والتعاسة والشقاء والخزي والخجل؟ وإنها لعمري حسرة وندامة لا نظير لها في هذا العالم، وخزي وخجل لا يمكننا تصوّر شبيه لهما. فحسرات هذا العالم مهما بلغت فهي ممزوجة بآلاف الأشكال من الآمال، وهي بعد سريعة الزوال خلافا لما هو حالها يوم الحسرة والندامة. لذا يقول تعالى: {وأَنْذِرْهُمْ يوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِي الْأَمْرُ}[9] فقد قضي الأمر ولن يمكن جبرانه، وضاع العمر، ولن يمكن إرجاعه {يٰا حَسْرَتيٰ عَليٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ}[10].

2. دعوة الأنبياء إلى اليقظة الروحية

إيهاً عزيزي! اليوم هو يوم الإمهال والعمل، ويوم يمكنك حضور القلب في صلواتك، وقد بعث الأنبياء بالكتب السماوية وصدحوا بدعواتهم وبذلوا ما في وسعهم وتحملوا كل ذلك الأذي والمشقة من أجل إيقاظنا من نوم الغفلة، وتنبيهنا من سكر الطبيعة، وإيصالنا إلى عالم النور والبهجة والسرور، والبلوغ بنا إلى الحياة الأبدية والنعم السرمدية، واللذائذ الخالدة، من أجل إنقاذنا من الهلاك والشقاء والنار والظلمة والحسرة والندامة.

كل ذلك من أجلنا ودون أن يكون لهم (ع) مطمع في حاصل لهم على ذلك ودون أن يكون لهم (ع) أدني حاجة في إيماننا وأعمالنا.

3. موانع السلوك ودور الشيطان

رغم ذاك، لم نتأثر إطلاقا، وقد أخذ الشيطان بمسامع قلوبنا وتسلّط على بواطننا وظواهرنا حتى لم تؤثر فينا أية واحدة من مواعظهم، بل لم يبلغ أي من الآيات والأحاديث الشريفة مسامع قلوبنا، ولم يتجاوز حدّ هذه الأذن الحيوانية، ولذلك أمسينا عاجزين عن امتثال جميع الآداب التي علمونا من حضور القلب وغيرها.

وعموما أيها القارئ الكريم، لا يكن حالك حال المؤلف، فتحرم جميع الأنوار وتخرج من هذه الدنيا صفر اليدين من الأعمال الصالحة، أسيرا للأهواء النفسانية. ارحم نفسك واستثمر عمرك، وتدبر في أحوال الأنبياء والأولياء الكمّل (ع) واسحق بقدمك الشهوات الكاذبة ووعود الشيطان، ولا تنخدع بحيله وبمكر النفس الأمّارة بالسوء، فمكرها مما لا يسبر غوره، فهما يلبسان كل أمر باطل ثوب الحق فيخدعان الإنسان.

وقد يجران الإنسان إلى الشقاء بإغرائه بالأمل بالتوبة في آخر العمر، مع أن التوبة في آخر العمر أمر في غاية الصعوبة بعد تراكم ظلمات المعاصي وازدياد انتهاكات حقوق العباد وإيقاع الظلم عليهم.

4. التوبة وشروطها وأثرها في النجاة

وكيف يتحقق ذلك آنذاك، وهما لا يسمحان الآن -وحيث إرادة الإنسان ما زالت قوية وقدرة الشباب موجودة وشجرة المعصية لم يقو عودها، وحكومة الشيطان لم تترسخ أركانها بعد، والنفس حديثة عهد بالملكوت قريبة الأفق من فطرة اللّه (حيث يسهل عليها حضور القلب وغيره من الآداب) وشروط تحقق التوبة متوافرة- بأن يتوب ويستأصل هذه الشجرة الضعيفة، ويقوّض أركان هذه الحكومة الشيطانية غير المستقرة بعد!

وبعد كل هذا تراهما يمنّيان الإنسان بالتوبة أيام الشيخوخة حيث الحال على النقيض، فالإرادة ضعيفة والقوى عاجزة وشجرة المعاصي الكثيرة متأصلة راسخة الجذور، وحكومة إبليس مستقرة وذات سيادة على الظاهر والباطن، وحيث الخلود إلى الطبيعة شديد، والبعد عن الملكوت شاسع، ونور الفطرة مطفأ، والشروط اللازمة للتوبة صعبة عسيرة. وما هذه الأماني إلاّ غرور.

وتارة يغرّانه بشفاعة الشافعين (ع) فيبعدان الإنسان عن ساحتهم القدسية ويحرمانه من شفاعتهم، فالإنغماس بالمعاصي يجعل القلب مسودا منكوسا، غير قادر على شيء من حضور القلب،  فيوصل الإنسان إلى سوء العاقبة.

والشيطان يطمع في سلب الإنسان الإيمان، فيجعل من الوقوع في المعاصي مقدمة لتحقيق مقصده ذاك. وإلاّ فإن الإنسان إذا طمع بالشفاعة، وجب عليه أن يجدّ ويجتهد في السعي لحفظ الرابطة بينه وبين شفعائه، وأن يتفكر قليلا في أحوال شفعاء المحشر أولئك. وفي المدى الذي طووه من العبادة والرياضة.

وافترض أنك رحلت عن هذه الدنيا مؤمنا، ولكن إذا كان حملك من المعاصي والمظالم ثقيلا، فقد لا يشفع لك من أنواع عذاب البرزخ والقبر. فقد روي عن الصادق (ع) أن البرزخ موكول إلى الناس[11] ، والعذاب في البرزخ لا يقارن بأنواع العذاب في هذا العالم، كما لا يعلم أمد البرزخ إلاّ اللّه، فقد يبلغ ملايين ملايين السنين!

ثم لعلّ الشفاعة لا تنالنا في القيامة أيضا الاّ بعد آماد طويلة وبعد التعرّض لأشكال من العذاب الذي لا يطاق، كما اشارت بعض الأحاديث الشريفة إلى ذلك[12].

فهي الأماني الشيطانية إذن تصدّ الإنسان عن العمل الصالح، وتجعله يرحل عن هذه الدنيا إمّا مسلوب الإيمان أو مثقلا بمختلف الأعباء، فيسقط في الشقاء والتعاسة.

5. رحمة الله ومسؤولية الإنسان في الاستفادة منها

وتارة يحرمه من الرحمة، إذ يمّنيه بسعة رحمة أرحم الراحمين، فيغفل الإنسان عن أن بعث الرسل والكتب وإرسال الملائكة والوحي والإلهام للأنبياء وهداة السبيل، كلها تمثل مظاهر رحمة أرحم الراحمين، فرحمة الحق تعالى وسعت العالم بأسره، ونحن على شاطئ ينبوع الحياة لكننا نهلك أنفسنا عطشا.

وأعظم مصاديق تلك الرحمة الإلهية هذا القرآن الكريم، فإذا كنت طامعا برحمة أرحم الراحمين راجيا الرحمة الواسعة فانتفع بهذه الرحمة النازلة، القرآن الكريم، الذي فتح طريق الوصول إلى السعادة وأوضح ما يردي في الهاوية مما يؤدي إلى سلوك الجادة الواضحة، لكنك أنت -أيها الإنسان- تسقط نفسك في الهاوية وتسلك الطرق الوعرة. وأين القصور في الرحمة من هذا؟ فهو الإنسان إذن يردي نفسه المهالك غير ملتفت إلى دور الأنبياء (ع).

إن الهداية لطريق الخير والسعادة لو كانت ممكنة بكيفية أخري لقام بتوضيحها الأنبياء والرسل بمقتضى اتساع الرحمة وسعتها، ولوكان ممكنا تشخيص طريق السعادة والخير للناس بشكل آخر لأشاروا إليه وبمقتضى سعة رحمة الباري تبارك وتعالى، ولوكان ممكنا إيصال الناس إلى السعادة كرها لفعلوا (ع).

ولكن هيهات! فطريق الآخرة، طريق لا يمكن طيه الاّ بخطى الإختيار، والسعادة لا تتحقق بالإجبار، والفضيلة والعمل الصالح ليسا فضيلة ولا عملا صالحا إذا جردا عن الإختيار، ولعلّ هذا هو ما تشير إليه الآية الكريمة {لاٰ إِكرٰاهَ فِي الدِّينِ}[13].

نعم! إن ما يمكن إعمال الإكراه والإجبار فيه إنما هو شكل الدين الإلهي لا حقيقته، والأنبياء (ع) كانوا مكلفين بفرض هذا الشكل على الناس بأية طريقة ممكنة، ليتسنّى أن تصبح صورة العالم هي صورة العدل الإلهي، وإتاحة الفرصة للإرشاد أن يتسرب إلى بواطن الناس فيطووا طريقه باختيارهم، ويصلوا السعادة.

وعموما فإن تعزير الشيطان هو الذي يحرم الإنسان من الرحمة نتيجة الطمع فيها.

نفحات أهل البيت في حضور القلب

نكتفي في هذا الفصل بذكر بعض من هذه الأحاديث:

– روي عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: «أعبد اللّه كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فإنه يراك» [14].

يستفاد من هذا الحديث الشريف مرتبتان من مراتب حضور القلب:

المرتبة الأولى لحضور القلب: يكون السالك فيها مشاهدا لجمال الجميل، مستغرقا في تجليات حضرة المحبوب، بحيث ان مسامع القلب تصمّ عن الموجودات الاخري، وتنفتح عين البصيرة على الجمال الخالص لذي الجلال، فلا يشاهد غيره ويكون مشغولا بالجملة بالحاضر تعالى غافلا عن الحضور والمحضر أيضا.

المرتبة الثانية لحضور القلب: وهي دون المقام المتقدم، ويرى السالك فيها نفسه حاضرا في المحضر الإلهي، مراعيا أدب الحضور والمحضر.

فالرسول الاكرم (ص) يقول: إنك لواستطعت، فكن من أهل المقام الأول وأقم عبادة اللّه بذلك النحو، وإلاّ فلا تغفل عن كونك في محضر الربوبية. فالحضور بين يدي الحق تعالى أدب تعدّ الغفلة عنه ابتعادا عن مقام العبودية.

وقد وردت الإشارة إلى هذا المعنى في الحديث الشريف الذي رواه أبوحمزة الثمالي (ره)، يقول فيه: «رأيت علي بن الحسين (ع) يصلّي، فسقط رداؤه عن منكبه، فلم يسوّه، حتى فرغ من صلاته، فسألته عن ذلك فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت»؟ [15].

كما روي عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: «إن الرجلين من أمتي ليقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد، وإن ما بين صلاتيهما ما بين السماء والأرض» [16]. وعنه (ص) «أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل اللّه وجهه إلى وجه حمار» [17]. وعنه أيضا «من صلّى ركعتين لم يحدّث نفسه بشيء من الدنيا غفر اللّه له ذنوبه» [18]. وعنه «إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر. وإن منها لما تلفّ لما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها، ومالك من صلاتك الاّ ما أقبلت عليه بقلبك» [19].

وعن الباقر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر اللّه إليه [أو قال أقبل اللّه عليه] حتى ينصرف، وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحفّه من حوله إلى أفق السماء، ووكل اللّه به ملكا قائما على رأسه يقول: أيها المصلي لوتعلم من ينظر إليك ومن تناجي، ما التفت ولا زلت من موضعك أبدا[20].

وعن الصادق (ع) قال: «لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة، فإذا صليت فأقبل بقلبك إلى اللّه عزّ وجلّ، فإنه ليس من عبد يقبل بقلبه على اللّه عزّ وجلّ في صلاته ودعائه إلاّ أقبل اللّه عليه بقلوب المؤمنين وأيّده مع مودّتهم إيّاه بالجنة» [21].

وعن الباقر والصادق (ع): «إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها، فإن أوهمها كلّها، أوغفل عن آدائها، لفّت فضرب بها وجه صاحبها» [22].

وعن باقر العلوم (ع): «إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها أوثلثها أو ربعها أو خمسها، فما يرفع له إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنّما أمرنا بالنافلة ليتمّ لهم ما نقصوا من الفريضة» [23].

وعن الصادق (ع): «إذا أصرمت في الصلاة فأقبل عليها فإنك إذا أقبلت أقبل اللّه عليك، وإذا أعرضت أعرض اللّه عنك، فربما لم يرفع من الصلاة إلا الثلث أو الربع أو السدس على قدر المصلي على صلاته ولا يعطي اللّه الغافل شيئا» [24].

وعن رسول اللّه (ص): «يا أباذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلةٍ والقلب لاهٍ [ساهٍ][25].

النتيجة

إن لقلب السالك عقدة، فمن أجل فكّ هذه العقدة والوصول على حضور القلب، لابدّ أن يتعلم القلب من اللسان، ويذكر المعاني الظاهرية من قبيل الوعد والوعيد والأمر والنهي، والعلم بالمبدأ والمعاد في بداية السير، فبعد انفتاح عقدة القلب يصبح القلب ذاكرا واللسان يذكر بذكره، ويتحرك تبعا له في نهاية السير.

 

الهوامش

[1] – إشارة إلى كتاب «سرّ الصلاة» الذي أتمّ سماحة الإمام تأليفه في الحادي والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1358 هجري.

[2] – كتاب الأربعين: «شرح لأربعين حديثا» من آثار المؤلف التي تمّ تأليفها في محرم الحرام عام 1358 هجري.

[3] – التحريم: 6.

[4]– فيض الكاشاني، علم اليقين في أصول الدين: ج2، ص1061 باختلاف يسير.

[5] – العنكبوت: 45.

[6] – الإسراء: 14.

[7] –  راجع الفروع من کلینی، الكافي: كتاب الصلاة – بابفضل الصلاة، ج3، ص265.

[8] –  کلینی، الكافي، ج3، ص265.

[9] –  مريم: 39.

[10] – الزمر: 56.

[11] – إشارة إلى الحديث المروي عن عمروبن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني سمعتك وأنت تقول: كلّ شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم؟ قال: صدقتك كلّهم واللّه في الجنة، قال قلت: جعلت فداك إن الذنوب كثيرة كبار؟ فقال: أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أووصي النبي ولكني أتخوف عليكم في البرزخ. قلت: وما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة. راجع الفروع من الكافي: ج3، ص 242، وعلم اليقين للفيض الكاشاني: ج2، ص1051.

[12] – راجع مجلسي، بحار الأنوار، ج8، ص362.

[13] – البقرة: 256.

[14] – المجلسي، بحار الأنوار: ج74، ص74 والطبرسي، مكارم الأخلاق، ص459.

[15] –  الحر العاملي، وسائل الشيعة (كتاب الصلاة – أبواب افعال الصلاة)، باب3، ح3، ج4، ص319.

[16] – المجلسي، بحار الأنوار: ج81، ص249.

[17] – النوري، مستدرك الوسائل (كتاب الصلاة – أبواب أفعال الصلاة)، باب2، ح20، ج5، ص315.

[18] – النوري، مستدرك الوسائل (کتاب الصلاة)، ح13، ج5، ص314.

[19] – المجلسي، بحار الأنوار: ج81، ص260.

[20] – النوري، مستدرك الوسائل (كتاب الصلاة – أبواب أفعال الصلاة)، باب2، ح22، ج5، ص315.

[21] – الحر العاملي، وسائل الشيعة: كتاب الصلاة – أبواب أفعال الصلاة – باب3، ح3 ج5، ص687.

[22] – الحر العاملي، وسائل الشيعة، باب3، ح1، ج5، ص319.

[23] – الصدوق، علل الشرائع، باب24، ح2، ص328.

[24] – النوري، مستدرك الوسائل (كتاب الصلاة – أبواب أفعال الصلاة)، باب3، ح7، ج5، ص321.

[25] – الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص465، وعنه المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص82.

 

مصادر البحث

  1. القرآن الكريم
  2. الحر العاملي، محمد بن الحسن؛ النوري، ميرزا الحسين، وسائل الشيعة ومستدركها، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين، 1426ق، الطبعة الثانية.
  3. الخميني، روح الله، سرّ الصلاة ومعراج السالكين وصلاة العارفين، الأربعون حديثا، طهران، مؤسسة التنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، 1358ق = 1378ش، الطبعة السادسة.
  4. الصدوق، علل الشرائع، النجف الأشرف، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، 1386ق- 1966م.
  5. الطبرسي، الحسن بن الفضل، مکارم الأخلاق، قم، نور الزهراء (س)، 1390ه‍ ش، الطبعة السادسة.
  6. فيض الكاشاني، محمد بن شاه مرتضى، علم الیقین في أصول الدين، قم، مؤسسه بيدار، 1418ق = 1377ش.
  7. الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1365هـ ش، الطبعة الرابعة.
  8. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 ه‍ ق. الطبعة الثالثة.

 

مصدر المقالة (مع تصرف)

الموسوي، الإمام الخميني، آداب الصلاة، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قدس سره، الشؤون الدولية، الطبعة السادسة، 2003م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *