عرض موجز لبعض فرق الشيعة وأسباب انقسامهم

عرض موجز لبعض فرق الشيعة وأسباب انقسامهم

2025-03-08

67 بازدید

انقسمت الشيعة إلى طوائف وفرق متعددة، ويرجع سبب هذا الانقسام إلى الضغوط التي واجهتهم، وعدم قدرتهم على الالتقاء بأئمة أهل البيت (ع)، وقد استغل بعض المنافقين هذه الظروف كوسيلة لتفريق صفوف الشيعة وزعزعة وحدتهم.

أسباب انقسام الشيعة

قد تحدث عن أسباب انقسامهم الدكتور عبد الرزاق محيي الدين: وكانت الفكرة – أي فكرة التشيع – معرضة دائماً إلى التهديد من جانب الخلفاء، مما حمل أصحابها إلى التنادي بها في خفاء وستر، وإلى العمل بها بعيدة عن الآفاق الضاحية المتحررة، ورأي يعمل به في السر لابد أن يتعرض في نفسه إلى كثير من البلبلة، وإلى غير قليل من الانقسام في أعيان الأئمة وفي عددهم، ولهذا كثرت الفرق الشيعية واختلفت فيما بينها.

وزاد الطين بلة أن خصومهم من الأمويين والعباسيين يملكون من وسائل القوة والدعاية ما لا قبل لهؤلاء به، فأكثروا من القول في مذاهبهم، ونسبوا إليهم ما قد يكونوا براء منه، وما لو مكنوا من الافصاح عنه لبرأوا منه، ولنفوه عن مقالتهم.

فإذا أضفنا إلى ذلك خوف أئمة الإمامية أحياناً من الجهر بمقالتهم وانزوائهم بحكم الحجر عليهم عن أتباعهم، والعمل بالتقية التي قد تقضي على الإمام أن يجاري أهل السنة في فقههم أو في أصول عقائدهم، ثم جهل عدد كبير من الشيعة بأصول المذهب الإمامي[1].

إن هذه العوامل التي ذكرها الأستاذ محيي الدين هي التي أوجبت انقسام الشيعة إلى فرق وطوائف، واختلافهم في أعيان الأئمة وعددهم.

عرض موجز لبعض فرق الشيعة

١- الإمامية

من فرق الشيعة، تمسكت بجوهر الإسلام وواقعه، وسايرت موكب العترة الطاهرة (ع) ودانت بجميع ما أثر عنها في أصول الإسلام وفروعه، حتى عرف مذهبها بمذهب أهل البيت، وهي تمتاز عن بقية المذاهب الإسلامية بما يلي:

١- إنها فتحت آفاق العقل، ولم تجعله بمعزل عن واقع الحياة، وجعلت مدركاته إحدى الأدلة الأربعة التي يستنبط منها الفقيه الحكم الشرعي، كما جعلته حاكماً في الأخبار المتعارضة، فما اتفق منها مع حكمه كان حجة، وما شذ عنه فهو زخرف، وبذلك كانت من أشد الطوائف الإسلامية وغيرها عناية بحكم العقل وتحرره، وتحكيمه في جميع الأحداث.

٢- إنها فتحت باب الاجتهاد ولم تغلقه، وبذلك فقد ساير فقهها تطور الزمن، وعالج جميع الأحداث المستجدة التي لم يرد فيها نص، وقد أوجب ذلك تطوراً هائلاً في الفقه الشيعي، واحتل الصدارة في الفقه الإسلامي من حيث جدته وعمقه وتطوره، وقد نالوا بذلك إعجاب رجال الفقه والقانون في العالم.

يقول الأستاذ محمد أبو زهرة: وأنهم – أي الشيعة – لم يخضعوا لنظام السلطة في غلق باب الاجتهاد، ولم يكن تعليمهم يدخل تحت نظام الدولة، ولم تخضع مدارسهم لذلك المنهج الذي سارت عليه أكثر المدارس الإسلامية، بل ساروا على منهج أهل البيت في عدم مؤازرة الدولة، وباب الاجتهاد عندهم لم يغلق، ولا زال مفتوحاً، وهذا مما يفاخر به الشيعة سائر جماعات المسلمين اليوم[2].

3- إنها تملك تراثاً ضخماً مما أثر عن أئمتهم (ع)، وهو حافل بجميع مقومات النهوض والارتقاء، ففيه عرض رائع لقواعد الآداب والسلوك والاجتماع، والحكم والأخلاق كما عرض إلى الأسس الخلاقة للتطور الاقتصادي والاجتماعي للأمة، وعنى بالشؤون الإدارية والسياسية، وغيرها من المقومات الفكرية والاجتماعية لحياة الإنسان وحضارته.

وقد عرض إلى ذلك كله نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين، وهو أجل كتاب بعد القرآن، وهو يشتمل على رصيد هائل من العلوم، وبصورة جازمة أنه لم تكتشف بعض أسرار فصوله، خصوصاً فيما يتعلق بخلق السماوات وغيرها، فإنّها لا تزال غامضة عند الكثيرين من شراح كلامه (ع)، وعند الشيعة الصحيفة السجادية التي هي إنجيل آل محمد وهي حافلة بأروع تراث فكري لم تجد له الإنسانية مثيلاً.

وهذا الكتاب العظيم من أدعية الإمام علي زين العابدين، وله رسالة الحقوق، وقد عنت بذكر حقوق الأمة على الدولة وبحقوق الدولة على الأمة، وحقوق أفراد المجتمع فيما بينهم، وهو على إيجازه من أجل ما ألف في الإسلام.

وإذا استعرضنا مما أثر عن الإمام الصادق وبقية أئمة أهل البيت (ع)، فإنا نجد سيلاً من العلوم والفنون قد فتقوا أبوابها، ووضعوا أسسها، كعلم النبات والكيمياء والطب، وغيرها من العلوم التي ساهمت في تطور الحياة العلمية والفكرية في تلك العصور، وامتدت موجاتها إلى بقية العصور.

إن الطائفة الإمامية بكل اعتزاز وفخر تملك أضخم تراث علمي لا تملكه أي طائفة أخرى، سواء أكانت دينية أم من ذوي المذاهب الاجتماعية.

4- إنها عنت بفلسفة الحكم بصورة موضوعية وعميقة، فقد التزمت بالإمامة، وهي إنما تهدف إلى الحكم الصالح الذي جاء به الإسلام، وهو بجميع خطوطه العريضة مبني على العدل الخالص، والحق المحض الذي تتطور به الأمة في مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية، وتصان في ظلاله جميع حقوقها ومصالحها.

إن فلسفة الإمامة التي تذهب إليها الشيعة الإمامية إنما تعني بشكل إيجابي وبناء سياسة الحكم في البلاد، فهي تقوم عندهم على أساس وثيق من العدل لا يمكن بأي حال أن ينفذ خطوطه وأهدافه إلا الإمام المعصوم الذي لا يخضع لمنطق العاطفة والميول، وإنما يسير على وفق منطق الصالح العام، وقد رأينا ذلك في حكومة الإمام علي (ع)، فقد سار بين المسلمين بسياسة لم يشاهد المسلمون وغيرهم نظيراً لها في جميع مراحل التاريخ، عدلاً في الرعية، ومساواة بين الناس، وتنكراً للمصالح الفردية الخاصة، وغير ذلك مما لم يؤثر بعضه عن أي حاكم في الإسلام.

وعلى أي حال، فالإمامة بشكلها الموضوعي عند الإمامية تقوم على أساس عميق من الوعي والإدارك، وهي مدعمة بأروع الأدلة وأوثقها من الكتاب والسنة، وحكم العقل حسب ما دلّل عليه متكلموهم.

5- إنها تبرأ من الغلو في الأئمة (ع)، وتحكم بأنه مروق من الدين.

هذه بعض الأمور الجوهرية التي تمتاز بها الإمامية على بقية طوائف الشيعة.

٢- الكيسانية

من فرق الشيعة، هم أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي، وإنما سميت بذلك نسبة إلى كيسان. قيل: إنه اسم المختار، سماه بذلك محمد ابن الإمام أمير المؤمنين، حينما عهد إليه بالطلب بثأر سيد الشهداء[3]، وقيل غير ذلك.

وتذهب هذه الفرقة إلى أن الإمام بعد الحسين (ع) هو محمد، وأنه هو المهدي ـ الذي بشر به الرسول الأعظم (ص) ـ الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، وأنه حي لا يموت، وقد غاب في جبل رضوى ومعه عسل وماء.

وفي ذلك يقول السيد الحميري:

أَلَا إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ ** ولاةُ الْحَقِّ أَرْبَعَةٌ سَواءُ

علِيٌّ وَالثَّلاثَةُ مِنْ بَنِيهِ ** هُمُ الْأَسْبَاطُ لَيْسَ بِهِم. خفاء

فَسِبْطُ سِبْطُ إِيمَانٍ وَبِرَّ ** وسيط غَيْبَتْهُ كَرْبَلاءُ

وَسِيطٌ لَا يَذوقُ الْمَوْتَ حَتَّى ** يقودَ الْخَيْلَ يَتْبَعُهُ اللواء

تغيب لا يُرى فيهِمْ زَماناً ** بِرَضُوى عِنْدَهُ عَسَلٌ وماء[4]

وغالى بعضهم فقال: إن ابن الحنفية هو الإمام بعد أمير المؤمنين دون الحسنين (ع)، وأن الحسن إنما دعا في الباطن إليه بأمره، والحسين إنما ظهر بالسيف بإذنه، وأنهما كانا داعيين إليه، وأميرين من قبله[5].

وتعتقد الكيسانية بتناسخ الأرواح من جسد وحلولها في جسد آخر، وهذا الرأي مأخوذ من الفلسفة الهندية التي ذهبت إلى ذلك، ولم يقولوا بالتناسخ على الإطلاق، وإنما خصوه بالأئمة فقط.

وقد انعدمت هذه الطائفة، ولم يكن لها أتباع في جميع الأقاليم الإسلامية.

3- الزيدية

من فرق الشيعة، وبنت اطارها العقائدي على الثورة لإزالة حكم البغي، وإقامة حكم العدل، وقد ذهبت إلى أن كل من يخرج بالسيف من العلويين فهو إمام مفترض الطاعة، وأن كل من ادعى الإمامة وهو مقيم في بيته مرخى عليه ستره، فلا يجوز اتباعه، ولا يجوز القول بإمامته[6].

وأكبر الظن أنهم إنما ذهبوا إلى ذلك نظراً لما لاقته الشيعة في تلك الأدوار الرهيبة من الجور والاضطهاد، فقد حكمت السلطة الأموية على أن حب أهل البيت (ع) كفر ومروق من الدين، وإلى ذلك يقول الشاعر الكميت:

يشيرُونَ بِالْأَيْدِي إِلَيَّ وَقَوْلَهُمْ ** الا خابَ هذا وَالمُشيرونَ أَخْيبُ

فَطَائِفَةٌ قَدْ كَفَرَتْنِي بِحُبِّكُمْ ** وَطَائِفَةٌ قالوا مُسِيءٌ وَمُذْنِبُ

وقَالُوا تُرابِي هَواهُ وَرَأَيْهُ ** على حُبِّكُمْ بَلْ يَسْخِرُونَ وَأَعْجَبُ

يعيبونني مِنْ خِبَّهِمْ وَضَلَالِهِمْ ** بِذلِكَ أَدْعَى فِيهِمُ وَالْقُبُ

وقد خلقت هذه الاجراءات الظالمة في نفوس الشيعة أعظم الأثر، فدفعتهم إلى الإيمان بالثورة كقاعدة أساسية لبناء كيانهم العقائدي، وقد ذهبت الزيدية إلى ذلك فآمنت بأن الثائر العظيم زيد بن علي هو الإمام، ومن بعده ولده يحيى الذي اقتدى بأبيه في رفع علم الثورة على الحكم الأموي، ولم يتعبدوا بالنص الذي هو قاعدة أساسية للإمامة عند الشيعة.

ورفضوا القول بإمامة أئمة الهدى المنصوص عليهم لأنهم لم يتجاوبوا معهم في إعلان الثورة على الحكم الأموي، وكان عذرهم في ذلك أن المقاومة الإيجابية لا تجدي، وأنها فاشلة، وتجر إلى المسلمين أعظم المصاعب والخطوب، وقد أقروا المقاومة السلبية للسلطة، وحرموا التعاون معها.

ولقد اعتقدت الزيدية بإمامة زيد لأنه قد ناهض الأمويين، وقد انطلق إلى ساحات الجهاد وهو يقول: ما كره قوم حر السيوف إلا ذلوا، وكان هذا شعار الزيديين.

٤- الفطحية

من فرق الشيعة، ذهبت إلى القول بانتقال الإمامة من الإمام الصادق (ع) إلى ولده عبد الله الأفطح، وهو أخو إسماعيل لأمه وأبيه، وكان أسن أولاد الإمام، وقد استدلوا على دعواهم بحديث أخذوا أوله، وتركوا آخره، وهو قول الإمام الصادق (ع): إِنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْوَلَدِ الْأَكْبَرِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِ عَاهَةٌ، وعبد الله كان من ذوي العاهات، فقد كان أفطح الرأس – أي عريضه، وقيل كان أفطح الرجلين.

وقد أضاف إليه أتباعه بعض المناقب والمآثر، ولم يعش عبد الله بعد وفاة أبيه إلا سبعين يوماً، ولم يعقب ولداً ذكراً[7].

5- السمطية

من فرق الشيعة، زعموا بأن الإمام بعد جعفر بن محمد ولده محمد، ثم هي في ولده من بعده، وقد نسبوا إلى أحد رؤسائهم وهو يحيى بن أبي سميط[8].

وقيل: إنّه يحيى بن شميط، وكان من قادة جيش المختار الثقفي[9].

وقد زعم هؤلاء أن الإمام المنتظر في أولاد محمد بن جعفر.

٦- الخطابية

من فرق الشيعة، وهم أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع، وقد خرجوا في حياة الإمام الصادق (ع)، فحاربوا عيسى بن موسى، وكان عاملاً على الكوفة، وكانوا سبعين رجلاً، فقتلهم جميعاً، ولم يفلت منهم إلا رجل واحد، أصابته جراحات كثيرة، فعد في القتلى، فتخلص وبرأ من جرحه، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال، وأسر أبو الخطاب زعيم هذه الطائفة، فجيء به إلى عيسى بن موسى، فأمر بقتله، فقتل في دار الرزق على شاطئ الفرات وصلبه مع جماعة من أصحابه، ثم أمر بإحراقهم فأحرقوا، وبعث برؤوسهم إلى المنصور فصلبها على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام ثم أحرقها.

وقال بعض أتباع أبي الخطاب: إنه لم يقتل لا هو ولا أصحابه، وإنما شبه عليهم، كما زعموا أنهم إنما حاربوا بأمر من الإمام الصادق (ع)، وأن الإمام أرسل أبا الخطاب نبياً إلى الناس[10].

7- الناووسية

ذهبت إلى أن الإمام جعفر الصادق (ع) حتي لم يمت، ولا يموت، وهو القائم المهدي، ولقبت هذه الفرقة بـ (الناووسية) لأن رئيسها يقال له (عجلان ابن ناووس) من أهل البصرة[11].

8- الإسماعيلية

من فرق الشيعة، ذهبت إلى أن الإمام بعد الصادق (ع) هو ولده إسماعيل، وأنكروا موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: لا يموت حتى يملك[12].

وقد حارب الإمام الصادق (ع) هذه الفكرة في حياته، ولما توفي ولده إسماعيل أحضر جماعة من أصحابه وأشهدهم على موته.

وأصرت الإسماعيلية على جحود موت إسماعيل، وأن الإمام الصادق (ع) إنما كتب محضراً بوفاة ولده إسماعيل، وطلب الاشهاد عليه من قبل الشيعة، لأنه شعر بالأخطار التي تهدد حياة ولده الذي نص عليه بالإمامة – حسب ما يقولون – وأصبح ولياً لعهده، وأوعز إليه بالاستتار.

وفور قيام الإمام الصادق (ع) بذلك خرج إسماعيل مختفياً من يثرب، واتجه إلى دمشق، وقد علم المنصور بذلك، فكتب إلى عامله أن يلقي القبض عليه، ولكن عامله كان اعتنق المذهب الإسماعيلي، فعرض الكتاب على إسماعيل، فخرج من دمشق واتجه نحو العراق، ويدعون أنه شوهد بالبصرة عام ١٥١هـ، وأنه مر على مقعد، وكان مريضاً فشفاه الله بإذنه، وقد لبث إسماعيل ينتقل سراً بين أتباعه حتى توفي بالبصرة عام ١٥٨هـ، وقد رزق من الأولاد محمد وعلي وفاطمة، وقد نص على إمامة ولده الأكبر محمد بحضور نخبة من الدعاة المخلصين.

ولم تؤيد المصادر التاريخية الموثوق بها هذه المزاعم، فقد أجمعت على وفاته في حياة أبيه.

والذي يلاحظ العقيدة الإسماعيلية يراها طافحة بالغلو والإفراط في الحب لأئمتهم، وقد اعتبروا إمامهم الحاضر الشاب كريم شاه الحسيني النبراس الكوني الموجود في كل الوجود، ومنجي النفوس من الشقاء الأبدي، وقائد العالم إلى الحقيقة المثلى.

٩- الواقفية

وهي الطائفة الضالة المارقة من الدين، التي نهبت أموال المسلمين، وقد ادعت أن الإمام موسى (ع) حتي لم يمت ولا يموت، وأنه رفع إلى السماء كما رفع المسيح عيسى بن مريم (ع)، وأنه هو القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، وزعموا أن الذي في سجن السندي بن شاهك ليس هو الإمام موسى (ع)، بل إنه شبه وخيل إليهم أنه هو، ولا بد لنا من التعرض ولو إجمالاً لبعض شؤون هذه الطائفة، وفيما يلي ذلك:

سبب الوقف

ويعود السبب في وقف هؤلاء على الإمام الكاظم (ع) وإنكارهم لموته وأن الإمام لما كان في ظلمات السجون نصب وكلاء له على قبض الحقوق الشرعية التي ترد إليه من بعض المؤمنين، وقد اجتمعت أموال ضخمة عند بعضهم، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، وهكذا عند غيرهم.

فلما توفي الإمام (ع) جحد هؤلاء القوم موته، واشتروا بالأموال المودعة عندهم الضياع والدور واستأثروا بها، وقد طلبها منهم الإمام الرضا (ع) فأبوا أن يدفعوها له، وأنكروا موت أبيه[13].

وذكر الحسين بن محمد: إنه اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعرة من زكاة أموالهم وبقية الحقوق الأخرى، فحملوا تلك الأموال إلى وكيلين للإمام موسى بالكوفة، أحدهما حيان السراج، وكان الإمام (ع) آنذاك في السجن، فلما قبضا الأموال اشتريا بها الدور والغلات.

ولما قبض الإمام أنكرا موته وأذاعا أنه لا يموت، وأنه هو القائم المنتظر[14].

لكن بعضهم رجع إلى طريق الحق والصواب، فدفع الأموال التي اختلسها إلى الإمام الرضا (ع) وأقر بإمامته.

انتشاره

وانتشر مبدأ الوقف واعتنقه خلق كثير من الناس، وكان منهم عدد كبير من أصحاب الإمام (ع) ورواة حديثه، والسبب في انتشار هذه الفكرة أن الذين كانوا يبشرون بها قد عرفوا من قبل بحسن السيرة والحريجة في الدين، فأغروا بسطاء الشيعة بذلك وأضلوهم إلى حد بعيد، كما بذلوا الأموال الطائلة بسخاء في شراء الضمائر.

فقد حدث يونس بن عبد الرحمن، قال: «مات أبو إبراهيم موسى وليس من قومه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعاً في الأموال، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلما رأيت ذلك وتبينت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (ع) ما عرفت تكلمت ودعوت الناس إليه، فبعثا – أي زياد وعلي – إلي وقالا ما يدعوك إلى هذا؟

إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا لي: كف، فأبيت وقلت لهما: إنا روينا عن الصادقين (ع) أنهم قالوا: إِذا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نورَ الْإِيمَانِ، وَما كُنْتُ لأَدَعَ الْجِهَادَ فِي أَمْرِ اللَّهِ عَلَى كل حال، فناصباني وأضمرا لي العداوة[15].

بمثل هذه الأساليب والمغريات انتشر مبدأ الوقف، ولكن ما لبث أن تحطم وانكشف زيفه للمؤمنين، وظهر دجل دعاته.

شجب الأئمة (ع) لهم

وردت أخبار كثيرة من أئمة أهل البيت (ع) في شجب فكرة الوقف والطعن بقادته، ورد أحاديثهم، وتحذير الناس من أضاليلهم.

فقد ذكر الحكم بن العيص، قال: دخلت مع خالي سليمان بن خالد على الصادق (ع) فقال: مَنْ هذا الْغُلامُ؟ وأشار لي.

ـ ابن أختي.

ـ هَلْ يَعْرِفُ هذا الأَمْرَ؟ يعني الإمامة.

ـ نعم.

ـ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْهُ شَيْطَانَاً، أَعَوَّذُ وَلَدَكَ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ شِيعَتِنا.

ـ وما تلك الفتنة؟

ـ إِنْكَارُهُمُ الْأَئِمَّةَ وَوُقوفُهُمْ عَلَى ابْنِي مُوسى، يُنْكِرُونَ مَوْتَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا إِمَامَ بَعْدَهُ، أُولَئِكَ شَرُّ الْخَلْقِ[16].

وقال الإمام الكاظم (ع) لعلي بن أبي حمزة البطائني – أحد أعلام الواقفية -: يا عَلِيٌّ، إِنَّمَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَشْبَاهُ الْحَمِيرِ[17].

وكتب بعض الشيعة إلى الإمام الرضا (ع) يسأله عن الواقفة، فأجابه: «الْواقِفُ حَائِدٌ عَنِ الْحَقِّ، وَمَقيمٌ عَلَى سَيِّئَةٍ، إِنْ مَاتَ بِها كَانَتْ جَهَنَّمُ مَأْواهُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[18].

وسأله بعضهم عن جواز إعطاء الزكاة لهم، فنهاه عن ذلك، وقال: إِنَّهُمْ كُفَّارٌ مُشْرِكُونَ زَنَادِقَةٌ[19].

ووردت أخبار كثيرة من أهل البيت (ع) في ذمهم والقدح في رواياتهم ولزوم الابتعاد عنهم، وأنهم مشركون لا صلة لهم بالإسلام، ولا علاقة لهم بأهل البيت (ع).

وعلى هذا فلا ينبغي عد هذه الطائفة ولا بعض الطوائف المتقدمة من الشيعة، فإن بعضها قد أنكر بعض أصول الدين، كالخطابية الذين زعموا بأن الصادق (ع) أرسل أبا الخطاب نبياً إلى الناس.

ومع هذا كيف يصح عد هذه الفرقة وأمثالها من الشيعة التي تعبد الله وحده لا شريك له، وتعتقد بأن النبي (ص) هو خاتم النبيين.

إن عد بعض هذه الطوائف من الشيعة التي لا تقول بالتوحيد إنما هو ظلم صارخ لهذه الطائفة التي اعتنقت الإسلام وآمنت بجميع ما أنزل الله، وبذلت المزيد من الجهود في سبيل إعلاء كلمة التوحيد.

وعلى أي حال، فإنّ الواقفية لسوء حالهم، وازدراء أهل البيت (ع) بهم لقبوا بالممطورة تشبيهاً لهم بالكلاب، وأنهم إنّما ابتدعوا فكرة الوقف طمعاً بالأموال التي اختلسوها من الشيعة، وقد بادت هذه الطائفة واندرست معالمها وآثارها.

هذه بعض الفرق التي حسبت على الشيعة وعدت منها، وهناك بعض الفرق الأخرى نشأت ونمت في ذلك العصر وما بعده، وأن أكثرها لا يلتقي مع مبدأ التشيع الذي بني على التوحيد والإيمان بجميع ما جاء به الإسلام.

١٠- القرامطة

الحقت هذه الفرقة بالشيعة، وهي لم تكن منها، بل ولا تحمل طابع الإسلام، وقد سميت بهذا الاسم لأن رئيسهم كان يلقب «قرموطيه» فسميت به، وقد زعموا أن الإمام بعد الصادق هو حفيده محمد بن إسماعيل، وأنه حي لم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض، وينشر العدل والخير في ربوع العالم، وأنه هو المهدي الذي بشر به النبي (ص)[20].

وقد ظهرت شوكتهم في خلافة المعتضد بالله العباسي، فثاروا على الحكومة القائمة، واستولوا على كثير من المناطق الإسلامية، ولهم معتقدات خاصة لا تتفق مع مبادئ الإسلام، وقد ذكرت أخبارهم وأيامهم في كثير من المصادر التاريخية.

الاستنتاج

أن فرق الشيعة تفرقت إلى طوائف متعددة، وذلك نتيجة الضغوط التي واجهتهم وصعوبة الالتقاء بأئمة أهل البيت (ع)، ومن بين هذه الطوائف: الكيسانية، الزيدية، الإمامية، الفطحية، السمطية، الخطابية، الناووسية، الإسماعيلية، الواقفية، والقرامطة.

الهوامش

[1] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت، ج29، ص196.
[2] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت، ج29، ص200.
[3] السيّد المرتضى، الفصول المختارة، ص٢٩٦.
[4] الشهرستاني، الملل والنحل، ج١، ص٢٤١.
[5] الخاقاني، رجال الخاقاني، ص۱۲۹.
[6] النوبختي، فرق الشيعة، ص٧٤.
[7] الشهرستاني، الملل والنحل، ج١، ص٢٧٤.
[8] الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۹۹.
[9] النوبختي، فرق الشيعة، ص۷۷.
[10] النوبختي، فرق الشيعة، ص٧١.
[11] البغدادي، الفرق بين الفرق، ص۲۰۷.
[12] الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۹۸.
[13] المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۲، ص۳۰۸.
[14] المجلسي، بحار الأنوار، ج٤٨، ص٢٦٦.
[15] المجلسي، بحار الأنوار، ج٤٨، ص٢٥٢، ح١.
[16] القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت، ج29، ص208.
[17] المجلسي، بحار الأنوار، ج٤٨، ص٢٥٥، ح ٩.
[18] المجلسي، بحار الأنوار، ج٤٨، ص٢٦٣، ح ١٨.
[19] المجلسي، بحار الأنوار، ج٤٨، ص٢٦٣، ح١٩.
[20]  النوبختي، فرق الشيعة، ص٨٣.

مصادر البحث

1ـ الأشعري، علي، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، بيروت، دار النشر فرانز شتاينر، الطبعة الأُولى، 1400 ه‍.
2ـ البغدادي، عبد القاهر، الفرق بين الفرق، بيروت، دار الجيل، الطبعة الأُولى، 1408 ه‍.
3ـ الخاقاني، علي، رجال الخاقاني، تحقيق محمّد صادق بحر العلوم، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية، 1362 ش.
4ـ السيّد المرتضى، علي، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأُولى، 1413 ه‍.
5ـ الشهرستاني، محمد، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الرابعة، 1415 ه‍.
6ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.
7ـ النوبختي، حسن، فرق الشيعة، بيروت، دار الأضواء، الطبعة الثانية، 1404 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

القرشي، باقر، موسوعة سيرة أهل البيت (ع)، تحقيق مهدي باقر القرشي، النجف، دار المعروف، الطبعة الثانية، 1433 ه‍، ج29، ص195 ـ ص211.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *